كيف يستقبل أهالي الصحفيين المحبوسين شهر رمضان؟

يعتبر شهر رمضان ذا طبيعة خاصة في مصر، حيث يستقبل المصريون الشهر الكريم بالاحتفالات معبرين عنها بتعليق الزينة في البيوت والشوارع والفوانيس، إضافًة إلى التجمعات العائلية، لكن هناك بيوت في رمضان خفت وهجها بسبب غياب أحد أفرادها.
وثق المرصد المصري للصحافة والإعلام، مع أهالي الصحفيين المحبوسين على ذمة التحقيق في قضايا النشر، مشاعر استقبال شهر رمضان في ظل غياب رب الأسرة.
أول رمضان من غيرك
اعتاد محمد في الصف السادس الابتدائي، على تعليق زينة رمضان مع والده مقدم البرامج بموقع ذات مصر أحمد سراج، حتى قررت نيابة أمن الدولة العليا تجديد حبس سراج احتياطيًا على ذمة الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، في القضية رقم 7 لسنة 2025 لمدة 15 يومًا، ما حرم محمد من مشاركة والده في تعليق الزينة.
لم تكن جعبة نورا محمد، زوجة الصحفي، فارغة من الحيل لتخفيف الوضع على محمد وأخوته الثلاثة، التي أمسكت بالزينة وقررت ألا تحرم أبنائها من مشاعر استقبال الشهر: “صحة الولاد النفسية كانت تعبانة كنت بقولهم هو كويس وانتوا فاهمين.. أنتوا كبار، بتعامل معاهم بطبطة وبحاول أخرجهم”.
تواجه نورا_ربة منزل_ أعباءً اقتصادية إضافية مع دخول شهر رمضان في ظل غياب “سراج”، ويعزز “رمضان” وفصل الربيع الاستهلاك والإنفاق في السوق العربية، وفقًا لموقع “CNBC” عربية، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الأسر المصرية.
أوضحت زوجة سراج أن كل هذه الضغوط تَسكُن حين تطمئن على زوجها: “هو بيتعامل باحترام جدًا داخل السجن، أخوه زاره في أول يوم رمضان وهو كويس بيطمنا”.
“طبخة” رمضان
لم تعتد ندى قضاء شهر رمضان دون رسام الكاريكاتير أشرف عمر، تتذكر الإفطار للعائلتين في أول يوم رمضان ما يشعرها بدفء، إلى جانب تبادل السحور في بيوت أحد الأصدقاء: “كل ده السنة دي محصلش، حاسين بغيابه بشكل فظيع في البيوت ومع أصدقائنا”.
يمثل اختيار وجبة الطعام حيرة لربة الأسرة، إلا أنه مع وضع أشرف في السجن يتحول إلى معادلة شاقة، إذ يعتبر الطعام جزءًا من تراث المصريين في إحياء طقوس الشهر الكريم: “أنا دلوقتي كل اللي بفكر فيه إني إزاي ابعت له أكل في للزيارة، بحاول احضر له حاجة رمضانية”.
وتابعت: “لكن الحاجات المتاحة والمسموحة بالدخول قليلة جدًا مثلًا: المحشي ممنوع وأي حاجة بتتلف ممنوعة والعيش ممنوع رغم أنه مش ممنوع في الجنائي، لا المحاشي ولا الكفتة ولا الحمام مسموحين”.
في الوقت الذي يصعب على ندى مغيث الوقوف لإعداد وجبة واحدة لنفسها، تفكر في ابتكار أكلات مناسبة لرمضان وفي نفس الوقت مسموح بدخولها، من أجل رسام الكاريكاتير.
تشعر ندى ببهجة زيارة أشرف، إلا أنها ترى من ملامحه الضيق: “بشكل عام غيابه صعب لكن لما يكون في احتفالات جماعية فالألم يكون متضاعف 10 آلاف أضعاف”.
تدرك ندى المفارقة أن اليوم الموافق 11 من مارس 2025، هو موعد تجديد الحبس الاحتياطي لأشرف عمر على ذمة القضية رقم 1968 لسنة 2024 حصر أمن الدولة العليا، قائلة: “خرجوا الناس تفرح مع عائلتها في أول رمضان بدال حالة الاكتئاب الجماعي”.
تسجيل غياب
يمسك خالد ممدوح الصحفي، الزينة ليعلقها في أرجاء المنزل بمعاونة أولاده الأربعة، ثم يجهز نفسه لإعداد أول سحور في رمضان، وفي التراويح يؤمهم إذا تعذر عليه الذهاب إلى المسجد، مشهد اعتادت عليه أسرة الصحفي إلا أنه لم يحدث هذا العام.
قُبض على ممدوح في 16 يوليو 2024، المحبوس على ذمة التحقيقات في القضية رقم 1282 لسنة 2024 حصر أمن الدولة العليا، وفي نفس السياق قالت مفيدة كامل زوجة خالد ممدوح، في مكالمة هاتفية للمرصد المصري للصحافة والإعلام، :”كان متواجد معانا زي أي بيت مصري كل الحاجات دي مبقتش موجودة.. كان بيشارك معنا كل حاجة”.
يمسك خالد “ريموت كنترول” التلفزيون ليشاهد المسلسل مع ابنيه إسلام وشهاب: “هو حنين وطيب، كان يحب الكرة و يتابع الدوريات العالمية زي الدوري الإنجليزي، كان بيتكلم مع شهاب وإسلام عنها”.
يشعر ممدوح بالاستياء من عدم وجوده وسط عائلته: “بيبقى قلقان علينا، أقصى حاجة نقعد معاه نص ساعة”. يبعد سجن أبو زعبل الموجود في محافظة القليوبية عن محافظة القاهرة 30 كيلو مترًا، ما يجعل هناك مشقة على عاتق مفيدة من المقطم إلى السجن.
وقالت زوجة الصحفي خالد ممدوح: “ياريت يخرجوهم لأسرهم إحنا مش حاسين بأي مظاهر، افرجوا عن الناس علشان خاطر أهاليهم.. هو المحبوس مش محبوس لوحده لكن عائلته كلها محبوسة طول الوقت قلقانين وفي لخبطة في الحياة”.
حديث الذكريات
يمر على ميرنا حمدي الزعيم شهر رمضان لخامس مرة دون وجود والدها، الذي وجهت له نيابة أمن الدولة العليا في 16 من يناير 2021 تهم نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية.
وقالت ميرنا حمدي الزعيم في مكالمة هاتفية مع المرصد المصري للصحافة والإعلام: “بنحس بفراغ كبير خاصة في لحظات الإفطار ولمة العيلة والإحساس بوجوده ناقص بيبقى موجود”.
وأضافت: “بابا كان ليه طقوس ثابتة في رمضان مينفعش تعدي من غيرها أول رمضان، لازم يجيب فانوس أو عروسة وكان لازم يخرج مع إخواتي الصغيرين قبل الفطار يلعبوا بالصواريخ أو يعلمهم يركبوا العجل وكمان كان بيساعدنا في تحضير الفطار”.
يحاول الزعيم بعد مرور 5 سنوات التأقلم داخل محبسه، رغم “حالته النفسية السيئة” كما تصف ميرنا، من خلال تعليق زينة مع زملائه أو تحضير وجبة الإفطار أو السحور.
وأضافت ميرنا: “ضحكته.. لمّته معانا قبل الفطار.. حتى التفاصيل الصغيرة زي إنه يساعد في تحضير الأكل أو يلعب مع إخواتي الصغيرين، بيخلينا طبعًا متأثرين جدًا وبنحاول نتمسك بالذكريات”.