الصحفيون وجرائم النشر: المعالجة التشريعية لجرائم الصحافة والمخاطر القانونية للعمل الصحفي في مصر

للإطلاع على الورقة PDF اضغط هنا

إعداد

أحمد مصطفى- باحث قانوني بالمؤسسة

تحرير

محمد عبد الرحمن- مدير وحدة البحوث والدراسات

تصميم

إبراهيم صقر

المحتويات

  • مقدمة.
  • الإشكالية.
  • الأهداف.
  • أولًا: تعريف الخطأ الإعلامي ونطاق مسؤولية الإعلاميين.
  • ثانيًا: حرية الرأي في الدستور المصرى والمواثيق الدولية.
  • ثالثًا: حرية الصحافة والإعلام وأسس المعالجة الإعلامية للخبر في القانون المصري.
  • رابعًا: قائمة جرائم النشر والاتهامات التي تعترض العمل الصحفي في مصر:
    1. جرائم مضرة بالمصلحة العامة.
    2. جرائم مضرة بمصلحة الأفراد.
  • خامسًا: توصيات.

  • مقدمة

تتنوع المخاطر والعوائق التي يتعرض لها الصحفيون أثناء تأديتهم لرسالتهم وممارستهم المعتادة لعملهم في متابعة الأخبار وتحريرها ونشرها، ومحاولاتهم لطرح الصورة كاملة وعرض كافة الآراء كما ينبغي بحسب مقتضيات العمل الصحفي وضوابطه وأخلاقياته، وتطول قائمة الاتهامات التي قد يتعرضون لها بحسب الأحوال، وتتدرج تلك المخاطر والعوائق وتختلف من المضايقات والمنع والحظر إلى القبض والحبس والملاحقة القضائية.

ويلزم ذلك الوضع -بطبيعة الحال- إيضاح مخاطر العمل الصحفي في ضوء القوانين الحالية وما يتطلبه ذلك من إجراءات يجب اتخاذها ومعلومات يجب التزود بها من قِبل الصحفيين لمباشرة عملهم.

  • الإشكالية

تتعارض الكثير من التشريعات مع حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور المصري ومع الضوابط الدستورية للعقوبة الجنائية، وكثيرًا ما تتعارض الصياغة التشريعية للقوانين التي تتعلق بجرائم النشر مع ما نص عليه الدستور من كفالة حرية الرأي والتعبير، وحرية تداول المعلومات ودور الصحافة في تشكيل وعي المجتمع. وتستخدم هذه القوانين ألفاظًا غير واضحة كتكدير السلم العام أو الأمن العام وغيرها من الألفاظ التي لا تحمل معنى واضح أو معيار محدد، وتتسع مفاهيم وعقوبات تلك القوانين بشكل يمس الحرية الشخصية للصحفيين وممارستهم لعملهم على نحو يُخل بالضوابط العقابية المرساة في الدستور دون اعتبار لمتطلبات العمل الصحفي ودون اعتبار لاشتراط الدستور لوضوح النص العقابي مما أضحى معه العمل الإعلامي خطرًا على صاحبه لا يأمن بسببه، وأدى إلى غياب الحماية الدستورية للحرية والصحافة والتي لا تتحقق إلا بإتاحة الفرصة لتغطية إعلامية محايدة تبين كل الأراء والأحداث وتتيح العمل للجميع في ضوء من الشفافية وفي ظل عدم التضييق على الصحفيين في عملهم.

  • الأهداف
  1. تبيين ضوابط التشريع والمعالجة التشريعية للعمل الصحفي في القانون المصري.
  2. تبيين أوجه العوار القانوني الذي يعتري بعض مواد القانون التي قد تعوق الصحفيين عن أداء عملهم وتعرضهم لمخاطر الحبس أو القبض عليهم دون وجه حق ومعالجته.
  3. وفي إطار تناول تلك الإشكالية الخاصة بجرائم النشر واتساع مفهومها في القانون المصري، وسعيًا لتحقيق الأهداف السابق الإشارة إليها تتعرض تلك الورقة للعناصر التالية:أولًا: تعريف الخطأ الإعلامي ونطاق مسؤولية الإعلاميين.ثانيًا: حرية الرأي في الدستور المصرى والمواثيق الدولية.ثالثًا: حرية الصحافة والإعلام وأسس المعالجة الإعلامية للخبر في القانون المصري.رابعًا: قائمة جرائم النشر والاتهامات التي تعترض العمل الصحفي في مصر.
  4. جرائم مضرة بالمصلحة العامة.
  5. جرائم مضرة بمصلحة الأفراد.
  6. خامسًا: توصيات.

أولًاتعريف الخطأ الإعلامي ونطاق مسؤولية الإعلاميين

المسؤولية بشكل عام هي حالة الشخص إذا ما ارتكب شيء يستوجب المساءلة وقد تكون مدنية بأداء تعويض جابر للضرر ناتج عن خطأ قام به الفاعل أو جنائية بقيامه بأداء فعل مستوجب للعقوبة الجنائية بكل الأركان والعناصر التي يشترطها القانون في هذا الفعل.

والخطأ الإعلامي في مفهوم القانون هو تجاوز الإعلامي أو الصحفي للحدود التي رسمها له القانون حماية للغير ولضمان تأدية الإعلام لرسالته من خلال نشره لما قد يسبب ضررًا للآخرين، أو مساسًا بحق من حقوقهم المشروعة مثل انتهاك الحق في حياتهم الخاصة أو المساس بسمعتهم وشرفهم.

كما يمكن تعريف الجريمة الصحفية بأنها ذلك النوع من الجرائم التي تتعلق بالأفكار والعقائد والمذاهب والمبادئ على اختلاف أنواعها وأشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية التي ترتكب بواسطة الصحف أو وسيلة من وسائل النشر والعلانية وتنجم عن إساءة استعمال حرية الصحافة بحيث يترتب على ذلك المسؤولية المدنية أو الجنائية أو الاثنين معاً1.

والحقيقة أنه في ظل الأوضاع الحالية اتسعت تلك المسؤولية اتساعًا مخيفًا حتى أضحت حالة الطوارئ المعلنة _ بغض النظر عن مدى دستوريتها_ ليست هي وحدها ما تهدد العمل الصحفي بل التشريعات القانونية العادية السارية والتي جعلت من الطوارئ قاعدة لا استثناء.

ثانيًاحرية الرأي في الدستور المصري والمواثيق الدولية

كفل الدستور المصري في مواده حرية التعبير عن الآراء وعُني بتمكينها ونشرها بكافة الوسائل باعتبارها فرع من الحرية الشخصية التي تشكل أساس كل تنظيم ديمقراطي، كما حرص الدستور أيضًا على كفالة حرية الصحافة لكونها من أبرز صور حرية التعبير فأكد على مبدأ حرية الصحافة واستقلالها في مباشرة رسالتها محددًا لهذه الحرية أطرها القانونية التي لا يجوز لها أن تتجاوزها، فاستلزم القانون أن تؤدي الصحافة رسالتها في خدمة المجتمع في إطار المقومات الأساسية للمجتمع وبهدف الحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام الحياة الخاصة للمواطنين، واستهدف الدستور من ذلك إرساء أصل عام يعزز ويضمن حرية الصحافة بالقدر الذي يجعلها جسرًا لتدفق الأراء والأنباء والأفكار ونقلها إلى القطاع الأعرض من الجماهير، وبديلًا عن الانغلاق والقمع والتسلط، وبالدرجة التي تضمن لها أن تكون طليقة من أية قيود جائرة ترهق رسالتها أو تقلص دورها في بناء المجتمع وتطويره، وإذا كان الدستور قد أجاز فرض رقابة عليها فأوجب أن تكون تلك الرقابة محدودة وموقوتة زمنيًا، تُفرض فقط في الأحوال الاستثنائية ولمواجهة المخاطر الداهمة.2

كما نصت كثير من المواثيق الدولية على حرية الصحافة وعززتها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحص، نص المادة 19 في كلٍ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 واللذين نصا على حق كل شخص في التمتع بحرية الرأي والتعبير واعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود، وتتعدد النداءات والبيانات التي تطلقها المنظمات الدولية بهدف حماية الصحفيين من الاستهداف سواء باستخدام القانون أو بالخروج على أحكامه.

ثالثًاحرية الصحافة والإعلام وأسس المعالجة الإعلامية للخبر في القانون المصري

حرية الصحافة والإعلام وأسس المعالجة الإعلامية للخبر في القانون المصري

بالنسبة للقوانين المصرية، نص قانون تنظيم الصحافة في مادته الثانية والثالثة على كفالة الدولة لحرية الصحافة واستقلالها، وذلك في إطار ما أكدته المادة 17 من التزام الصحفي أو الإعلامي في أدائه المهني بأحكام القانون وبالمبادئ والقيم التي يتضمنها الدستور، وميثاق الشرف المهني، والسياسة التحريرية للصحيفة أو الوسيلة الإعلامية المتعاقد معها، وبآداب المهنة وتقاليدها، بما لا ينتهك حقًا من حقوق المواطنين، أو يمس حرياتهم.

كما أضفى القانون ذاته إطارًا من الحماية القانونية للصحفي لتمكينه من تأدية عمله فنص في مواده 28،29،30،31،32 على بعض الضمانات كمنع تفتيش مسكن الصحفي أو مكتبه بسبب أحد الجرائم الصحفية إلا في حضور عضو من النيابة العامة، وحظر اتخاذ الوثائق والمعلومات والبيانات والأوراق التي يحوزها الصحفي أو الإعلامي دليل اتهام ضده في أي تحقيق جنائي، كما حظر توقيع أي عقوبة سالبة للحرية على الصحفي في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، فيما عدا الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد.

ويمكن القول إجمالًا أن القانون قد حدد أسس التعبير عن الرأي والنقد المباح، فقد جرى قضاء المحاكم بمصر على أن ذلك الأساس هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون كذب، ودون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بةيه التشهير به أو الحط من كرامته، فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه كما حظر القانون تناول الحياة الخاصة للمواطنين ونشر الوثائق السرية والتي قد تؤثر على سير المحاكمات، ونشر الأخبار التي تحض على الكراهية أو على ازدراء الأديان ونص على عقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس مدة تبدأ من ستة أشهر وتصل إلى خمس سنوات لتلك الأفعال.3

وقد أرسى القانون المصري عدة مبادئ قانونية هامة فيما يخص جرائم النشر:

  1. عدم جواز تطبيق المسؤولية المفترضة أو التضامنية في جرائم النشركانت المادة 195 من قانون العقوبات تفترض المسؤولية الجنائية في كلٍ من رئيس التحرير ورئيس الحزب -إذا ما كانت جريدة حزبية- فيما ينشر في جريدته باعتبارهما فاعلان أصليان، وأقيمت تلك المسؤولية على افتراض علم كلًا منهما بما ينشر بالجريدة، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت حكمًا يلغي ذلك المبدأ لتعارضه مع مواد الدستور ومع خصائص التشريع العقابي حيث إن تلك الجريمة لا تتضح أركانها ولا تشترط انصراف قصد الجناة لتحقيق الأثر الإجرامي ولا تتفق مع مبدأ شخصية العقوبة، ولأنه لا يتصور بطبيعة الحال أن يكون رئيس التحرير أو الحزب على علم بكل كلمة تنشر في الجريدة.
  2. حظر الحبس الاحتياطي في جرائم النشرالحبس الاحتياطي هو احتجاز المتهم مؤقتًا في إحدى السجون أو الأماكن المعدة لذلك لمدة تحددها السلطة المختصة وفقًا للضوابط القانونية أو مصلحة التحقيق وقد نصت المادة 135 من قانون الإجراءات الجنائية على عدم جواز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تتم بواسطة الصحف، فيما عدا الجرائم المنصوص عليها في المواد 173 و179 و189 الفقرة الثانية من قانون العقوبات أو تتضمن طعنًا في الأعراض أو تحريض على إفساد الأخلاق.4
  3. اختصاص محكمة الجنايات بالجنح الصحفيةيفرق القانون الجنائي بين جرائم النشر التي تقع في حق الأفراد وبين التي تقع في حق السلطة العامة أو تضر بالمصلحة العامة، فالأولى تختص بها محكمة الجنح أم الثانية فتختص بها محكمة الجنايات وفق المواد 216 و215 من قانون الإجراءات الجنائية، والحقيقة أن مسلك المشرع في ذلك قد يتعارض مع عدة مبادئ قانونية ودستورية في تلك التفرقة فهي تصطدم بمبدأ المساواة في الدستور لتساوي المراكز القانونية في تلك الجرائم بين السلطة والأشخاص من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها تخالف مبدأ المساواة والتقاضي على درجتين؛ فالصحفي المتهم في جرائم تختص بها محكمة الجنح يحق له الاستئناف، أما الصحفي المتهم في جريمة تختص بها محكمة الجنايات فلا يحق له الاستئناف، كما أن النص في صورته الحالية ينتهك الضمانة الأساسية للصحفيين في مثولهم أمام القاضي الطبيعي المختص إذ إن كل متهم بجنحة يحاكم أمام محكمة الجنح فيما عدا الصحفي يحاكم أمام محكمة الجنايات.5

رابعًاقائمة جرائم النشر والاتهامات التي تعترض العمل الصحفي في مصر

إن الأفعال المحظور ارتكابها عن طريق الصحافة نوعين نوع مضر بالمصلحة العامة وآخر مضر بمصلحة الأفراد.

جرائم مضرة بالمصلحة العامة:

  1. جرائم التضليل كنشر الأخبار الكاذبة.
  2. جرائم الإفشاء؛ كإفشاء الأسرار العسكرية أو السياسية أو الاتصالات السرية.
  3. جرائم الإرهاب والتحريض كالتحريض على قلب نظام الحكم.
  4. جرائم الإهانة.
  5. جرائم الإنترنت أو الشبكة المعلوماتية.
  6. جرائم نشر أخرى نص عليها القانون.6

جرائم تمس مصلحة الأفراد:

  1.  جرائم الاعتبار كالسب والقذف والمساس بحرمة الحياة الخاصة للأفراد.

جرائم مضرة بالمصلحة العامة:

  1. جرائم التضليل والإفشاء كنشر الأخبار الكاذبة:

يعرف النشر اصطلاحًا بأنه استخدام وسائل الإعلام المختلفة في بث أو إرسال أو استقبال أو نقل المعلومات المكتوبة أو المرئية أو المسموعة سواء كانت نصوصًا أو مشاهد أو أصوات أو صورًا ثابتة أو متحركة لغرض التداول، كما يمكن تعريف جريمة النشر بأنها استخدام وسائل الإعلام عن عمد بالمخالفة للقانون استخدامًا ينتج عنه ضررًا للآخرين أو للمصلحة العامة. كما يعرف الخبر الكاذب –اصطلاحًا- بأنه الخبر الذي لا يطابق الحقيقة كلها أو جزء منها، سواء عن طريق الحذف أو الإضافة أو التزوير وغير ذلك من الوسائل التي تناقض الحقيقة في صورة من صورها.

ويعود ظهور تلك الجريمة في القانون المصري إلى عهد الملك فؤاد الأول والذي في عهده صدر قانونًا يجرم نشر الأخبار الكاذبة أو المحرفة والكتابات الشديدة أو الصور المسيئة؛ والتي تخل بمصلحة الأمن والنظام العام وكانت العقوبات تنص على إيقاف نشر جريدة أو ضبط أعدادها، وإذا تكرر الأمر يتم تعطيلها لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يومًا بالنسبة للجرائد التي تصدر ثلاث مرات في الأسبوع أو أكثر وخمسة وأربعين بالنسبة للجرائد الأسبوعية وستة أشهر في الأحوال الأخرى، على أن يكون ذلك بأمر من مجلس الوزراء، وأجاز القانون للمجلس تجديد الأمر كلما اقتضت الأمور ذلك وكلما عادت الجريدة لارتكاب الفعل، واللافت للنظر أن العقوبة لم تتضمن حبس أو حتى غرامة مالية وهو شيء إيجابي ولكن في المقابل أطلقت يد مجلس الوزراء في اتخاذ القرار وأعطت له سلطة اتخاذ القرار وتقدير صحة الخبر وإيقاف الجرائد وتعطيل نشرها دون رقابة.7

وتقع تلك الجريمة في الوقت الحالي تحت نطاق المادة 188 من قانون العقوبات والتي نصت على معاقبة كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع اختلاف العقوبة في حالتي الحرب وما إذا كانت الجريمة ارتكبت بالخارج والمنصوص عليها بالمواد 80 و80 ج من قانون العقوبات8.

والحقيقة أن الأصل التشريعي للمادة 188 والمادة 102 عقوبات المتعلقة بتكدير السلم العام يكشف حقيقة المادتين وسبب حملهما لأحكام شديدة واستثنائية وفرضهما قيودًا على حرية النشر وتداول الأخبار والمعلومات، فقد صدرتا بموجب أمر عسكري جاء في ظل أحكام عرفية في ظل ثورة يوليو وفق المذكرة الإيضاحية للقانون ولا يوجد سند من قانون أو واقع يجعل المادتين يستمران على هذا النحو.9

وجدير بالذكر أن عادة ما أصبح يرتبط ذلك الاتهام باتهام آخر هو الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، ويكون ذلك أحيانًا لمعالجة قصور عمل النيابة العامة في التوصل إلى الدافع من وراء ارتكاب الجريمة اللازم كشفه لتقديم المتهم للمحاكمة الجنائية.

شروط وأركان جريمة نشر الأخبار الكاذبة:

يشترط لتطبيق المادة 188 من قانون العقوبات الخاصة بنشر الأخبار الكاذبة أن يكون الخبر كاذبًا وأن يكون ناشره عالمًا بهذا الكذب، ومتعمدًا من ذلك تحقق نتيجة إجرامية ووقوع ذلك الأثر.

ويتضح من ذلك أن الجريمة لها ركنان؛ مادي ومعنوي، أما المادي فهو إتيان فعل النشر إما قولًا أو كتابة أو إيماء أو بأية وسيلة من وسائل النشر المعروفة وأما المعنوي فهو علم الجاني بكذب الخبر وانصراف نيته لتحقيق نتيجة إجرامية.10 11

كما تشترط تلك الجريمة العلانية، والعلانية هنا محددة في النشر كوسيلة، فالجريمة محددة في نشر أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة أو أوراق مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، وتتحقق أساليب العلانية على سبيل الحصر وفقًا لنص المادة 171 من قانون العقوبات، والتي ذكرت أنها (قول أو صياح جهر به علنًا أو بفعل أو إيماء صدر منه علنًا أو بكتابة أو برسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علانية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية، ويعتبر القول أو الصياح علنيًا إذا حدث الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق أو إذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان أو إذا أذيع بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى، ويكون الفعل أو الإيماء علنيًا إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في مكان آخر مطروق أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان.

و تعتبر جريمة نشر الأخبار الكاذبة جريمة شكلية، لأنها تتحقق بمجرد نشر الخبر الكاذب بغض النظر من النتائج المترتبة عليه، أي أنه يكفي ترويج الخبر الكاذب حتى ولو لم يحدث تكدير للسلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو الإضرار بالمصلحة العامة، ويكتفي المشرع بإمكانية حدوث ذلك، والأمر متروك في النهاية لتقدير قاضي الموضوع وفقًا لظروف كل قضية على حدا فإذا انتفى ذلك فلا جريمة.

وبحسب قانون العقوبات تختلف العقوبة باختلاف نوعية الأخبار إذا كان القصد من النشر تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس، أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، تكون العقوبة لا تتجاوز سنة، وغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه، ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه، أو إحدى العقوبتين. إذا كان نشر الخبر الكاذب في زمن الحرب كانت العقوبة السجن، وإذا ارتكبت نتيجة التخابر مع دولة أجنبية تكون العقوبة الأشغال الشاقة، إذا كانت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة معادية، تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، إذا ترتب على النشر ارتفاع الأسعار، أو انخفاض قيمة السندات المالية، تكون العقوبة مدة لا تزيد عن سنة، والغرامة لا تتجاوز مئتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

2. جرائم الإفشاء كإفشاء الأسرار العسكرية أو السياسية أو الاتصالات السرية

يحظر القانون إفشاء الأسرار و نشر أو إذاعة أخبار أو بيانات أو معلومات أو وثائق سرية، خاصة ما إذا كانت حربية متعلقة بوزارة الدفاع ( مادة 80 /ج من قانون العقوبات) وقد وسع القانون من مفهوم وثائق وزارة الدفاع فلما صدر القانون رقم 121 لسنة 1975 جعل الوثائق التي يجرم نشرها ما يتعلق بالسياسة العليا للبلاد وهو لفظ بطبيعة الحال مطاط وغير دقيق ويمكن التوسع في تفسيره، كما حظر القانون كذلك نشر الوثائق المتعلقة بالأمن الداخلي (مادة 80/د و 102 مكرر، 188 عقوبات) أو المخابرات أو الدولة كالوثائق الدبلوماسية وخلافه أو الإفشاء و نشر الخبر الكاذب المتعلق بأغراض اقتصادية إذا تسبب في علو أو انحطاط أسعار سلع أو سندات مالية معدة للتداول (مادة 345 و 346 عقوبات)، وتلك العبارت هي عبارات واسعة مطاطة لا تضع معيارًا دقيقًا لتلك الوثائق وتصطدم مع حق المواطن في الحصول على المعلومات والمعرفة، ومع أصول مهنة الصحافة التي لابد أن تكون مرآة للحقيقة للواقع وفق الضوابط الدستورية المعروفة.

3. جرائم الإرهاب و جرائم التحريض كالتحريض على قلب نظام الحكم

كما سبق الذكر فإن جريمة نشر الأخبار الكاذبة كثيرًا ما ترتبط بالاتهام بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون والتي تطبق وفق قواعد قانون الإرهاب واتهامات أخرى مثل قلب نظام الحكم والمنصوص عليها بالمادة 174 من قانون العقوبات والتحريض على الإرهاب المنصوص عليه في المادة 86 مكرر من قانون العقوبات والتي نصت على عقوبة السجن لكل من روج بالقول أو الكتابة أو أية وسيلة أخرى لغرض إرهابي أو حاز مطبوعات أو منشورات أو مسجلات للغرض ذاته.

و قد توسع قانون الإرهاب رقم 95 لسنة 2015 في التجريم والنصوص التي تصطدم مع مبادئ التشريع الجنائي حيث نصت المواد (28 ، 29 ) على تجريم عدة أفعال على رأسها ترويج الأفكار والمعتقدات الإرهابية بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى أو بطرق مباشرة أو غير مباشرة وكذلك مخالفة البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، استخدام المواقع وشبكات الاتصال للغرض ذاته، الدخول إلى أي موقع إلكتروني تابع لأية جهة حكومية بقصد الحصول على البيانات أو المعلومات الموجودة عليها أو الإطلاع عليها أو تغييرها أو محوها أو إتلافها أو تزوير محتواها، حيازة أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية استعملت أو أعدت للاستعمال بقصد طبع أو تسجيل أو إذاعة كل ما يتعلق بجريمة إرهابية.

ولا يوجد معيار دقيق لتحديد ما يعد أفكار أو معتقدات إرهابية، بل ومجرد مخالفة البيانات الرسمية ولو من سبيل التدقيق أو المراجعة والتحري أو الفكر أو الرأي يعد جريمة إرهابية! فتنص مادة 33 من القانون بأنه: “يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن”.

ولا شك أن تلك النصوص تتعارض مع حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الدستور وتخل بما يفترضه دور الإعلام والصحافة في كشف الحقائق للرأي العام وتضع جهات فوق المسائلة أو المحاسبة أو حتى الخطأ فتفرض رقابة غير مشروعة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتتعدى باسم القانون على حرية الفكر والتعبير وعلى الحق في المعرفة.

وتؤثر تلك النصوص كذلك على الحركة الفكرية والثقافية بمصر، فمجرد نشر تلك الأفكار لا يعبر عن رأي الناشر فيها بل إن النص على ذلك النحو قد يعاقب من ينشر تلك الأفكار بغرض فضحها والرد عليها! وتعاقب مجرد الإطلاع على موقع إلكتروني تابع لأية جهة حكومية ولو كانت تلك المواقع معدة بطبيعتها لاستقاء المعلومات منها بهدف خدمة المواطنين، كذا وحيازة أي وسيلة نشر ولو كان هاتف محمول يحوزه الإنسان بطبيعة الحال متى كان ذلك مرتبطًا بجريمة إرهابية والتي لا تستطيع أن تجد لها تعريفًا محددًا وواضحًا.

ويتعدى ذلك النص على ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا وما أرسته من أصول في صياغة النصوص العقابية وأسس التشريع العقابي والحدود الضيقة ودرجة اليقين التي ينبغي أن ينبني عليها حيث أوردت أحكام المحكمة أن: “القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجزائية، أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلى مستوياتها، وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخرى، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض على الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثرًا، ويتعين بالتالي – ضمانًا لهذه الحرية – أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها، ذلك أن التجهيل بها أو انبهامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها على بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها”.12

كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه أن يُحَال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منضبطة تُعيّن لكل جريمة أركانها وتقرر عقوبتها أي منع تطبيق صحيح القانون، فالغاية التي يتوخاها الدستور والقانون هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها، ولازم ذلك أن تكون القيود على الحرية التي تفرضها القوانين الجزائية، محددة بصورة يقينية لأنها تدعو المخاطبين بها إلى الامتثال لها لكي يدفعوا عن حقهم في الحياة وكذلك عن حرياتهم، تلك المخاطر التي تعكسها العقوبة، بحيث لا يتم تجاوز الحدود التي اعتبرها الدستور مجالًا حيويًا لمباشرة الحقوق والحريات التي كفلها.

جريمة قلب نظام الحكم

أما عن قلب نظام الحكم فقد عرفته محكمة النقض بأنه التحريض بطريق العلانية من خلال الطعن الذي يكون المقصود به تعريض الدستور، وكل ما كان الدستور مصدرًا له من النظم الأساسية المختلفة المرسومة فيه لضبط شئون الحكم في البلاد وتحديدها وإدارتها، وما أراد حمايتها منه للخطر من خلال الحض على قلبها أو كراهيتها أو الازدراء بها.13

والمقصود ليس الطعن في حكومة بعينها أو وزارة بذاتها، أو حكام بأشخاصهم، إذ إن القانون قد قرر لحماية هؤلاء من الطعن فيهم عقوبات خاصة في نصوص خاصة لا تنطبق على النظم الدستورية التي هي باعتبارها ذوات معنوية بحتة تحتاج لحمايتها إلى نص خاص بها، كما هو مدلول عليه بمعناها لغة وبمفهومها فقهًا وبما هو مستفاد من المذكرة الإيضاحية في جملتها.

والقانون لا يتطلب في عبارات التحريض على كراهية نظام الحكومة أن تكون على صورة معينة لا تقع الجريمة إلا بها لكن يكفي أن يتوافر في الجريمة عنصراها المادي والأدبي وأن تكون العبارات من شأنها أن تؤدي إلى ما نهى القانون عنه من ذلك التحريض، وأن تتوجه نية من صدرت عنه إلى تحقيق ذلك من ورائها. ثم إنه إذا جاز أن يكون الطعن المعني في هذه المادة موجهًا في الظاهر إلى هيئة معينة أو أشخاص معينين، ومسددًا في الواقع إلى ذات النظام للنيل منه إلا أنه يشترط للقول بذلك أن يكون هذا مستفادًا من العبارات في ذاتها على حسب المقصود منها ويعاقب عليها القانون بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيه.

محاصرة الصحفيين في مصر بجرائم نشر الأخبار الكاذبة وقلب نظام الحكم والانضمام لجماعات إرهابية

بالعودة إلى الأرقام التي رصدها “المرصد المصرى للصحافة والإعلام” في القضايا التي ُيحاكم فيها الصحفيون والإعلاميون باتهامات الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون ونشر أخبار كاذبة نجد أن تلك القضايا شكلت نسبة 31.5 % من إجمالي القضايا المنظورة في المحاكم والتي اتهم فيها صحفيين خلال الربع الأول من عام 2019 وحده، كما أن تلك القضايا سجلت نسبة 15.5% من إجمالي التهم الموجهة إلي الصحفيين في عام 2018 بواقع 13 قضية، وهي أرقام تعبر عن واقع مرير يحاصر الصحفيين ويهددهم بشكل يومي.

والأسماء التي تعرضت لذلك من الصحفيين _ ومنهم من لا تزال قضيته تنظر أمام المحاكم _ هي كثيرة هناك؛ منها من ذاع شهرته كقضية المصور الصحفي محمود عبد الشكور الشهير بـ”شوكان” الذي أُفرج عنه مؤخرًا بعد الحبس الاحتياطي مدة خمس سنوات كاملة ويمضي عقوبته التكميلية، ومنها من لم يكن له نفس الحظ -إذا صح التعبير- من الشهرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

    • إسلام جمعة، المصور الصحفي بجريدة فيتو، المحبوس احتياطيًا على ذمة القضية المعروفة بالمحور الإعلامي للإخوان المسلمين (رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة).
    • مصطفى الأعصر، المحبوس احتياطيًا على ذمة القضية المعروفة بالمحور الإعلامي للإخوان المسلمين (رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة).
    • المعتز محمد شمس الدين، الصحفي بموقع هاف بوست عربي، والمحبوس على ذمة القضية رقم (رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة) المعروفة بالمحور الإعلامي للإخوان المسلمين على خلفية حوار أجراه مع المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، نُشر بموقع هاف بوست عربي.
    • زينب أبو عونة، المصورة الصحفية بجريدة الوطن، والمحبوسة على ذمة القضية المعروفة بالمحور الإعلامي للإخوان المسلمين (رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة).
    • عادل صبري، رئيس تحرير موقع مصر العربية، والمحبوس على ذمة القضية المعروفة بالمحور الإعلامي للإخوان المسلمين (رقم 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة) بسبب نشره تقريرًا مترجمًا من صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية بعنوان “المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات”.
    • عبدالله شوشة، مراسل قناة أمجاد الفضائية، والذي قبض عليه أثناء تغطيته إحدى التظاهرات بالإسماعيلية عام 2013 وحُكم أخيرًا ببراءته في الثاني من أبريل عام 2019 في القضية (رقم 2332 لسنة 2014 كلي جنايات الإسماعيلية).
    • محمود حسين جمعة، الصحفي بقناة الجزيرة الإخبارية والمحبوس على ذمة القضية رقم (1152 لسنة 2016) على خلفية اتهامه بنشر أخبار وبيانات وشائعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، على نحو يسيئ إلى مؤسسات الدولة ويزعزع الثقة فيها ويعرض السلم العام للخطر استنادًا لتحريات الأمن الوطني حول عمله بالقناة.
    • وائل عباس، الذي أُفرج عنه مؤخرًا و يواجه عدة اتهامات منها الانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة، وبث مقاطع فيديو على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) كوسيلة من الوسائل الإعلامية للتحريض على قلب نظام الحكم، ونشر مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعى (فيسبوك) لبث إشاعات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعى في القضية رقم (621 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا).
    • إسماعيل الإسكندراني، المتهم بنشر أخبار كاذبة عن المؤسسة العسكرية في القضية (رقم 569 لسنة 2015 حصر أمن الدولة العليا قبل إحالتها للمحكمة العسكرية).
    • محمد العادلي، سامحي مصطفى، عيد الفخراني والذين اُتهموا بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون ونشر الأخبار الكاذبة في القضية (رقم 2210 لسنة 2014 جنح العجوزة، والمقيدة برقم 59 لسنة 2014 كلي شمال الجيزة).
    • محمد الحسيني حسن، والذي اُتهم بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، ونشر أخبار كاذبة في القضية (رقم 915 لسنة 2017 حصر أمن دولة).
    • حمدي الزعيم، محمد حسن، أسامة البشبيشي والذين اُتهموا بالانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون، ونشر أخبار كاذبة في القضية (رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل، المقيدة برقم 49 لسنة 2016 حصر تحقيق، نيابة وسط القاهرة).
    • محمد السيد صالح، حمدي قاسم، هند إبراهيم، محمد فايد، عماد الشاذلي، محمد محمود، عبد الحكم الجندي، غادة عبد الحفيظ، مجدي أبو العنيين والمتهمون في نشر أخبار كاذبة في القضية (رقم 559 لسنة 2018 حصر أمن دولة).

4. جرائم الإهانة

جرائم الإهانة هي كل قول أو فعل يحكم العرف بأن فيه ازدراء وحطًا من الكرامة في أعين الناس، وإن لم يشمل قذفًا أو سبًا. وقد توسع القضاء المصري في معنى الإهانة حتى أنه اعتبر أي تعبير من أي نوع من قبيل الإهانة حتى لو كان صاحبه لا يقصد ذلك مباشرة، متى أثبت الحكم صدور الألفاظ المهينة من المتهم، فلا حاجة بعد ذلك للتدليل على أنه كان يقصد الإهانة أم لم يقصد، وهو حكم شديد الغرابة متوسع في تفسيره يقع تحت سلطة المحكمة التقديرية في التفسير.

وتنقسم إلى إهانة رئيس الجمهورية، إهانة مجلس الشعب أو غيره من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة، إهانة موظف عمومي أو أحد رجال الضبط أو أي إنسان مكلف بخدمة عمومية أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديته ويجيز المشرع حبس الصحفي احتياطيًا في جريمة إهانة رئيس الجمهورية وعقوبة تلك الجريمة وفق المادة 184 بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، أما بالنسبة للموظف العام فتعاقب المادة 185 على الفعل بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه كل من عاب بإحدى الطرق المتقدم ذكرها في حق ممثل لدولة أجنبية معتمد في مصر بسبب أمور تتعلق بأداء وظيفته. كذلك فإن من عاب في حق ممثل لدولة أجنبية معتمد في مصر بسبب أمور تتعلق بأداء وظيفته يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين جنيهًا ولا تزيد عن مئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين بحسب المادة 182 من القانون ذاته.14

والحقيقة أن تهمة إهانة الرئيس أو المؤسسات هي تهمة واسعة فضفاضة غير دقيقة فضلًا عن التساؤل عن مدى أهميتها بالأساس في ظل وجود تهمتي السب والقذف، فالرأي السديد هنا أن ذلك يعد من قبيل العمل غير المهني إعلاميًا والذي من المفترض أن يعاقب تأديبيًا من النقابة في ظل رقابة القضاء، كما أنها من الممكن أن يندرج تحتها أعمال تعد في عالم اليوم من سبل التعبير عن الرأي كالبرامج الساخرة ورسوم الكاريكاتير وغيرها.

5. جرائم الإنترنت أو الشبكة المعلوماتية

هي الجريمة أو النشاط غير المشروع الذي يتم ارتكابه باستخدام بالحاسب الآلي، أو هي عمل غير قانوني يُستخدم فيه الحاسب اﻵلي كأداة أو موضوع الجريمة.

وتتعدد القوانين التي تعالج تلك الجرائم تشريعيًا كقانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم الإنترنت وما نص عليه في المادة 13 عن عقوبة انتهاك الحرمة الشخصية بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة والتي قد تصل إلى الحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر، وبغرامة لاتقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقد حظر قانون تنظيم الصحافة في مادته الرابعة على أي موقع إلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو يخالف النظام العام أو الآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصري أو الكراهية.

وأعطى القانون للمجلس الأعلى للصحافة للاعتبارات التي يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات أو صحفًا أو مواد إعلامية أو إعلانية صدرت أو جرى بثها من الخارج من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض في حالة انتهاك ذلك.

وهناك حكمًا مشابهًا لتلك المادة في المادة 19 من القانون ذاته والتي حظرت على كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه خمسة ألاف متابع أو أكثر نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، أو يدعو إلى العنصرية أو يتضمن طعنًا في أعراض الأفراد، أو سبًا أو قذفًا لهم، أو امتهانًا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية وأعطى للمجلس الأعلى للصحافة سلطة وقف أو حجب الموقع أو المدونة أو الحساب المشار إليه بقرار منه، مع أحقية صاحب الموقع المحجوب في الطعن على القرار أمام القضاء الإداري، أما إذا كان الأمر محض خطأ فيجب تصحيحه وفق أحكام المواد 22 و 23 في غضون ثلاثة أيام من طلب تصحيح الخبر.

وغني عن البيان أن سلطة المجلس الأعلى في المنع والحجب والحظر _ والتي طالت بلغة الأرقام العديد من المواقع الإلكترونية_ واسعة للغاية بحيث من الممكن إساءة استخدامه، فاعتبارات الأمن القومي وما جاء بالمادة الرابعة هي كلمات مطاطة لا تحمل معنى واضح على وجه الدقة مما يصطدم مع شرط وضوح النص العقابي، كما أن اعتبار أي حساب إلكتروني حتي وإن كان ليس إخباريًا أو صحفيًا يبلغ عدد متابعيه خمسة ألاف فأكثر بمثابة صحفي يجوز حجبه، هو حكم شديد الغرابة والتعسف يعصف بالحريات الشخصية للمواطنين ويجعل فوقهم سلطة لا يحسبون لها حسابًا تتهمهم باتهامات غير التي نص عليها قانون العقوبات، قد يواجهون فيها الحظر تكميمًا للأفواه واعتداءً على حريتهم في التعبير والرأي وتداول المعلومات المنصوص عليها في الدستور، خاصة وأن أغلب ما ورد في المادة معالج بالفعل وفق قانون العقوبات ويمكن محاسبة مرتكبه عليه إذا ما حدث بالقانون ومع الوضع في الاعتبار إذا كان الحساب شخصي أم لشبكة إخبارية وما إذا كان الخبر تمت مشاركته بصفة وظيفية أم بصفة شخصية؟.

كما يتعارض النص مع طبيعة حظر النشر كإجراء قانوني استثنائي نص عليه القانون في أحوال بعينها حسب طبيعة الخبر ومصدره، كأمر حظر النشر الذي يصدر في التحقيقات الابتدائية من النائب العام حفاظًا على سير التحقيقات لحين صدور تصرف فيه، ودعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا، قانون العقوبات في مادته 193 والمعاقب فيها بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه، ولا تزيد عن عشرة ألاف كل من نشر أخبار بشأنها، وحظر النشر المنصوص عليه في المواد 189 و 190 و 191 الجلسات السرية للمحاكمات والمداولات القضائية السرية والمرافعات القضائية، وهي كلها أحكام استثنائية نص عليها القانون لسبب واضح أو وفق قرار قضائي لا يجوز التوسع فيها على هذا النحو.15

6. جرائم نشر أخرى نص عليها القانون:

      • جرائم التمييز والكراهية

نص القانون المصري على عدد من الجرائم الأخرى تندرج كذلك تحت مسمى جرائم النشر في مواده فنص على تجريم التحريض على الكراهية أو التمييز على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو الجنس أو المعتقد أو التحقير من أي معتقد أو ديانة سواء بالتحريف أو الحط من شأنها أو السخرية منها بإحدى طرق العلانية بهدف إضعاف أو منع تمتع أفراد أو مجموعات على قدم المساواة مع غيرهم من الناس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهي المعاقب عليها بالمواد 98 أ و 161 مكرر و176 من قانون العقوبات وهي جرائم معاقب عليها بعقوبات تتراوح بين الحبس سنة والسجن خمس سنوات، وبغرامات تتراوح بين الخمسة ألاف جنيه والمئة ألف جنية بحسب الجريمة المرتكبة وظروف ارتكابها.

وتلك الجرائم يوجه لها النقد ذاته من حيث عدم دقة صياغتها التشريعية واتساع تلك المفاهيم وعدم وجود معيار واضح لها واصطدامها بالمعايير الدستورية للتشريع الجنائي.

      • جرائم حظر النشر

نص القانون على حظر النشر في بعض الأحوال:

نشر أخبار تحقيق جنائي قائم إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت إجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام أو للآداب أو لظهور الحقيقة، كذا ونشر أخبار دعاوى الطلاق أو التفريق أو الزنا، قانون العقوبات والمعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف (مادة 193 من قانون العقوبات).

النشر الذي من شأنه التأثير على سير المحاكمات كنشر الجلسات السرية للمحاكمات والمداولات القضائية السرية والمرافعات القضائية والمعاقب عليهم بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرة ألاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ( 189 و 190 و 191 من قانون العقوبات).

– جرائم تمس مصلحة الأفراد

      • جرائم التشهير والسب والقذف والمساس بحرمة الحياة الخاصة

يكفل الدستور في إطار حرية الرأي والتعبير حرية الانتقاد، ويضع لها ضمانات دستورية حتى لا تجور على الحقوق والحريات المكفولة كالحق في الكرامة وافتراض البرءاة كأصل في الإنسان.

ويحق للصحافة انتقاد الأشخاص ومتقلدي الوظائف العامة على ألا يكون في ذلك مساسًا بهم دون دليل أو مساسًا لكرامتهم بالسب والإهانة ويشترط لذلك أن يتم النقد بحسن نية مع تقديم الدليل على أي اتهام يوجه لهم.

وتعرف المادة 302 من قانون العقوبات القذف على أنه إسناد وقائع أو أمور محددة تستوجب احتقار من أسندت إليه، ومعاقبته قانونًا إذا كانت صحيحة، ويعاقب على القذف بغرامة لا تقل عن خمسة ألاف جنيه ولا تزيد عن خمسة عشر ألف جنيه أما إذا وقع القذف في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، كانت العقوبة غرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه ويشترط تقديم الدليل على أي اتهام يوجهه الصحفي في أول استجواب له أو الخمسة أيام التالية وإلا سقط حقه في إقامة الدليل وفق المادة 302 من قانون العقوبات ويستهدف ذلك حماية سمعة الناس وعدم المساس بها دون دليل وفق المذكرة الإيضاحية للقانون.

أما السب فوفقًا للمادة 306 من قانون العقوبات فهو إسناد أقوال أو أمور إلى شخص ما، تتضمن خدشًا للشرف أو الاعتبار دون تعيين واقعة محدودة.

والأصل في القذف والسب الذي يستوجب العقاب قانونًا هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية، أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه، ومن حق قاضي الموضوع أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى، ولمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها ومرامي عبارتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح.

وقد يحظر النشر في تلك الاتهامات بهدف منع ترديدها ومضاعفة أثارها بلا مبرر بحسب المذكرة الإيضاحية لقانون العقوبات ويعاقب من يخالف ذلك بالحبس.

كما تنص المادة رقم 309 مكرر (أ) على أن “يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلًا أو مستندًا متحصلًا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن، ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادًا على سلطة وظيفته.

ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها.

أما عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين فهي تتحقق بنشر أو إذاعة ما من شأنه المساس بحرمة الحياة الخاصة للمواطنين دون إذن منهم، وقد نصت المادة 99 من الدستور على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وأوردت المادة أن جرائم الاعتداء على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، كما كفلت للمضرور الحق في إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر والحق في تعويض عادل من الدولة، ويعاقب مرتكبها بحسب المواد (309 مكرر، 309 مكرر أ) من قانون العقوبات بعقوبات تتراوح بين الحبس والسجن بحسب أحوال الجريمة وصفة مرتكبها، كما نص القانون رقم 175 لسنة 2018 في مادته 25 على الحكم ذاته في حالة ما إذا كان مرتكب الجريمة قد ارتكبها عن طريق الشبكة المعلوماتية، وجعل عقوبة ذلك بالحبس مدة لاتقل عن ستة أشهر، وبغرامة لاتقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

      • جرائم السب والقذف الموجهة للصحفيين (لغة الأرقام)

زاد بشكل ملحوظ اتهامات السب والقذف الموجهة للصحفيين، فبلغت نسبة القضايا التي يحاكم فيها الصحفيون والإعلاميون أو وجه لهم اتهامات سب وقذف نسبة 7.8 % من إجمالي القضايا المنظورة والتي اتُّهم فيها صحفيين في الربع الأول من عام 2019 كما رصدها “المرصد المصري للصحافة والإعلام” في تقريره، كما سجلت التهم الخاصة بالسب والقذف أكثر التهم الموجهة إلى الصحفيين والإعلاميين خلال عام 2018 بنسبة 45.2% من إجمالي القضايا في عام 2018 بواقع 38 قضية لتكون النسبة الأعلى للتهم الموجهة للصحفيين في ذلك العام، نذكر منهم:

      1. ياسر أيوب، رئيس تحرير جريدة 7 أيام وتامر إبراهيم الصحفي السابق بالجريدة، واللذان اتهما بقذف المواطن صبري لبيب علنًا بطريق الكتابة عن مقال تحت عنوان “الرجل الشبح” في القضية رقم (36792 لسنة 2015 جنح بولاق الدكرور) وقد تقرر تأجيل الدعوى للحكم بجلسة 8 يوليو 2019.
      2. حنان عليوة، الصحفية بجريدة روز اليوسف، والتي قضت محكمة النقض بتاريخ 9 فبراير 2019، ببراءتها من تهمة قذف أحد المسؤولين بمديرية الطب البيطري، وكان قد سبق وصدر بحقها حكمًا حضوريًا بالحبس شهر وغرامة 10 ألاف جنيه في الجنحة الصحفية المباشرة التي أقامها الخصم ضدها بتاريخ 11 أبريل 2018.
      3. محمد أحمد عثمان، والذي اتهم بالقذف في القضية (رقم 34474 لسنة 2015 جنح مركز طنطا، المقيدة برقم 102 لسنة 2018 جنح مستأنف طنطا).
      4. نيرة الجابري، والتي اتهمت بالقذف والبلاغ الكاذب، والتسجيل بدون تصريح في القضية (رقم 1696 لسنة 2018 جنح بورفؤاد).
      5. سارة سعيد، رحاب عبد الراضي، محمود بدوي والذين اتهموا بالسب والقذف في القضية (رقم 3943 لسنة 2016 إداري العجوزة.

خامسًاتوصيات

  1. تعديل مواد المعاقبة على جرائم النشر في قانون العقوبات (102 مكرر، 174، 188، 80 د، 86، 86 مكرر، 161) حيث إن صياغتها التشريعية تتسم بالغموض وعدم الدقة وليس للجرائم الواردة بها معيارًا محددًا أو تعريفًا واضحًا لما يرد بها من أفعال مستوجبة للعقاب كتكدير السلم العام والإخلال بالسلم الاجتماعي وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، والتحريض على الكراهية وازدراء الأديان، والتي تتعارض مع الضوابط الدستورية في التشريع الجنائي ومع المبادئ الدستورية من حرية رأي وتعبير وتداول للمعلومات، واعتراف بدور الصحافة الفعال في تشكيل وعي المجتمع وتغييره للأفضل فضلًا عن أن منها ما صدر في زمن أحكام عرفية بعد ثورة 1952.
  2. تعديل المواد 215 و 216 من قانون الإجراءات الجنائية من حيث نصها على اختصاص محكمة الجنايات بالجنح المرتكبة بإحدى طرق النشر لاصطدامها بمبدأ المساواة في الدستور ومبدأ التقاضي على درجتين.
  3. إن قانون الإرهاب رقم 95 لسنة 2015 يشوبه عوار دستوري واضح شكليًا من حيث صدوره بقرار من رئيس الجمهورية في ظل غياب البرلمان، وموضوعيًا، فضلًا عن أن الإرهاب معاقب عليه بالفعل بالمواد من قانون العقوبات فلا حاجة إليه تشريعيًا، والحقيقة أن إلغاؤه أوجب من تعديله، وهو قانون شديد الغلظة والغموض في آن واحد، ولا مفر من إلغاؤه أو على أقل تقدير تعديل المواد (28 ، 29 ) التي جرمت ترويج الأفكار والمعتقدات الإرهابية بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى أو بطرق مباشرة أو غير مباشرة و مخالفة البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، واستخدام المواقع وشبكات الاتصال، الدخول إلي أي موقع إلكتروني تابع لأية جهة حكومية بقصد الحصول على البيانات أو المعلومات الموجودة عليها أو الإطلاع عليها، حيازة أية وسيلة من وسائل الطبع أو التسجيل أو العلانية استعملت أو أعدت للاستعمال بقصد طبع أو تسجيل أو إذاعة كل ما يتعلق بجريمة إرهابية، حيث يتسع مفهوم الجريمة الإرهابية بشكل مخيف ليطال وينال من حرية الرأي والتعبير بل حتى مراجعة البيانات الرسمية والدخول إلى مواقع إلكترونية حكومية للإطلاع على معلومات وبطبيعة الحال فتلك الجريمة الغامضة والتي تتسع لتشمل كل شيء تقريبًا تخالف الضوابط الدستورية العقابية القانونية المتعارف عليها فمن غير المعقول أن يجد الصحفي نفسه متهمًا بالانضمام إلى جماعة إرهابية أو الترويج لأفكارها فقط للتعبير عن رأيه أو القيام بمهام عمله.
  4. إلغاء المواد الخاصة بجرائم الإهانة لرئيس الجمهورية، الجيش والمجلس النواب أو الهيئات النظامية (184 و 185 و 179 من قانون العقوبات)، والتي يتسع فيها مفهوم الإهانة بشكل غير واضح، حيث إن المعالجة التشريعية للسب والقذف في حق الأفراد في قانون العقوبات كافية، أما الخروج عن أداب المهنة وأصول النقد للمؤسسات والرئيس إذا ثبت ذلك فالمفترض ألا يكون عقابه جنائيًا بل تأديبيًا عن طريق النقابة مع أحقية المُعاقب في اللجوء للقضاء لرفع العقوبة عنه.
  5. إعادة النظر بالتعديل أو الإلغاء للمادة الرابعة والمادة 19 من قانون تنظيم الصحافة اللتان أعطتا سلطة للمجلس الأعلى للإعلام بمنع مطبوعات أو صحفًا أو مواد إعلامية أو إعلانية صدرت أو جرى بثها من الخارج للدخول إلى مصر أو التداول أو العرض للاعتبارات التي يقتضيها الأمن القومي وحظر أو حجب كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه خمسة ألاف متابع أو أكثر نشر أو بث أخبار كاذبة، أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين، وهي أحكام تعطي سلطة للمجلس الأعلى في تقدير ما هو يمس الأمن القومي، وهي كلمة كما سبق الذكر مطاطة غامضة ليس لها معيار واضح، كما أن سلطة إنزال العقوبة بهذه الشدة لا تكون تأديبية، بل من المفترض أن يختص بها القضاء وحده في الأحوال التي نص عليها القانون وفق معايير واضحة وسليمة ودستورية ولا تصطدم بالحريات العامة.

هوامش

1 زكراوي حليمة. “المسؤولية الجنائية في مجال الصحافة المكتوبة”، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان، الجزائر.

2 جمهورية مصر العربية| المحكمة الدستورية العليا| الطعن رقم: 25 لسنة: 22 قضائية بتاريخ: 5-5-2001.

انظر أيضًا: دستور جمهورية مصر العربية لعام 2014 – الباب الخامس – نظام الحكم – الفصل العاشر – المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

3 جمهورية مصر العربية – الطعن رقم 7589 لسنة 59 قضائية بتاريخ 1992-02-26 مكتب فني 43 رقم الجزء 1 رقم الصفحة 262 [رفض].

4 قانون الإجراءات الجنائية (طبقًا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003) متاح على الرابط التالي: http://laws.jp.gov.eg/home/altshryat/alqwanyn-aljnayyte

5 المحكمة الدستورية العليا حكم رقم 59 لسنة 21 ق.

6 حافظ محمد الحوامدة. “الخطأ الإعلامي الموجب للمسؤولية”.

7 جمهورية مصر العربية – قانون – رقم 136 لسنة 1935 نشر بتاريخ 1935-11-15 بشأن منع نشر الأخبار الكاذبة أو المحرفة والكتابات الشديدة أو الصور المسيئة.

8 قانون العقوبات المصري طبقًا لأحدث التعديلات بالقانون 95 لسنة 2003م القانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات ( 1( متاح على الرابط التالي http://www.abonaf-law.com/download/GalleryServices/35_law%201.pdf تاريخ الزيارة 29 مايو 2019.

9 الأمر العسكري رقم 26 لسنة 1952 الصادر في 5/9/1952

10 جمهورية مصر العربية – الطعن رقم 451 لسنة 22 قضائية بتاريخ 1952-05-20 مكتب فني 3 رقم الجزء 3 رقم الصفحة 982 [النقض والإحالة للدعوى الجنائية.

11 جمهورية مصر العربية – الطعن رقم 49 لسنة 9 قضائية بتاريخ 1939-02-27 مكتب فني 4 (مجموعة عمر) رقم الجزء 1 رقم الصفحة 468 [النقض والتصحيح للدعوى الجنائية.

12 الدعوى رقم 114 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا “دستورية

13 جمهورية مصر العربية – الطعن رقم 991 لسنة 10 قضائية بتاريخ 1940-05-13 مكتب فني 5 (مجموعة عمر) رقم الجزء 1 رقم الصفحة 198 [رفض

14 قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937.

15 قانون رقم 180 لسنة 2018 بإصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

زر الذهاب إلى الأعلى