إعلام بدون أخلاق.. قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي

 

لكل مهنة أخلاقياتها التي لابد أن يلتزم بها الفرد، أما الإعلام كمهنة تقوم على أسس من الأخلاق واجب التحلي بها لكل من يمتهنها. وفي أي مجتمع تبدو هوية الإعلام أنها رسالة تستهدف الارتقاء بالوجدان وتثقيف الإنسان وتهذيب الذوق العام، بينما الواقع وعنوان الكتاب نفسه يخبرنا أن الصحافة والإعلام شهد كلاهما انحدارًا غير مسبوق، فالجميع يمكنه امتهان هذه المهنة أو كما يقال باتت مهنة من لا مهنة له، وبخاصة ظهر هذا التراجع والانحدار في الذوق الإعلامي عقب سنوات ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ليصبح الإعلام الواعي والقادر على إعادة بوصلة الوعي الصحيح وغيرها من غايات تسهم بشكل مباشر في تنمية المجتمع، باتت أحلام بعيدة المنال. 

هذا ما استعرضه كتاب: “إعلام بدون أخلاق.. قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي”، للدكتور فتحي حسين عامر. 

واستعان الكاتب بالعديد من المراجع والدراسات شديدة الأهمية وتتعلق بالإعلام وفلسفة أو منهجية الأخلاقيات العامة ذات الصلة بالمواد الإعلامية. 

وتناول الكتاب دراسات تشير إلى التوجيهات الأخلاقية المتعلقة بالمهنة، وتسلط الضوء على  الدوافع الداخلية للصحفيين/ات، والتي يموجبها يمكن الحكم على التصرف والكتابة بشكل أخلاقي.

واحدة من بين الدراسات المهمة التي رصد الكتاب نتائجها هي دراسة “فواكس” لعام 1997 حول “إدراكات الجمهور لدوافع الصحفيين الأخلاقية”. استهدفت المدخل السوسيولوجي، وتناولت ظاهرة أخلاقيات الصحافة كظاهرة اجتماعية، وتحليلها في سياق التفاعل بين الصحفيين/ات والقراء/ات.

 

ويمكن تسليط الضوء على أبرز نقاط توصلت إليها تلك الدراسة، وهي: 

 

  • وجود اختلاف كبير بين مفاهيم الصحفيين والجمهور حول أخلاقيات المهنة، فالجمهور يرى أن أخلاقيات الصحفيين/ات تسترشد أساسًا بالأنماط الصحفية للمعايير المهنية والضغوط التنافسية.
  • يرى الصحفيون/ات أن المؤثرات الأساسية التي تؤثر على قراراتهم بشأن الأخلاقيات المهنية تأتي بحسب الترتيب التالي: سياسات التحرير، القوانين والتشريعات الصحفية، تبريرات الصحفيين الفردية. 

وعرف الكاتب أخلاقيات الصحافة، بـ “مجموعة القيم والمعايير” التي يستند إليها الصحفي/ة في تعامله/ا مع المادة الصحفية المنشورة، والتي تحتكم إلى: 

-الحفاظ على سرية المصادر، وفي هذه النقطة حدد معايير تعامل الإعلام مع مصدره، مشيرًا إلى أنه في الكثير من الأحيان يلجأ الصحفيين/ات إلى تجهيل المصادر، نتيجة عدم إتاحة المعلومات، أو تداولها، وكي يتجنب الصحفي/ة الوقوع تحت طائلة القانون، ويتجنب أيضًا عدم توفر مستندات موثقة، ومن ناحية أخرى لحماية المصدر نفسه من الإضرار به من قبل السلطة نتيجة تسريبه معلومات إلى الإعلام، فهنا يلجأ الصحفي/ة إلى كتابة كلمات مثل  “مصدر مسؤول”، “مصدر مطلع”، بينما يرى الكاتب أنه أسيء استخدام هذه الكلمات وباتت مرادفًا للكذب والافتراء، وتركت انطباعًا لدى الجمهور بأنها وسيلة رخيصة للفبركة.

ويأتي الالتزام بالموضوعية والمصداقية والدقة والأمانة كأحد عناصر الأخلاقيات المهنية للعمل الصحفي.  

-ونقطة هامة أشار إليها يقع فيها العديد من الصحفيين/ات، وهي ضرورة الفصل بين المادة التحريرية والإعلانية، ومراعاة حق الخصوصية، ومن يحيد عن هذه الأركان يوصف بأنه خادع أو مضلل أو غير أمين أو غير دقيق، حيث أنها معايير تنأى تمامًا عن العمل الصحفي.

كما تعني أخلاقيات الصحفي المهنية تمسك الصحفي/ة بأخلاقيات العمل الصحفي، ومواثيق الشرف الصحفية في الموضوعات التي يقوم/ تقوم بنشرها. 

  • تاريخ أخلاقيات الإعلام 

بدأ تدوين أخلاقيات العمل الإعلامي ومواثيق الشرف وقواعد السلوك المهنية للمرة الأولى في بداية العشرينات من القرن الماضي وهناك الان أقل من 50 دولة فقط من بين 200 دولة في العالم لديها نظم متطورة في الاتصال الجماهيري ذات مواثيق لأخلاقيات المهنة تؤثر بشكل فعال على القائمين بالاتصال أو تحمي التدفق الحر الإعلامي. 

ويفرد الكاتب الفصل الأخير لتسليط الضوء على سلبيات الإعلام بعد ثورتي يناير ويونيو، مستهلًا إياه بأن دور الإعلام تحول إلى وظيفة أخرى جديدة لم تعرف من قبل ثورتي يناير ويونيو، وهي أن الإعلام صار أداة مثالية للاستقطاب السياسي وأداة أساسية للصراع الأيديولوجي، القائم بين جميع الأطراف المتصارعة.

غير أنه تناول ظاهرة أخرى لازمت ظهور وانتشار المواقع الإلكترونية الصحفية، وهي أعمال السرقة والاقتباس وعدم مراعاة الملكية الفكرية.

ويمكننا القول بأن الكاتب وضع يديه ونكأ جرح الإعلام الحقيقي على مدار السنوات الأخيرة، وكيف تحول من أداة للتثقيف والتوعية إلى أداة استقطاب وتحزب وبات جزء من الصراع السياسي والأيدولوجي. 

غير أنه اختتم أن كافة الظواهر التي يشهدها الإعلام في وقتنا الحالي هي مؤقتة، ومرتبطة باللحظة الراهنة، وسرعان ما سيتعافى الإعلام منها بمجرد العبور من تلك الأزمات ويعود لسابق عهده كوسيلة لتغيير الثقافة الجماهيرية والدفع بها إلى الأفضل. 

  • عن مؤلف الكتاب دكتور فتحي حسين: 
  • حاصل على دكتوراة في الصحافة عن رسالة بعنوان: “معالجة الصحافة المصرية للقضايا العربية وعلاقتها بمستوى معرفة الجمهور المصري بها” عام 2007. 

 

  • صدر له عدد من الكتب، ومنها: 
  • وسائل الاتصال الحديثة: من الجريدة إلى الفيس بوك، العربي للنشر والتوزيع عام 2009. 
  • أوهام وأوجاع في بلاط صاحبة الجلالة، مركز الحضارة العربية للنشر 2001. 
  • مستوى معرفة الجمهور تجاه قضايا الوطن العربي، العربي للنشر والتوزيع 2008. 
زر الذهاب إلى الأعلى