الأيادي الخفية في حجب المواقع الإلكترونية “ورقة موقف بشأن غلق جريدة التحرير”

إعداد

محمد عبدالرحمن

مدير وحدة البحوث والدراسات

محمد صلاح

باحث بوحدة البحوث والدراسات

تصميم

إبراهيم صقر

أصدر مجلس إدارة جريدة التحرير، يوم الأحد الموافق 23 من يونيو لعام 2019، بيانًا أعلن فيه نيته تنفيذ قراره بإغلاق جريدة التحرير التي أسسها عام 2011. وأرجع البيان هذا القرار إلى تضرر الجريدة من حجب موقعها الإلكتروني منذ التاسع من مايو 2019. وعلى الرغم من قيام الجريدة بمخاطبة الجهات المعنية بالصحافة والاتصالات لمعرفة أسباب الحجب، وتأكيد كل الجهات على عدم وجود أية مخالفة تستوجب الحجب، فإن الموقع مازال محجوبًا إلى الآن، ولم تعرف الجريدة أية أسباب قانونية للحجب، أو ما الجهة التي قامت بعملية الحجب.

وأكد محمد فوزي؛ رئيس تحرير جريدة التحرير، أنه سيتم تنفيذ قرار إغلاق الجريدة، وتعتذر الجريدة على عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه العاملين خلال شهرين من الآن، إذا لم يتم رفع الحجب عن الموقع الإلكتروني، موضحًا أن الحجب طال العنوان الإلكتروني الجديد للجريدة، ومؤكدَا أن قرار الإغلاق سيشمل الإصدار الأسبوعي المطبوع للجريدة.

وقد تعجب أحمد صبحي؛ الصحفي بقسم التحقيقات بجريدة التحرير، من قرار الحجب قائلًا “نحن نحتكم إلى القوانين..فأين هي من أزمة جريدة التحرير”، وأكد صبحي أنه للشهر الثاني على التوالي ﻻ يستطيع الجمهور مشاهدة الموقع وقراءة المحتوى الذي يقومون بإصداره، ومن ثم يرى أنه من الطبيعي أن تتخذ اﻹدارة قرار اﻹغلاق، إﻻ أنه في الوقت ذاته يستنكر دور أعضاء النقابة المقتصر على التنديد بالحدث فقط دون أي تحرك يذكر.

حجب المواقع الإلكترونية.. من المسؤول؟

لا شك أن هذه الواقعة تستدعي الحديث عن حالة حجب المواقع الإلكترونية واسعة النطاق التي تم انتهاجها خلال الفترة الأخيرة؛ ففي الرابع والعشرين من شهر مايو لعام 2017؛ قامت جهات غير معلومة بحجب 21 موقعًا إلكترونيًا، دون أي مبررات ودون أي سابق إنذار، ودون وجود أي إفادات رسمية تفيد بقيام أي من الجهات المنوطة بهذا الأمر –طبقًا للقانون- بحجب تلك المواقع عن الجمهور. وقد استمرت عملية حجب المواقع الإلكترونية حتى وصلت في مايو عام 2019 إلى حوالي 535 موقعًا.

وفي هذا الإطار، فإن معظم المواقع المحجوبة، لم يتم تبليغها بأية مخالفات أو انتهاكات كانت سببًا في إغلاقها، بل إن معظم هذه المواقع لم تستطع معرفة المسؤول عن عملية الحجب، ولم تعلن أي من الجهات أو السلطات المعنية مسؤوليتها عن ذلك، وظل أمر حجب المواقع الإلكتروينة شبحًا يهدد معظم العاملين في الصحافة والإعلام ويهدد مؤسساتهم دون سابق إنذار، وفي إطار من العشوائية وانتهاك الدستور والقانون.

ما هي الجهات المسؤولة قانونيًا عن عملية الحجب؟

هناك خمس جهات يمنحها القانون المصري الحق في حجب المواقع الإلكترونية؛ وتتمثل هذه الجهات في:

المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: يمنح قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 وفقًا للمواد (3، 6، 19) الحق في حجب المواقع الإلكترونية. وقد صاغت تلك المواد عددًا من المبررات القانونية التي يحق للمجلس استخدامها في تنفيذ قرارات الحجب في زمن الحرب والتعبئة العامة، وفى الأحوال العادية يحق للمجلس حجب المواد الصحفية -وذلك من خلال مصطلحات مطاطة وغير محددة- التي تقوم بنشر أخبار كاذبة أو الدعوة إلى مخالفة القانون أو العنصرية أو التعصب، أو المواد التي تحمل تمييزًا بين المواطنين، أو تتضمن طعنًا في أعراض الأفراد أو سبًا وقذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية والعقائد الدينية، أو تلك المواقع التي لا تمتلك ترخيصًا ساريًا للعمل.

جهات التحقيق وجهات التحري والضبط: وذلك وفقًا للمادة (7) من قانون جرائم تقنية المعلومات، رقم 175 لسنة 2018، وقد وضعت هذه المادة عددًا من الأسباب التي يحق لتلك الجهات الاستناد إليها في تنفيذ قرارات الحجب، وهي ضرورة امتلاك أدلة على قيام الموقع بوضع أي عبارات أو صور أو مواد دعائية تعتبر مخالفة للقانون، أو تشكل تهديدًا للأمن القومي.

النيابة العامة أو سلطة التحقيق: وفقًا للمواد (49) من قانون مكافحة الإرهاب، القانون رقم 94 لسنة 2015، منح القانون هذه الجهات الحق في حجب المواقع التي تستخدم في الترويج للأفكار الإرهابية، أو تهدف إلى تضليل السلطات الأمنية، أو التأثير على سير العدالة في شأن أي جريمة إرهابية.

رئيس الجمهورية: طبقًا للمادة رقم (3) من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958؛ حيث يحق له متى أعلنت حالة الطوارئ، أن يتخذ أمرًا بمراقبة الوسائل أي كانت نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والرسوم وكافة وسائل الدعاية والتعبير والإعلان، كما يحق له ضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن عملها.

السلطات المختصة: وذلك وفقًا للمادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003؛ منح هذا القانون السلطات المختصة في الدولة أن تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أي مشغل أو مقدم خدمة، وذلك في الحالات المتعلقة بـ”الأمن القومي”.

أي أدوار للجهات المعنية بتنظيم العمل الصحفي والإعلامي في مصر؟

التزمت الجهات المعنية بتنظيم العمل الصحفي والإعلامي في مصر الصمت، وعلى رأسها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولم تعلن مسؤوليتها عن قرارات الحجب أو تبدي أسبابًا لذلك، ولم تدافع عن حقوق المواقع التي لم ترتكب مخالفات وتم حجبها، وذلك باعتبارها المسؤول الأول عن المواقع الإلكترونية في مصر بحكم القانون.

أي دور لنقابة الصحفيين؟ 

أصدر مجلس نقابة الصحفيين يوم الاثنين الموافق 24 من يونيو لعام 2019، بيانًا أعلن فيه تضامنه ودعمه لموقع “التحرير”. وأعلن المجلس في بيانه، “مخاطبة رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بوصف المجلس هو المسؤول عن المواقع الإلكترونية في البلاد بحكم القانون، لتوضيح وتفسير الحجب الذي يتعرض له الموقع طوال الفترة المشار إليها، لإعلام الزملاء العاملين به وإدارته والرأي العام المصري علنًا بحقيقة الأمر”.

وأكد المجلس أنه “سيظل داعمًا لبقاء واستمرار صحيفة وموقع التحرير وللحقوق القانونية للزملاء العاملين بهما، وسيتخذ كل الخطوات والإجراءات التي تضمن استمرارهما بالتعاون مع إدارتهما وكل الجهات المعنية، وتحول دون اللجوء لإغلاقه وتشريد الزملاء العاملين فيه”. وأضاف أن “الإغلاق وتشريد الصحفيين خط أحمر لن تسمح به النقابة، مع التزامها الثابت بالقيام بدور إيجابي يساعد في حل أزمات الصحف والمواقع لتمارس عملها دون عوائق أو قيود”.

وقد أكد جمال عبد الرحيم؛ وكيل أول نقابة الصحفيين في حديثه لـ”المرصد” أن قرار غلق جريدة التحرير قرار كارثي، يتمثل في تشريد المئات من الصحفيين” وأكد عبد الرحيم أن “الوضع مزري، وأن الفترة التي تمر بها الصحافة هي من أصعب الفترات في تاريخ الصحافة المصرية”.

الآثار المترتبة على إغلاق موقع التحرير

بعد شهرين من الآن، وفي حال عدم حل مشكلة الموقع الإلكتروني للجريدة، سيتحول أكثر من مائة صحفي عاملًا بالمؤسسة (صحفيون نقابيون مشتغلون، صحفيون تحت التمرين، صحفيون غير نقابيين، صحفيو القطعة) من صفوف العاملين إلى صفوف العاطلين. مما يترتب عليه زيادة عدد العاطلين في المهنة. وسيترتب على ذلك العديد من الأزمات، التي تتمثل أهمها في عدم قدرة هؤلاء الصحفيين على إيجاد فرص عمل بديلة.

ومن ناحية أخرى، سيواجه الصحفيون الشباب والمتدربون في الجريدة، الذين توقف عملهم الصحفي، أزمة القيد في نقابة الصحفيين، وذلك لعدم وجود عقد عمل ثابت بينهم وبين مؤسسة صحفية وهو ما يعد إخلالًا بشروط القيد بلائحة القيد بالنقابة. كما قد يؤدي تسريح الصحفيين المقيدين بجدول تحت التمرين بالجريدة، إلى عدم قدرتهم على القيد في جداول المشتغلين بالنقابة، لإخلالهم بالشروط الواردة في المادة السادسة والسابعة من قانون النقابة، التي تلزم الصحفي بضرورة ممارسة المهنة دون انقطاع طول فترة التمرين كأحد الشروط الأساسية للقيد بجدول المشتغلين.

ويعد إغلاق مؤسسة التحرير وتوقف إصدارها الورقي، ضربة موجعة للصحافة الورقية التي تعاني العديد من الأزمات، أهمها انصراف القارئ عن الصحافة الورقية وقلة أعداد المبيعات، بالتوازي مع انتشار حالة عدم الثقة في قدرة الصحافة على تقديم تغطية صحفية محترفة، وهو الأمر الذي يتطلب وجود عدد أكبر من المؤسسات الصحفية تتسم إصداراتها بالتنوع والمهنية لكي تجذب عيون الجمهور من جديد، فإن السبيل نحو تطوير المؤسسات الصحفية وتطوير إصدارتها يكون عن طريق تشجيع حرية الرأي والتعبير، وتشجيع المستثمرين والشباب نحو تدشين مؤسسات صحفية جديدة تخدم الجمهور، وتعبر عن أمالهم وطموحاتهم، وتوفير مناخ اجتماعي وسياسي يشجع الصحافة المهنية على القيام بأدوارها بكل استقلالية وحيادية.

موقف المؤسسة

إن مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، إذ تؤكد على ضرورة الالتزام بحرية الصحافة والإعلام والالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية وما يضمنه الدستور المصري من حريات، وإذ تشجب قرارات الحجب أو المصادرة وترهيب الصحافة والإعلام التي تعد إهدارًا للمعايير الدولية والمحلية لحرية الرأي والتعبير، وإذ تؤكد رفضها لأي انتهاك للدستور الذي يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، فإنها:

تدين بشدة قرار حجب موقع جريدة التحرير، وتؤكد أن ذلك يعد انتهاكًا صريحًا لحرية الرأي والتعبير.

وتؤكد أن الحجب جاء مخالفًا للدستور المصري لاسيما المادة (71) والمادة (3) من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام، اللتان تنصان على أنه “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها”.

كما تدين المؤسسة هذه الأيادي الخفية التي حجبت مئات المواقع دون الإعلان عن هويتها، ودون التزام بالدستور والقانون.

وتؤكد إنه إذا كان من حق بعض الجهات المعنية والسلطات المختصة أن تقوم بحجب المواقع الإلكترونية التي ترتكب أي انتهاكات أو مخالفات للدستور والقانون، فإنه من حق إدارات هذه المواقع أن تعرف أي جرم وأي انتهاكات ارتكبت أدت إلى الحجب، وكذلك من الذي قام بعملية الحجب.

وتطالب المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام بوصفه المسؤول الأول عن المواقع الإلكترونية في البلاد بحكم القانون، لتوضيح وتفسير الحجب الذي يتعرض له الموقع طوال الفترة المشار إليها.

وتعرب عن قلقها البالغ إزاء قضايا الحجب، وتؤكد المؤسسة أن هذه الأفعال التي تتعرض لها الصحافة واﻹعلام في مصر لا تمثل خطرًا عليهما فحسب، أو خطرًا على العاملين بالمهنة فقط، بل تمثل خطرًا على حرية الرأي والتعبير، والحقوق والحريات بصورة عامة.

وتناشد كل الجهات المعنية بضرورة احترام الدستور والقانون، وتطبيقهما بما يضمن حقوق الأفراد والمؤسسات والدولة على السواء، بديلًا لهذا الوضع الذي يغيب فيه القانون.

وتناشد المؤسسة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات –باعتباره مسؤولًا عن تنفيذ قرارات الحجب- القيام بمسؤوليته والإفصاح فورًا عن أسباب العطل الذي أصاب موقع جريدة التحرير.

كما تناشد المؤسسة المجلس الأعلى للإعلام أن يقوم بدوره في مواجهة الاعتداء على الحريات الإعلامية، وصون وحماية المواقع الإلكترونية.

لقراءة الورقة بصيغة بي دي اف اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى