الحبس الاحتياطي.. قيد على حرية الرأي والتعبير

الحبس الاحتياطي قيد على حرية الرأي والتعبير

على الرغم من التقدم الذي تشهده التشريعات الجنائية على المستويين الدولي والحقوقي، وما أسفر عنه من البعد -كلما أمكن ذلك- عن العقوبات السالبة للحرية، والبحث عن بدائل ذات بعد إصلاحي واجتماعي تتماشى مع ما توصل إليه علماء الاجتماع والنفس الجنائي من لا جدوى اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية، وبشكل أخص ما هو طويل المدة منها؛ إلا عند الضرورة القصوى، وإذا كان هذا هو الأصل العام فيما يتعلق بالعقوبات السالبة للحرية، فما الأمر إذن فيما يتعلق بموضوع الحبس الاحتياطي، ومدى تعارضه بشكل أساسي مع الحريات الفردية.

 

يشكل الحبس الاحتياطي أحد صور المساس بحريات الأفراد الشخصية، وهي من الحريات المصونة دستوريًا، وذلك وفق ما جاء بنص المادة 54 من الدستور المصري “الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس”، كما أن الفقرة الثانية من هذا النص الدستوري تمثل الدعامة الرئيسية لما يجب أن يكون عليه الحبس الاحتياطي بشكل عام، “لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”، ويعد الحبس الاحتياطي من أهم مظاهر المساس بالحرية الشخصية للمواطنين كونه يسلب حرية الشخص المتهم خلال مراحل التحقيق في الدعوى الجنائية، ولما يترتب عليه من مساس مباشر بحق الإنسان في التنقل الذي كفله الدستور وذلك خلال مرحلتين من مراحل الدعوى الجنائية، وهما مرحلتي التحقيق والمحاكمة، التي تلازمه فيه قرينة البراءة، وإذا كان المساس بالحرية يجد سنده في ضرورة وحتمية كشف الحقيقة ومعرفة المجرم، فإن هذا المساس يجب أن يكون في أضيق النطق، كما يجب أن يكون مقتصرًا على القدر الضروري اللازم للكشف عن هذه الحقيقة، حيث أن التوازن بين السلطة والحرية يقتضي أن يكون المساس بالحرية في أضيق الحدود، وبقدر ما يحقق الغرض من المساس بها، إذ أن ترجيح كفة السلطة على حساب الحرية يؤدي إلى غياب وظيفة الردع العام المتطلب في العقوبة، كما يؤدي الإخلال بالتوازن إلى النيل من وظيفة وهيبة القضاء الجنائي الذي لا يسعى سوى للوصول إلى الحقيقة من خلال إجراءات المحاكمة، ولن يتحقق ذلك إلا بالمحافظة على الحرية وكفالة حقوق المواطنين/ات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى