شحاته السيد.. مؤسس دليل المصادر المفتوحة للصحفيين
بطلنا هذا الأسبوع صاحب قصة ملهمة، مزَج بين الكدِّ في سبيل لقمة العيش وشغف الوصول إلى حلمه؛ ليُحصِّل التوفيقَ الذي أراد، ويُرضي نفسَه الشغوفة المجتهدة، لن نبالغ إن أطلقنا عليه لقب “قاهر الظروف”، لقدرته على تذليل العقبات والصبر على المحن وتعلَم الدروس القاسية من التجارب القاسية، وكان تحصيل عمله الذي يحبه بالشكل الذي يُرضي نفسَه، بمثابة البلسم الشافي لقلبه… فى السطور التالية سنتناول السيرة الذاتية للصحفي الاستقصائي الشاب شحاته السيد مؤسس دليل المصادر المفتوحة للصحفيين العرب.
ظروف قاسية
وُلد شحاته السيد عام 1994 فى قرية النواورة التابعة لمركز البداري في محافظة أسيوط، قسَت عليه الحياة، ومنعته ظروف أسرته المادية من متابعة دراسته، فأُجبر منذ نعومة أظافره على أن يَجوب الآفاقَ ويَطرق بابَ صنوف من الأعمال، فعمل فى السادسة من عمره في ورش حدادة، وورش عجل، ومصانع بلاط ورخام، كما عمل في حفريات الصرف الصحي، وبعد إنهاء المرحلة الإعدادية اضطر للسفر إلى ليبيا للعمل من أجل توفير مبلغ مالي لعملية شقيقه المريض الذي كان يعاني وقتها من ثقب فى القلب، وكان السفر بطريقة غير شرعية وظل 15 يومًا في الشوارع بلا مأوى، بعدها تعرف على مواطن سوري عمل معه في الكهرباء.
و في بداية عام 2011 اضطرته الظروف للسفر إلى ليبيا مرة أخرى، وهو في سن السادسة عشرة من عمره، دون أن يفكر في الحرب الدائرة هناك وآثارها والمخاطر التي قد تواجهه، ولم ينتبه إلى العواقب وإن كان سيعود حياً أو ميتاً، وبعد وصوله إلى مدينة مصراته أكثر مناطق الحرب شراسةً في ليبيا، صُدم بشراسة الحرب والدمار وكم الأسلحة المتنوعة بين “البنادق الآلية والرشاشات والمدافع والصواريخ والدبابات ومضادات الطائرات وغيرها”، في كل يوم كان ينتظر رصاصة عابرة تخترق جسده أو ربما رصاصة عن قصد من لص أو قاطع طريق أو هارب من السجن.
3 سنوات عاشها بطلنا بين حرب ودمار كانت كفيلة أن تترك في نفسه صدمات ما زالت تلاحقه تبعاتها حتى الآن، وفي النهاية عاد إلى وطنه سالمًا.
لم يستسلم شحاته للظروف، فعمل على تذليل الصعوبات التي واجهته وحقق نتائج إيجابية معاكسة للوضع السيء الذي وُجد فيه، حيث حصل على بكالوريوس في الإعلام بنظام التعلم عن بعد، ودبلومة في تغطية مناطق الصراع والحروب، ودبلومة في الإعلام الرقمي من معهد الولايات المتحدة للسلام 2020، ويدرس حاليا هندسة برمجيات و أمن معلومات في جامعة IGate international بالشراكة مع جامعة فاس التقنية بالمغرب، كما يدرس إدارة الأعمال في جامعة University of the People، وهي مؤسسة تُعرف نفسها بأنها جامعة أمريكية معتمدة غير ربحية شبه مجانية تتيح فرصة التعليم عن بعد، تساعد خريجي المدارس الثانوية الأكفاء في تخطي المعوقات المالية والجغرافية والسياسية والشخصية التي تواجههم وتحول دون حصولهم على فرصة في التعليم الجامعي.
تجربته المهنية
بدأ شحاته تجربته الصحفية فى مهنة البحث عن المتاعب عام 2014 كمراسل من محافظة أسيوط لبعض الصحف المحلية، وتعرض على مدار عامين لاستغلال مادي تمثل في العمل دون مرتب أو بدلات أو ضمانات قانونية حال تعرضه لأي مشكلة، هذا إلى جانب الاستغلال النفسي والمعاملة السيئة، وفى عام 2016 أعاد النظر والتفكير فى مستقبله المهني وقرر الابتعاد عن الشغل الخبري العادي والتوجه إلى الصحافة الاستقصائية.
والصحافة الاستقصائية، هي تلك التحقيقات والتقارير الصحفية القائمة على الأساليب والإجراءات المرتكزة إلى القواعد العلمية والمهنية التي يستخدمها الصحفي في الوصول إلى الحقائق المستترة، أو تتبع بعض القضايا الشائكة وكشف الغموض فيها لأجل تقديمها للجمهور، بهدف خلق رقابة على السلطات العامة وحماية مصالح المجتمع.
ويتطلب هذا النوع من الصحافة مهارات وإمكانيات صحفية لم تكن متوفرة في شحاته السيد في ذلك الوقت، لذا حرص على تطوير نفسه عبر الحصول على العديد من الكورسات وورش التدريب من مؤسسات مرموقة، جعلته يكتسب خبرات ومهارات تؤهله للعمل فى الصحافة الاستقصائية، وكانت الانطلاقة فى أواخر عام 2018 مع وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية “سراج”، التى شارك معها بإعداد تحقيقين متعلقين بقضايا اللاجئين السوريين في مصر، وأحدثت هذه الموضوعات صدى كبيرا ، حيث تحركت مفوضية اللاجئين وقامت بإجراءات ايجابية لمنع المشكلة.
وعن تجربة “سراج” يقول شحاته السيد للمرصد المصري للصحافة والإعلام : “الزملاء فى الوحدة السورية كان لهم فضل كبير فى تطوير أدائي بشكل كبير، وقد ساعدوني في إخراج المنتج الخاص بي بشكل يليق بالمؤسسة وبي كصحفي”.
وبجانب “سراج” خاض” شحاته السيد، تجربة مهمة مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، وعن هذه المؤسسة يقول: ” بعتبر أريج بيتي ومثل أمي ﻷنها من المؤسسات الكبيرة فى المنطقة العربية وليا فيها تجربتين؛ التجربة الأولى كصحفي متعاون: وهذه التجربة وجدت فيها دعم نفسي ومعنوي و لوجستي ومادي، حيث شاركت معهم بتحقيق يتعلق بالفساد المالي فى البنك الزراعي المصري، وكان يتناول مشكلة مجموعة من الفلاحين فى مركز البدارى في أسيوط تعرضوا لعملية استغلال من موظفي البنك الزراعي، وأحدث التحقيق صدى واسعا دفع البنك الزراعي والبنك المركزي إلى اتخاذ إجراءات لتصحيح المشكلة، أما التجربة الثانية: فكانت كموظف فى فريق التواصل وهذه العمل جعلني أطلع على العمل المؤسسي وتلقيت منهم كل الدعم والتقدير “.
وبالإضافة إلى “سراج” و “أريج” عمل شحاته السيد، مع “درج ميديا”، و”خيوط”، ومؤسسة روزنة للإعلام، والمركز الدولي للصحفيين، حيث أنجز تحقيق “رحلة العلاج المؤجل.. صراع من نوع آخر يواجه السوريين في مصر”، بدعم الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية سراج بالتعاون مع درج ميديا، كما أنجز تحقيق “سوريون يبيعون مقتنياتهم الشخصية لمواجهة كورونا” بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” وبالتعاون مع مؤسسة روزنة للإعلام.
ويتضمن أرشيف شحاته أيضًا، تحقيقا بعنوان “الاعتداء الجنسي مقابل العمل.. محنة اللاجئات في مصر بعد كورونا”، بدعم المركز الدولي للصحفيين ومشروع فيسبوك للصحافة ودرج ميديا، وتحقيق “قروض مزورة”، بدعم شبكة أريج، وتحقيق “الحرب الرقمية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي”، بالتعاون مع مؤسسة خيوط للإعلام.
تجربة “دليل المصادر المفتوحة”
و نتيجة للعقبات التى تعرض لها في بداية توجهه إلى الصحافة الاستقصائية كالتهميش والعنصرية في التعامل بدايةً من التدريبات مروراً بالأدوات وصولاً إلى انعدام المساواة في الحقوق المادية والمعنوية والفكرية، فكر شحاته في أن يصنع شيئاً داعماً له و لزملائه في مهنة البحث عن المتاعب، يقدم لهم خدمات متكاملة تدعمهم شخصيًا وعمليًا وتقنيًا، ومن هنا جاءت فكرة مشروع دليل المصادر المفتوحة.
وتقوم فكرة دليل المصادر المفتوحة على إتاحة مئات الأدوات المدفوعة التي يبدأ سعرها من 30 دولارًا إلى ما يزيد عن 500 دولار مجاناً، إضافة إلى مئات الأدوات المفتوحة التي يُمكن للصحفيين استخدامها في التنقيب والبحث عن المعلومات والبيانات والإحصائيات وأدوات البحث العلمي وغيرها من الأدوات الأخرى التي توفر الوقت والجهد في القطاعات المختلفة (الصحة والتعليم والاتصالات وغيرها).
لم يتوقف المشروع عند الأدوات المفتوحة والمدفوعة، بل بدأ في صناعة وإنتاج أدوات متخصصة باللغة العربية بتصميم بسيط يُمكن للصحفيين استخدامها بمختلف مستوياتهم، وذلك لدعم الصحفيين والمؤسسات العربية بشكل مباشر، حتى يتمكنوا من إنتاج تقارير وتحقيقات بجودة عالية تُنافس على المستوى العالمي.
وحل مشروع دليل المصادر المفتوحة للصحفيين، ضمن أفضل 8 مشروعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمركز توجيه المبادرات الإعلامية التابع للمركز الدولي للصحفيين وشبكة الصحفيين الدوليين.
ولمواكبة هذا التحول الكبير فى حياته، اتجه شحاته مؤخرًا إلى دراسة البرمجيات لتطوير البرامج والأدوات التى يقدمها للصحفيين، كما اتجه إلى دراسة إدارة الأعمال ليكون لديه القدرة على إدارة مشروعه وحياته ويسوق لنفسه.