فاطمة الزهراء.. صحفية تتقن البحث عن الحكاية
بطلة هذا الأسبوع الصحفية المثابرة، فاطمة الزهراء، التي استطاعت في وقت قليل أن تجد لنفسها مكانًا بين جيل من الصحفيين/ات الموهوبين/ات، وترسم بأسلوبها الخاص كلمات التقارير والتحقيقات، خاصة تلك التي تتناول معاناة النساء في مصر، منطلقة من ملف المرأة لتعتبره قضيتها الخاصة، فتضئ من خلاله قصص نجاح تستحق الكتابة عنها، أو تساهم في الكشف عن إشكاليات تحتاج إلى حلول.
وهي تعمل حاليًا بمجلة روزاليوسف، والعديد من الصحف والمواقع كصحفية مستقلة.
بدايات القراءة وحب الكتابة:
لعل ثقافة والدها وولعه بالكتب خاصة الدينية المتعلقة بالفقه والتفسير والحديث واللغة والأدب وما إلى ذلك، كانت المدخل لتعرف فاطمة على عالم الكتابة، وبعد رحيله وهي في عمر 5 سنوات وجدت القراءة ملاذها وصديقة طفولتها، وشجعتها والدتها على ادخار مصروفها لاقتناء سلاسل روايات الجيب مثل “رجل المستحيل” للدكتور نبيل فاروق، وسلاسل خالد الصفتي، وقصص الأنبياء وكتب الإعلامية كاريمان حمزة، ومع نهاية المرحلة الإبتدائية، بدأت تقرأ روايات للأديب العالمي نجيب محفوظ، وقرأت كتب ومجلدات في مجالات مختلفة كانت تناقش فيهم أساتذتها وأصدقائها.
مع الوقت زاد حب فاطمة للصحف والمجلات بجانب الكتب، حتى تطلعت على جريدة “الأهرام” ووقعت في حبها، تقول: “فكرة أن تكون جريدة من عام 1875 بهذه القوة إلى وقتنا هذا فهي صرح عظيم يضم كتاب وقامات صحفية يصعب تكرارهم/ن”.
بداية قصتها مع الصحافة
حصلت فاطمة على بكالوريوس العلوم والتربية بتقدير جيد مرتفع عام 2021، ومع العام الأخير من الجامعة كانت تسير بجوار جريدة روز اليوسف العريقة، ويلفت نظرها مبناها الذي يتسم بالأصالة والفن، ويزين شارع القصر العيني، كانت تتسأل مع كل مرور لها عن وجود فرصة للتدريب وكانت تترك سيرتها الذاتية مع الإدارة في انتظار أي فرصة، تقول: “لم يتوارد إلى خيالي أنني سأصبح واحدة من صحفيات هذه الجريدة العريقة، وتفرد لي مساحات للكتابة بها”.
تلقت فاطمة اتصالًا هاتفيًا غير مسار حياتها، كان بخصوص منحة لرئيس التحرير الأستاذ أحمد الطاهري، ونشر على صفحته على موقع فيسبوك إعلان المجلة بفتح أبوابها للشباب والفتيات حديثي التخرج ولطلاب- طالبات الجامعات الراغبين/ات فى الحصول على منحة تدريبية فى كل فنون العمل الصحفي، تلقت الاتصال بفرحة كبيرة فهي تعد نفسها منذ فترة الجامعة لهذا الوقت، فكانت ترفض العمل بالتدريس بحسب دراستها الجامعية، وتستحضر كتب كليات الإعلام وتقرأ الكثير عن الصحافة.
في هذا الوقت تشابهت رغبة فاطمة بالانضمام إلى كتيبة مجلة روزاليوسف مع 1000 متقدم/ة لفرصة التدريب، لكن وقع اختيار الإدارة عليها وتم الاتصال بها لتلقي التدريب، مع الأستاذ عاطف حلمي وبتشجيع ودعم من الأستاذ محمود سماحة، ثم عملت على أول تحقيق لها عن نساء تفوقن في مهن ظلت حكرًا على الرجال، أو توصف بأنها مهن ذكورية شاقة كالحدادة والنجارة والسباكة والجزارة وغير ذلك.
المواقع والمؤسسات
بجانب عملها بالمجلة كتبت تقارير صحفية بموقع مصر360، وحضرت ورشة تدريبية مع الصحفي الكبير عماد عمر، والذي عمل مع وكالة رويترز ما أثقله بخبرات دولية استطاع نقلها للمتدربين/ات وبينهم/ن فاطمة، وتناولت الورشة “صحافة الحلول” أو كيفية إنتاج تحقيقات استقصائية في إطار صحافة الحلول لإدراك التطور الذي يطرأ على مهنة الصحافة.
وواصلت فاطمة حضور ورش تدريبية بمؤسسة المرأة الجديدة، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، والتي تهتم كلها بحقوق النساء، وتناقش تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، ما جعل ملف المرأة أولوية لها في الكتابة.
كما كتبت بموقع إضاءات، وفكر تاني، والمنصة، ومنصة إيجاب والتي نقلت بعض موضوعاتها مواقع وصحف دولية.
وعلى مدار سنوات عملها، تأثرت فاطمة بعدد من الكتاب والكاتبات، ومنهم/ن إحسان عبد القدوس، بسبب جرأته في مناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية في أسلوب السرد التخاطبي، وكتاباته المثيرة وتناوله موضوعات معقدة.
تقول: “أحببت أيضًا كتابات أمير الصحافة محمد التابعي الذي تتلمذ على يديه العديد من الصحفيين/ات، ودعته السيدة العظيمة فاطمة اليوسف في عام 1925م للانضمام لـ مجلتها إلى جانب عباس العقاد والمازني”.
وفي الوقت الحالي، تتابع فاطمة الكاتبة سكينة فؤاد، والصحفي عماد عمر، والصحفي والكاتب الكبير إيهاب البدوي.
غير أن تأثرها بأمها الشديدة دفعها للتركيز على ملف المرأة، تشرح ذلك: “بسبب تأثري بقوة أمي واهتمامها بكل تفاصيل البيت، كثفت حضوري من تدريبات ذات صلة بقضايا المرأة والچندر، وأحببت قصص النساء المصريات لأن كل امرأة لديها حكاية مهمة، وأهم التدريبات التي حضرتها مؤخرًا كانت بالمرصد المصري للصحافة والإعلام، واستفدت من المُدربات وعلى الأخص الصحفية مارسيل نظمي، والمحامية هالة دومة، وأيضًا حضرت بنفس المؤسسة ورشة عن “التغيير والعلاج بالفن”، مع الفنان جون ميلاد، وأخرى بعنوان: “اكتبها صح”، وأخرها كانت تعني باللغة الحساسة للچندر واستفدت كثيرًا من المدربات نزيهة سعيد وريم بن رجب، وحاليًا أنا عضوة بمبادرة “مؤنث سالم” المعنية بتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة للنساء الصحفيات.
موضوعات فارقة
جابت فاطمة العديد من القرى والمحافظات للبحث عن حكايات يمكنها من خلالها صناعة قصة صحفية جيدة، ومنها تحقيق عن “تجميد نساء لبويضاتها خشية التقدم في العمر وعدم القدرة على الإنجاب، وأيضًا مع مصابات بمرض السرطان ويخضعن للعلاج الكيميائي، وتقارير عن معاناة المطلقات مع قوانين الأحوال الشخصية والتطرق إلى قوانين المجلس الحسبي وتعطيل مصالح الأسر تعلق على هذه التجارب الصحفية: “كانت في غاية الصعوبة وتركت تأثيرًا كبيرًا عليّ”.
كما لعبت فاطمة دورًا مهمًا في نقل قصص بطلات مصر في دورة ألعاب البحر المتوسط، والحوارات منها على سبيل المثال حواري مع أول مايسترو امرأة بصعيد مصر، ومع الإعلامية المتميزة في الصحافة الإنسانية ريم الشاذلي، والإعلامية الفلسطينية نجوى أقطيفان، والدكتورة هدى عبد العزيز صاحبة مبادرة “محو الأمية الهيروغليفية”، والدكتورة والأديبة ريم بسيوني، والكاتبة الصحفية أنس الوجود رضوان، والعديد من الكاتبات والمبدعات.
تعتبر فاطمة كل الموضوعات قريبة لها، لكن تحقيق “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة” يحتل مكانة خاصة في قلبها، ففيه تطرقك لأمور شديدة التعقيد والقسوة منها بحث مصابين بمرض الفشل الكلوي عن متبرع بعضو، وكيف فقد أشخاص حياتهم لعدم وجود الفكرة أو صعوبات تنفيذها في الواقع، تشرح ذلك: “كشف هذا الموضوع عيني على ضعف الإمكانات الطبية في مصر، بالإضافة لقلة الوعي لدى كثير من الناس وتمسكهم بفتاوى وآراء فقهية عفا عليها الزمن، فضلًا عن ازدواجية المعايير في المجتمع.. فكان دوري سرد كل هذه الحقائق لكي أساهم ولو بجزء بسيط في رفع الوعي”.
تتذكر أيضًا تأثرها الشديد أثناء كتابة موضوع عن “قانون الولاية” الذي ينظم كل ما يتعلق بأموال القُصر، تقول: “تأثرت نفسيًا ﻷنني وأخوتي كنا نخضع لقوانين المجلس الحسبي، ورأيت تعب أمي الشديد ونحن صغار في محاولات إثبات والحصول على حقها”.
طموحات لا تنتهي
تعكف فاطمة في الوقت الحالي على كتابة رواية ومجموعة قصصية، وتطمح أن يكون لها تأثيرًا إيجابيًا لدى القراء/ات، لكن الحلم الذي سيبقى مستمرًا طوال حياتها هو الاستمرار في الكتابة، والعمل بجدية رغم كافة الظروف التي يمر بها الإعلام، تقول: “الصحافة مهنة لا يتوقف أصحابها عن السعي والعمل الدؤوب، وكل ما أرجوه في حياتي أن أظل أكتب فقط كل ما أحبه وأتحمس للكتابة عنه”.