بروفايلسلايدر رئيسي
زينب توفيق.. صحفية من الهامش تصنع صوتًا لا يمكن تجاهله

في قرية بسيطة بإحدى مراكز محافظة المنيا، وُلدت زينب محمد توفيق حسن، المعروفة مهنيًا بـ”زينب توفيق”، لتكبر في بيئة لم يكن العمل في الصحافة والإعلام مألوفًا أو مرحبًا به. كانت عائلتها تفضل أن تسلك طريقًا تقليديًا أكثر، وتحديدًا دراسة الطب، مثل شقيقتها. لذا، أصر والدها على التحاقها بالثانوية العامة شعبة علمي علوم، معتقدًا أن الإعلام لا يناسب الخلفية الاجتماعية للأسرة، بل وكان يرى أن “الواسطة” هي السبيل الوحيد للعمل في هذا المجال، وهي لا تملك منها شيئًا.
لكن القدر كانت له كلمة أخرى؛ التحقت زينب بكلية الآداب، جامعة المنيا، قسم الإعلام، وتخرجت بتقدير 92%، عام 2011. منذ اللحظة الأولى، كانت تعرف تمامًا ما تريد: أن تكتب، أن تحكي، وأن تكون لسانًا لمن لا يُسمع له صوت. أثناء سنوات الدراسة، حرصت على الالتحاق بعدة تدريبات صحفية، وطورت مهاراتها في اللغة، والبحث عن المعلومات، وصناعة القصة الصحفية.

بعد شهر فقط من تخرجها، بدأت أولى خطواتها المهنية بتدريب في مكتب جريدة “الوفد” في المنيا، ثم عملت كمحررة في جريدة “المراقب الإلكترونية”، مرورًا بجريدة “الفجر”، ووكالة أنباء “مصر البلد”، قبل أن تستقر في جريدة “الأسبوع”، ومن ثم موقع “تليجراف مصر”، إلى جانب التعاون مع عدد من المواقع الإخبارية الأخرى. كانت البدايات صعبة، لكنها حافلة بالإرادة والتعلُّم، وكان الدافع الدائم لديها: نقل صوت البسطاء، والعمل على قضايا أهالي محافظتها التي لم تحظَ يومًا باهتمام كافٍ.
تغيّرت نظرة العائلة مع مرور الوقت، حين رأوا أثر ما تكتبه زينب يصل إلى المسؤولين، ويساعد أهالي قريتها والمناطق المجاورة. بالإصرار والتطور، تحوّلت نظرة التشكيك إلى دعم وفخر.

من بين المحطات التي كان لها أثر بالغ في حياتها المهنية، تأتي تغطيتها لأحداث دلجا عام 2013 في بداية عملها بـ”الأسبوع”، حيث استطاعت، رغم خبرتها البسيطة وقتها، أن تنقل المشهد باحترافية لفتت أنظار زملائها في الوسط الصحفي. كما قدمت تحقيقًا استقصائيًا حمل عنوان “وما زال الفساد مستمرًا…”، وثّق بالمستندات حيازات وهمية لأكثر من 100 فدان ببني مزار في المنيا، وحالات تلاعب في القروض البنكية، إلى جانب الجمع بين معاشين بوثيقة واحدة.
أما أكثر أعمالها تأثيرًا على نطاق واسع، فكان فيديو نشرته عبر “تليجراف مصر” لوزير الصحة أثناء حديثه مع مريض كُلى، اشتكى من طول فترة الانتظار، فرد الوزير: “طيب اشكرنا الأول على الخدمة”. انتشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل معه الجمهور بشكل واسع، وكتب أحدهم تعليقًا لا تنساه زينب حتى اليوم:
“اللي عملته زينب.. رجعتينا للصحافة بتاعت زمان، للصحافة الميدانية.”

واجهت زينب تحديات لا حصر لها، من بينها الصعوبات المادية التي يتكبدها صحفيو الأقاليم؛ حيث لا يحصلون على بدل انتقال أو دعم لوجيستي، رغم اضطرارهم للتنقل من قرية إلى أخرى لتغطية الأحداث. كما يُطلب منهم أحيانًا تغطية جميع التخصصات من السياسة إلى الفن، ما يفرض أعباء إضافية على الصحفي المحلي.
ورغم كل ذلك، لم تتوقف عن السعي للحصول على الانفرادات والمعلومات، والعمل على الملفات الصعبة، خصوصًا في قطاع الصحة، حيث تواجه العديد من المؤسسات الصحفية صعوبة في النشر خوفًا من التداعيات.
في الوقت الحالي، تُكرّس زينب جهودها لمتابعة ملف الاعتداءات والتحرش بالأطفال واستغلالهم، وهو ملف إنساني بالغ الحساسية، لكنه يحتاج إلى صحفية لا تهاب، تعرف الطريق إلى الضحية، وتعرف كيف تروي الحكاية دون استغلال، بل بإضاءة تسلطها على الحقيقة فقط.
أما طموحها في السنوات المقبلة، فهو الحفاظ على المصداقية والنزاهة وسط زحام من التحديات التي تضرب الصحافة من كل اتجاه. تؤمن بأن أخلاقيات المهنة ستبقى حجر الزاوية في العمل الصحفي، وأن الصحافة الجيدة لا تموت، حتى مع اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي للساحة الإعلامية.
وأخيرًا.. تؤمن زينب بأن النجاح في الصحافة ليس رهينًا للمكان، بل للشغف، والموهبة، والمثابرة. من يملك عينًا ترى، وقلبًا يشعر، وعقلاً يكتب، قادر أن يجعل صوته مسموعًا، مهما ابتعد عن مركز الضوء.