سلايدر رئيسيغير مصنف

عن ماذا نبحث؟ السؤال ضروري لاستبيان الطريق، وإجابته تحدد ما بعدها من أولويات وخطوات.

كان فوز الأستاذ خالد البلشي بمنصب نقيب الصحفيين، داخل مجلس يتشكل غالبيته من “تيار الاستقلال” النقابي، باعثًا على الأمل في إحداث تغيير حقيقي في منظومة نقابية عفا عليها الزمن، ماتت، وتعفنت، وأصبحت رائحتها تعم كل مكان ينتسب إلى الصحافة.

البلشي نقابي عتيد، من أبرز وجوه تيار الاستقلال، يساري الفكر، أغلقت له مواقع صحفية، ورأس تحرير موقع محجوب قبل أن يحظى بالمنصب مباشرة.

بدا أننا أمام عهد نقابي جديد. أعلن النقيب مع بداية عهده بالمنصب فتح باب النقابة أمام جميع الصحفيين، نقابيين وغير نقابيين، في خطوة رمزية استحقت الإشادة، كون رمزيتها تأتي من اعتبارها خطوة أولى تمهد لأن تكون النقابة لكل الصحفيين، ولا تستمر حكرًا على فئة بعينها، كما كانت على مدار عقود. 

غير أن الواقع أعقد من هذا التبسيط المخل. تاه ملف “نقابة لكل الصحفيين” وسط تعقيدات المشهد الصحفي والنقابي. 

بثقل التحدي، وحسابات المنصب، وضغوط مناوئيه، دار البلشي بين ملفات البدل والصحة والإسكان وصندوق المعاشات وتعيين المؤقتين في الصحف القومية! 

هذه ملفات مهمة، إلا أنه على أهميتها، لا يضمن المضي قدمًا في تحسينها أي تغيير يذكر في المنظومة النقابية التي تجاوزها الزمن وحساباته والتطورات المهنية المتسارعة. 

كما أن الحديث عن “تطوير لائحة القيد”، مع تجاهل ضروريات تغيير البنية التي تقوم عليها تلك اللائحة، وغيرها من اللوائح التي تحكم العمل النقابي منذ عقود، تبدلت فيها الأحوال والسنن، وحتى وجوه الاستبداد الحاكمة، تضمن ألا يتغير شيئًا جوهريًا.

الأمر يشبه الدوران في المكان، مهما اتسعت حركته يظل تأثيره محدودًا، وانعكاساته حاضرة مع تغير المشهد النقابي في أي انتخابات مستقبلية.

هناك فارق جوهري بين المرض والعرض. الأول يصيب الجسم، والثاني مجرد علامات له. معاناة الصحفيين ماديًا، واجتماعيًا، وصحيًا، لم تكن إلا عرضًا لمرض عضال يضغط على أعصاب الصحافة. إنه مرض الاستبداد.

هذه قضية أبعد من أن يكون حلها في يد الصحفيين وحدهم. غير أن هناك ما يتعلق بالحركة النقابية والصحفيين أنفسهم. الاستقلالية قولًا واحدًا. السعي لأن تكون نقابة الصحفيين مستقلة، لأنها لو لم تكن مستقلة، فلن تؤدي دورها في خدمة “الصحافة” و”الصحفيين”. هذه حقيقة لا يصح القفز عليها، بادعاءات “إنسانية”، أبداها البلشي بحفل توزيع جوائز نقابة الصحفيين. 

كان رعاية الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لحفل جوائز الصحفيين قبل أسابيع، هدرًا لقيمة ما يُفترض أن يكون تتويجًا لمجهودات زملاء في ممارسة دورهم الحقيقي في الكشف والرقابة على الممارسات الحكومية. 

ولو أن دور الصحافة الحقيقي مغيب وغائب منذ سنوات، فإن الإمعان في إهدار تلك القيمة يعمق الأزمة. ومن ثم تصبح رعاية الشركة المتحدة لفعاليات ومشكلات أعضاء نقابة الصحفيين إمعانًا في سيطرة الدولة على النقابة والصحافة والصحفيين.

بمقاربة أخرى، لا تكمن قيمة السماح بنقابة تتسع لكل الصحفيين، في إنصاف مئات المظلومين بمظلة نقابية يستحقونها فقط، أو حمايتهم قانونيًا من تهمة انتحال صفة صحفي. الأمر أبعد وأعمق من ذلك كثيرًا. إنه ملف الملفات النقابية.

السماح بذلك، يضمن بمرور السنين، تغيير تركيبة الجمعية العمومية، التي يشكو أعضاؤها أنفسهم من انتساب آلاف- الموظفين- لا علاقة لهم بالصحافة. هذا الإدراك يساعد في تغيير منظومة المؤسسات الصحفية القائمة على استعباد الصحفيين كبوابة لدخول النقابة والحصول على البدل. كما يزيد من استقلالية النقابة وفك ارتباطها عن السلطة رويدًا رويدًا.

تخوفات المجلس من دخول قانون نقابة الصحفيين للتعديل في مجلس النواب، والذي ينتمي غالبية أعضائه إلى أحزاب موالية للسلطة، بحيث يصبح القانون مواكبًا للعصر، وسامحًا لجميع ممارسي المهنة بالالتحاق بنقابة الصحفيين، بمجرد تقديم ما يثبت ممارستهم للمهنة، هي تخوفات مشروعة.

إلا أن استمرار تلك المخاوف عائقًا أمام التغيير تضمن ألا يحدث أبدًا. كما أن استمرار هذا المنظور الخائف يُبقي كل شيء مرهون بتغير الوضع السياسي بالكلية! إنه اللف في حلقة مفرغة.

الضامن الوحيد لعدم العبث بالقانون بما يمس استقلال نقابة الصحفيين، هو السعي الجاد والمتواصل من قبل نقيب الصحفيين والمجلس الحالي إلى التوصل إلى صيغة تفاهم مع الحكومة ومجلس النواب بشأن المواد المراد تغييرها، دون المس أو إضافة مواد تقيد الحريات النقابية.

الأمر ليس سهلًا. لكنه ليس مستحيلًا أيضًا. لسنا مهزومين إلى هذه الدرجة التي يسوغها البعض. إنه السعي الحقيقي نحو التغيير، ولأجله تُستحق المحاولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى