زينب توفيق: ضياع القلم وظهور التريند: صرخة صحفية في زمن الصحافة المعلبة

تشاركنا الصحفية زينب توفيق- صحفية بجريدة الأسبوع وموقع تليجراف مصر، بتدوينة بمناسبة يوم الصحفي المصري.

  • نص التدوينة:

ضياع القلم وظهور التريند: صرخة صحفية في زمن الصحافة المعلبة

في يوم الصحافة المصري، أقول وبكل صدق: ضاع قلم الصحفي، وبرز نجم “التريند” ليُسيطر على المشهد الإعلامي. في رحلة الكاتب الميدانية، كانت الأقلام والأوراق رفيقته الدائم، تُسطر حكاياته وتُوثق شهاداته، ثم جاءت الكاميرا، هاتفية أو منفصلة، لتُضيف الصورة إلى الكلمة، وتُكمل رواية الحدث. مع ظهور الكمبيوتر والكتابة الإلكترونية، لم تنتهِ متعة الكتابة، بل زادت مساحة الإبداع، فبات الصحفي يملك كلماته، يُعيد صياغتها ويُرتبها وفقًا لقوالب إبداعية وتقنيات مُتقنة، نهلها من دروس الصحافة وتجارب السنين. ولكن، سرعان ما اجتاحت موجة “الصحافة المعلبة” هذا العالم، لتُخرج لنا صحفًا لا روح فيها، خريجة صفحات الإنترنت و”التريند”. فما هي القيمة المضافة لموضوعات تُكتب خلال دقائق، تُجمع من بين صفحات التواصل الاجتماعي دون تمحيص أو تدقيق؟ أيّ رباط يربط الكاتب بتقريره المُسرّع، الذي لا يُفرق بين الصحيح والكاذب، بين الصادق والمُغرض؟ إنّها صحافة النقل الحرفي، صحافة “النسخ واللصق”، حيث يُصبح الصحفي مجرّد ناقل للمعلومات، والقارئ هو من يتحمل عبء البحث والتحقق. يُسارع الصحفي وراء “التريند” بحثًا عن الشهرة والانتشار، متجاهلًا قيمة الموضوع ومحتواه، مُستسلمًا لضغوط السوق ومتطلباته. فقد أصبحت “المهنية” عبئًا ثقيلًا، مُمزقة بين رغبات الجمهور ومتطلبات السوق، ولم تقتصر سيطرة السوق على “التريند” فحسب، بل امتدت لتُحدد طرق تناول الموضوعات، وتُقيم خطوطًا حمراء لا حصر لها. فمن أين ظهرت هذه “المحرمات” التي تُقيد حرية الصحفي وتُقيد إبداعه؟ ثلاث محظورات فقط تعلّمها الطالب في رحلته الجامعية: “مثلث الرعب” – الدين والجنس والسياسة – لكن الواقع يُقدم مئات الخطوط الحمراء التي تُخنق حرية التعبير. فالهروب إلى “التريند” واللجوء إلى “الصحافة المعلبة” أصبح الحل الوحيد للبقاء في هذا السوق المُسيطر، ولكن، إلى أين ستقودنا هذه الصحافة العارية؟ صحافة تُجرد من مهنيتها وأدواتها، تُقدم وجبة إعلامية مُعلبة لا تُغذي العقول ولا تُثري الروح، إنّها وصفةٌ مؤكدة لِخلق جيلٍ مُستهلك للمعلومات، فاقدٍ للقدرة على التفكير النقدي والتحليل. فلعلّ في ثنايا هذا الضياع، نُدرك قيمة القلم ونُعيد إحياء ثقافة الكتابة المُتأنية والبحث المُعمق، لعلّنا في عودة القلم، نُنفض غبار “الصحافة المعلبة” ونُنير دروب الحقيقة والإبداع. واليوم بمناسبة يوم الصحفي المصري، أتوجه بسؤالي إلى كلّ المؤسسات الصحفية ونقابة الصحفيين: ماذا عن مصير أمثالي الذين قضوا نصف أعمارهم في خدمة صاحبة الجلالة؟ أين هي حقوقُنا ودعمُنا في ظلّ هذه الظروف الصعبة؟ إنّنا نُناشدُكم اليوم، في يوم الصحفيّ المصريّ، الاعتراف بتضحياتنا وتقدير دورنا في بناء المجتمع، فالصحافة رسالةٌ سامية، وواجبٌ مقدس، لا يُمكن التغاضي عن قيمتها وأهميتها.

زر الذهاب إلى الأعلى