دكتور أشرف راضي يكتب: الصحافة والحرب على الفساد
يشاركنا الدكتور أشرف راضي وهو كاتب مقالات رأي، بتدوينة بمناسبة يوم الصحفي المصري.
– نص التدوينة:
صباحيات
الصحافة والحرب على الفساد
ستظل الصحافة دائما مهنة البحث عن متاعب لأنها كالضمير الذي يؤرق صاحبه دائماً كما يؤرق الآخرين.. في هذه الأيام نحتفل بمرور 29 عاماً على انتفاضة الصحفيين ضد القانون رقم (93) لسنة 1995، المعروف بـ”قانون اغتيال الصحافة”، كل عام وصحفيي مصر وكتابها بخير.
لا ليسوا جميعا بخير فهناك صحفيون وراء القضبان لأنهم تجرأوا وعبروا عن رأيهم أو تهوروا وكشفوا وقائع فساد تدور في الكواليس أو وراء أبواب مغلقة. نجحت الصحافة في القليل من الحالات في الواقع والكثير من الحالات في السينما والدراما التلفزيونية في تقديم الفاسدين ومعاونيهم للقضاء.
ربما كان مسلسل “عوالم خفية” للفنان الكبير عادل إمام الذي أذيع في رمضان عام 2021، من أبرز الأعمال التي عرضت لصحفي استطاع أن يفضح شبكات للفساد المستقوى بالسلطة والمصالح المتشابكة، صحيح أن المسلسل أوضح أنه دفع الثمن متمثلا في شهور أمضاها في السجن، لكن في الواقع يمضي الصحفي سنوات في السجن بينما الفاسدون يعملون بحرية كبيرة في غيبة رقابة الدولة ورقابة الصحافة.
ويسألون لماذا لم نكسب إلى الآن المعركة ضد الفساد والمفسدين. من يتابع ما يُنشر عن ملفات للفساد الذي يهدر كل مقومات القوة الخشنة والناعمة في بلدنا يشعر بأن ما يتم الكشف عنه وتقديمه للقضاء هو قمة جبل الجليد وحسب وأن ما خفي من جبل الفساد تحت المياه أكثر بكثير وأن لهذا الجبل رائحة تزكم أنوفنا جميعاً.. في فيلم “ضد الحكومة” عن مافيا فساد التعويضات، أطلق الفنان الراحل أحمد زكي صرخته الشديدة “كلنا فاسدون” في تذكرة برواية الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس “يا عزيزي كلنا لصوص” والعملان معاً يوضحان كيف أصبح الفساد منظومة متكاملة يعززها كل مكون من مكوناتها، ويصبح السؤال الرئيسي الذي يواجه كل من يتصدى لملف من ملفات الفساد، بل يواجهنا جميعا كمجتمع ودولة، من أين نبدأ الحرب على الفساد، الذي يأكل كل ثمار التنمية ويجعل المواطن العادي لا يشعر بأي إنجاز أو جهود جبارة تبذل من أجل تحسين وضعه. البداية في تقديري إنما تكون بفضح الفساد وإشاعة أجواء من الشفافية التي تمنع حق الصحفي في الوصول إلى المعلومات والوصول إلى مصادرها وإدراك أن الفاسدين ومسانديهم هم من يضعطون من أجل تقييد حرية الصحافة والإعلام وتكبيل أيدي الصحفيين وإسكاتهم بقوانين تهددهم بالحبس، أو بتهديدات مباشرة قد تستهدفهم وتستهدف أفراد أسرهم، على نحو يكشف ضراوة الحرب على الفساد وتعطيل القانون والعدالة..
إذا كانت السلطات جادة في الحرب على الفساد وافترض جديتها، فلا بد من إعادة النظر في القوانين التي تجيز حبس الصحفي في قضايا النشر، وهناك من الوسائل ما يكفي لمعاقبة من يتجاوز من الصحفيين ويسيء استخدام مهنته ويمكن إشراك نقابة الصحفيين عبر لجانها المختلفة وتعزيز ميثاق الشرف الصحفي وتقويته وتعزيز دور اللجان المعنية بتطوير المهنة وقيامها بدور أكبر في التصدي لإساءة استخدام وسائل النشر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي للتمييز بين الأخبار الحقيقية والأخبار والتقارير الملفقة، والتي تخلق مناخا لا يفيد أحداً سوى الفاسدين الذين يرعى بعضهم كتائب من الذباب الإلكتروني يوجهها حيث يشاء. إن معركتنا ضد الفساد شرسة وضارية ولن نستطيع كسبها في ظل حالة الشك السائدة بين أجهزة في الدولة مهمتها تنفيذ القانون ومحاربة الجريمة وبين الصحفيين والصحافة.. لا بد أن ندرك أن من مصلحة الفاسدين وحماة الفساد ورعاته وداعميه في كل موقع أن تظل هذه الحالة من الشك المتبادل والخصومة قائمة.. إن التصدي للفساد وحماية مقدرات الشعب والوطن لم يعد رفاهية في ظل التحديات الكبيرة الداخلية والخارجية التي نواجهها، ولا يمكن لجهود التنمية والتطوير أن تؤتي ثمارها إذا استمر الفساد على هذا النحو.. معا ضد الفساد والمفسدين.