حسن دياب.. مصور بعقل صحفي وعين فنان
الإبداع والخيال، والاهتمام بالتفاصيل، والصبر والمرونة، والشغف، كلها صفات توفرت فى المصور حسن دياب، فكانت صوره أبلغ من الكلام في الوصول إلى المقصود.. تدخل بلا استئذان قلوب وعقول الناس.. تبصرها العيون وتتغلغل في الذاكرة تاركة خلفها أثرًا قويًا وفاعلًا، ولهذا كله اصطفاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وفضله عن العالمين، واختاره ليكون مصوره الرسمي لأكثر من 18 عامًا.
وُلد حسن دياب فى حي باب الخلق بالقاهرة يوم 26 أكتوبر 1926، وكبر فى منزل يحب لعبة البلياردو، وأسرة تعمل في مجال أدوات الرياضة. خططت العائلة لأن يكون طفلها بطلا فى هذه الرياضة، فبدأ خلال سنوات طفولته الأولى التدريب بجد واجتهاد وشارك فى العديد من المنافسات وقبل أن يكمل العاشرة من عمره كان قد حصل على العديد من البطولات والكؤوس في رياضة البلياردو.
وجد الفتى البطل رغبة كبيرة فى نفسه تدفعه لشراء كاميرا تصوير، ليسجل بها لحظات فوزه وحصوله على الكؤوس والميداليات، فذهب إلى شارع الجمهورية واشترى آلة تصوير بأربعة قروش فقط، ومنذ اللحظة التي عانقت فيها أيادي الصغير الكاميرا، أخذه التصوير من كل شئ، وبات الطريق من شارع الحمزية في باب الخلق إلى المدرسة مُحببًا، وصار أصدقاؤه أبطال صوره، وبدأت جولاته في شوارع إمبابة والجيزة، يسير أميالًا على أقدامه، يتحمّل مشقة الطريقة من أجل صورة واحدة.
لم يكن يعرف حسن إلى أين تقوده خطواته فى عالم التصوير، حتى التقط صورة لمسجد المؤيد، وشاهدها سليم يوسف أحد المصورين المهمين فى ذلك الوقت بينما كان يلعب فى صالة البلياردو الخاصة بعائلته، فأُعجب بالصورة وقرر نشرها فى مجلة الراديو المصري (مجلة الإذاعة والتليفزيون حاليا)، وفى عام 1947 كُتب ﻷول مرة فى عالم الصحافة تصوير حسن دياب.
وفى عام 1948 التحق دياب بدار أخبار اليوم، وكلما اقترب أكثر من عالم الصحافة تورّط في حبه، ولمّا كان يغطي في صالات مجلس الوزراء، سمع بالخارج “صوت زيطة كبيرة”.. تحرك شغفه وخرج المصور يستطلع ما يجري، فرأى ثورًا هائجًا في التحرير ودخل مجمع اللغة العربية، التقط الصورة ووقتها اختيرت للصفحة الأولى في جريدة الأخبار.
لم تكن صور دياب تحكي وحسب، بل تسجل مواقف، وتقتنص حقًا، مثلما حدث خلال العدوان الثلاثي على مصر، حينما صعد فنار بورسعيد ليسجل الاعتداءات التي طالت المكان، في الوقت الذي كان ممنوعًا فيه دوليًا الاعتداء عليها، منحت جائزة يونسكو وأعادت حقًا لمصر
وأثناء عمله بأخبار اليوم استطاع دياب من خلال عدسته المميزة أن يصبح المصور الرسمي للرئيس جمال عبدالناصر، وبدأ التفاهم بينه وبين عبدالناصر في بداية الثورة عام 1952 قبل أن يتم الإعلان عن القائد الحقيقي لثورة 23 يوليو، حيث كان المصور حسن دياب مرافقًا لمصطفى أمين في مقابلة لصحيفة الأخبار مع محمد نجيب وجمال عبدالناصر وخلال المقابلة تنبه دياب إلى الوضع المتميز لجمال عبد الناصر عندما وجد محمد نجيب يطلب منه التقاط صورة له مع جمال عبد الناصر.
في اليوم التالي ذهب دياب إلى القبة لتصوير أحد الاجتماعات، ووجد غرفة مكتوبًا على بابها “القائد” فوقف أمامها مقررًا أن يلتقط صورة للشخص الذي سوف يخرج من الغرفة وكان قد خرج من تلك الغرفة “جمال عبدالناصر”، وفى الحال لمع فلاش حسن دياب فنظر له جمال عبد الناصر ثم نادى شخصًا من الشرطة العسكرية وطلب منه تسهيل مهمة دياب بعد ذلك.
ظلت عين حسن دياب لا تفارق جمال عبد الناصر الذي لم يكن قد تم بعد الإعلان عن موقعه القيادي في الثورة، لكن دياب أحس أن هذا الضابط متميز بشدة بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، و بالتدريج بدأ عبد الناصر يطلب أن يرافقه حسن دياب في جولاته إلى أن اختاره مصورًا خاصًا له عام 1954، ومنذ هذا الوقت ولم يمر حدث في تاريخ مصر طوال عهد عبد الناصر إلا وكان مسجلاً بالصورة عبر عدسة حسن دياب.
امتنعت عدسة دياب عن تصوير عبد الناصر مرتين؛ الأولى يوم 5 يونيو 1967 عندما رأى حسن دياب، وهو المصور الوحيد الذي كان في مقر القيادة عبد الناصر في لحظة خروجه من المقر يجر ساقيه من جراء الهزيمة، هذا المشهد من الناحية الصحفية كان لابد من تسجيله وكان من المؤكد أن تتبادله كل وكالات الأنباء الأخرى لكن حسن دياب تعامل مع الموقف بعاطفته تجاه بلده، وتجاه الرئيس عبدالناصر ولم يلتقط الصورة.
والثانية يوم وفاة عبدالناصر حيث بقى دياب في بيته لأنه لم يتحمل فكرة أن ترتفع يداه بالكاميرا ليصور الرجل الذي طالما كان يصوره وهو ممتلئ بالأمل والحماس.
كان الحس الصحفي للمصور حسن دياب متيقظًا طوال رحلته مع الرئيس جمال عبدالناصر، ففي فترة من الفترات انتشرت شائعة كان مضمونها أن الرئيس عبد الناصر قد أُصيب بالشلل فانتهز حسن دياب فرصة إحدى المقابلات لجمال عبدالناصر مع أحد الشخصيات العامة وقام بالتقاط صور المقابلة كاملة، وحرص فيها على إظهار حركة جمال عبد الناصر، وقام محمد حسنين هيكل بنشرها على مساحة كبيرة في الصفحة الأولى بالأهرام.
وكان لدياب نظرة خاصة في كل صوره للرئيس الراحل، لم يصوره قط صورة رسمية بل كان يخزن في أفلامه مشاعر ولحظات مهمة في حياة عبد الناصر.. طفل يمر مسرعًا من أمام الموكب الرئاسي في شارع الجمهورية فيلتقط دياب لهفة الرئيس.. عناق الجماهير للراحل.. قبلة من مُحِب.. مصافحة فنان شعبي بيد واحدة.. برفقة عائلته أو وحيدًا في مسجد بالجلباب.. كانت كلها صورًا خارج الكادر مليئة بالمشاعر الحقيقية وليست صورًا صماء للرئيس وهو جالس على كرسي أو في مؤتمر.
بعد رحيل عبدالناصر، تولى حسن دياب إدارة التصوير في رئاسة الجمهورية في مقرها في منشية البكري بمصر الجديدة، ولم يتخلَ عن حُبه للتصوير، فعاد للعمل بأخبار اليوم، وظلت الكاميرا رفيقته حتى عام من وفاته، ومات يوم 4 مايو عام 2002 لكنه لا يزال حيًا بيننا بلا جسد، بين الأسرة والعائلة وأساتذة المهنة ورفاق العمل، وصوره التى سجلت مرحلة هامة فى تاريخ مصر.
المصادر:
كتاب مصر المصورة ذاكرة الإنسان والمكان بالفوتوغرافيا، ص 109، 120.
65 سنة تصوير.. سيرة حسن دياب مع “الريّس” عبدالناصر والخلق (بروفايل)