نفيسة الصباغ: ﻻ بد من الضغط نحو مدونة سلوك تضمن بيئة عمل آمنة للنساء في مجال الصحافة والإعلام

في إطار حملة “هن في الإعلام”، التي أطلقها المرصد المصري للصحافة والإعلام، تزامنا مع حملة الـ16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، تشاركنا الكاتبة الصحفية نفيسة الصباغ، تدوينة حول التحديات التي تواجهها الإعلاميات في مصر.. إليكم/ن نص التدوينة:

في البدء ينكر الجميع ويغضبون ويكيلون الاتهامات ثم يضطرون لمواجهة الواقع والاعتراف به، هكذا كان الوضع مع التحرش الجنسي، حيث كانت غالبية المصريين رجالا ونساء ينكرونه ويكيلون الاتهامات لمن يطالبن/ يطالبون بتجريمه، في النهاية وصل الوضع إلى انتهاكات جنسية جماعية في ميدان التحرير وتحركت القيادة السياسية وتم تجريم التحرش بتعديل قانون العقوبات.. نفس حالة الإنكار نواجهها حاليا حين نتحدث عن التحرش بالصحفيات سواء من الزملاء أو من المصادر.

الغالبية يغضبون لمجرد فتح الموضوع للنقاش، والحقيقة هي أن الواقع في النهاية سيفرض نفسه على الجميع فمن الأفضل التعامل مع الواقع ومواجهته بدلا من انتظار فضيحة مدوية تجبرنا على ذلك.. العنف ضد النساء انتشر مؤخرا عبر الإنترنت، وبحسب بيانات البنك الدولي، لا تتجاوز نسبةُ الدول التي تُطبّق قوانينَ تحمي النساء والفتيات من التحرش أو الملاحقة الإلكترونية 40 % فقط، ونتيجة لذلك، تُحرَم 44 % من نساءِ وفتيات العالم، أي نحو 1.8 مليار شخص، من أي حماية قانونية.

في مصر لدينا مواد قانونية تحمي النساء -ومن بينهن الصحفيات- من تلك الأشكال من العنف ويمكن من خلالها معاقبة المجرمين، لكن الخوف من الوصمة والرغبة في دفن الرؤوس في الرمال تجعل كثيرات غير راغبات في الإبلاغ عن تلك الانتهاكات والجرائم.

كثيرات جدا من النساء المصريات تعرضن لانتهاكات وتحرش جنسي، والصحفيات لسن استثناء، بل على العكس من ذلك، احتمالية تعرضهن للانتهاكات خاصة عبر الإنترنت تتزايد بسبب وجودهن العام وأصواتهن التي يحاولن التعبير عنها، ورغم وجود قوانين إلا أنها تظل -في كثير من الأحيان- حبرا على ورق بسبب غياب الدور المؤسسي والنقابي في حماية الصحفيات والإعلاميات ودعمهن ضد تلك الانتهاكات.


تصاعدت الأصوات من مجموعات متنوعة في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين للمطالبة بحماية نقابية للنساء العاملات في مجال الصحافة والإعلام منذ 2019 تقريبا، ولم يتم مناقشة قواعد لبيئة عمل آمنة للنساء سوى في عام 2023-2024، ورغم وجود 3 مسودات لمدونات سلوك تفرض قواعد نقابية من شأنها توفير بعض الحماية للنساء إلا أن المسودات كلها دخلت الأدراج ولم يتم إقرار أي منها.

لدينا حاليا سياسة رسمية معلنة تدعم مكافحة التحرش والعنف ضد النساء سواء في الواقع أم عبر الإنترنت.. ولدينا العديد من المواد القانونية التي يمكن من خلالها محاسبة مرتكبي جرائم العنف ضد النساء.. إلا أن المشكلة الأكبر هي في أن قطاعا كبيرا من الصحفيين مازالوا غير راغبين في العمل من أجل تسهيل تطبيق تلك القوانين ولا نشر الوعي بها وحث المواطنات على استخدامها للدفاع عن أنفسهن.

المشكلة الأكبر هي وجود قطاع من الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين يرفض الاعتراف بوجود وقائع تحرش بين أبناء المهنة، وقطاع من الصحفيات يرفضن التصريح بذلك أيضا خوفا من الوصم الاجتماعي، كلما طال أمد دفن الرؤوس في الرمال ستتفاقم الأزمة حتى تقع كارثة كبيرة ترغم الجميع منكسرين على الاعتراف، فالأفضل البدء في اتخاذ إجراءات لمنع حدوث كارثة كبرى،

وبالنسبة للصحفيات اللاتي يواجهن أي من أشكال العنف لا تصمتن، هناك قوانين يمكنها حمايتكن- ولو في بعض الحالات، وما لا يدرك كله لا يترك كله، لا تصمتن حيال الانتهاكات وكلما أمكن توجهن للقنوات القانونية، وعلينا الاستمرار في الضغط نحو مدونة سلوك تضمن بيئة عمل آمنة للنساء في مجال الصحافة والإعلام.

زر الذهاب إلى الأعلى