“مختصر كتاب”: الصحافة النسائية في الوطن العربي

يصعب الحديث عن الصحافة النسائية سواء تلك المتبوعة بإنتاج مواد تخص النساء أنفسهن أو من ناحية مساهمة المرأة في المهنة وتطورها لما آلت عليه في وقتنا الراهن، دون النظر إلى الصحافة بشكل عام، وجعل الصحافة النسائية جزء منها أو فرع يدور في فلك المهنة.

هذا ما تشير إليه دكتورة سمر كرامي، أستاذة الإعلام واللغة العربية في جامعة الجنان – طرابلس، خلال كتابها الصحافة النسائية في الوطن العربي، الذي نحن بصدد الحديث عنه، وترشيحه للقراءة لكل الصحفيين/ات، وعلى الأخص المهتمين بالأقسام المتعلقة بالمرأة والكتابة النسوية.

رصدت الكاتبة أنه بين المهن التي مارستها النساء في أواخر القرن العشرين، حظيت مهنة الصحافة بشعبية كبيرة. ففي الشرق العربي سجلت الصحافة النسائية ازدهارًا كبيرًا في مصر وسوريا ولبنان، خلال النصف الأول من ذلك القرن وبين عامي 1892 و1950، ظهرت نحو أربعين مجلة نسائية قامت المرأة بتأسيسها أو بتحريرها. 

وتضيف الكاتبة أنه بالرغم من تضاؤل عدد المجلات النسائية حاليًا في الأقطار العربية نسبيًا، فإن عدد النساء الصحافيات اللواتي يسهمن في تحرير المجلات والصحف قد تكاثر، 

على أن كثرة عددهن لم يمكنهن من النجاح في تبوء مراكز قيادية مسؤولة كرئاسة تحرير صحيفة سياسية مثلًا، وذلك ﻷسباب عديدة قد تتعلق بالميول الخاصة بالمرأة، أو بالعقلية السائدة في المجتمع والموروثات الاجتماعية التي تحاول أن تضع المرأة في أطر محددة.

إلا أن ذلك لا ينفي إطلاقًا أن النتاج الصحافي النسائي على اختلاف موضوعاته هو جزء من النتاج الفكري العام”. 

ولما كان التاريخ الإعلامي العربي قد أغفل إلى حد ما النتاج الإعلامي والأدبي للمرأة فهو أغفل بل أهمل أيضًا نتاجها الصحافي فلم يلحظ لها محطات تذكر، فجاء إلقاء الضوء على النتاج الصحافي منقوصًا. 

من هنا جاء اختيار هذا البحث الذي يحاول دراسة النتاج الصحافي النسائي من دون إغفال موضوع أن النهضة الصحافية عمومًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنهضة النسوية. 

هنا تسعى الدراسة إلى وصف النتاج الصحافي  النسائي وتحليله، من حيث المضمون واﻷهداف، بغية الكشف عن مميزاته وخصائصه. 

اختارت الكاتبة دكتورة سمر من أجل التركيز على هدف النتاج النسائي صحيفتي النهار والسفير، اللبنانيتين، بصفتهما من الصحف اليومية الأوسع انتشارًا في لبنان والأكثر تأثيرًا في النخبة، ولكونهما تختلفان في توجههما السياسي فضلًا عن أنهما تضمان عددًا كبيرًا من العاملين من صحافيين وصحافيات حيث يمكن التعرف إلى الواقع الحالي للمرأة الصحافية في لبنان من خلال العمل في هاتين الصحيفتين. 

من أجواء الكتاب: 

في العالم العربي تأخرت نشأة الصحافة بسبب تأخر دخول الطباعة إلى معظم أقطاره، علمًا بأن لبنان وسوريا ومصر والعراق هي من أوائل الدول العربية التي عرفت الصحافة والطباعة، وذلك مع أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.

وكانت الصحف العربية الأولى رسمية بمعنى أنها صادرة عن السلطات، وفي الربع الأخير من القرن التاسع وبداية القرن العشرين نشأت الصحافة الأهلية التي كانت في غالبيتها تعبر عن آراء فردية أو جماعات صغيرة وكانت مرآة تعكس المناخ السائد في مصر في ذلك الوقت الذي عرف بالدسائس والمؤامرات ضد الدولة العثمانية أو الرجل المريض فكانت الصحف المؤيدة للاحتلال البريطاني ضد الدولة العثمانية والصحف المعادية للاحتلال البريطاني.

أما وقد شهدت الأقطار العربية تغيرات جذرية بعد الحرب العالمية الأولى لجهة خضوعها للاستعمار الفرنسي أو البريطاني فقد ظهرت ثلاث مجموعات من الصحف الصحف الرسمية الناطقة بلسان السلطات والحكومات والصحف الموالية للاستعمار والصحف الوطنية المعادية للاستعمار، وقد ساهم النوع الثالث إلى حد كبير بحركة التحرر الوطني في العديد من الدول العربية. 

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد حصول العديد من الدول العربية على الاستقلال مع منتصف القرن العشرين اتخذت الصحافة منحى مختلفا فإلى جانب القضايا الخاصة بكل بلد عربي أولت الصحف العربية اهتمامها بقضايا عدة أبرزها القضية الفلسطينية.

مفهوم الصحافة النسائية

ولعل الباحث في مجال الصحافة النسائية لا يمكنه أن يقف عند تحديد أو تعريف دقيق لمفهوم هذه العبارة، برغم كثرة الدراسات عن تاريخ الصحافة النسائية من الناحية التوثيقية فقط وليست التحليلية.

فمن جهة أطلق بعض الكتاب والباحثين مفهوم الصحافة النسائية على المجلات التي تعني بشؤون المرأة، وترتبط موضوعاتها بقضايا نسائية كالموضة والتجميل والتدبير المنزلي وغيرها.

بمعنى أن الصحافة الموجهة إلى المرأة بينما أطلق البعض الآخر هذا المفهوم بشكل غير مباشر على الأقلام النسائية في الصحف والمجلات، وإن حاول هذا الفريق الخلط بين المفهومين.

الدكتور جورج كلاس في كتابه تاريخ الصحافة النسوية ربط ظهور الصحافة النسائية بظهور أول مقال صحافي كتبته مريانا المراش عام 1869 علمًا أن المقال لم يكن في صحيفة أو مجلة نسائية. 

أما الدكتور صلاح عبد اللطيف فقد ربط في كتابه “الصحافة المتخصصة” بين مفهوم الصحافة النسائية وظهور الصحف الموجهة إلى المرأة. وكذلك فعل معظم الباحثين أمثال جورج عارج سعادة في كتابه “النهضة الصحفية في لبنان” الذي أشار إلى أن ظهور الصحافة النسائية مرتبط بظهور أول صحيفة موجهة إلى المرأة. 

ولعل القاسم المشترك بين مختلف الآراء هو أن أول من أصدر صحيفة أو مجلة موجهة إلى المرأة كانت المرأة نفسها. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى