أزمة “جريدة الفجر” عرض مستمر.. رواتب متأخّرة ومستقبل غامض

وثّق المرصد المصري للصحافة والإعلام، في 10 سبتمبر 2025، اتصالًا هاتفيًا مع أحد أعضاء مجلس التحرير بجريدة الفجر (رفض ذكر اسمه)، حول آخر تطوّرات أزمة الأجور داخل المؤسسة، والتي ألقت بظلالها على أوضاع الصحفيين/ات والعاملين/ات فيها خلال الأشهر الماضية.
وقال المصدر إن معاناة الصحفيين/ات لا تقتصر على العاملين/ات بالإصدار الورقي فحسب، بل تشمل أيضًا العاملين/ات بالموقع الإلكتروني؛ حيث لم يتقاضوا رواتب ثلاثة أشهر متتالية، هي: يونيو ويوليو وأغسطس 2025، مشيرًا إلى أن الإدارة تبرر هذا التأخير بعبارة متكررة: “الشيكات لم تصل بعد”.
وأضاف أن بعض الصحفيين/ات حاولوا سابقًا تقديم شكاوى رسمية إلى نقابة الصحفيين، إلا أن النقابة أبلغتهم بأنها تتابع الأزمة مع الإدارة، وأن الحل في طريقه، داعيةً إياهم إلى عدم التصعيد في الوقت الراهن.
وأوضح المصدر أن المواعيد المُعتادة لصرف الرواتب تكون خلال أسبوعين من بداية كل شهر؛ ما يعني أن المدة المقررة لصرف راتب سبتمبر لم تنتهِ بعد.
رواتب متأخرة وحياة مُعلّقة
وراء هذه الأرقام، يعيش عشرات الصحفيين/ات والعاملين/ات حالة من القلق اليومي، ليس فقط بسبب تأخّر الرواتب، بل نتيجة غياب أي رؤية واضحة للمستقبل.
هذه الشهادات تعكس حجم الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعيشها الصحفيون/ات، في وقت يتزايد فيه شعورهم بغياب الحماية، وسط صمت من الإدارة، وغموض يحيط بعلاقة الملكية، وانعدام التواصل مع المسؤولين.
صمت إداري وغموض في الملكية
كشف عضو مجلس التحرير، عن غياب قناة تواصل واضحة بين الصحفيين/ات والإدارة، خصوصًا بعد الإعلان عن أن النسبة الأكبر من ملكية الجريدة، أصبحت للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
وقال: “نحن نعمل كمّن يسير في طريق مظلم، لا نعرف إلى أين نتجه، ولا من المسؤول عن مصيرنا، نُرسل أسئلة للإدارة، فلا يرد أحد، ونحاول التواصل مع الشركة المالكة فنصطدم بجدار من الصمت”.
ورغم الإعلان عن امتلاك الشركة المتحدة لحِصة الأغلبية في الفجر، إلا أن اسم الجريدة لا يظهر ضمن القائمة الرسمية للمؤسسات المملوكة للشركة على موقعها الإلكتروني، ما يثير تساؤلات واسعة حول طبيعة العلاقة، ويزيد من غموض المشهد.
أجور أقل من الحد الأدنى وحضور شبه معدوم
أوضح المصدر أن رواتب الصحفيين/ات، خصوصًا في الموقع الإلكتروني، تقل بكثير عن الحد الأدنى للأجور الذي حددته الحكومة.
ويضم الموقع الإلكتروني نحو 150 صحفيًا، بينما يبلغ عدد العاملين في الإصدار الورقي قرابة 40 صحفيًا/ة.
يعمل صحفيو/ات الموقع عن بُعد بسبب انقطاع خدمة الإنترنت في مقر المؤسسة، في حين يلتزم صحفيو/ات الإصدار الورقي بالحضور يومي الإثنين والثلاثاء فقط، لإعداد العدد الأسبوعي، دون وجود نظام حضور وانصراف رسمي مثل البصمة أو الجداول الثابتة.
مقارنة مع صحف أخرى
أبدى المصدر تعجبه من طريقة تعامل الشركة المتحدة مع جريدة الفجر، مُقارنةً بتعاملها مع صحف أخرى، مثل الأسبوع وصوت الأمة.
ففي تلك المؤسسات، تم العمل على إعادة هيكلة الأجور، وتطوير بيئة العمل، ووضع نظام صارم للحضور والانصراف، بينما بقيت الفجر كما هي دون أي تطوير إداري أو مالي، ودون إعلان رسمي عن الخطط المستقبلية.
وقال: “لم يتم عقد أي اجتماع مع العاملين/ات لإبلاغهم بتفاصيل التغييرات في الملكية، أو الحديث عن مستقبل المؤسسة، وخطط تطويرها، نحن نعمل في صمت، ولا نعرف ما يجري حولنا”.
أزمة ممتدة منذ أشهر
الأزمة الحالية ليست مفاجئة، بل تمثّل حلقة جديدة في سلسلة من الأحداث التي تابعها المرصد المصري للصحافة والإعلام على مدار الأشهر الماضية؛ ففي أغسطس 2025، توقفت طباعة الجريدة لثلاثة أعداد متتالية، وهو التوقف الثامن خلال عشرة أشهر، ما كشف عن عمق الأزمة المالية.
كما سبق أن رصد المرصد شكاوى الصحفيين/ات من تأخر صرف الأجور لأربعة أشهر متواصلة، وتراجع شديد في بيئة العمل، ونقص حاد في الموارد التشغيلية.
إضافةً إلى ذلك، أظهرت تقارير المرصد ارتباكًا كبيرًا في ملف الملكية؛ حيث تباينت المعلومات بين استمرار المُلاك الأصليين، أو دخول الشركة المتحدة كشريك، أو ارتباط الأزمة بعقود إعلانية لم يتم سداد قيمتها.
الفجر نموذج لأزمة الصحافة الورقية
تعكس أزمة جريدة الفجر صورة أوسع لأزمة الصحافة الورقية في مصر، التي تواجه تحديات غير مسبوقة من ارتفاع تكاليف الطباعة وتراجع الإعلانات، إلى التحوّل السريع نحو المنصات الرقمية.
وتُظهر الأزمة كيف يمكن لغياب الشفافية وضعف الإدارة أن يفاقما التحديات؛ حيث تتآكل الموارد وتُهمل حقوق الصحفيين/ات، مما يجعل العمل الصحفي مهددًا على المستويين المهني والمعيشي.
زر الذهاب إلى الأعلى