الكود الأخلاقي.. نص غير معلن لرقابة بلا حدود (تقرير)
أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في 10 يونيه 2017، بدء تطبيق نظام الكود الأخلاقي، على الصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعية والمواقع الإلكترونية أًيضًا.
ويطبق الكود الأخلاقي، على القنوات الفضائية والصحف، والمواقع الإلكترونية، وكذا يطبق على الأعمال الدرامية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
الكود الأخلاقي
يُعرف الكود الأخلاقي، بالمبادئ السلوكية العامة التي تُنظّم عمل المشتغلين بالمهنة محل تطبيق الكود، ويُعرف أيضًا بأنه “أخلاق المهنة”، وهي مجموعة من القواعد والآداب والمبادئ السلوكية والأخلاقية المطلوبة من المشتغلين بالمهنة تجاه عمله، وتجاه المجتمع ككل، وتجاه نفسه
واستدعى المجلس الأعلى للإعلام هذا المصطلح مؤخرًا لتطبيقه على مختلف وسائل الإعلام.
مقارنة بين الكود ميثاق الشرف الصحفي
بنظرة كاشفة سريعة لن نلاحظ أي فرق بين الكود الأخلاقي وبين ميثاق الشرف فيما يخص التعريف، فميثاق الشرف الإعلامي:
“هو مجموعة من المبادئ التي تحكم مجموعة بعينها، بالاستناد إلى ما يميز تلك المجموعة في المجتمع من قوانين وأفكار، ويعتمد استخدام ميثاق الشرف على الاعتقاد بأن الناس -في تلك المجموعة- يمكن الوثوق بهم ليتصرفوا بشرف، ويحق للمؤسسة التي تضم تلك المجموعة إنزال عقوبات حال تجاوز أحد منهم هذا الميثاق”.. فلا نجد حتى الآن فارق بين الكود الأخلاقي وبين ميثاق الشرف الصحفي.
فنجد مثلًا أهم نقاط ميثاق الشرف الصحفي، مماثلة للكود الأخلاقي:
أولًا: مبادئ عامة
1- الحرية أساس المسؤولية، والصحافة الحرة هي الجديرة وحدها، بحمل مسؤولية الكلمة وعبء توجيه الرأي العام على أسس حقيقية
2- الصحافة رسالة حوار ومشاركة، وعلى الصحفيين واجب المحافظة على أصول الحوار وآدابه، ومراعاة حق القارئ في التعقيب والرد الصحيح، وحق عامة المواطنين في حرمة حياتهم الخاصة وكرامتهم الإنسانية
3- للصحافة مسؤولية خاصة تجاه صيانة الآداب العامة وحقوق الإنسان، والملكية الفكرية للغير
4- نقابة الصحفيين هي الإطار الشرعي الذي تتوحد فيه جهود الصحفيين دفاعًا عن المهنة وحقوقها، وهي المجال الطبيعي لتسوية المنازعات بين أعضائها وتأمين حقوقهم المشروعة
وتضع النقابة ضمن أولوياتها العمل على مراعاة الالتزام بتقاليد المهنة وآدابها ومبادئها، وإعمال ميثاق الشرف الصحفي، ومحاسبة الخارجين عليه طبقًا للإجراءات المحددة المنصوص عليها في قانون النقابة وقانون تنظيم الصحافة.
ثانيًا: الالتزامات والحقوق
يلتزم الصحفي بالواجبات المهنية التالية:
1- الالتزام فيما ينشره بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق، بما يحفظ للمجتمع مثله وقيمه، وبما لا ينتهك حقًا من حقوق المواطنين، أو يمس إحدى حرياته.
2- كل خطأ في نشر المعلومات يلتزم ناشره بتصحيحه فور إطلاعه على الحقيقة وحق الرد والتصحيح مكفول لكل من يتناولهم الصحفي، على ألا يتجاوز ذلك الرد أو التصحيح حدود الموضوع، وألا ينطوي على جريمة يعاقب عليها القانون، أو مخالفة للآداب العامة، مع الاعتراف بحق الصحفي في التعقيب.
3- الصحفيون مسؤولون مسؤولية فردية وجماعية رؤساء كانوا أو مرؤوسين عن الحفاظ على كرامة المهنة وأسرارها ومصداقيتها، وهم ملتزمون بعد التستر على الذين يسيئون إلى المهنة أو الذين يخضعون أقلامهم للمنفعة الشخصية.
4- يمتنع الصحفيون في علاقاتهم المهنية عن كافة أشكال التجريح الشخصي، والإساءة المادية أو المعنوية.
ويتمسك الصحفي بما يلي من حقوق باعتبارها التزامات واجبة الاحترام من الأطراف الأخرى تجاهه:
1- لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببًا للمساس بأمنه كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته وذلك كله في حدود القانون.
2- لا يجوز تهديد الصحفي، أو ابتزازه بأي طريقة في سبيل نشر ما يتعارض مع ضميره المهني، أو لتحقيق مآرب خاصة بأي جهة أو لأي شخص.
3- لا يجوز حرمان الصحفي من أداء عمله أو من الكتابة دون وجه حق، أو نقله إلى عمل غير صحفي، أو داخل المنشأة الصحفية التي يعمل بها، بما يؤثر على أي من حقوقه المادية والأدبية المكتسبة.
4- عدم التسامح في جريمة إهانة الصحفي أو الاعتداء عليه بسبب عمله، باعتبارها عدوانًا على حرية الصحافة وحق المواطنين في المعرفة
ثالثًا: إجراءات تنفيذية
انطلاقًا من الإرادة الحرة التي أملت على الصحفيين المصريين إصدار ميثاق للشرف الصحفي، نتعهد باعتبار أحكام هذا الميثاق بمثابة دستور أخلاقي للأداء الصحفي والسلوك المهني المسؤول.
وتنفيذًا لذلك نقرر:
1- كل مخالفة لأحكام هذا الميثاق تعد انتهاكًا لشرف مهنة الصحافة وإخلالًا بالواجبات المنصوص عليها في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 وقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996.
2- يتولى مجلس نقابة الصحفيين النظر في الشكاوى التي ترد إليه بشأن مخالفة الصحفيين لميثاق الشرف الصحفي أو الواجبات المنصوص عليها في قانون النقابة أو قانون تنظيم الصحافة ويطبق في شأنها الإجراءات والأحكام الخاصة بالتأديب المنصوص عليها في المواد من 75 إلى 88 من قانون النقابة.
3- يحيل نقيب الصحفيين بعد العرض على مجلس النقابة الصحفي الذي ينسب إليه المخالفة تأديبية إلى لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة 80 من قانون النقابة بتشكيلها الوارد في المادة 36 من قانون تنظيم الصحافة على أن تنتهي اللجنة من إجراء التحقيق خلال ثلاثين يومًا ولها أن تستأذن مجلس النقابة إذا رأت لحاجة التحقيق إلى مدة أطول.
4- تتشكل هيئة التأديب الابتدائية على النحو الوارد بالمادة 37 من قانون تنظيم الصحافة ويتولى رئيس لجنة التحقيق توجيه الاتهام أمامها إلى من تتوافر في حقه أدلة كافية على ارتكاب المخالفة.
5- للهيئة التأديبية الابتدائية أن توقع على من تثبت مخالفته لأحكام القانون أو ميثاق الشرف الصحفي إحدى العقوبات التأديبية التالية:
أ ـ الإنذار
ب ـ الغرامة
ج ـ المنع من مزاولة المهنة مدة لا تتجاوز سنة.
د ـ شطب الاسم من جدول النقابة.
5- تستأنف قرارات هيئة التأديب الابتدائية أمام هيئة التأديب الاستئنافية المنصوص عليها في المادة 82 من قانون النقابة ويرفع الاستئناف خلال 15 يومًا من تاريخ إبلاغ الصحفي بقرار هيئة التأديب الابتدائية.
6- يلتزم مجلس نقابة الصحفيين بتسليم جميع أعضاء النقابة المقيدين بجدولي المشتغلين وتحت التمرين صورة من الميثاق كما يلتزم بتسليم صورة منه إلى كل من تقبل أوراق قيده مستقبلًا في النقابة.
هل يكفي القسم بالميثاق والمواد المنصوص عليها بخصوص العقوبات الناشئة عن خرق الالتزامات لضمان نزاهة العمل الصحفي، ومراعاة الأخلاق والآداب العامة حتى يتم تطبيق بما يسمي بالكود الأخلاقي؟ وهل الكود ذريعة لملاحقة الصحفيين؟
إذا بحثنا عن تعريف محدد للكود للإجابة على هذا السؤال أو عن كيفية تطبيقه، نجد أن الكود مطاطي في تعريفه وحدوده وطريقة تطبيقه، وإن كان محددًا فقط في العقوبة المقررة، حيث إن العقوبات المقررة حال خرق الكود هي فرض غرامة قدرها 200 ألف جنيه على كل قناة فضائية و100 ألف جنيه على الإذاعة والصحف، عن كل لفظ مسيء ينشر في أي وسيلة إعلامية، علاوة على سحب ترخيص تلك الوسيلة الإعلامية التي لا تلتزم بالقرار.
وينص الكود على إنفاَق الغرامات على الإبداع الفني، ويحصل كل مواطن قدَّم تسجيلًا بالألفاظ البذيئة على 10% من مبلغ الغرامة، ليتحول المواطن من رقيب على الحكومة إلى رقيب على الصحفيين.
وبدون نص واضح وصريح لأحكام الكود، وأمام الأهواء المتقلبة، وتصفية الحسابات الشخصية والخلافات، قد يتحول الكود إلى أداة للانتقام والملاحقة، حيث يتم الاحتكام لقواعد غير محددة في إطار “الكود الأخلاقي”، كما أن مسألة فرض “الكود الأخلاقي” تأتي ضمن سلسلة إجراءات متزامنة في وقتٍ حسّاسٍ للغاية.
فيما يظهر متجليًا الانتهاك الصارخ حال تطبيق كود، يشوبه عدم الوضوح ويسهل تأويله، وتعريفه يحتمل أكثر من معنى وبالتالي يسهل التلاعب به واتخاذه ذريعة لترهيب الصحافة والإعلام بشكل عام والحد من حرية الرأي والتعبير، إلا في عقوباته.
الكود وحرية التعبير
الدستور هو النص الأعلى عن باقي القوانين الوضعية، وكذلك المعاهدات والمواثيق الدولية التي صدقت عليها مصر وتكفل في موادهم حرية الرأي لتتربص حزمة من القيود تخرج عليهم من قبو قوانين جديدة على رأسها قانون الكود الأخلاقي يمسخ ما انطوى عليه الدستور والمواثيق الدولية من كفالة حرية الرأي، ومن حق كل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير.
نظرًا لأن الكود ييتم تطبيقه ليس فقط على الصحافة الورقية أو حتى الإلكترونية، بل طال أيضًا الإعلام المرئي والمسموع وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يعتبر رقابة على حرية الفكر والتعبير، والخروج عن إطار الرقابة الذاتية ومبادئ ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي إلى الملاحقة والرقابة الشعبية، لتصيد الأخطاء وتأويل ما يكتب أو يقال، أو يعلن عنه شخص عادي ليس بذي صفة صحفية أو إعلامية، كمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك معايير تم وضعها في ميثاق الشرف، بالتوازي مع مواد الدستور، فضلًا عن قانون العقوبات الخاصة بالتشهير أو قضايا السب والقذف أو الانحراف عن الآداب العامة عن طريق الصحف أو الإعلام، لتقويم الأداء الإعلامي والصحفي، ولا يستتبع بعد كل تلك القوانين “كود أخلاقي” لتطبيقه لعجز تلك القوانين عن ردع الإساءات.
ليكون لمصر إعلامًا هادفًا ترتضيه لما يمثله من تأثير كبير على عقول ومشاعر المشاهدين والرأي العام ، وإنما ما هو إلا كبت لحرية الرأي والتعبير، مقارنة بوضع الصحافة في مصر الآن بحجب عشرات المواقع الإخبارية.
فيما لو نظرنا إلى بعض الأنظمة التي تطبق الكود الأخلاقي، قال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، في تصريحات له: “إن الكود الأخلاقي معمول به في الدول التي لها باع في تطبيق الديمقراطية مثل بريطانيا”.
وأكد حاتم زكريا، سكرتير عام نقابة الصحفيين، في تعريفه للكود الأخلاقي، أنه: “مناشدة معنوية في التعامل من خلال وضع حدود للألفاظ المستخدمة”، موضحًا أنها مراعاة للمشاعر وهو ما تربينا عليه.
تلك المعركة الجديدة التي تخوضها حرية الرأي والتعبير، سواء من خلال أفراد أو مؤسسات صحفية أو إعلاميه، هي صفحة مجيدة من صفحات الدفاع عن حق أصيل.
كود آخر
أكد المجلس القومي لحقوق المرأة، أنه سيتم وضع كود أخلاقي، بالتعاون مع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حيث إنه سيكون عبارة عن ميثاق شرف يحتوي على مجموعة من الضوابط في تناول الإعلام للمرأة.
وأضافت سوزان القليني، رئيس لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمراة، أن هذا الكود لا يحد من حرية التعبير ولا يمنع الإبداع ولكنه يسعى لأن يكون هناك إعلامًا حرًا ومسؤولًا.
تعليق قانوني
في قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 147 لسنة 2006، حددت المادة 303 عقوبة القذف بالنص: “يعد قاذفًا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون، أمورًا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونًا، أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه”.
حيث ألغيت عقوبة الحبس في تلك المادة لتكون العقوبة هي غرامة لا تقل عن 7 آلاف و500 جنيه، ولا تزيد على 22 ألف و500 جنيه.
فإذا وقع القذف في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، كانت العقوبة الغرامة التي لا تقل عن 15 ألف جنيه ولا تزيد على 30 ألف جنيه”.
في كثير من اتهامات السب والقذف الموجهة لصحفيين تستند الدعاوى للمادتين 308، 303، 184 وهي المادة المتبقي فيها على عقوبة الحبس و171 من نفس القانون، ونص المادة 171 ي: “كل من أغرى واحدًا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علنًا أو بفعل أو إيماء صدر منه علنًا أو بكتابة أو برسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية، يعد شريكًا في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل”. مما يثبت أن أقصى عقوبة في الغرامة هي مبلغ 30 ألف جنيه فقط، وليس كما ينص الكود على حد وصف مسؤولي “الأعلى للإعلام”، بأن الغرامة تصل إلى 200 ألف جنيه.