• ملخص

تهدف هذه الورقة إلى التعرف على القصور التشريعي في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، وكذا القوانين المنظمة لمهنة الصحافة؛ والذي تقوم على أساسه السلطات في استغلال ثغرات هذه القوانينن وتوجيه تهمة “انتحال صفة صحفي” لبعض الصحفيين غير النقابيين إذا تجاوزوا الخطوط المحددة. كما تهدف هذه الورقة إلى التعرف على مدى انتشار تهمة “انتحال صفة صحفي” وملابساتها في الأنظمة المختلفة.

وتعتمد هذه الورقة على منهج وصفي تحليلي؛ يقوم على العرض والتحليل النقدي لقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، ومنهج تاريخي يتم من خلاله التحليل الكيفي للحالة القانونية لتهمة “انتحال صحفي” من مختلف الأنظمة. ويتم الاعتماد على مادة ثانوية مستقاه من (التقارير السنوية لمنظمات دولية ومحلية، والتقارير السنوية لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، والأوراق والدراسات المنشورة عن الموضوع محل الدراسة).

وتوصلت الورقة إلى عدد من النتائج أهمها؛ أن قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 يعج بالكثير من الإشكاليات والتناقضات التي لا توجد أي إطار قانوني لحماية الصحفيين غير النقابيين وتجعلهم معُرضين للاتهام في أي وقت، ولم يصبح هذا القانون ملائمًا للأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية، كما لم يصبح مواكبًا للتطورات التكنولوجية الحادثة في المجتمع العالمي بصورة عامة والمجتمع الصحفي بصورة خاصة. كما يُعد هذا القانون انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير ومخالفًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور المصري.

وقدمت الورقة مجموعة من التوصيات أهمها؛ ضرورة إلغاء قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، وإصدار قانون جديد يواكب التطورات التكنولوجية الحادثة في المجتمع. ولابد أن يراعي القانون فئة الصحفيين الإلكترونيين وتنظيم عمل الصحافة الإلكترونية، وأن يتم تعديل تعريف الصحفي في قانون رقم 179 لسنة 2018، وقانون رقم 180 لسنة 2018، ليصبح تعريفًا متماشيًا مع التعريف العالمي للصحفي، ومع تعريفه الصحفي في الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الصحفيين وأمنهم واستقلالهم.

  • مقدمة

يتعرض الصحفيون في جميع أنحاء العالم لأنواع عدة من الانتهاكات التي تتراوح بين المنع من التغطية وسحب التراخيص، مرورًا بالضرب والسحل والإهانة، وصولًا إلى الاعتقال والتعذيب والقتل في بعض الأحيان. ويشير التقرير السنوي لعام 2018 لمنظمة مراسلوان بلا حدود والمعنون “التصنيف العالمي لحرية الصحافة” إلى تصاعد خطاب الكراهية ضد الصحفيين في مختلف أنحاء العالم، وتأتي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ذيل الترتيب الإقليمي، مما يجعل هذه المنطقة من العالم الأكثر صعوبة وخطورة لممارسة مهنة الصحافة[1].

على الصعيد المحلي، يزداد الأمر سوءً، وتصبح حرية الصحافة والصحفيين على شفا حفرة من النار. لقد وقعت مصر في تقرير مراسلون بلا حدود لعام 2018، في “الدائرة السوداء” لحرية الصحافة في العالم أو ما تسميه المنظمة “رُهّاب الإعلام”؛ حيث تزداد الانتهاكات الموجهة للصحافة والصحفيين، وحلت مصر في المرتبة 162 من أصل 180 دولة يغطيها التقرير لهذا العام 2018، متراجعة مرتبة عن العام السابق الذي حلت فيه في المرتبة 161، وقد وثق”المرصد المصري للصحافة والإعلام” 374 انتهاكًا بحق الصحافة والصحفيين في عام 2017، و123 انتهاكًا في العام الحالي 2018 في الفترة من (1 يناير إلى 30 سبتمبر)، وهو ما يشير إلى قتامة المشهد الصحفي والإعلامي في مصر[2].

