5 نصائح للصحفيين لاستعادة ثقة الجمهور فيما ينشرونه حول “كورونا” (تقرير)

مع تزايد عدد الإصابات والوفيات حول العالم، جرَّاء فيروس “كورونا” المستجد (covid-19
ومع الرغبة المُلحة لدى الجميع، لمعرفة مزيد من المعلومات حول هذا الوباء، تجد الشائعات والأخبار الكاذبة والتحليلات المُوجهة بيئةً خصبة للنمو، للدرجة التي دفعت رئيس برنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية، الدكتور مايك رايان، إلى قوله: “نحتاج إلى لقاح ضد التضليل”، في إحدى المؤتمرات الصحفية لمنظمة الصحة العالمية حول الفيروس، ونتاجًا لهذه البيئة المُضللة، فقدت قطاعات كبيرة من الجمهور، الثقة فيما يُنشر في الصحافة، وما يُبث في وسائل الإعلام المختلفة حول “كورونا”.

في مارس الماضي، استعرضت مؤسسة “Nieman Reports” الصحفية، التابعة لجامعة “هارفارد” الأمريكية، تقريرًا تضمن مجموعة نصائح، مُوجهة إلى الصحفيين، لاستعادة ثقة الجمهور، فيما ينشرونه من أخبار وتقارير وتحليلات وغيرها من الأشكال الصحفية المختلفة، حول فيروس “كورونا” المستجد (covid-19).

حيث أن فقدان الثقة في الصحافة، يؤثر على مدى قابلية الجمهور، لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة جائحة “كورونا”، والتي تنقلها الأخبار والتقارير الصحفية، مثل: التباعد الاجتماعي، مما يجعلها تؤثر بالتبعية على مدى سرعة انتشار الفيروس، لذلك من الضروري استعادة بناء الثقة بين الصحفيين والجمهور.

إليكم خمس استراتيجيات، يُمكن للصحفيين استخدامها، للتغلب على مشكلة فقدانهم ثقة الجمهور:

1- كرر رسائل واضحة وبسيطة

في ظل تضارب الرسائل المُوجهة من المؤسسات الصحية ووسائل التواصل الاجتماعي والمسؤولين إلى الجمهور، يكون الحل أمامك كصحفي، هو أن تكون رسائلك الإعلامية المُوجهة إلى القراء، واضحة غير غامضة، وبسيطة غير معقدة، سواء من حيث المعلومات التي تتضمنها، أو من حيث الألفاظ التي تستخدمها، كما يجب ألا تتضمن رسائلك مصطلحات طبية وعلمية مُعقدة دون إرفاقها بشرح يوضح معناها.

فحسبما تقول مديرة الاتصالات المناخية في الولايات المتحدة، سوزان جوي هاسول، والتي قامت ببحث وتعليم علم التواصل الفعَّال لمدة 30 عامًا، إن السر هو “رسائل بسيطة وواضحة، تتكرر في كثير من الأحيان، من قبل مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة”.

حيث تعمل هذه الرسائل على تشكيل وعي جمعي لدى الجمهور بخطورة جائحة “كورونا”، وأهمية اتخاذ إجراءات احترازية، لتفادي التقاط العدوى، وإبطاء سرعة انتشارها، على أن يتم ذلك بنقل الحقائق والإحصائيات الدقيقة، دون تهوين أو تهويل.

2- اعتمد على العناصر البصرية والمرئية (قد تكون أفضل من النص)

إذا فشلت الكلمات في الوصول إلى القارئ، استخدم الصور والعناصر المرئية، فانطلاقًا من قاعدة: “الصورة تساوي ألف كلمة”، قد تكون الصورة أكثر قدرة على إيصال المعاني، كما أنه عادة ما تكون الرسوم البيانية أكثر إقناعًا من النص في مكافحة التضليل.

ونُدلل على ذلك بنموذجين، من التغطية الصحفية للفيروس التاجي المستجد.

