كيف دفعت أزمة “كورونا” الصحفيين إلى تطوير مهاراتهم؟ (تقرير)
حينما يُقبل الليل، وينام الصغار، تدلف سريعًا نحو جهاز اللابتوب الخاص بها، لإنهاء أعمالها المؤجلة، من كتابة أو مونتاج، أو للبحث عن أفكار تصلح للعمل عليها، في قناتها الخاصة على اليوتيوب، وإذا حالفها الحظ، واستيقظت في الصباح الباكر، فلا تتردد في القيام بنفس المهمة، ففي كثير من الأحيان، ومع رتم الحياة اليومي المُكرر، تقف رحاب لؤي (مُحررة في الوطن)، عاجزة عن استكمال ذلك، خاصةً مع وجود أطفال.
ولكونها (زوجة)، و(أم)، و(صحفية) أيضًا، تسعى رحاب أو “أم يونس”، مثلما يُناديها أصدقاؤها، إلى تجديد شغفها المستمر نحو التعلم، خاصةً بعد ولادة ابنتها (سلمى)، التي احتفلت بعيد ميلادها الأول، منذ شهرين، ويساعدها على ذلك، الأجواء المضطربة التي صاحبت انتشار فيروس كورونا أو (كوفيد ـ 19) وفرض حظر التجوال، واضطرار معظم المؤسسات الصحفية إلى منح الصحفيات فرصة العمل من المنزل، لرعاية أبنائهن.
تقول رحاب في حديثها مع المرصد المصري للصحافة والإعلام، إنه بسبب” كورونا”، توقف كل شيء كانت تخطط له، وازداد الوضع تعقيدًا، ولم يتبقى سوى حلم قديم، عملت على تحقيقه، خلال الفترة الأخيرة، وهو إنشاء قناة على اليوتيوب، أسمتها “ماما“، تقدم من خلالها، مجموعة من الفيديوهات القصيرة عن موضوعات يغلب عليها الطابع الاجتماعي، وعنها تقول: “القناة بدأتها في شهر يناير اللي فات.. كانت لسه الكورونا في أولها، وحسيت إن دا يكاد يكون الشيء الوحيد، اللي عارفة أقدم فيه حاجة من واقع حياتي دلوقتي.. وكمان هي حسستني إن الوقت اللي بيعدي في اليوم مابيروحش هدر”.
لم تدع رحاب فرصة للتعلم إلا وبادرت باقتناصها، على الرغم من الإمكانيات المحدودة، وضيق الوقت، وطلبات الأطفال، اللا محدودة؛ فهي تُجاهد دائمًا في أن تعدل بين الكفتين، بحيث لا تؤثر إحداهما على الأخرى، إذ أنها حرصت على تعليم نفسها بنفسها أمور المونتاج، حتى تتمكن من تطبيقه، على مقاطع الفيديوهات، التى تبثها على قناتها الخاصة، وهو ما نجحت فيه، لاسيما بعد إقدامها على شراء هاتف جديد، بكاميرا جيدة، تساعدها في التصوير بشكل أفضل، ومساحة تخزين كبيرة، تكفي لتحميل تطبيقات خاصة بالمونتاج، وتعديل الصور وما إلى ذلك، فالقناة بالنسبة لها هي الشيء الوحيد الذي يعطيها الأمل، خلال المرحلة الحالية، ويمنع عنها أحيانًا الشعور باليأس والإحباط.
وعن اختيارها للوقت المناسب الذي تقوم فيه بالتسجيل، مع وجود طفلين، أكبرهم 6 سنوات، تقول: “إما بصحى بدرى مثلًا الساعة 6 الصبح، أو بعد ما يناموا”.
ولم يفُت على رحاب أن تستفد من الجلسات النقاشية والويبنارات، التي تُبث على الفيسبوك، وتنظمها مؤسسات عربية ودولية بصفة مستمرة، لمساعدة الصحفيين على تطوير إمكانياتهم، وإثقال مهاراتهم المهنية، فهي تشارك مع كل فرصة تُتاح أمامها، طالما سمح الوقت بذلك.
وعلى اعتبار أنها تعمل في مجال الصحافة، منذ 13عامًا، فقد تأثرت كثيرًا بالجلوس في المنزل، فهي لم تعتد على ذلك كل هذه المدة، وعن تلك الحالة، وصفت نفسها، قائلة: “أنا بمر بحاجة ماكنتش متصوراها، ولا حتى مخططة لها، وهي الجلوس في المنزل، والشيء الوحيد اللي مصبرني على دا هي القناة، وعشان ما وصلش لحالة يأس، بحاول أسند نفسي بنفسي، حتى لو مش جايب النتيجة اللي عاوزاها، وفكرة إني بتعلم كل يوم حاجة ولو بسيطة وعلى قد إمكانياتي، دا بيشجعني أكتر إني أكمل واستمر في تطوير نفسي، حتى لو مش لاقية الدعم اللي أستحقه”.
وبما أنها حاصلة على جائزة معهد “جوتة” في الصحافة العلمية، تفكر رحاب في المرحلة المقبلة، في أن تقدم من خلال قناتها، مجموعة من الحقائق العلمية ـ مدعومة بالمصادرـ لمساعدة الأمهات على تربية أبناءهن بطريقة سليمة وصحية، خاصةً وأنها تجيد أعمال البحث والترجمة.
ومن ألمانيا؛ حيث يقضي أحمد لملوم، صحفي مستقل، منحته الدراسية التي بدأها في سبتمبر، من العام الماضي، تمهيدًا لحصوله على درجة الماجستير في الإعلام الدولي.
يقول أحمد في حديثه مع “المرصد” أن الوضع حاليًا أفضل كثيرًا عن بداية الأزمة، فمعظم المطاعم والمحال التجارية فتحت أبوابها من جديد، إلا أن التشديد على إجراءات السلامة الوقائية، أصبح ضرورة حتمية.
وعن تأقلمه مع ظروف الاغتراب وسط أزمة كورونا، قال: “الحياة في ألمانيا كشخص أجنبي، بتخلي الواحد في عزلة شوية، يعني عدد المعارف والأصدقاء محدود، فلو هقابل حد هيكون شخص واحد او اتنين أقصى حاجة”.
لم تكن الدراسة عائقًا أمامه في أن يظل متابعًا لتطورات الجائحة، وأن يشارك فيها كـ (صحفي) حتى وإن لم يكن ذلك بدوام كامل، مما دفعه إلى اللجوء للعمل بشكل مستقل (فري لانس)، فالصحافة من وجهة نظره “مهنة ومجال عمل، لازم الواحد يفضل متابع طول الوقت ومينفعش يبعد لفترة طويلة.. وعشان كدا بحاول بين كل فترة والتانية أشتغل على تقارير أو قصص صحفية، فتواصلت مع كذا موقع بيقبل موضوعات من صحفيين مستقلين.. وكل ما وقتي يسمح بعمل شغل وأبعت لهم”.
وعلى الرغم من كونه غير متخصص في الصحافة العلمية، لكنه آثر الكتابة فيها؛ حيث انفرد بعمل حوار مع تورستن شولر، المتحدث باسم الشركة الألمانية المُصنعة للقاح فيروس كورونا (كيورفاك)، نُشر في موقع “ذات مصر”، منتصف الشهر الماضي.
وعن كواليسه يقول: “أنا طلعت عيني في التحضير، بسبب إني كنت محتاج أفهم إزاي اللقاحات بتتعمل، والشركة دي بتعمل اللقاحات بتكنولوجيا معقدة.. ودا كان أكبر تحدي، وطبعًا التواصل كان عن طريق التليفون، لأن الشركة في ولاية تانية”.
ولشغفه وسعيه الدؤوب في أن يطور من نفسه، تمكن “لملوم” منذ أواخر مارس الماضي، من المشاركة في حضور عدد من التدريبات والويبنارات الأونلاين، فهي على حد وصفه “سهلة ومتاحة”، ويبرر سبب إقدامه على ذلك بقوله: “في الصحافة كل يوم فيه جديد، وبالتالي أنا كصحفي لو مطورتش نفسي باستمرار بعد فترة هتفاجئ بكم التغييرات اللي استجدت على الشغل، وطبعًا عدم تطوير مهارات الصحفي بيقلل من فرص العمل المتاحة له، ولذلك المشاركة في التدريبات مش رفاهية، والحاجة الجميلة اللي حصلت إن فيه مؤسسات تدريبية أتاحت المواد التدريبية بتاعتها مجانًا، ودي كانت فرصة كويسة حاولت أستغلها على قد ما وقتي سمح”.
وكانت طومسون رويترز، ودويتشه فيليه، وأريج، من أبرز المؤسسات الصحفية التي شارك في تدريباتها، وحضر عدد من جلساتها خلال الفترة الماضية.
ويعتبر “لملوم” أن أي معلومة جديدة قد يعرفها الصحفي، حتمًا ستساعده على أن يقوم بعمله بشكل أفضل، فهو يرى أن الصحفي من المفترض أن يكون على دراية بكل شيء وأي شيء.
طوال عشر سنوات، قد تزيد قليلًا، قضتها كمغتربة بالقاهرة، لدوافع الدراسة والعمل، تحكي رنا الجميعي، محررة بموقع “مصراوي”، أن أزمة “كورونا” ساعدتها في أن تشعر بالاستقرار والاتزان النفسي، جاء ذلك بعد معاودتها الذهاب إلى منزل أسرتها، خلال منتصف مارس الماضي، والمكوث هناك لفترة، على أمل أن يتبدل الحال للأفضل، وهو شعور غاب عنها طويلًا بسبب ضغوط العمل المستمرة، وكثرة الانتقال هنا وهناك، من أجل اللقطة وتوثيق الحدث.
وقد اضطرها الوضع الحالي مثل غيرها إلى مباشرة العمل من المنزل ـ أونلاين ـ فالمخاطرة في هذه الأجواء أصبحت كبيرة، وهو ما أفسح المجال أمامها إلى استغلال فرص التدريب المتاحة عبر الإنترنت، والمشاركة في الجلسات النقاشية التي تنظمها عدد من الجهات والمؤسسات المختلفة، فالتقديم فيها أصبح سهلًا عن ذي قبل.
وبشكلٍ عام، تهتم رنا بالقراءة والكتابة الإبداعية والفن، فأكثر ما يستهويها هو التدوين، ومشاهدة الأفلام، ومتابعة الحفلات الموسيقية، والاستعراضات، وعن ذلك تقول: “من الحاجات اللي بحب أطور نفسي فيها باستمرار هي الكتابة بكل أشكالها، بعتبرها نوع من أنواع العلاج النفسي.. وبشوفها مناسبة جدًا للفترة الحالية”.
ربما ساعدها الجو الأسري الذي تعيش فيه الآن على العمل بشكل أفضل، والمداومة على تطوير نفسها، وهو ما كانت تفتقده أثناء وجودها في الغربة، وعن ذلك الإحساس قالت: “لما كنت لوحدي في القاهرة.. كنت بحس بعزلة واكتئاب ودا طبعًا كان بيأثر عليا نفسيًا”.
تعاني رنا من مشكلة عدم تنظيم الوقت، وهو ما يجعلها غير مواظبة على متابعة التدريبات المقدمة، أو الجلسات المعروضة، في مواعيدها، لكنها تعاود مشاهدتهم بعد إعادة بثهم على موقع فيسبوك، وإلى جانب فرص التدريب، فهناك الكورسات الأولانين التي تتيحها عدد من مواقع MOOCs، والتي ساعدتها كثيرًا في إثقال مهاراتها المعرفية، وإكسابها حزمة من الإرشادات والنصائح، التي كانت في حاجة إليها، خاصةً ما يتعلق منها بالصحة النفسية.
منذ بداية العام الماضي، دشن المركز الدولي للصحفيين، بالتعاون مع مشروع فيسبوك للصحافة، برنامج تدريبي تحت عنوان “حلول وسائل التواصل الاجتماعي”، يهدف إلى تطوير مهارات الصحفيين، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال تقديم عدد من التدريبات، والجلسات النقاشية، المتعلقة بالعمل الصحفي، مثل: السرد القصصي، والأمان الرقمي، وصحافة البيانات، وأدوات التحقق عبر الإنترنت، وصحافة الموبايل (MOJO) وغيرها.
يقول عمرو العراقي، المنسق الإقليمي للمركز الدولي للصحفيين، والمسئول عن إدارة الجلسات، في حديثه مع المرصد المصري للصحافة والإعلام، أنه نظرًا للجائحة وقيود السفر ومخاطر العمل في الوقت الحالي، كان اللجوء إلى عقد تدريبات عن بُعد هو الخيار الوحيد، لاستمرار المشروع، الذي أطلقه المركز في العام الماضي، ولضمان الوصول إلى الصحفيين، في كافة البلدان العربية.
يقدم المشروع جلسات نقاشية عبر الإنترنت، بمعدل جلستين كل أسبوع، وتتنوع ما بين (جلسة تدريبية) تستمر لمدة ساعتين، و(جلسة نقاشية) مدتها ساعة ونصف، يقوم فيها الخبير بالرد على أسئلة الصحفيين واستفساراتهم.
وعن آلية اختيار الموضوعات المقدمة في هذه الجلسات، يُشير “العراقي” إلى أن هناك موضوعات كانت مقترحة سلفًا، ضمن المشروع التدريبي المقدم للصحفيين، لكن مع أزمة انتشار كورونا أو كوفيد ـ19، أُدخلت بعض التعديلات اللازمة، لتتناسب مع الوضع الراهن، فعلى حد تعبيره “كورونا هو القصة الأكبر اللي مسيطر على غرف الأخبار في الوقت الحالي”.
وقبل أسبوع من بدء الجلسة، تُتاح استمارة التقديم فيها، لجميع الراغبين في المشاركة، حيث يتم الإعلان عنها من خلال جروب ملتقى الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الفيسبوك، وعبر الرسائل التي ترسل لقائمة المشتركين في النشرة البريدية للمركز.
ونفى “العراقي” من جانبه، ما يردده البعض عن عدم تمكينهم من المشاركة في هذه الجلسات، مؤكدًا بقوله: “حريصون على دعوة كل من سجل للحضور، ولم نستثنِ منهم أحدًا”، مرجحًا السبب إلى السياسة التي يتبعها تطبيق “زووم”، المستخدم في بث هذه الجلسات، حيث يضع قيودًا على عدد الأشخاص المسموح لهم بالمشاركة، بحد أقصي 100 شخص، مما قد يضعف فرص البعض في الحضور، ولكسر هذا القيد، يحرص المركز عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك، ومن خلال الجروب أيضًا على بث الجلسة مباشرة، وفي نفس توقيت عرضها على “زووم”، مما يتيح للجميع فرصة المشاركة والاستفادة مما يقدم، سواء سجلوا أو لم يتمكنوا من ذلك، ويمكنهم أيضًا من إعادة مشاهدتها في وقت لاحق.
وعن نسب مشاركة الصحفيين بمنطقة الشرق الأوسط، في هذه التدريبات، يقول “العراقي” إن مصر تتصدر المشهد، في جميع الجلسات حتى الآن، مضيفًا أن التنوع مطلوب، وهو ما يحرص المركز على إتاحته باستمرار، من خلال استقطاب متحدثين وخبراء، من كافة البلدان العربية بخلاف المصريين أيضًا.
كما يشير إلى أن اللغة العربية المستخدمة في هذه الجلسات، قد تكون عاملًا محفزًا أمام البعض للمشاركة، بالإضافة إلى أنها تقدم بشكل مجاني، واستمارة التسجيل نفسها لا تقيد أيًا من الراغبين بشيء محدد، سواء السن أو جهة العمل، والأمر ليس محصورًا على الصحفيين فقط، فالجميع له الحق في حضور الجلسات، طالما أنه يرغب في ذلك.
وعن انتقادات البعض بخصوص توقيت عرض هذه الجلسات، خلال فترة الظهيرة، بشكلٍ لا يجعلهم ملتزمين حيالها طوال الوقت، يوضح “العراقي” أن هذا الأمر محل دراسة، بما يتناسب مع احتياجات الجمهور، لكن من الضروري التأكيد على أن المقر الأساسي للمركز، يقع في واشنطن، وهناك زملاء يداومون على العمل فيه، والفجوة الزمنية بيننا وبينهم تصل إلى 6 ساعات.