روبرت فيسك.. أشهر المراسلين الأجانب في الشرق الأوسط (بروفايل)

تحل اليوم، ذكرى ميلاد أحد أشهر الصحفيين الدوليين في العالم، صحفي يمتلك خبرةً كبيرةً في تغطية شؤون الشرق الأوسط؛ حيث أمضى ما يزيد على الأربعين عامًا، في تغطية الحروب والأحداث في المنطقة؛ إذ غطى الاجتياحات الإسرائيلية على لبنان، والاجتياح السوفييتي على أفغانستان، كما قام بتغطية الحرب العراقية الإيرانية، واحتلال العراق للكويت إبان حكم صدام حسين، والحرب الأهلية في الجزائر، إضافةً إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، والثورات العربية في 2011.

إنه الصحفي البريطاني، روبرت فيسك، الذي يعمل مراسلًا لصحيفة “The Independent” البريطانية، لشؤون الشرق الأوسط، ويُقيم في العاصمة اللبنانية بيروت، والذي يُتم اليوم عامه الرابع والسبعين.

الميلاد والنشأة
وُلِد روبرت فيسك في 12 يوليو 1946، بمدينة ميدستون الإنجليزية، وفي عام 1968، حصل على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، من جامعة “Lancaster”، ثم نال دكتوراه في العلوم السياسية، من كلية “Trinity”، الواقعة في العاصمة الأيرلندية دبلن، عام 1985.

منذ أن كان صبيًا، حلم “فيسك”، بأن يصبح مراسلًا أجنبيًا، لكن والديه كانا ضد رغبته تلك، وظلَّا ضدها، إلى أن وافتهما المنية.

مشواره الصحفي
بدأ روبرت فيسك حياته المهنية في الصحافة، عام 1972، كمراسل لجريدة “The Times” البريطانية، من مدينة “بلفاست”؛ حيثما كان يُغطي الاضطرابات السياسية، في أيرلندا الشمالية آنذاك.

وخلال مشواره الصحفي، غطى “فيسك” سلسلةً طويلةً من الأحداث التاريخية، وأظهر قدرةً فريدةً على تحديد القوى الدافعة للسياسة، والمشاكل الأساسية التي تقود الصراع، فقام بتوثيق المشاكل في أيرلندا الشمالية، في السبعينيات، بالإضافة إلى الثورة البرتغالية، عام 1974.

وبصفته مراسل صحيفة “The Times” في منطقة الشرق الأوسط، منذ عام 1976، وحتى عام 1987، فقد قام بتغطية أحداثٍ واضطراباتٍ سياسية عنيفة في المنطقة، مثل الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، والثورة الإيرانية (1978 – 1979)، والحرب الإيرانية العراقية (1980 – 1988)، بالإضافة إلى حرب البوسنة، وحرب كوسوفو، وثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011.

وفي عام 1989، ترك “The Times”، بعد تداعيات مع روبرت مردوخ، بسبب تدخله في السياسة التحريرية، وانتقل “فيسك” إلى صحيفة “The Independent”، ليواصل بها تغطياته الصحفية في الشرق الأوسط، من مدينة بيروت.

مقابلة “بن لادن”
عُرِف “فيسك” بتقاريره الشغوفة، وقدرته على تأمين الوصول إلى الأشخاص والأماكن، التي يتعذر الوصول إليها كثيرًا، كما كان معروفًا باستعداده الدائم لتحدي المخاطر بشجاعة، من أجل مُواصلة عمله الصحفي؛ لذا كان من بين المراسلين الغربيين القلائل، الذين أجروا مقابلاتٍ مع زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، وهو إنجاز وسبق صحفي كببر، نجح “فيسك” في تحقيقه ليس مرة واحدة، بل ثلاث مرات، خلال فترة التسعينيات، كما أجرى الصحفي الشهير مُقابلاتٍ أخرى مع صدام حسين، وآية الله الخميني، وعديد من الشخصيات المؤثرة والهامة حول العالم.

كما قدم روبرت فيسك تغطيةً واسعةً لحرب الخليج الثانية (1990 – 1991)، وحرب أفغانستان (2001 – 2014)، وحرب العراق (2003 – 2011)، وكان يتفاخر بروايات شهود العيان، التي يحصل عليها، بينما انتقد ما أسماه بـ “الصحافة الفندقية” التي يُمارسها بعض زملائه، الذين كانوا يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على المصادر الرسمية.

حوادث بارزة
لم يكتفِ الصحفي البريطاني بتغطية الحروب والصراعات، في الشرق الأوسط، بل غطى عِدة حوادث دولية بارزة، مثل: مذبحة الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في لبنان، ومذبحة حماة في سوريا.

كما تناول الصحفي الإنجليزي في تغطياته البارزة، الصراع العربي الإسرائيلي، وكثيرًا ما انتقد سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه، فسلط الضوء على المُعاملة غير العادلة، التي يتلقاها الفلسطينيون، من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل، كما انتقد الأنظمة الفاسدة والقمعية في الشرق الأوسط.

ونظرًا لكون “فيسك” يحظى بقدرةٍ فريدةٍ على المزج بين التقارير المُباشرة والتحليلات الفعالة، فقد تناول في أعماله الصحفية؛ موضوعات تتعلق بالجهل العام، واللامبالاة من المجتمع العالمي تجاه أمورٍ كثيرةٍ، تُمثل صورًا متعددةً لمعاناة الأفراد حول العالم، كما ناقش عدم قدرة أو عدم رغبة الصحفيين في تقديم تقارير موضوعية ومستقلة، عن الشرق الأوسط.

أسلوبه الصحفي
يقول روبرت فيسك: “يجب أن تكون قادرًا على الكتابة بشغف، ويجب أن يكون لديك حرية الكتابة بغضب والإشارة إلى الأشرار؛ فإذا رأيت مذبحة، لا أتردد في قول من قام بها، ولماذا تمت على هذا النحو، وفي هذا السياق”، وذلك حسبما جاء في موضوعٍ نشره موقع “CJPME” الكندي، عن الصحفي المُخضرم، روبرت فيسك.

كما يقول “فيسك” في ذات السياق: “عندما نفشل نحن الصحفيون في نقل حقيقة الأحداث لقُرائنا، فإننا لم نفشل فقط في عملنا؛ لكن نكون أيضًا قد أصبحنا طرفًا في الأحداث الدموية، التي من المُفترض أن نقوم بتغطيتها؛ فإذا لم نتمكن من قول الحقيقة حول إسقاط طائرة مدنية -لأن هذا سيضر جانبنا في الحرب، أو لأنه سيُقدم إحدى الدول في دور الضحية، أو لأنه قد يُزعج مالك جريدتنا- فإن هذا سيُسهم في نشر الأحكام المُسبقة، التي عادةً ما تُثير الحروب في المقام الأول، وهنا يُمكن للصحافة أن تكون قاتلة”.

وعلاوةً على ذلك؛ أثبت “فيسك” باستمرار، وفي أكثر من موقف، عدم رغبته في إظهار الخط الغربي الرسمي في العالم العربي؛ إذ قدم أفكارًا نادرًا ما توجد في وسائل الإعلام الأخرى.

موقع الحدث
“ليس عليك أن تقرأ الجريدة، بل أن تصبح المراسل”، هكذا قال روبرت فيسك، في تصريحٍ إلى الموقع الكندي “CBC“، إشارةً منه إلى مدى أهمية تواجُد الصحفي بنفسه، في موقع الحدث، لكي يتمكن من الوصول إلى الحقيقة.

وهو الأمر الذي أكد عليه، خلال حواره مع الموقع الإخباري “The Globe And Mail“، الذي ذكر فيه، الآتي: “أعتقد أن المشكلة التي سببتها التكنولوجيا، هي أن الكثير من الأشخاص الذين يرغبون في أن يصبحوا صحفيين، يعتقدون أن القراءة على الإنترنت كافية؛ ففي بعض الأحيان، أتعامل مع صحفيين في الولايات المتحدة، لم يسبق لهم زيارة الشرق الأوسط، وأجد أنه من الصعب جدًا أن أشرح لهم ما أعتقد أنه يحدث بالفعل، لأن ما يعتقدون هم أنه يحدث لا علاقة له بالشرق الأوسط، فأنا أعيش هناك، أما هم؛ فقد اكتفوا بقراءة الكثير من المواد سواء من وزارة الخارجية، أو من خبراءٍ مختلفين في أماكن مختلفة”.

انتقادات مُتكررة
كثيرًا ما أثار “فيسك” الجدل والنقاش، من خلال عمله الصحفي والأدبي، كما شكك الكثيرون من منتقديه، في حياديته كصحفي، بسبب معارضته لحرب العراق، وانتقاده للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، لكن على الجانب الآخر يرى أنصاره وداعميه أن معظم الصحفيين الغربيين يدعمون الولايات المتحدة وإسرائيل بشكلٍ أعمى، وبمقارنة أعمالهم بأعمال روبرت فيسك، يكاد يكون “فيسك” موضوعيًا وغير متحيز.

وعلى الرغم من أن آرائه جعلت منه هدفاً متكررًا للانتقاد، إلا أنه يتفانَ دائمًا لتقديم تقارير مستقلة، خاصةً في تغطياته للحرب الأهلية في سوريا، التي طالتها كثير من الانتقادات، وأُحيطت بكمٍ كبيرٍ من الجدل.

التغطية السورية
خلال تغطية الصحفي البريطاني، روبرت فيسك، للوضع السوري، رأى بعض النقاد أن تقاريره كانت مُتساهلة بشكلٍ غير معهود مع نظام الأسد، بينما انتقدت المعارضة بشكلٍ مفرطٍ؛ حيث أشاروا إلى أن روبرت فيسك، بعد أن قام بجولةٍ في سوريا مع مسؤولي الجيش السوري النظامي، تعرض لصورةٍ مُتحيزةٍ عن الوضع هناك، ومن ثَم انحازت تغطياته لصالح النظام، كما شككوا في وصفه للسُجناء السياسيين من الجيش السوري الحر بأنهم “جهاديون إسلاميون”، وهو ما جعل مُنتقدي تغطيته للحرب في سوريا، يرون أن مُقاربته للصراع السوري، تتعارض مع موضوعيته الثابتة.

وجاءت الردود على مثل هذه الانتقادات بأن تقارير “فيسك” حول سوريا مُتوازنة وموضوعية، ولا تُفضل طرفًا على حساب طرفٍ، سواء النظام أو المعارضة؛ حيث يعتقد مؤيدو “فيسك” وداعموه أن مثل هذه الانتقادات التي تُوجه إليه، سببها أن تقاريره لا تتناسب مع الرواية الغربية الرسمية، أي بسبب رفضه قبول جميع الاتهامات المُوجهة ضد نظام الأسد، بالإضافة إلى تعليقاته النقدية أحيانًا على الجيش السوري الحر، فمن مقولاته عن هذا الأمر (على سبيل المثال لا الحصر): “تُواجه حكومة بشار الأسد عدوًا ذا حيلة، ومُسلحًا جيدًا ولا يرحم، يتلقى أنصاره الإسلاميون المُساعدة من الغرب والخليج”.

مؤلفاته
ألَّف الصحفي المُحنك، صاحب العمود الطويل في الـ “Independent”، روبرت فيسك، كُتبًا عديدة، وحققت مؤلفاته التي عبر فيها عن أفكارٍ مُتنوعةٍ، وموضوعاتٍ مُتعددةٍ،
أفضل المبيعات، ومن هذه المؤلفات:
“نقطة اللاعودة: الضربة التي كسرت البريطانيين في أولستر” (1975)، “في زمن الحرب: أيرلندا، أولستر، وثمن الحياد 1939-1945” (1983)، “شفقة الأمة: لبنان في حالة الحرب” (2001)، “الحرب الكبرى للحضارة – غزو الشرق الأوسط” (2005)، و”عصر المحارب: مقالات مختارة” (2008).

وجدير بالذكر أنه في كتابه الأكثر شهرةً وتأثيرًا “الحرب الكبرى للحضارة: غزو الشرق الأوسط”، تناول “فيسك” مجموعةً واسعةً من الموضوعات، في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، مُستعينًا بالمقابلات التي أجراها، والملاحظات التي دونها، مُدعمًا ذلك بفهمه العميق للسياسة الإقليمية، وهو ما مكنه من تقديم كتابًا تحليليًا، وغنيًا بالمعلومات، يُدين الظلم والحرب والإبادة الجماعية والإمبريالية، وفي هذا المؤلَّف تظهر جهود “فيسك” المُضنية في إعداد التقارير المُستقلة بشكلٍ واضحٍ.

مسيرته فيلمًا
في عام 2019، عُرِض الفيلم الوثائقي “This is not a movie”، لأول مرة، في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي (TIFF)، وهو فيلم يُوثق المسيرة الصحفية الحافلة والطويلة لروبرت فيسك، المراسل الصحفي الذي وصفته صحيفة “New York Times” بأنه “ربما أشهر مراسل أجنبي في بريطانيا”.

الفيلم من إخراج المخرج الكندي، يونج تشانج، الذي أراد تقديم هذا الفيلم، لاهتمامه بالتقارير الإخبارية، في العصر الرقمي، الذي يجعلنا مغمورين بكميةٍ ضخمةٍ من المعلومات، موضحًا: “من الصعب جدًا التنقُل، ومعرفة ما هو صحيح وما هو خطأ، اعتقدت أن فيلمًا مثل هذا يُمكن أن يكون نوعًا من زر إعادة التعيين، للتوقف والتفكير في طبيعة الصحافة، من خلال عيون (روبرت)”، حسبما صرَّح لموقع “The National” الإنجليزي.

وعن شخصية “فيسك”، قال “تشانج”، في تصريحاتٍ لموقع “OpenCanada” الإخباري: “عندما تتعرف على الرجل، فهو في الواقع شخص فكاهي، نوعًا ما حيوي، غير ممل، غير مرعب”.

ويتضمن هذا الفيلم عرضًا للقطاتٍ أرشيفيةٍ، وصورٍ لـ “فيسك”، أثناء عمله في أيرلندا الشمالية، في السبعينيات، وكذلك خلال تغطيته لبعض الأحداث، مثل مذبحة عام 1982، في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، في صبرا وشاتيلا.

في شهر مارس الماضي، تم عرض فيلم “This is not a movie”، في مهرجان كوبنهاجن الدولي الوثائقي، الشهير باسم “CPH:DOX“، كما تم عرض الفيلم أيضًا في مهرجان “Doc Edg“، الذي استمر في الفترة من 12 يونيو، إلى 5 يوليو، من هذا العام، وأُقيمت فعاليات هذين المهرجانَين السابق ذكرهما، على الإنترنت، بسبب جائحة فيروس كورونا المُستجد (COVID-19)، التي تضرب العالم الآن.

جوائز حصدها
بالإضافة إلى الدعم الشعبي، والشهرة الدولية، التي يتمتع بها، كصحفي ومراسل، فقد حصل روبرت فيسك أيضًا على جوائز دولية أكثر من أي مراسلٍ أجنبيٍ آخر، نظرًا لصحافته المهنية، ومن بين العديد من الجوائز والأوسمة المرموقة، التي نالها: جائزة منظمة العفو الدولية للصحافة البريطانية (وقد حصل عليها مرتين)، جائزة الصحفي الدولي البريطاني للعام (وحصدها سبع مرات).

وكذلك حصد الصحفي الشهير جائزة “Orwell” للصحافة، وجائزة “Martha Gellhorn” للصحافة، وجائزة “Lannan” للحرية الثقافية، وجائزة “Jacob”، كما حصل على الميدالية الذهبية للجمعية التاريخية للكلية للمُساهمة المُتميزة في الخطاب العام، ومُنِح المراسل الأجنبي الشهير أيضًا دكتوراه فخرية في القانون من جامعة “St Andrews”، ودكتوراه فخرية أخرى من الجامعة الأمريكية في بيروت، إضافةً إلى دكتوراه فخرية من كلية “Trinity” في دبلن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى