صافي ناز كاظم.. الناقدة” المحاربة” التي دفعت ثمنًا لمواقفها (بروفايل)
نحتفل اليوم بعيد ميلاد الكاتبة والصحفية الكبيرة صافي ناز كاظم، والتى تكمل عامها الـ 83.
وبهذه المناسبة يستعرض المرصد المصري للصحافة والإعلام محطات من مشوار حياتها الحافل بالعطاء، متمنيًا لها دوام الصحة والعافية.
النشأة
هي” صافي ناز محمد كاظم أصفهاني”، أو” أمة الله” كما تحب أن تعرف نفسها، ولدت بالإسكندرية في17 أغسطس عام 1937، وسط أسرة متوسطة الحال.
انتقلت “صافي” للعيش مع أسرتها في حي العباسية بالقاهرة، وهناك التحقت بمدارسها إلى أن وصلت لسن الجامعة، وفيها حصلت على ليسانس الآداب من قسم صحافة عام 1959، وعقب تخرجها بعام سافرت إلى الولايات المتحدة الامريكية، ومنها نالت درجة الماجيستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك في يونيو عام 1966، وعادت إلى مصر في العام ذاته.
ظهر نضوجها الفكرى مبكرًا، وساعدها ذلك في تكوين شخصية متفردة، معتدة بنفسها، لديها قدرة دائمة على التحدى.
ولاشك أن التغيير الذي شهدته مصر في أوائل الخمسينات، وقيام حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952، وما صاحبها من تحولات في الشأن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، قد ترك أثره عليها، وعن ذلك حكت صافي ناز كاظم في حوار أجراه معها الكاتب علاء خالد، ونشر في العدد العاشر من مجلة أمكنة، قائلة: “احنا الجيل اللي كان عنده 15 سنة لما قامت الثورة.. إحنا كنّا بنمثل فترة الحلم.. البلد كلها كانت في حلم.. دخلنا الجامعة بنقول دي أرضنا.. كنّا مستقويين بالثورة.. كانوا كلهم شباب (الضباط الأحرار والوزراء).. دخلنا وأغنية شادية بتقول يلا يا بنت بلدي ريّسنا قال قومي وجاهدي مع الرجال.. كانت مجموعة جامحة من النساء (في قسم الصحافة بكلية الآداب)، ما فكرناش نتساوى لأننا كنا متساويين بالفعل.. التصور الذاتي عن نفسنا إن ده حقنا وإحنا على الأرض بتاعتنا، فمش مستنيين حد يدينا حاجة.. مش بادئين من نقطة دفاعية.. بادئين من محاولة التحقق للوطن والذات”..
المحاربة
عندما ذهبت “صافي” إلى أمريكا لدراسة المسرح والنقد المسرحي كان ذلك بدوافع شخصية وعلى نفقتها الخاصة، كانت لا تزال تعتبر ذاتها جزء من الحلم الثوري، وكان دافعها لدراسة النقد كما تقول في مقدمة كتابها (من ملف المسرح المصري)، والصادر عام 2003 أن كل من يكتبون النقد المسرحي في مصر غير متخصصين، يخلطون ما بين الأدب وفن المسرح ويناقشون نص المؤلف، لا العرض الفني الذي يصنعه المخرج.
وفور حصولها على الماجستير، عادت إلى مصر عام 1966، لتلتحق بالعمل في مجلة الهلال، تحت رئاسة تحرير أحمد بهاء الدين، الذي كتب عن تجربتها قائلًا:
“عادت صافي ناز إلى ساحة النقد المسرحي والأدبي كما ينزل الصاروخ. وأثارت من البروق والرعود على صفحات مجلة المصور في شهور قليلة ما يكفي عشر مجلات… مزَّقت جو المجاملة والتساهل الذي ساد حياة النقد الفني في بلادنا زمنًا طويلًا”.
ولخمس سنوات متصلة سعدت صافي ناز بلعب الدور الذي حلمت به، فقد أطلقت على نفسها لقب “الناقدة المحاربة” وواحدة من “جنود الحلم الثوري” في معارك الشكل المسرحي واللغة المسرحية من ناحية، وفي مصارعة ما أسمته “الدودة” التي تنخر الثورة والتي تتمثل لها في الانتهازيين والمزيفين وسارقي الشعارات لصالح منافعهم الشخصية.
واعتبرت أن الكاتب توفيق الحكيم لم يكتب للمسرح، ونفت وجود من يستحق هذا اللقب في الوطن العربي كله، كما نفت عدم وجود مسرح أيضًا، ثم وصفت كل الأعمال المسرحية التي جاءت في فترة الستينات، بأنها مهزوزة ومكررة من الفن المسرحي المستورد من الغرب. مع ذلك، رأت “صافي ناز”، المسرح العربي لا يقوم إلا انطلاقًا من الرؤية الإسلامية كي نستطيع تقديم فن جديد يقف أمامه المتفرج الأوربي.
عملها الصحفي
في عامها الأول بالجامعة، التحقت صافي ناز كاظم بالعمل تحت التمرين في مؤسسة دار أخبار اليوم، في نوفمبرعام 1955، وعملت هناك بقسم الأبحاث، وانتقلت بعدها إلى مجلة آخر ساعة، ثم مجلة الجيل الجديد، إلى أن توقفت عن العمل الصحفي لمدة 6 سنوات بعد قرارها بالسفر إلى أمريكا لدراسة النقد المسرحي.
وبعد عودتها، ضمها الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين، ضمن فريق عمل مؤسسة دار الهلال كناقدة مسرحية وكاتبة بمجلات المصور، والهلال، والكواكب.
ووصف بهاء الدين أسلوبها بأنه “صوت جديد ونقي”، ووصف انطباعه عن شخصيتها بعد شهور من العمل “هذا المظهر الصاخب، الضاحك، الفوّار، يخفي في باطنه نواة من الجد الصعب والصرامة القاطعة”.
يذكر أن صافي ناز كاظم خاضت “أجرأ مغامرة صحفية” كما يصفها الكاتب موسى صبري في مايو عام 1959، بعد تخرجها مباشرة، حيث قامت بجولة في 7 دول أجنبية مع شقيقتها بطريقة الأوتوستوب ولم يكن معها إلا 20 جنيهًا فقط، واستغرقت تجربتها 70 يومًا زارت خلالها لبنان، واليونان، وإيطاليا، وألمانيا، وفرنسا، وكتبت تجربتها المثيرة في حلقات نشرت في مجلة “الجيل”.
وخلال سنوات طويلة قضتها في بلاط صاحبة الجلالة ، حافظت صافي ناز كاظم على قلمها حرًا، فلم تكتب حرفا واحدًا وهي غير مؤمنة به، مما عرضها لانتقادات حادة في الفترة الأخيرة على خلفية مواقفها وآراءها تجاه بعض الشخصيات المعروفة، مثل: المطربة شادية، والتى وصفت فنها بـ”المياعة”، والشاعر عبد الرحمن الأبنودى، الذي اتهمته بـ”النصب”.
وفي مقالها المنشور على موقع المنصة كتبت هديل غنيم تقول: “أذكر انطباعي عن الأستاذة التي قابلتها وأنا في مقتبل حياتي المهنية هي قوة الشخصية، والثقة بالنفس، والاعتداد بالرأي في ذلك الوقت، بدأت أتابع مقالاتها التي كانت تكتبها بانتظام في مجلة الهلال الشهرية، ثم سنحت لي فرصة ذات يوم أن أطلب رأيها، على استحياء ، في أول مقال يظهر بتوقيعي في المجلة التي أعمل بها منذ بداية تأسيسها. قرأته ثم سألتني مباغتة “حد كتب لك المقال ده؟” أجبتها مدافعة “لا طبعا أنا اللي كتبته لوحدي” زجرتني قائلة “تبقي كاتبة، وند، اطلعي بقى من جو التلمذة ده”.
سألتها عن وصف أحمد بهاء الدين لها بأنها “المسافرة أبدًا على الطبيعة وعلى الورق وأن رحلتها لم تتم ولم تصل بعد إلى المرفأ الذي يهدأ داخله الموج” وما إذا كان لا يزال ينطبق عليها بعد مرور نصف قرن، أجابت “لا. بل أنا في نعيم مرفأ الإسلام مستقرة وسعيدة ومستغنية عن خلق الله أجمعين.”
الصدام
بعد عودتها من أمريكا في منتصف الستينات، تعرضت الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم إلى صدام مع الأديب يوسف السباعي، كان نتيجته منعها من الكتابة لمدة 12 عام.
وعن ذلك قالت: “وجودي بين من يكتبون عن المسرح وقتها كان كوجود طبيب في وسط حلاقي صحة، كنت أنا الطبيب، فكان طبيعيًا أن أحارب من الجميع، زاد الوضع سوءًا عندما جاءنا الأستاذ يوسف السباعي رئيسًا لمجلس إدارة دار الهلال ورئيسًا لتحرير المصور بدلًا عن الأستاذ أحمد بهاء الدين الذي كان سبب وجودي بالمصور وكان يقدر عملي، وحين توفي عبد الناصر وجاء السادات عصف بي السباعي عصفًا شديدًا حتى أنه قال لي: “العجرفة اللي عندك سأضع حدًا لها وسأمرغ أنفك بالتراب”، وكان يكتب تقارير للأمن تحرض على اعتقالي.
وفي عام 1971، كانت قد صدرت عدة قرارات علوية أتت به بديلًا لأحمد بهاء الدين الذي نُقل إلى الأهرام،” قبل أن يرتشف أول فنجان قهوة بمكتبه.. استدعاني، و بيده مقالي عن العرض المسرحي “ملك الشحاتين” لنجيب سرور وجلال الشرقاوي، قائلًا وهو يرشق عينه الزرقاء القاتلة بمنتصف جبيني: “يكون في عِلمك إحنا مش عاوزين نشوف اسم صافي ناز كاظم ده منشور أبدًا، وعشان تبطّلي عجرفة مناخيرك حجيبها الأرض”.
الأدب
استحوذ حب الشعر والأدب على قلب صافي ناز كاظم، ففي مقال لها نُشر في المصرى اليوم، بعنوان: “ومن طفولتي حفظت قواعد الاحتجاج” كتبت تقول: “في يناير 1948 سمعت إخوتى يرددون أبياتًا من قصيدة ألقاها زميل لهم، اسمه محرم وهبى، فى مظاهرة من المظاهرات التى تجوب الشوارع كل يوم، أعجبتنى فحفظتها:
“يا أيها الوطن العزيز أما كفى/ عظة تعاود أن تنام فتؤسرا/ كم من حوادث نبهتك خطوبها/ فغفلت حتى الغرب باعك واشترى/ أسفى على الشرق العزيز وأهله/ يأتون ما حط البلاد وأخرا/ لا يعرفون الحكم غير غنيمة/ وسعت محاسيب الرجال كما ترى/ يتخاصمون إذا المآرب عطلت/ فإذا انقضين فلا خصام ولا مرا/ كل يريد لدى البلاد زعامة/ يسمو برايتها ويعلو المنبرا”.
كما تحكي في موضع آخر وتصف مدى حبها للكتابة الأدبية بجانب الصحفية، خلال حوارها المنشور في كتاب “حوارات الصفوة.. عشرون شخصية في حوارات نادرة” لمحمد السيد محمد، الصادر عن دار أطلس للنشر عام 2005، قائلة: “لقد دخلنا أنا وسناء البيسي وزينب صادق، إلى بلاط صاحبة الجلالة ونحن نحلم بالكتابات الأدبية فاصطدمنا بصخرة كبيرة في الصحافة اسمها (علي أمين) أثناء عملنا معه، لقد كنا نهرب الشعر داخل الأخبار الصحفية التي نقدمها له، وذات يوم اجتمع بنا وقال لنا ضاحكًا: “ومن الذي قال لكم أننا نكره الشعر حتى تقوموا بتهريبه داخل مقالاتكم، إننا نحب الشعر ونشجعه”.
وسبق أن اختزلت صافيناز كاظم قوميتها الادبية في الدكتور يوسف إدريس، قبل أن يتغير تفكيرها بعد التزامها الديني وارتداءها الحجاب، فأصبحت تجد لجاجة وملل في كتابات هؤلاء العلمانيين ـ كما تصفهم ـ والذين أنبهرت بهم في بداياتها، مؤكدة أنها لا تنتمي إلا لكاتب واحد هو “سيد قطب”.
وعندما سُئلت عن رأيها في أسلوب بعض الكاتبات، رأت أن أسلوب غادة السمان أشبه بـ”الرقص البلدي”، وكوليت خوري بـ”هز الوسط”، ونوال السعداوي بالـ”النصب”، وسكينة فؤاد بـ”مضغ لبان”، ولم يسلم منها سوى زينب صادق التي وصفت أسلوبها بالهدوء والرقة، وسناء البيسي التي اعتبرتها أعظم كاتبة بين كاتبات عصرها في القصة القصيرة.
تضييق
في منتصف السبعينات، اضطرت صافي ناز كاظم، للسفر إلى العراق للعمل هناك، هربًا من التضييق عليها في مصر بسبب انتقادها للنظام السياسي في عهد الرئيس السادات، فقامت بتدريس مادة الدراما بكلية الآداب، في جامعة المستنصرية، وعادت إلى مصر عام 1980 لتحكي عن هذه التجربة في كتابها “يوميات بغداد”، والذي وثقت فيه شهادتها عن ممارسات صدام حسين الإجرامية ضد الشعب العراقي، وقد صدر هذا الكتاب عام 1982 عن دار أوبن برس في لندن، وأثار الكتاب جدلًا كبيرًا في الأوساط الثقافية المصرية والعراقية.
وسبق أن مُنعت “صافي” من النشر داخل مصر في أغسطس 1971، وفصلتها رئيسة مجلس إدارة دار الهلال آنذاك، أمينة السعيد من العمل في 11 نوفمبر 1979 بسبب معارضتها لاتفاقية كامب ديفيد، واستمر منعها من النشر وفصلها من العمل حتى 25 مارس 1983.
الاعتقال
اعتقلت صافي ناز كاظم، ثلاث مرات في عهد الرئيس السادات، الأولى كانت عام 1973، والثانية عام 1975، أما المرة الثالثة فكانت عام 1981 في اعتقالات سبتمبر الشهيرة.
وعن هذه التجربة القاسية من حياتها، قالت: “في المعتقل تبين لي أنني أنتظر حادثًا سعيدًا وجاء الإفراج عني في شهر حملي الأخير، ليرزقني الله بابنتي الغالية نوارة الانتصار أحمد فؤاد نجم، في فجر اليوم الثالث من معارك تحرير سيناء 8 أكتوبر 1973، وليكرمني الله بجعلها من الملايين الذين شاركوا في نصرة ثورة الشعب المصري 25 يناير 2011 بميدان التحرير.
دخل نجم السجن بعد زواجنا بـ 4 أشهر في 29 ديسمبر عام 1972، ومعه الشيخ إمام ومحمد علي الرسام، وشاركت في اعتصام طلبة جامعة عين شمس يناير 1973 احتجاجًا على كذب شعارات الديمقراطية التي رفعها أنور السادات.
كانوا طلبة وكنت صحفية كاتبة ناقدة ممنوعة من النشر، ذهبت إلى اعتصامهم أقول إنني لا أملك أن أساندهم بقلمي ولذلك فإنني بانضمامي إلى اعتصامهم السلمي، الذي هو حق من حقوقنا الدستورية، أكون قد قمت بواجبي الصحفي الشريف، استمر الاعتصام بقصر الزعفران في قلب الجامعة من أول يناير 1973 حتى التاسع منه عندما اقتحمه قوات الأمن المركزي بقيادة اللواء أحمد رشدي، وتم القبض عليّ مع الطلبة والطالبات بتهمة الاندساس بين صفوف الطلبة لإثارتهم وتحريضهم على قلب نظام الحكم. (في المعتقل كنت أنادي الطالبات مزاحًا: يا بنات في تفتيش اللي قالبة نظام الحكم تعدله فورًا!).
المرة الثانية التي اعتقلت فيها كانت نوارة رضيعة وكانت هذه أقسى مرة على نفسي وأكثرها إيلامًا؛ لأنني لم أكن قد فطمتها بعد، أما الثالثة كان عمر نوارة 8 سنوات، واحتفلنا بعيد ميلادها داخل المعتقل”.
نجم
في حوار أجرى معها في مجلة أسبوعية، في نهاية الثمانينات قالت صافي ناز كاظم:” تزوجت من أحمد فؤاد نجم لتسديد ديون مصر”.
ارتبطت صافي ناز كاظم، بشاعر العامية أحمد فؤاد نجم، في مطلع السبعينات، وهو الأمر الذي استعجب له المحيطين بها، من الأسرة والأصدقاء، ووصل إلى حد معارضتهم زواجها به، فكيف لفتاة تعلمت في أمريكا أن ترتبط بشاعر “معدوم” على حد وصفهم، ومشاغب، إلا أنها لم تأبه لتحذيراتهم من فشل تلك العلاقة، والتى انتهت بعد سنوات قليلة بالانفصال، في يوليو 1976، أنجبا فيها ابنتهما الوحيدة، التي ولدت إبان حرب أكتوبر 1973 فسمتها “نوارة” الانتصار.
وخلال حوار معها نشر على موقع إضاءات، في مارس 2020، استرجعت الكاتبة الكبيرة تفاصيل حكايتها مع” الفاجومي قائلة: “زواجي من الشاعر الفاضل أحمد فؤاد نجم تم يوم 24 أغسطس 1972، بعد عام من منعي من النشر، بقرار من “يوسف السباعي” في بداية حكم محمد أنور السادات، ذلك المنع الذي استمر 12 سنة. قال نجم تزوّجيني، فقلت موافقة. كان ذلك في أول لقاء لنا في 31 يوليو 1972. بين لقائي هذا الأول وعقد القران في 24 أغسطس من نفس العام التقيت به ما لا يزيد عن 4 مرات فحسب. كانت معرفتي بشعره ومواقفه ضد المستبدين كافية لي”، مشيرة إلى أن قرار موافقتها بالزواج من نجم لم يتأثر بموقف المعارضة الشديدة الذي واجهته، سواء من الاهل أو الأصدقاء.
تقول صافي ناز كاظم، أن الحكاية لم تكن قصة غرام بينها وبين نجم: “حكاية لا يصدقني فيها أحد لأنها كانت موقفًا شعريًا مني يفوق في جمال دوافعه حكايات الحب المعتادة بين الرجال والنساء. كنت قد انتهيت من قراءة سيرة حياة الشاعر البطل الوطني عبد الله النديم، العودة إلى المنفى، التي كتبها الأديب الأستاذ أبو المعاطي أبو النجا.
بين كل سطر وآخر أجد فيه عبد الله النديم واقعًا في مأزق أو أزمة أو إفلاس أو جوع، مخذولًا مطاردًا محاصرًا أبكي وأقول: لو كنت أعيش زمنك لنهضت أفديك يا عبد الله النديم”. لذا لم يكن غريبًا حين وجدت أحمد فؤاد نجم يسير إلى جانبي مخذولًا مطاردًا محاصرًا، يطلبني للزواج أن أتنبه: “ها هو الشاعر الشجاع صنو عبد الله النديم، خارج لتوه من المعتقل منفي داخل الوطن”.
وعن كواليس أول لقاء جمعها بـ”الفاجومي” قالت ن الأمن ألغى ندوة للشيخ إمام ونجم، فتوجهت ونجيب سرور والناقد غالي شكري. للتضامن معهما، وتابعت: “فذهبنا إلى الغورية ومنها اخترقنا الحارة والعطفة إلى حوش قديم وصعدنا السلم المعتم لأجد نفسي في غرفة مكدسة باللوحات والألوان، تخص صاحب الغرفة الفنان التلقائي محمد علي، وهو الضلع الثالث في هذا الكيان الفني.
الشاعر النحيل يجلس على شلتة على الأرض وأمامه على الأريكة الخشبية المغني الملحن الضرير يحتضن عوده، يتم الترحيب المتبادل وأجتهد لكي أعبر لهما عن عمق احترامي وإجلالي لهما ولفنهما الباسل من دون أن أنزلق إلى المستهلك والركيك. أعجبني من الشاعر والشيخ أنهما كانا ضاحكين لا مباليين كأنهما لم يكابدا أي لسعة من لسعات الشقاء. لم ألبث طويلًا وحين تهيأت للذهاب أصر نجم على توصيلي إلى شارع الأزهر وكان قوله المفاجئ التلقائي:” ماتتجوزيني”!.
داهمني للوهلة الأولى إحساس بالورطة آذيت بسببه نفسي باللوم: “أفندم يا ست صافي؟ كنت تبحثين عن عبد الله النديم لتفتديه، وها هو أمامك بشحمه ولحمه؛ الشاعر الذي يعطي ولا يأخذ، الذي كلما اشتد ساعده في العمل كان أجره السجن والاعتقال والتجويع، الشاعر الذي صاح في زمن الكبت والخرس بعد هزيمة 5 يونيو، الشاعر الذي بحق لم يبع شبرًا ولم يخضع لضيم”.
استمر لومي لنفسي على هذا المنوال حتى وصلت إلى أن هذا الشاعر يحتاج لمن يعتني به ويحافظ عليه ويرممه؛ يقص أظافره (عانى نجم من ذلك بالذات كثيرًا!)، ويأخذه لطبيب العيون لأنه يحتاج نظارة قراءة، ويحضر له كمية هائلة من الصابون والفنيك وفرشاة مسح بلاط وتنظيف المكان كل أسبوع على الأقل، يحتاج لسرير ومرتبة ووسادة، وطعام وفق نظام غذائي متوازن، هذا شاعر النبض الشعبي وضعه الله أمانة في عنقك إذا كنتِ حقًا مستعدة للفداء كما تزعمين”.
التزامها
طوال السنوات الماضية، حرصت الكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم، على أن تعبر عن آراءها تجاه بعض القضايا بصراحة ونقد لاذع، أخذه عليها الكثيرين، والسبب تأثرها بالثقافة الاسلامية، وحرصها على التشبع بالتراث الاسلامي، والذي ترجمته في كتاباتها، على نحو أثار لغطًا وتهجما على شخصها لازال أثره مستمر حتى الوقت الحالي.
وعن ذلك قالت: “أنا لم أتحول إلى الإسلام وإنما حدث لي تطور فكري ونمو في التزامي بالإسلام، أنني كنت دائمًا مسلمة من أسرة مثقفة والإسلام ركن أساسي في البيت الذي نشأت فيه، لكن في بداياتي الأولى ولأن التغريب كان شديدًا في الخمسينيات والستينيات فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمي، ولم يكن هذا خطأ فكان لابد أن نطلع على الأدب العالمـي فنشتاق إلى تراثنا.. ومن حصيلة الرصيد الغربـي والعالمي والرصيد الإسلامي والتراث ينزل نزل المطر الخصب الذي يؤدي إلى ثمار جيدة.
وهذا التطور لم يأت فجأة، فرحلتي لأمريكا جعلتني أدرك أن تراثهم وجذورهم هي الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية، وعندهم مادة اسمها الحضارة الغربية التي ركيزتها الفكر الإغريقي والحضارة الإغريقية وعندها قلت لنفسي إنني لم آت من هنا … وتساءلت في نفسي: فمن أين أتيت..؟ وهذا دفعني إلى العودة لقراءة تراثي العربي الإسلامي. وأول ما عرفت كان سيد قطب حيث عرفته في أمريكا فقرأت كتابه “العدالة الاجتماعية في الإسلام” باللغة الإنجليزية.
كان البرنامج أن أتجول وأجوب العالم كله، وقد حصلت على الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك، لكن هدفي كان الترحل ومعرفة الحضارة فكنت أحاول أن أطور شخصيتي من خلال الترحال والاغتراب. كنت هناك دائماً أقرأ وأقوّم وكان ديني معي، لكن كان لابد أن أقرأ أدبيات ديني، وشعرت أنني حينما أعود إلى مصر سأبحث عن ذلك، وقد عشت في ثلاث ولايات مختلفة هي كانساس وشيكاغو ونيويورك، فاطلعت على ثقافة الغرب بأكملها وعلى حضارتهم وفنونهم، ولا أنكر أنني استمتعت، وطوال هذه السنوات لم يكن عندي تليفزيون ولم أتكدر؛ لسخافة التليفزيون الأمريكي”.
الظهور الاعلامي
لقاءات نادرة لصافي ناز كاظم على شاشة التليفزيون، والسبب كما أشارت إليه هديل غنيم في مقالها سابق الذكر، من خلال طرحها لتساؤل: “لماذا لا تظهر صافي ناز كاظم على ساحة الإعلام في تيّاره الرئيسي العام”؛ كتبت تقول: “من ناحية، يهاب الكثيرون امرأة مفوهة وجسورة مثلها، قد تسبب بصراحة لسانها ونقدها اللاذع حرجًا لهم أو تحديًا لسلطتهم. ومن ناحية ثانية، ينفر آخرون ممن يحبون ويشجعون المرأة المثقفة مستقلة الرأي من امرأة ترتدي الحجاب التقليدي وتنتقد العلمانية الغربية والإلحاد. ولن يرضى عنها من ناحية ثالثة اليمين الإسلامي الرجعي لارتباطها بدوائر اليسار والاشتراكية؛ حتى إن السلطات الأمنية حين اعتقلتها ثلاث مرات في أعوام 1973، و1975، و1981 اتهمتها بأنها ماركسية.
يذكر أن الكاتبة صافي ناز كاظم قد تصدرت في الفترة الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي، واتجه بعض الشباب إلى تقليدها عبر التطبيق الشهير” التيك توك”، في مقطع بعنوان: “إلغي رحلتي” تم الاستعانة به من حلقة لإحدى البرامج الشهيرة، التى كان يقدمها الاعلامي فيصل القاسم، كانت ضيفتها “صافي ناز كاظم”، وتناقش فيها قضية “تعدد الزوجات”، واضطرت وقتها إلى عدم استكمال الحلقة والانسحاب من على الهواء مباشرة بعد احتدام النقاش بينها وبين النائبة الأردنية، توجان الفيصل، جاء فيه:
– أنا أنسحب لأنها وصفتني بعدم التهذيب وهذا غير لائق.
* عفوًا نحن على الهواء مباشرة.
– إن شالله يارب نكون في القمر أنا مالي.
* السيدة صافي ناز كاظم نحن على الهواء مباشرة.
– إلغي رحلتي.
انتشر هذا المقطع وحقق ملايين المشاهدات، وارتفع معدل البحث عن اسم “صافي ناز كاظم” بشكل كبير على” Google Trends”
وعن تفاصيل هذا اللقاء الذي يرجع تاريخه إلى عام 1997، وعُرض على قناة الجزيرة، قالت في حوار لها على موقع إضاءات: “تمت دعوتي من قناة الجزيرة بالدوحة للاشتراك في لقاء مع فيصل القاسم، وقتها لم أكن أعلم أي شيء عن القناة وسألت ابنتي نوارة عنها فشجعتني على قبول الدعوة.. لا أذكر الآن سوى أنني كنت مستعدة لحوار جاد حول تعدد الزوجات، وكان ملخص ما قلته هو أن هذه الرخصة بمثابة أبواب الطوارئ في الطائرة موجودة لكي لا تُفتح إلا للإنقاذ.
وعن سبب احتداد المناقشة قالت: “تحدثت بروح طيبة، لكن السيدة توجان فيصل، لم تفهم مدخلي و صارت تتكلم باستعلاء علماني لم أرتح له. داخلني شعور حينها بأنني وقعت في فخ استفزازي منصوب للخوض فيما لا أحب الخوض فيه، وداهمني شعور بالزهق وحين سمعتها تقول لي: “خلينا نكون مهذبين”، حسمت قراري بالنهوض وتركت المكان، معتبرة ان هذا الانسحاب “واجب” من أي مكان لا يليق بها.
مؤلفاتها
عكفت الصحفية والكاتبة الكبيرة صافي ناز كاظم على نشر العديد من الكتب، التي أثير جدلا واسعا حول بعضها، فكان كتابها الأول بعنوان:”رومانتيكيات”، والصادر عن دار الهلال عام 1970، لتتوالي من بعدها العديد من الاصدارات، والتى أثبتت امتلاكها لموهبة أدبية منفردة في الكتابة الذاتية والنقد الفني مثل: يوميات بغداد، تلابيب الكتابة، الخديعة الناصرية، في مسألة السفور والحجاب، رؤى وذات، الحقيقة وغسيل المخ، من ملف مسرح الستينيات، مسرح المسرحيين، من دفتر الملاحظات، عن الحب والحرية، تاكسي الكلام، صنعة لطافة، صورة صدام، ورساليات في البيت النبوي.