ڤودكا.. موقع صحفي يجعل من القراءة رحلة مزاج 

قادت رحلة بحث الكاتب الصحفي أشرف عبد الشافي عن عنوان للجزء الثاني من كتابه “البغاء الصحفي” والذي صدر الجزء الأول منه عام 2012، إلى التأمل في كل شيء قريب من حالة الصحافة التي يتحدث عنها الكتاب ويرصدها من خلال خبرته لسنوات طويلة في العمل الصحفي والأدبي. 

وبالصدفة أهداه أحد الأصدقاء كلبة إنجليزية تدعى ڤودكا، أوحى اسمها بوضع مقاربة بين فكرته  التي تؤرقه عن الصحافة وبين حالة الضيفة الجديدة في بيته، يقول في حديثه للمرصد المصري للصحافة والإعلام: “كانت الكلبة اللطيفة تدور حول نفسها وتقفز فجأة ثم تدور ثانية كأنها تقول: لماذا لا تضحك يا إنسان؟ فإن ضحكت، كررت هى القفز والدوران، وإن قهقهت تُضيف نمرة جديدة فتهز ذيلها القصير كبندول الساعة  بخفة دم تجبرك على الوقوع فى غرامها، أما إن انصرفت عنها فتتلبسها حالة درامية وتكاد تبكي وهى تتوسل إليك أن تنظر إلى ذيلها الذى يلعب، وكان محتوى الكتاب قريبا من تلك الحالة”.

 

(ڤودكا) أكبر من مجرد اسم  

يكشف “عبد الشافي”، هذه المقاربة، ويقول: “هناك عشرات المقالات لصحفيين كبار تتداخل وتتناقض وتثير الضحك والألم، وهى تكشف مواقف أصحابها من السلطة والنفوذ، وتبديل الضمائر وتزييف الكتابة والتاريخ، ولم يكن اسم البغاء الصحفى مستحسنًا كعنوان لجزء ثانٍ، فكانت حالة (ڤودكا) تمثيلاً رائعًا” وبالفعل صدر (ڤودكا- الجزء الثانى من البغاء الصحفي) فى ديسمبر 2015. 

في عام 2019، أخذ “أشرف” هدنة من الصحافة واختار طوعًا الابتعاد عن منصب مدير عام تحرير جريدة الدستور، فقصد الكتابة الأدبية الإبداعية، ليصدر رواية “توأم الشعلة”، ثم كتاب “يا جميل يا اللي هنا”، وأخيرًا كتاب “أن تحب في العشرين”، إلى أن عاوده الحنين مرة أخرى إلى الكتابة الصحفية الموجهة إلى جمهور مختلف من القراء/ات. 

يقول أشرف عن هذه المرحلة: “كنت أسمع الناس حولي يتحدثون عن صناعة الـ(محتوى) وراجت الكلمة رواجًا دفعني للبحث عن هذا المحتوى، فلم أجد سوى صراعًا على اللايك والشير، كم هائل من تعبئة الوقت بأخبار وقصص مفبركة، وسط القليل من المنصات الرصينة التي تقدم محتوى ثقافي جيد، لكنه لا يحمل رؤية كاملة للهوية المصرية أو حتى رؤية متكاملة للمرأة إن كان مهتما بهذا الشأن”.

كان ما يعني كاتبنا -الذي نحن بصدد عرض تجربته اليوم- الحلم بتقديم تجربة إلكترونية معرفية قبل أن تكون ثقافية أو فنية أو رياضية، معرفية بمعنى خلط الثقافة وتخفيفها بالرياضة والفنون والرقص والغناء والموسيقى والسينما والتاريخ أيضًا، عن هذا يقول: “خلطة جربتها كثيرًا فى مقالات متفرقة، وكنت أحلم بتحويلها إلى حالة متكاملة تلف بالقارئ في حالة ڤودكا بين كل هذه الفنون بمعلومة موثقة أولًا، وبصورة تكون متعوب عليها، بمعنى البحث المضني عن صورة تكتمل بها رؤية الموضوع”. 

نجاحات وإخفاقات

فى نوفمبر 2023 خطط عبد الشافي، لحلم جديد بعد غياب طويل، ووضع تصورًا كاملًا الأقسام مراعيًا فيها أن تكون مثل شباك أرابيسك، يفتح القراء/والقارئات نوافذه الصغيرة على أشجار وارفة وظلال معرفية راقية بالمعنى الحرفى لكلمة (الرقي).

ويؤكد أشرف للمرصد أنه لم يكن يعوزه شيء أكثر من الرقي كي يكتسب احترام القارئ/ة، والرقي الصحفي في وجهة نظره يعني تدقيق المعلومة واحترام الذائقة البصرية أيضًا.

وعرض فكرة (موقع ڤودكا) على دائرة صغيرة من الأصدقاء الشعراء والروائيين والصحفيين أيضًا، “وجدت ترحيبًا كبيرًا ضمنّ لى شعورًا بالأمان، وتحمست حماسًا دفعني إلى تأجير مكتب.

لكن الرياح لا تأتي كما تشتهي السفن، فكل المتحمسين لم يكملوا الطريق، الكل منشغل بحياته وبارتباطات عملية لصالح مؤسسات تدر دخلًا ماديًا أو تقدم استقرارًا وظيفيًا لم تحققه تجربة ڤودكا في وقتها الحالي. 

يحكي أشرف عن هذه المرحلة: “التمست العذر للجميع، لكن المحزن أنه كان من المقرر أن ينطلق الموقع فى يناير 2024 كما أعلنت على صفحتي، لكنني وجدت نفسي وحيد تماما، وكان بيني وبين جمهوري صغير العدد عقود قديمة كنت ملتزمًا ببنودها وأهمها الاحترام والالتزام بالكلمة”.

وراحت الأيام تمضى وانتهى يناير وفبراير دون أن يجد جديد، ما اضطر مع أشرف لإصدار بيان على صفحته الشخصية يذكر فيه أسباب تأخر انطلاق الموقع، ومنها ذكره ما تعرض له من خيانات في صورة  اختلاق قصص عنه من أقرب المقربين إليه، “بقيت كما أنا أحاول ـ قدر المستطاع ـ الحفاظ على ما تبقى من أشرف عبد الشافي الذي لا يهم أحدًا قدر ما يهم رضاه عن نفسه وطبيعته كما فطره الله عليها”.

وفى 27 مايو 2023 كانت الانطلاقة لموقع ڤودكا بالتعاون مع شاب جامعي يدعى عبد الرحمن الشرقاوي، يحكي أشرف عن هذا الشاب المساعد المتحمس للموقع الوليد: “هو التكنولوجي الذي يساعد رجلًا عجوزًا بلغ الخامسة والخمسين، ويحتمل نوبات غضبه لتعديل صورة أو حذف عنوان، ومن اللحظات الأولى كانت السماء تكافئني بترحيب أبكاني من الفرحة والشعور بالرضا والامتنان لتخلص خلال أشهر قليلة من المحبطين، وصناعة تجربتي كاملة غير منقوصة”.

ويصف أشرف ڤودكا: “تكاد تشم رائحة موضوعاته التى أقوم بتعتيقها فى صبر ودأب ودروس تعلمتها من عملي فى وسط صحافي هو الأسوأ على مدار عصور الصحافة فى مصر والعالم، لا أنشغل بغيري ولا أصارع أحدًا، وأعلنت من دون خجل أن ڤودكا أصغر موقع ثقافي فني رياضي مستقل في مصر”.

الجانب المادي والرهان على القراء/ات

يراهن أشرف على المتابعين/ات، ولا يخشى الوقت، “أنا فلاح مصري قديم، وقد مهدت الأرض وحرثتها جيدًا، ونثرت البذور وها أنا أركع وأغرس قدمي فى الطمي كي أراقب البذرة وهى تنمو بخضارها المبهج ورائحتها الطيبة”.

عن أشرف عبد الشافي: 

صحفي وروائي مصري، ولد في المنيا، ويشغل حاليًا منصب مدير تحرير بجريدة الأهرام العريقة. 

وعلى الصعيد الأدبي، نشرت له عدة أعمال أهمها “البغاء الصحفي”، بجزأيه الأول والثاني “فودكا البغاء الصحفي”، والذي يؤرخ فيهما المشهد الإعلامي في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، بعد تراجع وتغير موقف العديد من النخب الثقافية والسياسية، والأسماء الإعلامية الشهيرة من قبل وبعد الثورة.

كما صدرت له مجموعات قصصية منها: “منظر جانبي، و ودع هواك، ومؤخرًا كتاب “أن تحب في العشرين، وقبله “يا جميل يا اللي هنا” الذي تناول فيه مواقف وحكايات عن الغناء والموسيقى والرقص، مستلهمًا اسمه من إحدى أغنيات المطرب الراحل محمد فوزي”. 

زر الذهاب إلى الأعلى