من ناحية أخرى، وبالإضافة إلى الانتهاكات المتزايدة للصحافة والصحفيين، وتعميم الاتهامات بالإرهاب ضدّ الصحفيين وسجن غير الموالين منهم اعتباطيًا، لا تألو السلطات المصرية جهدًا في التفنن في صياغة الاتهامات. ولم تعد المصطلحات الفضفاضة (كالحرب على الإرهاب، ودواعي الأمن القومي، ونشر الأخبار الكاذبة) هي السلاح الوحيد للتضييق على حرية الصحافة والصحفيين، فقد أصبحت تهمة “انتحال صحفي” من التهم التي تتخذها السلطات التنفيذية ذريعة لتقييد حرية الصحفيين غير النقابيين.

ومن الجدير بالذكر أن هذه التهمة (انتحال صفة صحفي) كانت حاضرة قبل ثورة يناير2011 وبعدها. وتكمن خطورة تهمة انتحال صفة صحفي في الوقت الحالي في أنها لم تصبح حالات فردية، بل يمكن أن نقول إنها أصبحت تهمة ممنهجة تقوم على أساسها السلطات في استغلال ثغرات بعض القوانين المنظمة للعمل الصحفي للتضييق على حرية الصحفيين إذا تجاوزوا الخطوط المحددة. وتشير الإحصائيات إلى أنه خلال العامين السابقين 2016، 2017 والعام الحالي 2018 تم تسجيل ما يقرب من 20 حالة اتهام بانتحال “صفة صحفي”. بيد أن معظم هؤلاء المتهمين قد حصلوا على حكم بالبراءة من التهم المنسوبة إليهم. ويؤشر ذلك -إلى ما ذكرناه أعلاه- في أن هذه التهم هي بمثابة عوار وثغرات في القوانين المنظمة للصحافة تستغلها السلطات التنفيذية في تقييد حرية الصحفيين[3].

ومن ثم جاءت هذه الورقة لتحقق هدف رئيسي يتعلق بالتعرف على القصور التشريعي في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، وكذا القوانين المنظمة لمهنة الصحافة. ويتفرع عن هذا الهدف عدة أهداف فرعية تتمثل في: محاولة التعرف على تعريف الصحفي في القوانين المنظمة للصحافة بصورة عامة وقانون نقابة الصحفيين بصورة خاصة. والتعرف على التناقضات الموجودة بقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970. ثم التعرف على ملابسات تهمة “انتحال صحفي” في الأنظمة المختلفة، وأخيرًا تقديم توصيات من أجل محاولة إنهاء الأزمة المتعلقة بتهمة انتحال صحفي.

ولتحقيق هذا الهدف تعتمد الورقة منهج وصفي تحليلي يقوم على العرض والتحليل النقدي لقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 2017، ومنهج تاريخي يتم من خلاله التحليل الكيفي للحالة القانونية لتهمة “انتحال صحفي” من مختلف الأنظمة. ويتم الاعتماد على مادة ثانوية مستقاه من (التقارير السنوية لمنظمات دولية ومحلية، والتقارير السنوية لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، والأوراق والدراسات المنشورة عن الموضوع محل الدراسة).

