بروفايلسلايدر رئيسي

محمد الخولي: صحفي يُجيد الإصغاء لصوت المهمّشين

محمد الخولي: صحفي يُجيد الإصغاء لصوت المهمّشين ويؤمن بقوة الكلمة

بدأت علاقة محمد الخولي بالصحافة كقارىء شغوف، ثم كاتب شاب يحاول النشر رغم صعوبة الوصول إلى منصات إعلامية من بلدته بمحافظة كفر الشيخ.

لكنّ شغفه لم يتوقف، واستمر في متابعة صحف مثل “الدستور” و”الأسبوع” و”الأهرام” و”الأخبار” حتى حصل في سنته الأخيرة بالجامعة على فرصة تدريب في مؤسسة الأهرام، والتي لم يجد نفسه فيها. هذه التجربة تركت أثرًا كبيرًا بداخله، إذ أدرك أن هذا النوع من الصحافة لا يشبهه، وأيقن أن الصحافة، مثلها مثل الحياة، متعددة الأوجه، وأن ميوله تنتمي إلى الصحافة القريبة من الناس، كما تقدمها صحيفة “الدستور”.

خطوات ومحطات مهنية:

الخولي تخرّج في كلية الآداب، قسم الصحافة، عام 2006، ثم انتقل إلى القاهرة فور تخرجه، والتحق بصحيفة “الدستور” التي كانت تستعد لإصدار نسختها اليومية، ما منحه فرصة مبكرة للنشر. بدأ محررًا لأخبار المحليات، يغطّي شؤون محافظة القاهرة، خاصة المتعلقة بجودة السكن. هناك، التقى “قاهرة” مختلفة، بعيدة عن الصورة النمطية؛ قاهرة “قلعة الكبش” و”بطن البقرة” و”مثلث ماسبيرو” و”الدويقة”، حيث غطّى حادثة انهيار صخرة المقطم عام 2008، التي راح ضحيتها العشرات، وكانت تجربة شديدة القسوة على المستوى الإنساني والمهني.

شارك أيضًا في تغطية أزمة “جزيرة القرصاية” وصراع سكانها ضد محاولات التهجير. وفي تلك السنوات، ما بين 2008 و2010، تصاعدت الحركة العمالية، فكُلّف بمتابعة هذا الملف، فوثّق الإضرابات والاعتصامات في السكك الحديدية ومترو الأنفاق والنقل العام، إضافة إلى عمال غزل كفر الدوار والمحلة الكبرى وموظفي الضرائب العقارية.

مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات:

في أكتوبر 2010، ترك صحيفة “الدستور” عقب إقالة رئيس تحريرها إبراهيم عيسى. وجد نفسه فجأة بلا عمل، لكن لم يمضِ وقت طويل حتى انطلقت ثورة 25 يناير، وأسس إبراهيم عيسى صحيفة “التحرير”، وكان محمد الخولي من بين مؤسسيها. هناك، كُلّف بتغطية أعمال أول برلمان بعد الثورة، في تجربة جديدة كمحرر برلماني، تابع فيها سير العملية التشريعية ومناقشات المسؤولين. وبعد حل البرلمان، انتقل لتغطية الحركات السياسية والأحزاب.

يقول في حديثه للمرصد، إن الثورة أثّرت على مسيرته المهنيّة بقدر تأثيرها على المجال العام، وفتحت أمامه آفاقًا جديدة، من بينها الكتابة في صحيفة “الأخبار” اللبنانية، والعمل كمعدّ برامج “تلت التلاتة” و”الحوار مستمر” مع الإعلامي عمرو خفاجي على فضائية “أون تي في”.

في عام 2017، خاض تجربة مختلفة تمامًا، حين التحق بالمكتب الإقليمي لوكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” في القاهرة. ثم في نهاية عام 2021، تلقى دعوة من موقع “المنصة” للمشاركة في إعداد تحقيقات وتقارير صحفية مستقلة. وبعد فترة من التعاون كـ”فري لانسر”، انضم لفريق العمل بدوام كامل في يوليو 2023، ولا يزال يعمل به حتى اليوم.

دعم واحتفاء أسري:

خلال مسيرته، كان الخولي محظوظًا بدعم أسرته، وعلى رأسهم والده الذي قدّم له دعمًا غير محدود، بدءًا من منحه حرية اختيار الدراسة، إلى تحمّله نفقات إقامته في القاهرة في سنوات العمل الأولى دون مقابل مادي. أما زوجته وزميلته رنا ممدوح، فكانت الداعم الأهم لمسيرته، إذ وفّرت له المساحة الكاملة للتجريب، ولا تزال أول من يقرأ كتاباته وسنده الحقيقي في كل خطوة.

رغم أنه لم يحصل على جوائز أو تكريمات رسمية، إلا أن واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في مسيرته جاءت في نهاية عام 2008، حين زاره مواطن من إحدى قرى الصعيد إلى مقر “الدستور” ليشكره على تحقيق صحفي كتبه عن أزمة الصرف الصحي في قريته. أهداه الرجل شهادة تقدير بسيطة في شكلها، لكنها كانت غالية في معناها، ومثالًا نادرًا على أثر الصحافة حين تكون منحازة للناس.

يعتبر الخولي أن محطتين شكّلتا شخصيته المهنية: صحيفة “الدستور” حيث عايش البدايات والدهشة الأولى ورأى اسمه مطبوعًا لأول مرة، وسط نخبة من الزملاء الذين شكّلوا له بيئة عمل صادقة وداعمة، مثل: خالد السرجاني، مصطفى بسيوني، عمرو بدر، رضوان آدم، سيد تركي، رحاب الشاذلي، بيسان كساب، رنا ممدوح، هدى أبو بكر، وصفية حمدي. أما المحطة الثانية، فهي “المنصة”، التي كانت بمثابة عودة للكتابة الصحفية التي يحبها، بعد سنوات قضاها في إعادة صياغة الأخبار في “سبوتنيك”. ففي “المنصة” وجد بيئة تشجّع على التجريب وتعيد إحياء روح الصحافة داخله.

تحديات وطموحات:

يدرك الخولي أن العمل الصحفي لا يخلو من التحديات، سواء في مواكبة التكنولوجيا أو إتقان مهارات متعددة مثل اللغة الإنجليزية والتصوير والمونتاج وصحافة الفيديو، لكنه تجاوز الكثير من هذه العقبات، ولا يزال يطمح لتطوير أدواته المهنية بشكل مستمر، إيمانًا منه بأن البقاء في المهنة يتطلب تعلّمًا لا يتوقف.

يركز الخولي في الوقت الراهن على ملف الفئات المهمشة والحراك الاجتماعي، خاصة قضايا السكن. ويتابع عن كثب تطورات أزمة قانون الإيجار القديم، سعيًا لتقديم تغطيات إنسانية دقيقة تكشف أثر السياسات العامة على حياة الناس.

طموحه في المستقبل بسيط لكنه عميق: أن يظل قادرًا على ممارسة الصحافة التي يحبها ويؤمن بها، دون أن يحول بينه وبينها أي عائق، لأنها وسيلته  لفهم العالم، والتأثير فيه، والانحياز لما هو إنساني وعادل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى