التقارير الإعلاميةسلايدر رئيسي

الجرائد الورقية: إرث على المحك في عصر الرقمنة

 

مع تطور التكنولوجيا وتزايد الاعتماد على الوسائل الرقمية، باتت الصحف الورقية تواجه تحديات كبيرة تهدد استمرارها. ففي ظل الانتشار الواسع للإنترنت والهواتف الذكية، أصبح الوصول إلى الأخبار أكثر سرعة ومرونة، ما دفع القراء للتحول نحو المنصات الرقمية التي تقدم المحتوى بشكل تفاعلي وحديث. وبينما تحمل الصحف الورقية إرثًا ثقافيًا وإعلاميًا طويلًا، فإنها باتت تصارع اليوم للبقاء في عالم يتسارع فيه الإيقاع، حيث بات السؤال المطروح: هل يشهد العالم قريبًا اختفاء الصحف الورقية تمامًا، أم ستجد طريقًا جديدًا للتكيف مع المتغيرات؟

 

في ورقة بحثية أصدرها الصحفي محمد الشافعي، ونشرت على موقع نقابة الصحفيين، كشفت عما أفرزته “سطوة بعض الأجهزة داخل أروقة الصحافة، من تراجع شديد فى مستوى المهنية، حيث تحرص تلك الأجهزة على اختيار “الشخص الآمن”،  من دون الالتفات إلى مدى كفاءته المهنية.. وعندما يتولى مثل هذا الشخص قيادة العمل الصحفى فى جريدة أو مجلة – فمن الطبيعى أن ينهار تماماً “البناء المهنى”، ويصبح الجميع فى انتظار “التعليمات”.

 

ويوضح “الشافعي” أن شكل المانشيت لاسيما في الجرائد الحكومية الكبرى “الأهرام، الأخبار، الجمهورية” هو أحد الشواهد على تحول الأمر من إطار التعليمات إلى “الإملاء”، ” ومع هذه الأجواء اختفت كلمات مهمة من عالم الصحافة مثل “السبق – الانفراد – كشف الفساد والمفسدين – انتقاد المقصرين.. إلخ”.. وهي العبارات التى كانت تتحول إلى أخبار وتقارير وحوارات وتحقيقات صحفية ومقالات، وتقدم المعلومة الموثقة إلى القراء والأجهزة المعنية فى صياغات جذابة وملفتة للنظر.

 

يضيف: “باختفاء هذه الفنون الصحفية تراجعت المهنية، وأصبحنا ندور فى فلك صحفى “الإيميل أو الواتس”، وأمام هذا التراجع الكبير فى مستوى المهنية  عمدت كل من نقابة الصحفيين، والهيئة الوطنية للصحافة والمؤسسات الصحفية إلى إقامة دورات تدريبية فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولكن هذه الدورات لم تستطع حتى الآن إنقاذ سفينة المهنية التى كادت أن تغرق، بل إن غالبية الصحفيين الذين حضروا دورات الهيئة الوطنية للصحافة، قد خرجوا بانطباعات شديدة السلبية، وبتأكيدات أنها لم تضف لهم أى شىء على المستوى المهني”.

 

“الحرية والاقتصاد” إشكاليات تعيق الصحافة الورقية

 

خلال جلسة “تحديات الإصلاح الإداري وبيئة العمل في الصحف المصرية”، ضمن فعاليات المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين، تداول الحضور الحديث عن أزمة بشيء من التفصيل. 

 

تحدثت الكاتبة الصحفية، أمينة النقاش عن المواد (70-72) من الدستور، وترسيخها لمبادئ حرية الصحافة ورفع القيود التي تعيق تطورها، مشددة على أن الصحافة القومية يجب أن تبقى منبرًا يجمع كافة الآراء والتوجهات الفكرية والثقافية. مشيرة إلى أهمية دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي حل محل وزارة الإعلام، في تعزيز استقلالية المؤسسات الصحفية.

 

وشددت على ضرورة الفصل بين إدارة التحرير، ومجلس الإدارة لتحقيق الاستقلال الحقيقي للمؤسسات القومية، مؤكدة أن الكفاءة والجدارة، لا الولاء للسلطة التنفيذية، هما الأساس للنهوض بالصحافة. كما دعت إلى إعادة النظر في إنشاء مطبعة مشتركة للصحف الحزبية، تتيح لها حق التوزيع وتوفير دخل إضافي، مطالبة الدولة بتخصيص إعلانات للصحف الحزبية لدعمها ومساعدتها في إلغاء ديونها، أسوة بالصحف القومية.

 

وأكدت “النقاش” أن مهنة الصحافة لا يمكن أن تزدهر دون الحرية، محذرة من خطأ مقارنة أوضاع الصحافة في مصر بدول متقدمة كاليابان أو بريطانيا. مضيفة أن الإعلام يتطور بتلبية احتياجات الجمهور، مما يتطلب توسيع مساحة الحرية ودعم الدولة للصحافة باعتبارها برلمانًا شعبيًا يراقب المؤسسات ويحارب الفساد والشائعات. كما لفتت إلى أن أزمة المؤسسات الصحفية لا تقتصر على الإدارة، بل تمتد إلى التفاوت الكبير في الرواتب والأجور بين هيئة التحرير والإدارة، مشيرة إلى أن المشكلة ليست في نوعية المدارس الصحفية، بل فيمن تُخدم وتلبي احتياجاته.

 

الإصلاح الإداري: المحور الأبرز في عملية إنقاذ الصحافة الورقية

 

كما تطرق إلى التحديات التي تواجه الصحافة الورقية والإلكترونية، أبرزها المنافسة الشرسة من وسائل التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى المستقلين الذين يجذبون الجمهور نحو “الترند”، مؤكدًا أن الصحافة تخسر نفوذها وسلطتها في ظل غياب استراتيجيات فعّالة للتكيف مع التكنولوجيا. وأشار إلى أن تأخر المؤسسات الصحفية في تبني الحلول الرقمية هو أحد الأسباب الرئيسية لانهيارها، مطالبًا باستغلال التكنولوجيا والبرامج الرقمية لتطوير الصحافة وتعزيز دورها.

 

وأكد القصاص أن ضعف التدريب للجيل الجديد، وانصراف الجمهور عن القراءة، إلى جانب اعتماد بدل الصحفيين كبديل للمرتبات، حوّل المهنة إلى سلعة والنقابة إلى مجرد هدف للانتساب. وانتقد ظاهرة دفع أموال للحصول على عضوية النقابة، معتبرًا ذلك جزءًا من الفساد الذي يهدد الصحافة.

 

واختتم بدعوة لتشريع قانون عادل لنقابة الصحفيين يتضمن لائحة أجور منصفة، وإلغاء نظام البدل الذي أسهم في تراجع المهنة، مشددًا على ضرورة تأسيس إدارة قوية تُمكّن الصحفيين من العمل بحرية وإبداع بعيدًا عن التوجيهات والإملاءات.

عصر الرقمنة: منافسة شرسة في مواجهة الصحف الورقية

أوضح الدكتور محرّز غالي، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن المؤسسات الصحفية، سواء التقليدية أو الرقمية، تواجه منافسة شرسة من محركات البحث مثل Google، إلى جانب أزمات مالية وإدارية متفاقمة. وشدد على أهمية البحث عن مصادر تمويل بديلة، مشيرًا إلى ضرورة احترام قيمة البحث العلمي والتطوير، من خلال إنشاء إدارات متخصصة لدراسة التمويل واستراتيجيات السوق.

 

وأشار غالي إلى نماذج مبتكرة يمكن أن تساهم في إنقاذ المؤسسات الصحفية، منها:

  1. نموذج الرعاية: كما هو الحال مع صحيفة “الجارديان” البريطانية، التي اعتمدت على دعم مباشر من القراء والجهات الراعية.

 

  1. نموذج العضوية: الذي يتيح للمشتركين ميزات خاصة مقابل اشتراك سنوي، مثل حضور جلسات تحريرية، التعبير عن آرائهم عبر منصات الصحيفة، والاطلاع على إصدارات حصرية. واستشهد بنجاح صحيفة “الجارديان” في جذب حوالي 500 ألف مشترك خلال العام الأول من تطبيق النموذج، ومبادرة “نادي قراء الأهرام”.

 

  1. نموذج الشراكة الاستثمارية المختلطة: الذي يشمل دخول المؤسسات الصحفية والإعلامية في شراكات مع قطاعات ذات صلة، مثل السينما، الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، لتوسيع مصادر التمويل بعيدًا عن الأساليب التقليدية.

 

واختتم غالي بأن التوجه نحو هذه النماذج يعد ضرورة ملحّة لضمان استمرارية المؤسسات الصحفية واستعادة تأثيرها وسط المنافسة المتزايدة.

وفي تقرير سابق صدر عن المرصد المصري للصحافة والإعلام، أشرنا إلى كيفية تأثير التراجع في إصدار وتوزيع الجرائد الورقية على الصحافة، ففي 15 يوليو 2021، أعلنت الصحف المسائية القومية الكبرى في مصر وداعها للنسخ الورقية وتحولها إلى منصات رقمية، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وانتقادات حادة. 

 

وتناول التقرير كيف جاء القرار ضمن خطة لتطوير المؤسسات الصحفية وإعادة هيكلتها لمواجهة أزمات مالية وإدارية مستفحلة، ووسط منافسة قوية من الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي. بالتزامن مع انخفاض الإعلانات وارتفاع تكاليف الطباعة، حتى بدأت تدريجيًا تفقد الصحف الورقية مكانتها لصالح الإعلام الرقمي الذي يتيح نقل الأخبار لحظيًا وبأشكال متعددة. 

 

هذا ما فسره بالتحليل، الدكتور أحمد شحاتة أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام جامعة بني سويف، مرجعًا سبب إصدار قرارات الغلق لبعض الصحف الورقية ذات الاسم العريق، إلى معاناة الصحف المطبوعة من قلة الإعلانات التي تدر أرباحًا، فضلًا عن انخفاض نسب التوزيع وارتفاع أسعار الورق وأدوات الطباعة، ما أدى إلى توقف إصدارات العديد من الصحف الورقية في السنوات الأخيرة الماضية.

غير أنه ورغم تحديات العصر الرقمي، تمكنت بعض الصحف الكبرى عالميًا من التكيف عبر الاستثمار في المحتوى الرقمي المدفوع. ومع توقع استمرار اندثار الصحافة الورقية عالميًا، يصبح تدريب الصحفيين على الأدوات الرقمية وتحليل البيانات ضرورة ملحة لضمان استمرار الصحافة في المشهد الإعلامي الحديث.

 

التكيف مع البيئة الرقمية المتغيرة

كما أوصى التقرير بما تتبناه المؤسسة من ضرورة التكيف مع البيئة الرقمية المتغيرة، من خلال الانتقال من الصحف الورقية إلى الصحافة الرقمية التي باتت يضرورة حتمية. فوفقًا لدراسة أجرتها منظمة “بيو” للأبحاث، فإن نسبة كبيرة من الجمهور أصبحت تعتمد على الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار، لذا، يجب على الصحفيين/ات أن يكونوا ملمين/ات بطرق إنتاج المحتوى الرقمي، بما في ذلك التحرير الرقمي، وتصميم المواقع، وتحليل البيانات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى