التقارير الإعلاميةسلايدر رئيسي

حيًا أم ميتًا.. قصة صحفي اختفى في السيدة زينب منذ 20 عامًا

جلس رضا هلال نائب رئيس تحرير الأهرام في 11 أغسطس، من عام 2003، بمكتبه، وأمسك بهاتفه وأجرى مكالمة مع أحد المطاعم الكائنة بوسط القاهرة، ليطلب منه أن يعد له وجبة غداء ويقوم بتوصيلها إلى مسكنه، الكائن بشارع إسماعيل سري، بمنطقة السيدة زينب، ليتحرك بعدها بنصف ساعة تقريبًا، ويدخل منزله، ملقيًا السلام على الجيران والمارة من محبيه، وما أن صعد الدرج وأغلق الباب، وصل عامل التوصيل الذي ظل يطرق الباب عدة مرات، دون رد، ومن هنا بدأ لغز الاختفاء الذي وقع في عز الظهيرة، بقلب العاصمة ، دون إجابة أو رد أو توضيح.

اكتشاف الواقعة

بعد يومين من الواقعة تغيب هلال على غير العادة، عن الحضور إلى الأهرام ليومين متتالين، ليسود القلق والتكهنات الجميع، خاصة وأن محاولات الاتصال به كانت تحول دون رد، ولكونه كان مسئولًا عن تحرير طبعة يوم 13 أغسطس 2003، تواصل زملائه بأخويه، السيد وأسامة هلال،

وبعد الاتصال توجه شقيقه السيد هلال، الذي كان يملك مفتاحًا احتياطيًا لشقة أخيه، إلى محل سكنه، بمنطقة السيدة زينب، فوجدها مغلقة بغير القفل المعتاد، ونوافذها مفتوحة، وبعد فتحها، ظهرت مرتبة وعلى وضعها الطبيعي، ولكن دون وجود رضا هلال.

النيابة العامة وبدء التحقيقات 

وعلى الفور توجه أسامة هلال، شقيقه الآخر، والذي كان يعمل آنذاك وكيل أنشطة تربوية بمدرسة الملك فيصل الإعدادية بنين بالسنبلاوين، إلى قسم شرطة السيدة زينب بالقاهرة، وتقدم ببلاغ حمل رقم 4889 لعام 2003 للتحقيق في واقعة اختفاء شقيقه.

وتوجه رجال الشرطة رفقة فريق من المحققين إلى محل سكنه، وعاينوه بدقة، فتبين أن أقفال الأبواب تم تغييرها مؤخرًًا، ولكن لم يتضح من قام بذلك، والمدهش في المعاينة أنهم وجدوا مكتبه وجهاز الحاسب الآلي الخاص به وكافة المحتويات دون فقدان أي منها.

سر رسالة المرأة الغامضة

وفي يوم اختفاء رضا، عثرت أسرته على رسالتين عبر جهاز الرد الآلي المنزلي، من امرأة غامضة لم يتم التوصل إلى تحديد توقيت تلك الرسائل، ومن غير الواضح ما إذا سمعهما رضا أم لا.

الرسالة الأولى : “هل يمكن أن تفتح هاتفك لأنني أريد التحدث معك؟”.

الرسالة الثانية: “لماذا تفعل كل ذلك؟ مبارك وعائلته وأنا كمان.. مكنش لازم كل ده.. دي مش الطريقة الصحيحة..  طيب عيد مبارك مع السلامة”.

لم يكن رضا هلال متزوجًا، وكان يعيش وحيدًا بشقته في حي السيدة زينب، ولكن وفقًا للروايات التي وقعت على مسامع الرأي العام وقتها، أنه جمعه علاقة عاطفية بزميلة له، تزوجت من وزير بحكومة مبارك بعد انفصالهما.

استجواب 2000 شخص

في الشهر الأول من الواقعة، استجوبت النيابة العامة قرابة ألفي شخص شملت جميع الدوائر المقربة من رضا هلال، ولكنها لم تدرج الرسائل التي وردت على هاتفه ولم تضمها إلى ملف القضية.

الكاتب الصحفي يحيى قلاش
حدس يحيي قلاش.. ولقاء جلال عارف بحبيب العادلي 

وبعد مرور شهرين من الاختفاء، والتحقيقات التي لم تصل لأي جديد، تدخل يحيي قلاش السكرتير العام لنقابة الصحفيين وقتها، حيث صرح بأن النقابة تستشعر توجه جهات التحقيق لغلق القضية.

الكاتب الصحفي جلال عارف

واتخذت النقابة آنذاك تحركات سريعة، ليلتقي نقيب الصحفيين جلال عارف بوزير الداخلية حبيب العادلي والذي وعده ببقاء الملف مفتوحًا، لكنه لم يفِ بوعده وأغلقت القضية رسميًا.

وبعد مرور 5 سنوات لم يجد جديد  في قضية اختفاء نائب رئيس تحرير الأهرام، ولكن مع حلول الذكرى السادسة له تلقى شقيقه ثلاث مكالمات هاتفية من مجهول يؤكد أنه ما زال على قيد الحياة، بسجن العقرب.

 فتح التحقيق من جديد في 2009

تقدم عبدالرحمن هلال ببلاغ إلى النيابة العامة – في أغسطس 2009 – يطلب فيه من النيابة التحقيق في وجود شقيقه في سجن العقرب من عدمه، وأيضًا النظر في الرسائل الصوتية التي وجدت على هاتفه من السيدة المجهولة.


وفي البلاغ قال عبد الرحم هلال، إن الأسرة  تشك في أن صوت المرأة الموجود على الهاتف هو صوت الصحفية في “الأهرام” ، زوجة حبيب العادلي، وانتهت التحقيقات إلى عدم وجود رضا هلال في سجن برج العرب أو أي سجن آخر، ولم تعلق النيابة العامة على أو تفصل في طلب الأسرة بفحص الرسائل الصوتية.
ثورة 25 يناير
ثورة 25 يناير.. وفتح التحقيق من جديد

تصدرت قضية اختفاء رضا هلال، منصات التواصل والأحاديث والبرامج التلفزيونية، بعد اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وسقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وسط آمال كبيرة للتوصل له، أو لمعرفة ما إن كان حيًا أم ميتًا، وهنا تقدمت أسرة الصحفي المختفي ببلاغ للنيابة العامة يطالب بإعادة فتح القضية.

واتهم البلاغ بشكل مباشر صحفية الأهرام، بأنها صاحبة الصوت المسجل الذي هدد رضا، وفي هذه المرة حققت النيابة العامة مع زوجة وزير الداخلية الأسبق التي نفت أن يكون الصوت الموجود على المجيب الآلي صوتها.

الكاتب الصحفي حاتم زكريا

نقابة الصحفيين تطالب بالتحقيق مع 4 قيادات أمنية سابقة وصحفية وسائق 

تقدم حاتم زكريا السكرتير العام لنقابة الصحفيين آنذاك، ببلاغ جديد للنائب العام المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، للتحقيق مع 4 قيادات أمنية، والصحفية بالأهرام، حول لغز اختفاء رضا هلال.

وتضمن البلاغ الذى حمل رقم “373”:”بعد أن وردت للنقابة معلومات من شقيقه، مفادها أن عددًا من الأشخاص لديهم معلومات مؤكدة عن اختطاف رضا هلال، ولهم صلة وثيقة بالواقعة”.

وبحسب ما ورد فى البلاغ، فإن هؤلاء الأشخاص هم، اللواء أمين عز الدين نائب مدير أمن الجيزة، واللواء فاروق لاشين مدير أمن الجيزة، واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة السابق، واللواء صلاح سلامة نائب رئيس جهاز أمن الدولة، بالإضافة إلى إلهام شرر الصحفية بالأهرام زوجة حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، والسيد عبد العاطى السائق، بمؤسسة الأهرام الذى اصطحب رضا هلال لتوصيله إلى منزله يوم 11 أغسطس 2003، وهو التاريخ الذي اختفى فيها رضا هلال.

وطالب البلاغ بالتحقيق مع الأسماء الواردة فى البلاغ، وتحديد مصير رضا هلال، والمشاركين فى واقعة اختطافه، ولكن البلاغ لحق بالبلاغات التي سبقته، دون الوصول لنتيجة.

شهادات في واقعة اختفاء رضا هلال

الكاتب الصحفي محمد الباز

الكاتب الصحفي محمد الباز

استمعت النيابة العامة في 2011 لشهادة الصحفي محمد الباز، الذي نشر تحقيقًا صحفيًا كشف فيه عن مقتل رضا هلال على يد وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي أثناء تعذيبه للاعتراف بعلاقته بزوجة أحد الوزراء، وأن وزارة الداخلية تخلصت من جثة رضا عن طريق دفنه في أحد مقابر البساتين.

وفي هذه الشهادة شرح الباز كيف قتل رضا هلال، وكيف تمت إذابة جسده في حوض من الجير الحي استخدم بدوره في ورشة بناء بغية إخفائه إلى الأبد.

النائب العام يستمع لشهادة صحفيين حول اختفاء رضا هلال

الكاتب الصحفي عماد فواز

من بين الشهادات التي استمعت النيابة إليها النيابة أقوال الصحفي عماد فواز بجريدة الكرامة بخصوص اتهامه التنظيم السري بوزارة الداخلية باختطاف رضا وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية في العباسية في عنبر الخطرين تحت اسم مستعار في 25 سبتمبر 2003.


الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل 

وصرح الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل، في عام 2014، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “مانشيت”، على قناة “أون تى فى”، أن هناك مصادر مقربة من جريدة الأهرام أخبرته بسيناريو اختفاء وقتل نائب رئيس تحرير الأهرام رضا هلال.

عبدالحليم قنديل: “رضا هلال” اختفى بعد كشفه شراكة جمال مبارك لـ”يهود”

وكشف قنديل، أن رضا هلال باح بمعلومات لأحد الأشخاص، حول ثروة جمال مبارك وشراكته لرجال أعمال أجانب بينهم يهود فى لندن، واختفى هلال بعد ذلك، منوهًا لأن المصدر أبلغه بأن الصحفى قتل ودفن بعد ذلك فى مكان غير معلوم، متابعًا في تصريحاته، أن المصدر أبلغه أن هلال كان على علاقة طيبة بمدير مكتب الأهرام فى أمريكا، وكان مقربًا لشلة جمال مبارك وقتها، وكانت له جريدة بالإنجليزية بعنوان “الفراعنة”.

وثيقة “التنظيم السري”

ونشرت صحيفة “الجريدة” الكويتية” وثيقة تم تداولها إعلاميًا منسوبة لجهاز مباحث أمن الدولة وقتها، تفيد بأن حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق هو من خطف رضا هلال.

ووفق الوثيقة، فإن العادلي كان لديه تنظيم سري هو من اختطف رضا هلال.

وحتى كتابة هذه السطور، في هذه اللحظة وتاريخها، لم يكتب لسيناريو اختفاء رضا هلال نهاية بعد، ويظل مفتوحًا، ومعه آلاف التخمينات، ومئات الشهادات، وعشرات الأقاويل، ولا توجد حقيقة جازمة تفصل في السؤال الأهم عند أسرته “حيًا أم ميتًا”!

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى