كيفين كارتر.. المصور الذي أنهت “صورة” حياته (بروفايل)

تمر اليوم الذكرى الـ 26 على انتحار صاحب الصورة التي هزت العالم، وحصل بسببها على جائزة بوليتزر كأفضل صورة إنسانية لعام 1994، إنه المصور الصحفي كيفين كارتر.

نشأته
ولد كارتر عام 1966، في جوهانسبرج، بجنوب أفريقيا، لأسرةٍ من الطبقة المتوسطة، كانت تقطن في حي خاص بالسكان البيض دون السود، الذين كان البعض منهم يتسلل للعيش في تلك المنطقة ـ خلسة ـ قبل أن يكتشف أمره وتعتقله الشرطة، وهو ما كان يتكرر على الدوام.

في هذه الأجواء المضطربة، والمشحونة بالعنصرية، نشأ كارتر وتركت هذه الفترة أثرها البالغ عليه حينما كبر، فاستنكر ردة فعل والديه وهما من عائلة كاثوليكية “ليبرالية” أن يكونا كما وصفهما “متقاعسين” عن القتال ضد قانون الفصل العنصري”الأبارتايد”.
وخلال دراسته الجامعية؛ ترك كارتر دراسة الصيدلة، وانضم كمجند إلى قوات الجيش، في قسم القوات الجوية، الذي خدم فيه لمدة 4 سنوات.

وفي عام 1980، شاهد “كارتر” نادلًا أسودًا يتعرض للإهانة في قاعة الطعام، دافع “كاتر” عن الرجل مما عرضه للضرب بشدة، من قبل المجندين الآخرين، واضطره ذلك إلى ترك الجيش بدون إذن، مُحاولًا البدء في حياة جديدة، فاتجه إلى العمل كـ “دي جي” أو محيي حفلات في إحدى محطات الراديو، وعرف وقتها باسم “ديفيد”، لكنه لم يمكث فيها سوى فترة قصيرة، عاد بعدها إلى الجيش، لإنهاء فترة خدمته العسكرية، وفي هذه الأثناء، وقعت حادثة تفجير شارع الكنيسة، في بريتوريا، عام 1983، والتي قرر “كارتر” على إثرها أن يصبح مصورًا صحفيًا، يوثق الحدث بالصورة.

التصوير
بدأ “كارتر” العمل كمصور للأسبوعيات الرياضية، عام 1983، وانتقل بعدها للعمل في صحيفة “جوهانزبرج ستار Johannesburg Star”.

وفي منتصف الثمانينات، قام “كارتر” بتصوير أسلوب الإعدام بالحرق علنًا، المسمي بـ ( Neck lacing)‏، لإصراره على فضح وحشية سياسة الاضطهاد، والفصل العنصري، الذي يتعرض له السكان السود في جنوب أفريقيا، وكان الضحية الذي التقط له الصور يسمى “ماكي سكوزانا”، وكان قد اتهم بإقامة علاقة مع زوجة ضابط شرطة، تحدث “كارتر” لاحقًا عن الصور التي التقطها قائلًا: “لقد روعت بما قاموا بفعله، كما روعني ما قمت بفعله، لكن بعد ذلك، بدأ الناس يتحدثون عن تلك الصور، ثم شعرت بأنه ربما ما فعلته -التقاط الصور- لم يكن سيئًا، كوني شاهدًا على أمر بهذه الفظاعة ليس بالضرورة أن يكون أمرًا سيئًا”.

رحلة السودان
“فتاة صغيرة منهكة من الجوع، تنهار على الطريق المؤدي إلى مركز الإمدادات الغذائية في أيود، وبالقرب نسر ينتظر”، بهذه الكلمات، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في عددها الصادر في 26 مارس عام 1993، شرحًا للصورة التي التقطها كارتر ـ أسمتها (Struggling Girl)ـ خلال المجاعة التي ضربت جنوب السودان في نفس العام، للطفلة التي خارَت قواها، وهي تحبو من شدة الجوع، وتوقفها عاجزة عن الوصول إلى مركز المساعدات، التابع للأمم المتحدة، بينما وقف نسر يراقبها، منتظرًا موتها، للانقضاض على جسدها المنهك، هزت هذه الصورة الضمير الإنساني، محدثةً في الوقت نفسه جدلًا عارمًا، ربما تجاوز حجم المأساة ذاتها.

وفي ذات الليلة، قام المئات من القراء بالاتصال بالصحيفة، لمعرفة ما إذا كانت الطفلة الصغيرة قد نجت أم أنها فارقت الحياة، ما دفع “نيويورك تايمز” إلى إصدار تنويه خاص قالت فيه: “إن الطفلة الصغيرة تمكنت من السير بعيدًا عن النسر، لكن مصيرها النهائي غير معلوم”.

أما صحيفة “لوموند” الأكثر انتشارًا في فرنسا، فقد تلقت هي الأخرى رسائل من القراء عن نفس الأمر، وأكدت عدم معرفتها بمصير الطفلة.

تبدأ القصة عندما سافر “كارتر” إلى السودان مع زميله جواو سيلفا، لتغطية مجاعة أصابت البلاد، وخلال تواجده في قرية “أيود” سمع صوتًا ضعيفًا، لأنين طفلة صغيرة هزيلة، كانت قد توقفت عن الزحف لبرهة، وهي في طريقها إلى مركز المساعدات، فيما كان يتحضر لالتقاط الصور، حط نسر بقربها، ذكر “كارتر” لاحقًا أنه انتظر نحو 20 دقيقة، آملًا أن يفرد النسر جناحيه من أجل أن يلتقط أفضل صورة ممكنة، لكنه لم يفعل، بعد أن التقط الصورة، قام بطرد النسر بعيدًا، وشاهد الطفلة تستكمل زحفها نحو المركز، وقال “كارتر” إنه التقط الصورة، لأن عمله هو “التقاط الصور” فقط ومن ثم المغادرة، وقال: “لقد تم تحذيرنا نحن الصحفيين من عدم الاقتراب من الضحايا؛ خشية انتقال أي أمراض منهم”.

بوليتزر
في 12 أبريل 1994، قامت نانسي بورسكي، محررة الصور الأجنبية في نيويورك تايمز، بمهاتفة “كارتر” لإعلامه بحصوله على جائزة بوليتزر في التصوير الصحفي، ليتسلمها في 23 مايو 1994، في مكتبة “لاو ميموريال”، بجامعة كولومبيا.

انتحاره
بعد ثلاثة أشهر من تسلمه الجائزة، قرر “كيفين” الانتحار، على إثر مروره باكتئاب حاد، واتهام البعض له بأن التقاطه لصورة الطفلة لم يكن عملًا أخلاقيًا.

ترك “كارتر” رسالة تُشير إلى تحسره لعدم إنقاذ الطفلة، والعديد من الأرواح التي زهقت على مرأى من عينيه وعدسة كاميرته، وجاء في رسالته بعد تلقيه خبر وفاة صديقه الصحفي كين أستربروك خلال أداء واجبه: “أنا آسف جدًا جدًا.. لكن ألم الحياة يفوق متعتها بكثير لدرجة أن المتعة أصبحت غير موجودة.. أنا مكتئب.. بدون هاتف.. مال للإيجار.. مال لإعالة الطفل.. مال للديون.. مال !!! .. تطاردني ذكريات حية من عمليات القتل.. والجثث.. والغضب.. والألم .. لأطفال يتضورون جوعًا.. أو جرحى من المجانين المولعين بإطلاق النار.. أغلبهم من الشرطة.. من الجلادين القتلة.. ذهبتُ للانضمام إلى كين إن كنت محظوظًا لتلك الدرجة”.

وفي 27 يوليو 1994، قاد كيفين كارتر سيارته بالقرب من نهر “برامفونتاينسبروي”، وهو نهر صغير يقطع الضواحي الشمالية لمدينة جوهانسبرج، وقام بإنهاء حياته، بتوصيله العادم إلى داخل السيارة مشغلًا المحرك، مما أدى إلى تسممه بأول أكسيد الكربون، ليموت منتحرًا، في عمر الـ 33 عامًا.

اعتبر البعض أن انتحاره شعور بالذنب تجاه الطفلة السودانية، التي لم يسعِ إلى إنقاذها، وأنه على الأغلب تركها تموت ليفوز بصورة.

فيلم
دفعت مأساة كيفين كارتر اثنين من زملائه المصورين، هما “João Silva، “Greg Marinovich” إلى توثيق مسيرتهم في عالم التصوير من خلال نشر كتاب السيرة الذاتية، بعنوان: “The Bang-Bang Club: Snapshots from a Hidden War” ، والذي تناول قصتهم كمصورين صحفيين من جنوب أفريقيا ـ ذوي بشرة بيضاء، اشتهروا في وقت سابق باسم The Bang Bang Club ، مع اثنين آخرين هما Kevin Carter ، Ken Oosterbroek.

تحول الكتاب في عام 2011 إلى فيلم بنفس الاسم، يحكي قصة المصورين الأربعة، الذين ذهبوا إلى مناطق الحرب، من أجل التقاط صور، في الأيام التي سبقت سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بين عامي 1990 و 1994، عقب إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن.

زر الذهاب إلى الأعلى