النموذج الأول: هو عبارة عن قصة صحفية، ترجع إلى الصحفي في صحيفة “واشنطن بوست”، هاري ستيفنز، والذي استخدم الرسوم البيانية المُتحركة، والكرات المُرتدة البسيطة، لتوضيح كيف ينقل الناس الأمراض المُعدية إلى بعضهم البعض، ونُشرت قصته هذه، في 14 مارس الماضي، وساهمت في فهم الجمهور لفكرة التباعد الاجتماعي بشكل أوضح، فلقيت إقبالًا كبيرًا، لدرجة أن نشرها الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، على حسابه، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وتمت إعادة تغريدها حوالي 126 ألف مرة.

ويقول “ستيفنز” عن هذه القصة: “كان الرد على القطعة إيجابيًا للغاية، لقد قال الناس أنها أقنعتهم بالحاجة إلى ممارسة التباعد الاجتماعي، وأخبروني أيضًا أنها أعطتهم الأمل والإحساس بالسيطرة، لأنه من خلال تغيير سلوكهم الفردي، يمكن المساعدة في إبطاء انتشار (covid-19)”.

أما النموذج الثاني: فهو فيديو نشره زوجان من لوس أنجلوس، على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، يُظهر انتشار اللهب تدريجيًا في مجموعة من أعواد الكبريت المُتراصة في صف واحد، إلى أن يخرج عود كبريت من الصف، فيتوقف انتشار اللهب في بقية الأعواد، وعلق الزوجان على هذا الفيديو بجملة: “قم بدورك، وابق في المنزل، هذا كل ما يمكن أن نفعله”، وبهذا أوضح الفيديو أهمية التباعد الاجتماعي لتقليل انتشار فيروس “كورونا”، بطريقة بسيطة، وكان وقعه أقوى من وقع الكلمات والنصوص الطويلة.

3- توقع النفور (الجمهور يرفض ما لا يروقه)

لا تتوقع قبول القراء لكل المواد الصحفية التي تكتبها، فالجمهور عادةً لا يتقبل أي محتوى، خاصةً إذا كان ما تقدمه لا يتوافق مع ميوله ورغباته، فلا تجزع من رد الفعل السلبي على المحتوى الصحفي الذي تنتجه.

أشارت “سوزان هاسول” إلى أن هناك عاملًا، يؤثر على مدى قبول القراء للمعلومات العلمية، يسمى “النفور من الحل”، إذ أثبتت الأبحاث أن الجمهور عادةً ما يرفض الأدلة العلمية، إذا كانت مرتبطة بحلول لا يحبونها أو لا تروق لهم، مثل: الإنفاق الحكومي، أو الإجراءات الحكومية المُشددة للحد من انتشار الفيروس.

ونظرًا لكون كثير من التغطيات الصحفية المُتعلقة بفيروس “كورونا” تنطوي على نقل معلومات أو أخبار تتعلق بفكرة “الالتزام بالتباعد الاجتماعي”، للمساعدة في إبطاء انتشار العدوى، وهو ما يرفضه الكثيرون، بسبب الطبيعة البشرية المائلة إلى التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فغالبًا لا يتقبل القراء هذه النوع من المواد الصحفية، حتى وإن كانت جيدة.

كما تشير الباحثة البارزة في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد (تي إتش تشان)، جيليان ستيل فيشر، إلى أن الناس يكون لديهم حافز للتصرف واتخاذ الإجراءات الوقائية، عندما يكون التهديد قريبًا منهم جغرافيًا أو قريبًا من تجربتهم، وهذا يفسر، ما حدث بعدما أعلن الممثل الأمريكي توم هانكس وعدد من الشخصيات العامة عن إصابتهم بـ (Covid-19)، إذ بدأ بعض الناس بعدها، ينظرون إلى “كورونا” بنظرة أكثر جدية، وتُعلل “فيشر” ذلك، قائلةً: “هناك نافذة على حياة المشاهير، تجعلنا نشعر بالقرب منهم”.

4- انقل عن مصادر موثوقة (المواقع الرسمية، الأطباء، خبراء الصحة والعلوم)

تفاديًا لنقل معلومات خاطئة، وحقائق مُتضاربة، استعن بالمصادر الموثوق بها في التغطيات الصحفية الخاصة بوباء “كورونا”، وانسب المعلومات التي تنشرها إلى مصدرها (كلما استطعت).

وهذه مجموعة من المصادر الرسمية الموثوقة، التي يمكن من خلالها متابعة تطورات فيروس “كورونا” المستجد في مصر:

• صفحة وزارة الصحة والسكان على “فيس بوك”: https://www.facebook.com/egypt.mohp/

• حساب وزراة الصحة والسكان على “تويتر”:
https://twitter.com/mohpegypt?s=09

• الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان على “فيس بوك”: https://www.facebook.com/EgyMohpSpokes/

• الموقع الرسمي للحكومة المصرية (آخر مستجدات فيروس “كورونا”):
https://www.care.gov.eg/EgyptCare/Index.aspx

• الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية:
https://www.who.int/ar

• صفحة مكتب منظمة الصحة العالمية في مصر على “فيس بوك”: https://www.facebook.com/WHOEgypt

• موقع الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة:
https://bit.ly/3b0Px0b

• إدارة الغداء والدواء الأمريكية:
https://bit.ly/33utHzx

وعند الكتابة عن خطر العدوى، ترى “جيليان فيشر”، أنه على الصحفيين، الاستشهاد والاقتباس من الأشخاص الذين يعتبرهم الجمهور مصادر موثوق بها، وهنا تُشير إلى المُتخصصين في الصحة والطب والعلوم، وليس السياسيين.

حيث أظهر استطلاع رأي أجراه مركز “بيو” للأبحاث، أنه مع اقتراب التهديد بالفيروس التاجي في يناير، كان لدى الأمريكيين ثقة أكبر في الأطباء، من تلك الموجودة في وسائل الإعلام أو المسؤولين المُنتخبين.

والدليل على ذلك، ما قالته ماندي جينكينز، ناشرة موقع “Mahoning Matters” الإخباري المحلي، بولاية أوهايو الأمريكية، عن أن أحد الرسائل الموثوقة للغاية، بالنسبة للجمهور، هي رسائل مديرة وزارة الصحة بولاية أوهايو، الدكتورة آمي أكتون، كما قالت “جينكينز”، التي درست “عدم الثقة في وسائل الإعلام”، في جامعة “ستانفورد”، أنه في هذه المرحلة من الجائحة، يكون القراء غارقين في الأخبار، لذا فإن غرفة الأخبار تدرس السؤال: “هل كمية المحتوى التي نضخها يوميًا تؤذينا بالفعل؟ (من حيث ثقة الجمهور)”.

وفقًا لسوزان كرين، مديرة مركز “Johns Hopkins” لبرامج الاتصال، في كلية هوبكنز للصحة العامة؛ هناك توازن دقيق بين تحذير القراء وتنبيههم، وبين تمكينهم من اتخاذ إجراءات وقائية، حيث تقول “كرين”: “إذا أدرك الناس أن هناك تهديدًا، فمن المتوقع أن يتصرفوا، لكن إذا تم رفع مستوى التهديد لدرجة تُصيبهم بالشلل، فهم لا يعرفون ماذا يفعلون، أو كيف يتصرفون”، كما تقول أنه في هذه المرحلة من الوباء، نحن نقترب من الشلل، لذلك “كلما رفعت مستوى التهديد، عليك أيضًا رفع كفاءة الجمهور الذاتية للتصرف حيال الأزمة”.

وتضيف “كرين” أن الناس بحاجة دائمة إلى أن يتم إمدادهم بمعلومات كافية، ليتمكنوا من القدرة على التصرف، واتخاذ خطوات، لتقليل مخاطرالعدوى.

5- اشرح عملك الصحفي للقراء (الكيفية والهدف)

تذكر دائمًا أن جزء كبير من الجمهور يفترض أسوأ شيء عنك كصحفي، ولا يعلم طبيعة عملك، لذلك عليك دائمًا أن تدحض هذه الافتراضات السيئة، و تحاول أن تُطلع الجمهورعلى بعض تفاصيل العملية الصحفية التي تقوم بها.

تقول مديرة منظمة “Trusting News“، جوي ماير، إن وباء “كورونا” المستجد، “يبدو أنه يقدم أراضٍ جديدة”، لعدم ثقة الجمهور، حيث اعترفت بأن الشكاوى العامة حول الصحافة، صحيحة جزئيًا، مُعلقةً: “يُمكن لأي منا أن يجد أشياء تم القيام بها باسم الصحافة العاملة تحت مظلة أجندة سياسية خفية، أو تلك التي تقدم محتوى مثيرًا لتحسين التقييمات”، وجدير بالذكر أن منظمة “Trusting News”، هي منظمة أمريكية، عملت مع الصحفيين في أكثر من 100 غرفة أخبار لمساعدتهم على بناء الثقة مع الجماهير، كما عملت مع خبراء في الاتصالات والصحة العامة.

وتوضح “ماير” أنه رغم أن التخلص من الشكاوى، قد يبدو مغريًا، إلا أنه يجب على الصحفيين، بدلًا من ذلك، الاهتمام بمصدر عدم الثقة ومعالجته، فعلى سبيل المثال: اتهام الجمهور لأحد المواقع الإخبارية بأنه يُبالغ في وصف تفشي وباء “كورونا” لزيادة الإيرادات، يُمكن استغلاله كفرصة ذهبية للكتابة بصراحة عن كيفية كسب الموقع للمال، أو الإشارة إلى ما إذا كان الموقع قد أسقط نظام جدار الحماية “paywall” -نظام لا يتيح للمستخدمين الولوج إلى الموقع دون اشتراك مدفوع- الخاص به عن القصص الخبرية الخاصة بـ (covid-19)، كما فعلت الكثير من المواقع، مما يُزيد من ثقة القراء في الموقع.

بالإضافة إلى ذلك، ترى “ماير” أن القراء يثقون في المصدر الإخباري أكثر، عندما يرون شريطًا جانبيًا بجانب المقال يشرح العملية الصحفية التي تمت لكتابة هذا المقال، ففي الوقت الذي يشعر فيه القراء بالانغماس في المعلومات، يجب على وسائل الإعلام أن تشرح “كيف ولماذا” تغطي وباء “كورونا” المستجد.

مثال: كتب كبير مديري المحتوى الإعلامي المحلي في قناة WCPO 9 المحلية الأمريكية، مايك كانان، خطابًا مفتوحًا بعنوان “لماذا تقوم WCPO 9 بنشر كثير من الأخبار عن فيروس كورونا أو (covid-19)؟”، وتناول “كانان” في هذا الخطاب، انتقادات الجمهور لوسائل الإعلام، واعتبارهم أن كثير منها يثير الذعر دون داعٍ، وكذلك ظنهم أن الصحفيين يلهثون وراء الفيروس، لتحقيق زيادة في مشاهدة الصفحات، وارتفاع في تقييمات التلفزيون، وذكر في خطابه جهود محطته في عدم الوقوع في مثل هذه الأخطاء، وتجنبها اتباع سياسة الإثارة لجذب الجمهور، كما أوضح “كانان” في الخطاب، هدف المحطة من التغطية، قائلًا : “هدفنا في تغطيتنا ليس تخويف أي شخص أو إثارة حالة من الذعر، بل هدفنا هو تزويدك بالمعلومات التي يمكن أن تساعدك على فهم ما يحدث، ومعرفة كيفية الحفاظ على صحتك وصحة عائلتك”.

زر الذهاب إلى الأعلى