شهادة صحفية عن العنف الرقمي: خلال السنوات الأخيرة أصبحت هدفًا لاعتداءات إلكترونية ممنهجة ومتراكمة

هذه شهادة الصحفية أميرة (اسم مستعار)، التي قررت أن تروي للمرصد المصري للصحافة والإعلام، ما حدث معها كي ﻻ يظل العنف الرقمي في الظل:

أنا صحفية مصرية أعمل في مجال الصحافة والتحقيقات الميدانية والتحليلات السياسية، وعلى الرغم من أن عملي قائم بالأساس على إنتاج المعرفة ونقل الحقيقة إلى الجمهور، فإن وجودي كامرأة في هذا المجال ما يزال عبئًا وسلاحا يُستخدم ضدي.

خلال السنوات الأخيرة، أصبحت هدفا مباشرا لاعتداءات رقمية متراكمة وممنهجة، لم يكن دافعها فقط آرائي السياسية، بل أيضا ـ وربما أساسا ـ كوني امرأة تتحدّى الأدوار النمطية المفروضة عليها.

تتخذ أشكال العنف التي أتعرّض لها صيغا متعددة، من بينها: حملات تشويه السمعة عبر السوشيال ميديا، فيتعمد البعض ربط اسمي بمعلومات مغلوطة أو اتهامات سياسية كالادعاء بأنني أنتمي لفصيل سياسي ما (الإخوان مرة / الاشتراكيون الثوريون مرة أخرى) بهدف تقويض مصداقيتي وسمعتي المهنية.
غالبا ما تكون هذه الحملات منسّقة، وتبدأ بمجرد نشر مقال سياسي أو تحليل يتعارض مع توجهات مجموعات معينة.

كما أنني أتلقى رسائل تتضمن إيحاءات جنسية، وتعليقات تقلل من شأن عملي استنادًا إلى جنسي، كما أن كلمة المرأة تستخدم كسلاح كأن وجودي المهني بحد ذاته تجاوز غير مقبول. تُرمى عليّ عبارات مثل: “ارجعي لمطبخك أو اعقلي وخليكي في حالك” كلما أبدَيت رأيا عاما.

تعرضت لتلك التجاوزات خاصة بعد نشر حلقة عبرت فيها عن رأيي السياسي بأحد القنوات العربية، وعندما أشاروا إلى حسابي الشخصي فوجئت بكم كبير من الهجمات الرقمية.

هذه الاعتداءات الرقمية ليست مجرد كلمات عابرة، بل لها أثر ملموس، فعلى المستوى المهني اضطررت أحيانًا إلى تقليل ظهور اسمي في بعض المواد الصحفية أو تأجيل نشر تحقيقات حسّاسة، أصبحتُ أكثر حذرا في استخدام حساباتي، وأحرص على مراجعة كل خطوة رقمية أقوم بها.

أما على المستوى النفسي، يصيبني هذا العنف بشعور دائم بالتهديد وعدم الأمان، أحيانًا أجد نفسي أعيد التفكير في كل رأي أكتبه أو كل مساحة أخرج فيها، خشية أن أكون فتحت بابا جديدا للاعتداء، وعلى المستوى الاجتماعي أشعر بثقل تبرير اختياراتي المهنية لمن حولي، وكأنني أُحاسب على جرأتي في الوجود داخل مساحةٍ يرى البعض أنها ليست للنساء.


أكتب هذه الشهادة ليس من أجل نفسي فقط، بل من أجل عشرات الصحفيات المصريات والعربيات اللواتي يتعرضن للعنف ذاته، ويُجبرن على الصمت خوفًا من الوصم أو فقدان الوظيفة أو استهداف
سمعتهن .

العنف الرقمي ضد الصحفيات جزء من بنية أوسع تُقصي النساء عن المجال العام، وتخلق عوامل ردع تمنعهن من المشاركة بحرية في الحياة السياسية والإعلامية. تجاهل هذا العنف يعني ترك المجال العام مفخّخًا، غير آمن، وغير عادل.

مطالبي
• الاعتراف بالعنف الرقمي تجاه الصحفيات بوصفه تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة وحرية النساء.
• توفير دعم تقني وقانوني للصحفيات المستهدفات، خاصة في حماية الحسابات، والتوثيق القانوني للاعتداءات، ومتابعتها.
• العمل على حملات توعية تُظهر أن العنف الرقمي ليس مجرد عنف “افتراضي”، بل امتداد لعنف حقيقي يؤثر على الحياة اليومية والقدرة على العمل.

اشراك النقابات
وكل الجهات المسؤولة في تبني اجندات للدفاع عن النساء

أكتب لكم هذه الكلمات وأنا مدركة أن مجرد الإفصاح عنها قد يعرّضني لمزيد من الهجمات، لكن الصمت لم يعد خيارا.
أريد فضاءً رقميا آمنا، وحقا أساسيا في أن أعمل وأعبّر دون أن يكون جسدي أو أنوثتي أو آرائي سببًا لاستهدافي.

زر الذهاب إلى الأعلى