ناهد إمام .. صحفية حَلّالة عُقد

بطلة حكاية اليوم، صحفية فريدة من نوعها.. صاحبة تجربة مهنية وشخصية ملهمة، تقدم نوعًا مختلفًا من الصحافة، يشبه إلى حد كبير “بريد القراء” الذي كان يصنعه الكاتب الصحفي عبد الوهاب مطاوع فى جريدة الأهرام، ولكن بشكل متخصص عبر دراسة الإرشاد النفسي وتوظيف الكتابة الصحفية ومزجها مع علم النفس.. تستخدم أسلوبًا أدبيًا راقيًا في الرد على الرسائل التي تختارها للنشر من بين عشرات الرسائل التي تصلها عبر الإيميل الإلكتروني.. أسلوب يجمع بين العقل والمنطق والحكمة. لا تقسو على صاحب/ة المشكلة في الرد مهما كان حجم ما اقترفه/ا من ذنب، بل تسعى دائمًا لمساعدة صاحب/ة المشكلة، أو توجيههم لمن باستطاعته مساعدتهم على حل مشكلاتهم… فتعالوا بنا نفتح الصندوق الأسود الخاص بالكاتبة الصحفية ناهد إمام.

وُلدت ناهد إمام النوبي يوم 10 أغسطس 1970، في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، والدها معلم لغة إنجليزية ووالدتها معلمة تربية موسيقية، عاشت طفولتها ما بين دولة الكويت وسلطنة عمان بسبب عمل والدها في هاتين الدولتين وقتها، التحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة وتخرجت في قسم الصحافة عام 1993.

بعد تخرجها، بدأت مسيرتها المهنية، تنقلت ناهد بين عدد من الصحف والمواقع الإخبارية، فكانت البداية في “الشعب” ثم شبكة “إسلام أونلاين” وعملت لمدة 4 أعوام في الكويت في الفترة من 1998 حتى 2001 في مجلة كويتية للمرأة، تم ترقيتها بعد عام واحد من العمل في المجلة كمحررة صحفية إلى سكرتير تحرير المجلة.

حصلت ناهد على عضوية نقابة الصحفيين عام 2001 وكانت انطلاقتها الأكبر في موقع اليوم السابع في بدايات تأسيسه كرئيس قسم للمنوعات والمرأة، من العام 2007 -2010 حيث أنجزت العشرات من الحوارات مع شخصيات نسائية بارزة في المجتمع، وناقشت العديد من القضايا الاجتماعية الشائكة، وكتبت عشرات القصص الإنسانية في صفحة “احكوا” وكانت صفحة مخصصة للقصص الإنسانية، إلى جانب إدارتها للقسم وتدريبها لعدد من الصحفيين والصحفيات من الشباب المتدربين.

عملت ناهد بعدها كرئيس قسم المرأة والمنوعات في الموقع الإلكتروني للوفد في بدايات تأسيسه من 2011 – 2014 وتابعت خلال عملها بالوفد الكتابة في شئون المرأة وقضايا المجتمع، والقصص الإنسانية.

ساهم شغفها وحبها واشتغالها في قضايا المرأة، ومشكلات المجتمع، والقصص الإنسانية في قربها من “النفس الإنسانية” مما دفعها لتدعيم هذا القرب بالدراسة، وكثرة القراءة، والبحث المتخصص فاجتازت العديد من الدورات والورش المتخصصة في الاستبصار بالذات، والوعي والنضج النفسي، وأنهت برنامج “بصيرة” مستوى المهارات والوعي الذاتي، وبرنامج المشورة الأسرية والزوجية في مركز “وصال” التابع للاتحاد العالمي لمراكز التدريب والإرشاد النفسي، وأصبحت مؤهلة بشكل كبير لـ “المشورة المكتوبة”، فعملت في عدد من المواقع الصحفية وعبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” على الرد بشكل علمي، منهجي، على الإستشارات النفسية والاجتماعية، لدرجة أن لقبها أحد مديري تحرير هذه المواقع بـ “عبد الوهاب مطاوع” النسخة الأنثوية!

بعد رحلتها في مجال الاستشارات الاجتماعية والنفسية منذ العام 2018 وحتى الآن ترى ناهد أنه من المهم أن يدرس الصحفي من يعمل في هذا المجال في الصحف والمجلات والمواقع الصحفية الإرشاد النفسي، والصحة النفسية، وعلم النفس الإيجابي، ويكون على اطلاع وتثقيف دائم ليتمكن من الرد بطريقة علمية منهجية ومدروسة، وخلطها مع الخبرات والتجارب المتراكمة عبر رحلة العمر، وليس الأخيرة فقط.

وبحسب ناهد فلو افترضنا جدلًا أن هذا القسم – الاستشارات الاجتماعية والنفسية- هو لون من ألوان الكتابة الصحفية مثله مثل الرياضة، والفن، والاقتصاد، إلخ فهو يحتاج إلى صحفي مخضرم في خبراته وتجاربه الحياتية، يمتلك ناصية بيان أدبي/صحفي، وحكمة، ومستوى عال من الوعي والنضج النفسي، فالأمر ليس دراسة فحسب لامتلاك الأدوات، وإنما “شغل على النفس” وتطبيق عملي على نفسه أولًا، واستبصارًا بذاته، يمنحه الشفافية والحكمة واللياقة النفسية المطلوبة، والمؤهلة للتفاعل مع مشكلات الناس النفسية والاجتماعية بشكل حقيقي لا مزيف، ومن ثم تخرج كلماته المرشدة إلى طرق حل المشكلات صادقة، وحقيقية، وأقرب إلى الصحة والصواب.

وترى ناهد أن وجود قسمًا خاصًا بالاستشارات الأسرية فى الصحف والمواقع الإخبارية، لا يقل في أهميته عن أقسام الاقتصاد، والثقافة، والرياضة، والفن، فهذه الاستشارات هي “بطن” المجتمع التي تتجمع فيها خلاصة الصراعات الفكرية والثقافية والاقتصادية والنفسية فيه بين أبنائه، وكلما كان هناك إرشادًا حقيقيًا محايدًا وعلميًا وآمنًا بدون أحكام ولا وصم ولا توبيخ، أمكن وأد الكثير من المحن والفتن الخاصة والعامة، والمحافظة على بنية الإنسان، والمجتمع، والوطن، سليمة ومعافاة، فهي –أي أقسام الاستشارات الاجتماعية/النفسية-بمثابة”كبير العائلة” الحكيم، بدوره القديم، ولكن في ثوب أكثر عصرية ومناسبة مع تطورات المجتمع.

وفي العام 2021 صدر لناهد أول كتبها، بعنوان “صندوقي الأسود.. سيرة ذاتية في التعافي من إساءات روحية وعاطفية”، الذي وجد ترحيبًا وزواجًا لدى الأوساط النفسية المتخصصة، تحدثت فيه عن امكانية التغيير والوصول للذات الحقيقية، والتعافي من الإساءات النفسية التي تصيب الكثيرين خلال رحلة العمر، وأثرها على تشوه الشخصية واضطرابها.

كتب الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي الشهير، مقدمة للكتاب، قال فيها:” ربما يوحي عنوان الكتاب “صندوقي الأسود” بخطورته وأهميته وعمقه, فنحن أمام حالة من البوح والإفشاء والإفصاح عن مكنون نفس، وهي ليست أي نفس، بل نفس امرأة، والمعروف أن النساء لا يعترفن بأسرارهنّ، وإن اعترفنّ فإنهنّ يعترفن سرا في غرف مغلقة مع صديقة أو في عيادة نفسية، أما حين تكون الاعترافات في كتاب فهو يحتمل أقصى درجات العلنية، ومن ثم أقصى درجات الشجاعة، وهنا يجمع الكتاب القيّم الذي بين أيدينا بين صفة السيرة الذاتية في الأدب وصفة “دراسة حالة” في علم النفس، وهذا يعطي مساحات كبيرة للمتعة الأدبية، والاستفادة العلمية في آن.

وتبدو أحداث الكتاب شخصية جدا تخص الكاتبة، ولكنها تدور في الثلاثة عقود الأخيرة من القرن العشرين، والعقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين، وتنتقل عبر ثلاث دول عربية هي (مصر والكويت وسلطنة عمان)، ومن ثم تغطي مرحلة زمنية حرجة شهدت اضطرابات وتحولات في الهوية المصرية والعربية، انعكست على الكاتبة، وأثرت فيها، فنقلتها لنا بأمانة وصدق، لنرى ذاتنا المأزومة في مرآتها المكسورة، وقد نجحت الكاتبة في المزج بين ما هو شخصي وما هو عام، بل وتضفيرهما في بناء أدبي محكم ومتميز وشائق، وربما صادم في بعض المواقع”وتابع:” وأزعم أنني لم أستطع مقاومة الاستمرار في قراءة فصول الكتاب، الصادقة، والصادمة والممتعة في آن، ولكن الفصل التاسع ” رحلة البصيرة” ، أعتبره قمة العظمة في هذا الكتاب، حيث أفردته الكاتبة للإفصاح عن شيء يخفيه الكثيرون ويعتبرونه وصمة عار، وهو إصابتها بنوبة اكتئاب شديدة وصفتها ببراعة لم أرها من قبل، حيث يقتل الاكتئاب كل نسمة حياة في النفس، ويجعل الموت والعدم احتمالا قائمًا، بل مفضلًا، ويجفف منابع الروح، ويترك الإنسان في حالة اللاشيء.

لقد نجحت ناهد، الإنسانة، في نقل كل مشاعر، وأحاسيس، وأفكار الاكتئاب الذي داهمها، واعتبرته رغم قسوته، ضرورة حتمية للتحرر من ذاتها المزيفة، والعودة لذاتها الحقيقية، وامتلاك الشجاعة لتحطيم كل التابوهات المزيفة في حياتها، وإجراء مصالحة مع ذاتها الحقيقية، ومع كل شيء حقيقي وجميل في الحياة.

وعلى الرغم من انكسارها وتحطمها أمام هجمة الاكتئاب الشرسة، إلا أنها استعانت بما تبقى من نفسها المرهقة بالإساءات، والتشويهات، والتعليمات، والتنميطات والتغييبات، لكي تبحث عن العلاج بشقيه الدوائي والنفسي، ولم تتوقف عند زوال أعراض الاكتئاب، وترضى بذلك، بل قررت أن تكون محنة الاكتئاب دافعة لبدء رحلة نمو، وتصالح، وتكامل نفسي، عبرت عنها كأجمل ما يكون التعبير، بل وجهزت نفسها من خلال دورات الإرشاد النفسي، لتقدم المساعدة لمن يحتاجونها انطلاقا من تجربتها المؤلمة، ومن وعيها العائد إليها، غضًّا، طازجًا، فتيًّا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى