#مختصر_كتاب سلسلة أطلقها #المرصد_المصري_للصحافة_والإعلام، للتعرّف على كُتب وكُتّاب أثّروا في حياتنا؛ حيث تؤثّر الكُتب بشكلٍ كبير على حياة الإنسان، ومدّ عقله بالكثير من المعلومات المُهمّة، التي تجعله مُثقفًا ومُنفتحًا.

العالم الذى نعيشه، هو مجموعة من الأفكار التي توّصَل إليها عددٌ من المبدعين والمُفكّرين عبر التاريخ، ويعمل المرصد على تلخيص تلك الكُتب، وتبسيط المعلومات والفكرة للقُرّاء.

كتـــــــــــــــــــــاب “المغالطات المنطقية” للكاتب/ د. عادل مصطفى

 

المنطق غير الصوري

يظهر هذا المنطق في الأحاديث اليومية والجدال السياسي والإعلامي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مستمر، ويُعد فهمه ضرورة لإرشاد الناس إلى الارتقاء بالمناقشات؛ لأن غيابه ينطبع على شكل حياتنا بالكامل، ويؤثّر على تعليمنا وفهمنا ونظرتنا للحياة، ومن ثم للقرارات التي نتخذها، وإنتاجنا العملي والعلمي.

مر على نشأة المنطق غير الصوري ما يقرب من الربع قرن، ويتداخل مع علوم الخطابة/ علم النفس المعرفي/ التواصل الكلامي/ الذكاء الاصطناعي، وغيرها.

أهم مبحث في المنطق الصوري هو المغالطات المنطقية التي نقع فيها كمصريين وصُنّاع الإعلام بشكل متكرر وملحوظ.

أشهر مغالطات منطقية يقع فيها الإعلاميون وأصحاب النفوذ السياسي

 

1- المصادرة على المطلوب (كأننا نعرف الماء بالماء)

 

هي التسليم بصحة المسألة المراد البرهنة عليها من أجل البرهنة عليها، بجعل النتيجة هي المُقدّمة، والمشكلة حلًا:

 

مثال 1:

– العدالة تستلزم أجور مرتفعة، لأنه من الحق أن يكون الناس أقدر على الكسب الوفير، ما يعني أننا نقول: “العدالة تتطلب زيادة الأجور لأن العدالة تتطلّب زيادة في الأجور”.

 

الحجة هنا لم تُثبت لنا لماذا العدالة تقتضي زيادة الأجور، والفائدة المرجوة من هذه الزيادة، المغالطة قالت إن هذا صواب؛ لأنه صواب دون وجود سبب أو تفسير ما.

 

مثال 2:

– يجب ألا نسمح ببيع هذه القطع من مقتنيات توت عنخ آمون إلى أي بلد أجنبي، مهما كان الثمن؛ وذلك لأن آثار مصر العظيمة ليست للتصدير.

 

(في هذا المثال لم يجيب على تساؤل لماذا، كل ما هنالك أنه قال إنه لا يصح لأن هذا لا يصح).

 

وفي الصحافة تأخذ شكل المصادرة على المطلوب شكل المصطلحات الثابتة التي تظهر وكأنها غير قابلة للنقاش “هي صواب هكذا”، مثل مصطلحات: “انتحاري- رجعي- شهيد- استشهادي- ضحية- اضطهاد- إرهاب”.

 

مثال 3:

– الإجهاض قتل غير مُبرر لكائن حي، وهو من ثم جريمة نكراء؛ إذًا فالإجهاض جريمة في كل الأحوال.

 

وكأننا نقول أن الفقرة (أ) صحيحة؛ لأن الفقرة (ب) صحيحة أيضًا، دون توضيح أي سبب أو تفسير.

 

2- مغالطة المنشأ

 

هي بخل معرفي أو ذهني لصعوبة البحث والتقصّي، وهذه الآلية نجدها عند مُدّعي الثقافة؛ فيكفي أن يقول أحدهم أن هذا رأي رولان بارت أو جاك دريد أو تيار ما بعد الحداثة، ليحظى رأيه بالاحترام، وكأن الوجاهة الفكرية منبعها مصدر الرأي نفسه وليس الرأي.

 

مثال 1:

– تحسين النسل علم ضار على نحو مُطلق، والعبث بالجينات عمل فاشي نازي بدأه هتلر، فكيف نمضي في شيء بدأه شخص مثل هتلر؟

 

ولا يلتفت هؤلاء إلى أن نظرية التطور خطرت لـ ألفريد والاس وهو في حالة هذيان، وأرشيمدس يُقال أنه توصّل إلى مبدأ الثقل النوعي وقانون الإزاحة وهو يغتسل، فصرخ وجدتها!

 

إذًا لا يهم من أي مكان جاءت النظرية المهم أن تتحوّل إلى خطوات علمية.

 

نقع في هذه المغالطة في تقييم الأعمال الفنية والفنانين، فنحوّل تقييمنا إلى سلوك الفنانين وشخصياتهم ونمط حياة أصحاب الفن نفسه، ونتجاهل ما أنتجوه من فنون.

 

ونقوم في الإعلام بما يشبه “السيكولوجيا الشعبية”، التي ترتجل دفاعيات نفسية، وتكتفي بإلصاق صفات سلبية على المشاهير لهزيمة آرائهم.

 

مثال 2:

– هذا يُعارض الحكومة؛ لأنه عانى في طفولته من علاقات مُتعثّرة مع والديه، جعلته يكره النظام الأبوي بالكامل.

 

3- التعميم المُتسرّع

 

(الفلاح يُقدّم لنا الذرة اليوم وأمس، الفلاح يحبنا ويحرص على حياتنا).

 

التعميم الاستقرائي يظهر في مجالات عديدة، ومنها البحث العلمي والمسح الاجتماعي، واستطلاعات الرأي؛ لأن ملاحظة كل مجتمع بشكل كامل، هو أمر في غاية الصعوبة ومُكلّف ماديًا، لذا فإنه لابد من مراعاة شروط لأخذ العينة المجتمعية، لتحقيق نتيجة صحيحة أو قريبة من الصواب، وهذه الشروط تتمثّل في أخذ عينات تشمل كل المجموعة، ولا تتحيّز لفئة دون أخرى.

 

وهناك مثال تاريخي شهير لأخذ عينة مُتحيّزة، كان عام 1936 قبيل الانتخابات الأمريكية، حين أجرت مجلة literary digedst استطلاع رأي للتنبؤ بالفائز بالرئاسة، وشمل 2 مليون و300 ألف مواطن/ة، جاءت نتيجتها فوز ألفرد لاندون أمام فرانكلين روزفلت، لكن النتيجة الفعلية فوز روزفلت بأغلبية 60%.

 

كان الخطأ هو اعتماد العينة على طبقة اجتماعية واحدة، من أرقام تليفونات المُشتركين في المجلة نفسها، أو مالكي الهواتف والسيارات، لذا لم تُمثّل العينة الفئة الأدنى اجتماعيًا، وجاءت المُغالطة في تعميم مُتسرّع، رغم ضخامة عدد المشاركين فيه.

 

أمثلة:

– كلما رأيت هذه القناة وجدت زنوجاً يتم القبض عليهم بتهمة السرقة.. كل الزنوج لصوص.

 

– التعميم المُتسرّع من أكثر المغالطات شيوعًا؛ فهو يأخذ بالتحيّزات العِرقية والعنصرية، والنعرات الشيفونية والطائفية، والتعصُّب الديني.

 

4- الحيد عن المطلوب

 

التعميم يحدث بتجاهل الشخص الشيء الذي يجب البرهنة عليه، ويُبرّهن على شيء آخر.

 

مثال:

– محامي يقف للادعاء في جريمة قتل، وبدلًا من أن يُبرهن على أن المُتهم هو مرتكب الجريمة بالحجج، يشرع في إثبات بشاعة القتل، بتقديم مرافعة عصماء.

 

هذه المُغالطة جذابة، وقوتها أن هناك نتيجة تم إثباتها بالفعل على نحو صائب، وهذا الصواب يصرف انتباه المُستمعين عن المُغالطة.

 

وتظهر هذه المغالطة في مجال التشريع الاجتماعي، وأحيانًا يتم اقتراح برنامج بعينه لبلوغ غاية كُبرى مُتفق عليها، مثل القضاء على الفقر، ولكن في النهاية مُقترح البرنامج لا يُخبرنا بما يجب أن يكون عليه البرنامج وآليات تنفيذه، فقط يصرف المُتسمعين بالحديث الجذّاب عن بشاعة الفقر (وهو أمر معروف ومُتفق عليه)، لكنه حديث يخلو من تقديم ميزانية كاملة للبرنامج، ومعلومات واضحة عن دراسة جدواه وقيمته.. وهكذا.

 

5- الرنجة الحمراء

 

تعني هذه المُغالطة تحويل مسار الحديث، وتشتيته بأمور أخرى أكثر بريقًا وشحنًا وانفعالية.

 

وجاء اسمها من حيلة كان يستخدمها المجرمون الفارون من كلاب الحراسة، بتضليلهم برائحة رنجة أو أكلة ذات رائحة نفّاذة، لشغلهم عن مطاردة الهدف.

 

وهي تعني استهلاك الخصم في مهاترات خارجة غير جادة، واستنفاذ قواه في أمور أخرى.

 

الفرق بين الرنجة الحمراء وتجاهل المطلوب، هو أن الأخيرة هي تحيد عن نتيجة مُحددة ولكنها غير مطلوبة، أما الأولى فهي تنحرف في اتجاه مُختلف، ولا تصل إلى شيء.

 

6- مُغالطة الشخصنة

 

هذه المُغالطة مُفصّلة على مجتمعاتنا العربية، وهناك أنواع عديدة من الشخصنة، مثل “الشخصنة المُهينة”، وهذا النوع هدفه إحراج الخصوم، وإرباكهم بغرض الفوز بالنقاش، فمثلًا: كيف تتحدث عن الحرية بعد تجربة السجن؟

أ

و “الشخصنة الظرفية”؛ حيث يتم ربط ظروف معيشة شخص ما بالحُجة نفسها.