#مختصر_كتاب

رواية “المسيح يُصلب من جديد” للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، صدرت عام 1931.

يُقال إن الصحافة مهنة بلا قلب، يتنقّل أربابها بين أخبار الجثث والأشلاء بخفة الفراشات ومرح الصغار، يرصدون فيها ما لا تطيقه نفس سوية، فعلى كل من يمتهنها سرعة ربط المشاعر، والإلقاء بها في منتصف الطريق، وعدم الرثاء لحال العباد.

مثل هذه النصائح التي يتناقلها صحفيون وخبراء الإعلام وكأنها مُسلّمات، أثبتت فداحتها على أرض الواقع؛ فمن خلال الإيثار يمكن أن يُقدّم صحفي قصة إنسانية أخذت من روحه نفحات من الحب والتعاطف.

ولعل آخر ينقل خبرًا عن طفلة لاجئة، بالكاد تنطق اسمها، بينما تعجّ الأحداث حوله بصراعات سياسية لم تأسره تفاصيلها كما حكاية الصغيرة.

الإيثار والتعاطف قيمتان يمكن اكتسابهما من خلال القراءات، وشحن النفس بمواقف وقصص ترسّخمها في النفس، وسط عالمنا المُشبّع بالقساوة.

المسيح يُصلب من جديد:

واحدة من الروايات التي تترك قارئها في حيرة بين أسئلة عن التعاطف، حتى مع من تحتقرهم المجتمعات، وتضعهم في مرتبة متدنية من البشر، مثل بائعات الهوى، مقارنة مع علماء الدين المُكّرمين سلفًا مهما وصلت أفعالهم من الخسّة حد عنان السماء، وأفكار كثيرة فلسفية عن الصدق والإيثار، وطبيعتنا البشرية المتقلّبة، هي رواية “المسيح يُصلب من جديد” للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس، التي صدرت عام 1931.

 الرواية تندرج ضمن القصص السيكولوجية، مُتخذة من قصة “صلب المسيح” -وفق الرواية المسيحية- مُنطلقًا لها بلغة شاعرية، لا تخلو من المآساوية تكشف عن جانب مُظلم في البشر، يدفعهم إلى النيل من الأضعف والأقل نفوذًا.

مسرحية في قرية صغيرة:

تدور أحداث الرواية في قرية صغيرة، يستعد أهلها لإحياء ذكرى صلب السيد المسيح من خلال عمل مسرحي، كما تجري العادة كل عام، قبيل توقيت الاحتفال بأعياد الصلب والقيامة.

 يشرُع وجهاء القرية ورجال الدين، إلى اختيار مجموعة من الأشخاص لتمثيل أدوار الشخصيات الرئيسية في حياة المسيح، ويشددون على من يقع عليهم الاختيار بتقمّص صفات الأدوار التي يؤدونها لمدة عام كامل، فإذا كانوا من تلاميذ المسيح الإثني عشر فعليهم الامتناع عن الكذب والأذى، أما إذا كان الشخص سيقوم بتمثيل شخصية يهوذا (التلميذ الخائن الذي أسلمه ليُصلب)، فعليه أن يقوم بما يثبت ذلك عليه، ويعيش لمدة عام بأفعال دنيئة.

يبدأ الصراع في تقبّل الأدوار، وهروب رجال القرية من دور يهوذا، وما يزيد الأمر تعقيدًا أن عملية الاختيار تتم وفق معايير تتعلق بأخلاق الشخصية ومظهرها الخارجي؛ إذ يسند دور المسيح إلى الشخص الأكثر جمالًا ويرعى الأغنام، بخلاف يهوذا يتم البحث عن شخص يخبره مختاريه أنه الأقبح والأكثر ملائمة للدور، دون النظر إلى تأثير ذلك على مشاعره ووصم القرية بأكملها له، ونفس الحال ينطبق على دور مريم المجدلية المرأة التائبة عن خطيئتها، يتم البحث عن شبيهتها في القرية ليتم وصمها من رجال الدين وأصحاب النفوذ ومحاصرة تحركاتها، لترضخ لهم وتقبل بالدور.

من أجواء الرواية:

يقول لاداس الرجل العجوز، والقوم في خضم اختيار أحد أدوار تمثيلية المسيح: “بالنسبة إلى مريم المجدلية، عندنا الشخص المطلوب تمامًا، كاترينا الأرملة، هذه الداعرة تتوافر فيها كل الصفات المطلوبة، مثل: العهر، والجمال، والشعر الأشقر الطويل، رأيتها ذات يوم في فناء منزلها تمشطه، كان ينسدل إلى ما تحت ركبتيها، لعنة الله عليها، إنها تستطيع أن توقع رئيس الأساقفة في الخطيئة”.

حكمة كازانتزاكيس:

أراد مؤلف الرواية أن يأخذنا في رحلة من التعاطف والمواساة لحال الضعفاء، حتى لو كانت لديهم شروروهم الخاصة، وأراد إخبارنا بأن أصحاب النفوذ المحتمين في الدين أو المتحدّثين باسمه هم في الحقيقة أشر من الغارقين في الخطايا والسقطات الأخلاقية.