“اسم مستعار”.. سلسلة أطقلها المرصد المصري للصحافة والإعلام؛ للتعرّف على كُتّاب وصحفيين قرروا أن يتّخذوا أسماءً مُستعارة في عصور مُختلفة، لأسباب عِدّة، أبرزها القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير.
الكتابة تحت اسم مستعار كانت ملاذًا آمنًا للكاتب غسان كنفاني، ولعددٍ كبيرٍ من الصحفيين، الذين لم يجدوا بوابة أخرى للتعبير عن أفكارهم، سوى تجهيل هويتهم.
“فارس فارس”.. وجه غسان كنفاني “الساخر”
كان من المُفترض أن يُعطى مع الكتاب مجّانًا سلّة مُهملات، كإشارة إلى مصيره، أو على الأقل أن تربط إليه عصا خيزران، وذلك كي ينهال القارئ على نفسه ضربًا، بعد الانتهاء من قراءته، من باب الندم والنقد الذاتي!
قرأت كتاب “مين أنا ؟” الذي كتبه “يورام ماتمور”، وقصته تدخل في سياق الثقافة العنصرية، ثقافة الغزو والاحتلال، حين تصبح الجاسوسية والقتل واحتقار الشعوب الأخرى من الفضائل!
فإذا كان هذا معقولًا وبلعناه، وقلنا معلش، فما العمل إذًا بالغلاظة وثقل الدم والسآلة؟ أليس هذا أبشع ما في الاحتلال؟ أن يعتبر المُحتل نفسه صاحب نكتة!
يُسمّي المؤلف القصص العشرَ في مجموعته “قصصًا ثورية”، ولكن لو كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تفهم، لطبعت من هذا الكتاب مئة مليون نسخة، وقصفت بها العالم الثوري حتى يُطلَّق الثورية!
ويزيد الطين بلّة، أن الناشر الفاضل يقذفنا بمُقدّمة من صفحتين، ينسف خلالها بجرة قلم جاهل، كل الأدباء العرب وإنتاجهم، فيلغي أن يكون أي فنان أو أديب عربي قد “تمرد”، ويرى أنهم تعوّدوا أن يفتعلوا المواقف المُزيّفة، وأن كلّ ما أنتجوه “ثرثرات فارغة” تُنسى حالما يُقرأ، وأن الأدباء والفنانين العرب تدب به الرأفة هنا فيقول: “في غالبيتهم أنواع من الأعشاب السّامة وهم مُكلّفون بتسميم أفكار الشعب”. (لاحظ: مُكلّفون!).
كل هذه الكتابات كانت تُوقَع باسم “فارس فارس”، وهو أحد أهم التوقيعات المُستعارة الكثيرة التي استخدمها الكاتب الصحفي غسّان كنفاني في كتاباته الساخرة؛ فإلى جانب كونه صحفيًا مناضلًا، وكاتب قصة مُحترف، وروائي مُبدع، كان يُقدّم طِرازًا فريدًا في نقد الأعمال الثقافية والفنية، بسخرية كوميدية، ومُعبِرة في آن واحد.
وقد نشر غسان كنفاني مجموعة من مقالات باسم “فارس فارس”، في مُلحق الأنوار الأسبوعي خلال عام 1968، تحت عنوان ” كلمة نقد”، والمجوعة الثانية كانت في مجلة الصياد حتى وقت اغتياله.