وتحاول الورقة تحقيق هذه الأهداف من خلال تغطية العناصر التالية:

  • أولًا: قانون نقابة الصحفيين في مصر: إشكاليات وتناقضات غير منطقية.
  • تعريف الصحفي في القوانين المصرية المنظمة للصحافة مع إشارة خاصة لقانون نقابة الصحفيين.
  • إشكاليات وتناقضات قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970.
  • ثانيًا: قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 انتهاك للدستور والمواثيق الدولية.
  • ثالثًا: أن تكون صحفيًا في مصر: متاعب المهنة.
  • رابعًا: انتحال صفة صحفي تهمة لكل زمان: وقائع من أروقة المحاكم المصرية.
  • خامسًا: استنتاجات وتوصيات.
  • أولًا: قانون نقابة الصحفيين في مصر: إشكاليات وتناقضات غير منطقية
  • تعريف الصحفي في القوانين المصرية المنظمة للصحافة مع إشارة خاصة لقانون نقابة الصحفيين

ينص قانون الهيئة الوطنية للصحافة رقم 179 لسنة 2018، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام رقم 180 لسنة 2018 على أن الصحفي هو “كل عضو مقيد بجداول نقابة الصحفيين”. ويشير إلى ذلك أيضًا قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 عندما أشار في مادته الثانية إلى أن تؤلف نقابة الصحفيين من الأعضاء المقيدة أسماؤهم في جدول النقابة والجداول الفرعية[4]. وتتشكل هذه الجداول –طبقًا للمادة الرابعة من القانون- من:

  • جدول الصحفيين المشتغلين: ويعتبر “صحفي مشتغل” كل من يباشر بصفة أساسية ومنتظمة مهنة الصحافة في صحيفة يومية أو دورية، وكذلك المحرر والمترجم والرسام والمراسل على أن يتقاضى مرتبًا ثابتًا وبشرط ألا يمارس مهنة أخرى.
  • جدول الصحفيين غير المشتغلين: ویشمل كل صحفي مشتغل نقل اسمه إلى جدول قید غیر المشتغلین.
  • جدول الصحفيين المنتسبين: ويشمل هذا الجدول الأفراد الذین یسھمون مباشرة في أعمال الصحافة متى توافرت بالنسبة إلیھم الشروط المنصوص علیھا في المادة الخامسة، عدا شرط احتراف المھنة. والصحفیون العرب والصحفیون الأجانب الذين يعملون في مصر في صحف تصدر فیھا أو وكالات أنباء تعمل فیھا، متى توافرت فیھم الشروط المنصوص علیھا في المادة الخامسة، عدا شرط الجنسیة المصریة.
  • جدول الصحفیین تحت التمرین؛ ویشمل كل مَن زاول المھنة بعد التخرج من أحد الكلیات المصریة المعترف بھا من المجلس الأعلى للصحافة، وعمل في مھنة الصحافة في أحد الكیانات الصحفیة ومقید في نقابة الصحفیین، وفقًا لأحكام قانون النقابة واللائحة.

ونخلص مما سبق إلى أن الصحفي هو فقط “كل عضو مقيد بجدول من الجداول الأربعة بنقابة الصحفيين”. ويحمل هذا القانون عوارًا كبيرًا، فثمة فئات أخرى كثيرة لم تتضمنها الجداول المذكورة، منها: الصحفيون العاملون في المواقع الإلكترونية، والصحفيون الذين يعملون بدون عقد عمل مع المؤسسة الإعلامية..إلخ، وهو ما سنشير إليه تفصيلًا فيما بعد.

  • إشكاليات وتناقضات قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970

يعج قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 بالكثير من الإشكاليات والتناقضات التي لا توجد أي إطار قانوني لحماية الصحفيين غير النقابيين وتجعلهم معُرضين للاتهام في أي وقت. وتتمثل أهم هذه الإشكاليات في:

  • عدم ملائمة القانون للأوضاع السياسية والاجتماعية: ليس من المعقول أن يكون القانون الذي ينظم عمل نقابة الصحفيين في مصر هو قانون تم إصداره في عام 1970 في فترة الاتحاد الاشتراكي العربي. فالمادة الرابعة تتحدث عن جداول النقابة، وأن لجنة القيد عليها أن تودع نسخة من هذه الجداول في الاتحاد الاشتراكي العربي ووزارة الإرشاد القومي. وتشير المادة 13 إلى ضرورة إرسال لجنة القيد بيانًا بأسماء طالبي القيد إلى الاتحاد الاشتراكي العربي ووزارة الإرشاد القومي لإبداء الرأي فيها. وأشارت المادة 16 إلى أنه على مجلس نقابة الصحفيين أن يبلغ الاتحاد الاشتراكي العربي ووزارة الإرشاد القومي قرارات اللجان المختلفة خلال أسبوعين من صدورها. ويبقى السؤال أين الاتحاد الاشتراكي العربي وأين وزارة الإرشاد القومي! لقد انتهى وجود الكيان بصفته، فكيف يبقى اللجوء والاحتكام إليه! وبذلك فإن هذا القانون يخدم الأقلية على حساب الأغلبية دون النظر بعين الاعتبار إلى المتغيرات العديدة التي طرأت على المجتمع الصحفي بشكل خاص والمجتمع المصري بشكل عام”.
  • عدم ملائمة القانون للتطورات التكنولوجية في المجتمع الصحفي: في الوقت الذي تحتفل بعض الصحف العالمية بإصدار آخر طبعة ورقية والتحول إلى الصحافة الإلكترونية، يفرض قانون نقابة الصحفيين على الصحفي طالب القيد بالجداول أن يكون تم تعيينه في صحيفة ورقية ومعتمدة من المجلس الأعلى للإعلام. مما يحول دون تسجيل العديد من الصحفيين العاملين في المواقع الإلكترونية في نقابة الصحفيين، ويجعلهم تحت طائلة القانون.
  • معوقات القيد بالنقابة: تشترط نقابة الصحفيين بنص المادة 65 أنه “لا يجوز لأي فرد أن يعمل في الصحافة ما لم يكن اسمه مقيدًا في جداول النقابة”. وتشترط للقيد في النقابة أن یكون صحفیًا معینًا في صحيفة ورقية، ویمتلك أرشیفًا صحفیًا؛ وهذا بدوره يضع قيودًا على العاملين في المهنة من الصحفیین الذین یمارسون مهنة الصحافة لكن لم یتم تعیینھم بمؤسسات صحفیة وبعضھم یعمل صحفیًا لمدة تصل إلى عشر وخمسة عشر عامًا دون التعیین في أي مؤسسة، وبالتالي یكونون عرضة للوقوع تحت طائلة ھذا القانون.

من ناحية أخرى لكي یتم قید الصحفي بجدول المشتغلین بالصحافة؛ یجب أن یتجاوز مدة القید بجدول الصحفیین تحت التمرین، ولكي یتم قیده بجدول الصحفیین تحت التمرین یجب أن یتجاوز ثلاثة شھور على تحریر عقد العمل والتأمین بینه وبین الصحیفة، لكي یكون لدیه أرشیف یتم تقدیمه والنظر فیه لیتم قبول قیده في نقابة الصحفیین؛ أي أنه یعمل لمدة ثلاثة شھور دون أن یكون معترفًا به كصحفي لكي یتم تسجیله في النقابة، وذلك في حال تم عقد عمل بينه وبين الصحيفة، وهو ما لا يحدث في غالبية الوقت. وفي خلال ھذه الفترة –التي قد تطول أو تقصر- یتعرض الصحفي للتضییق والانتھاكات على خلفیة عمله كصحفي غیر مسجل بالنقابة ولیس له حقوق، وبالتالي سیكون عُرضة لتھمة “انتحال صفة صحفي”، أو ممارسة مهنة الصحافة دون القيد بجداول نقابة الصحفيين. ولم يعد ذلك ملائمًا في ظل سياسات حكومية لا تلتزم بتعیین الخریجین ولا توفر للصحفیین العاملین شروطًا ملائمة للانضمام إلى النقابة، كما أن بعض المؤسسات في الوقت الحالي تعتمد على الصحفي الحر “freelance” الذي يعمل في أكثر من جريدة دون عقد عمل أو تأمين. وهذا يقودنا أيضًا إلى الإشكالية التالية.

  • ممارسة المهنة أم الالتحاق بالنقابة: والسؤال هنا أيهما يأتي أولًا ممارسة المهنة، أم الالتحاق بالنقابة. وبالإجابة على السؤال تجد مفارقة كبيرة، حيث إن قانون نقابة الصحفيين “يشترط لقيد الصحفي في جدول النقابة والجداول الفرعية أن يكون صحفيًا محترفًا غير مالك لصحيفة” (مادة 5)، وأن يكون له أرشيف أعمال يتقدم به للجنة القيد (مادة 7)، وأن يكون الصحفي معينًا بإحدى المؤسسات الصحفية. وكل ذلك يستدعي ممارسة المهنة قبل الانضمام للنقابة. من ناحية أخرى تتخذ بعض السلطات التنفيذية إجراءات تعسفية إزاء الصحفيين غير المقيدين بالنقابة بدعوى أنهم منتحلين “لصفة صحفي” ويمارسون المهنة دون ترخيص.
  • صحفيون خارج الإطار: طبقًا لقانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، يخرج من دائرة الصحفيين النقابيين عدد كبير من الصحفيين العاملين في المجال، وعلى الرغم من عدم وجود بيان إحصائي محدد لعدد الصحفيين غير النقابيين إلا أن عدد من الصحفيين النشطاء في مجال الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام يشيرون إلى أن عدد الصحفيين غير النقابيين في مصر يتراوح بين 15 : 20 ألف صحفي، ويضم هؤلاء الصحفيون الفئات التالية:
  • الصحفیون الذین یمارسون المھنة لتكوین أرشیف یسمح بإدراجھم في جدول الصحفیین تحت التمرین.
  • الصحفیون الذین یمارسون المھنة بدون تعاقد مع المؤسسة الإعلامیة.
  • الصحفیون الإلكترونیون الذین یعملون في مواقع إخباریة إلكترونیة بدون إصدار ورقي.
  • الصحفیون الذین یعملون في صحف غیر معتمدة من المجلس الأعلى للصحافة.
  • ثانيًا: قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 انتهاك للدستور والمواثيق الدولية

لا شك أن قانون النقابة الحالي بما يتضمنه من مواد سبق الإشارة إليها، يُعد انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير ومخالفة واضحة للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”. ومخالفة للمادة 65 من الدستور المصري التي تنص على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.

كما يتناقض تعريف الصحفي في قانون الهيئة الوطنية للصحافة، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام مع تعريف الصحفي في الاتفاقیة الدولیة الخاصة بسلامة الصحفیین والعاملین الإعلامیین واستقلالیتھم، والتي تجعل مصطلح “الصحفي” منطبقًا على “المھنیین العاملین في وسائط الإعلام”، وعلى الأشخاص الذین یشاركون بشكل منتظم أو مھني في جمع المعلومات، وإعدادھا، ونشرھا للجمھور عن طریق أي وسیلة للاتصال الجماھیري، بما في ذلك مصورو الفیدیو والمصورون الفوتوغرافیون، وموظفو الداعم التقني، والسائقون، والمترجمون الفوریون، والمحررون، والمترجمون، والناشرون، والمذیعون، والعاملون في الطباعة، والموزعون.

  • ثالثًا: أن تكون صحفيًا في مصر: متاعب المهنة

يتعرض الصحفيون في مصر إلى شتى أنواع المتاعب والمخاطر بحكم عملهم، ومنذ ثورة يناير 2011 قُتل عشرة صحفيين، واعتُقل أكثر من ثمانين صحفيًا إلى  جانب آلاف الانتهاكات التي تراوحت من المنع من التغطية وسحب التراخيص، مرورًا بالضرب والسحل والإهانة، وصولًا إلى الاعتقال والتعذيب، ومُنع صحفيون من العمل، وآخرون من كتابة مقالاتهم.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت بعض الصحف بالفصل التعسفي للعاملين بها، ففي مارس 2015 تمّ الفصل التعسفي لأكثر من 350 صحفيًا من أماكن عملهم، منهم 200 صحفي فُصلوا من “الأهرام”، و130 من “اليوم السابع”، و22 من “التحرير”، فضلًا عن آخرين –لم تتوافر إحصاءات عددية دقيقة بشأنهم- فصلتهم صحف ومواقع إلكترونية أخرى[5].

في منتصف العام 2014، أصدر رئيس تحرير “اليوم السابع”؛ خالد صلاح، قرارًا بفصل عدد من الصحفيين، بسبب انتقادهم رئيس الجمهورية على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية الجدل الذي شهدته البلاد تزامنًا مع توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي انتقلت بموجبها تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية.[6] ويعد هذا وصمة في تاريخ الصحافة المصرية، وفي تاريخ رئيس تحرير الجريدة، خالد صلاح، الذي بفعله هذا حجر على حرية الآخرين وأرائهم وانتقص من حقوقهم الدستورية والأدبية.

وكما يتعرض الصحفيون النقابيون لمشاكل عدة أثناء تغطيتهم الأحداث أو الفصل التعسفي إذا كتبوا مقالات تنتقد النظام أو تخالف سياسة الجريدة،  فإن هذه المشاكل تتضاعف لدى الصحفيين غير النقابيين، ويضاف إليها صعوبات ومشاكل أخرى كثيرة أهمها تهمة “انتحال صفة صحفي”، هذه التهمة التي لم تكن بمنأى عن المشهد الراهن، بل ازدادت وتيرتها، وقد تدرك أهمية هذه القضية بصورة كبيرة حين تطالع بعض الأخبار والتقارير المنشورة في الفترة الأخيرة، فقد نشرت منظمة “مراسلون” ملفًا كاملًا عن المعوقات والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في مصر، جاء تحت عنوان “أن تكون صحفيًا في مصر”؛ وناقش الملف الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون في عملهم، والمشاكل التي يعانون منها، وقد جاءت المقالات الفرعية معبرة عن هذا؛ فجاء أحدهم تحت عنوان “كارنيه نقابة الصحفيين: الطريق إلى الجنة أسهل”، وجاء مقال آخر تحت عنوان “أن تكون صحفيًا في مصر: ليس أمرًا سهلًا على الإطلاق”[7]. من ناحية أخرى يوضح تقرير معنون” تهمة انتحال صحفي تطارد الصحفيين بمصر”، المشاكل المتعلقة بالصحفيين غير النقابيين، وعدم وجود غطاء قانوني يعملون تحته، مما يجعلهم عرضة للمساءلة والتحقيق في أي وقت[8]. وقد وثق “المرصد المصري للصحافة والإعلام” ما يقرب من عشرين حالة انتهاك “بتهمة انتحال صحفي” خلال العامين السابقين (2016، 2017) والعام الحالي 2018.

وتبقى الحصانة الوحيدة المضمونة للهروب من خطر هذه التهمة هي حصول الممارس لمهنة الصحافة على عضوية نقابة الصحفيين. إن محاولة الحصول على كارنيه النقابة تفرض على الصحفي إشكاليات عدة لعل أهمها:

  • أن يعمل الصحفي بین شقي الرحى؛ فإما العمل بالسخرة في الصحف حتى یتم منحه عقد العمل لتوفیق أوضاعه – والذي يكون في الغالب وفقًا لمزاج رئیس التحریر، وإما أن يطالب بحقوقه من الصحیفة، وفي هذه الحالة قد لا يسلم من الفصل التعسفي.
  • أما الصحافة الإلكترونية فحدث ولا حرج، فقد تعمل لمدة خمس سنوات في الصحافة الإلكترونية ولا تعترف بك نقابة الصحفيين، ويلخص أحد الصحفيين الإلكترونيين معاناته في المهنة ومعاناة آلاف الصحفيين الإلكترونيين بقولة “رغم مرور ثمانية أعوام لم أستطع الحصول على عضوية نقابة الصحفيين المصرية، حيث ترفض النقابة الاعتراف بالصحفيين الإلكترونيين”[9].
  • رابعًا: انتحال صفة صحفي تهمة لكل زمان: وقائع من أروقة المحاكم المصرية

باستعراض آلاف الانتهاكات التي طالت الصحفيين في العشر سنوات الأخيرة (2008 – 2018)، وجدنا أن تهمة “انتحال صحفي” هي تهمة حاضرة في كل الأنظمة المختلفة؛ فقد كانت التهمة حاضرة قبل الثورة إبان عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقدم بسببها عدد من الصحفيين للمحاكمة، مرورًا بفترة الحكم العسكري، والرئيس السابق محمد مرسي، ووصولًا إلى الوقت الحالي في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وإن كانت “تهمة انتحال صحفي” في الفترات السابقة هي حالات فردية في أغلب الأحيان، فإنها في الوقت الحالي أصبحت سلاحًا في وجه كل صحفي غير نقابي يعبر عن رأيه بحرية، ويتعدى الخطوط المرسومة من قبل السلطات التنفيذية. ومع تزايد عدد الصحفيين غير النقابيين في الفترة الأخيرة -نتيجة لوجود الصحفيين الإلكترونيين التي لا تعترف نقابة الصحفيين بالعاملين فيها من ناحية، ونتيجة لعمل بعض الصحفيين بالجرائد دون عقد عمل- الذين يتراوح أعدادهم من 10 إلى 15 ألف صحفي –طبقًا لتصريحات بعض المدافعين عن حرية الصحافة والإعلام-، نقول مع تزايد الصحفيين غير النقابيين أصبح هؤلاء الصحفيين معرضين للمحاكمة والاتهام بموجب المادة 65 من من القانون رقم 76 لسنة 1970 والتي تعتبر أن الصحفي هو فقط المسجل في جداول نقابة الصحفيين، وتمنع الصحف من تعيينهم بصورة دائمة أو مؤقته (مادة 103)، وتعاقب المادة 115 من يخالف أحكام المادتين 65، 103 بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تتجاوز 300 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ومن ثم يهدف هذا الجزء من الورقة إلى عرض تحليلي لوقائع انتحال صحفي التي وقعت في المحاكم المصرية، وسيحكم اختيارنا لهذه القضايا التقسيم الذي وضعناه أعلاه، حيث يتم اختيار قضية من كل فترة من الفترات سالفة الذكر، مع التركيز على الفترة الأخيرة التي تزايدت فيها هذه التهمة.

  • قبل الثورة؛ فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك: إن عدد القضايا التي كان الصحفيون يعاقبون بموجبها قبل ثورة يناير أكبر بكثير من الآن، وذلك بسبب وجود الصحافة الحزبية والمستقلة التي كانت تنتقد النظام. وثمة حالات عدة تم توجيه التهم فيها إلى صحفيين بانتحال صفة صحفي في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ولعل أهم هذه القضايا وأكثرها شهرة في تلك الفترة هي قضية “جريدة زهرة الفيوم”، ففي 9 يونيو من العام 2009 وجهت النيابة العامة الجنحة رقم 16 لسنة 2009 إلى رئيس الجريدة “عزت البحيري” تهمة إصدار صحيفة بدون ترخيص، وانتحال صفة صحفي والعمل بالصحافة دون تقييده في جدولها، ودون موافقة من الاتحاد العربي الاشتراكي. ولأول وهلة يلحظ القارئ التناقض بين الواقع والقانون، فأين يوجد الاتحاد الاشتراكي العربي الذي كان من المفترض على المتهم أن يحصل على موافقته!.

وفي أبريل من العام 2010، أصدرت محكمة أول درجة الحكم حضوريًا بحبس المتهم “عزت البحيري” ستة أشهر مع الشغل وكفالة ألف جنيه لإيقاف التنفيذ مؤقتًا وبتغريمه عشرة آلاف جنيه ومصادرة ما يصدر من الجريدة عن تهمة إصدار جريدة بدون ترخيص، وبتغريمه ثلاث مئة جنيه وألزمته بالمصاريف وخمسون جنيه مقابل أتعاب المحاماة” عن تهمة “انتحال صفة صحفي”. وفي مذكرة الدفاع قدم محامي المتهم يلتمس البراءة لموكله مما نسب إليه تأسيسًا على: عدم انطباق مواد الاتهام على المتهمين، حيث إن المتهمين يعملون بجريدة حزبية، انتفاء الركن المادي والمعنوي لجريمة انتحال صفة صحفي، توافر سبب من أسباب الإباحة، ومشروعية الفعل لاستحالة الجريمة، وأخيرًا، كيدية الاتهام وتلفيقه. وقدم عدة دلائل للمحكمة من ضمنها الاستشهاد بالمادة 47 من الدستور تنص على أن “حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون”. وفي نهاية شهر أكتوبر من العام 2010، حكمت محكمة الفيوم الابتدائية حضوريًا بقبول الاستئناف شكلًا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددًا ببراءة المتهم مما أسند إليه[10].

ويؤشر ذلك إلى أن هذه التهمة الموجهة لم تكن إلا آلية لتعطيل الصحفييين والتضييق عليهم من ناحية، وترهيبهم وتخويفهم بالسجن من ناحية أخرى، ويعبر عن ذلك الصحفي تامر أبو عرب قائلًا “لوحقت في خمس دعاوى قضائية بالفترة من 2008 وحتى 2010 خلال فترة عملي بجريدة الدستور، وعلى الرغم من أنه لم يتم سجني في أي منها، لكن كان يتم إنهاكي طوال الوقت بالجري في المحاكم”[11].

  • فترة حكم المجلس العسكري: مع سقوط نظام مبارك وتولي المجلس العسكري السلطة بشكل مؤقت، دخلت متاعب الصحفيين مرحلة جديدة، فقد كان انتقاد العسكريين كافيًا لملاحقة الصحفي واتهامه بالعمالة والخيانة والتهجم على الجيش، ثم تطور الأمر إلى استدعاء الصحفيين والتحقيق معهم في النيابات العسكرية.

ولم يكد ينقضي شهرين على الثورة حتى اتهمت النيابة العامة الصحفية أمل عماد صالح، بتهمة “انتحال صفة صحفي”، وذلك في القضية رقم 3492 لسنة 2011 جنح شرم الشيخ، والمقيدة برقم 28 لسنة 2011 كلي جنوب سيناء.

تعود تفاصيل القضية إلى نشر المتهمة مقالًا بجريدة اليوم السابع بتاريخ 17/4/2011 بعنوان “رئيس جمعية بيئية بشرم يزعم وجود سمكة قرش والسياحة وأصحاب الفنادق ينفون”. وعلى إثر ذلك اتهمت النيابة العامة “أمل عماد صالح” بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها إثارة الفزع بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، و”انتحال صفة صحفي” وممارسة مهنة الصحافة دون أن تكون مقيدة بجدول الصحفيين. وبناءً عليه أصدرت محكمة جنايات جنوب سيناء حكمها الغيابي في جلستها المنعقدة بتاريخ 10/10/2010 بمعاقبة أمل صالح، بالحبس لمدة سنة واحدة. وقد دفع محامي المتهمة بانتفاء الركن المادي والمعنوي لجريمة ممارسة مهنة الصحافة، حيث أكد بأن المذكورة كانت تعمل محررة صحفية ومقيدة بجدول المشتغلين بنقابة الصحفيين والتحقت للعمل بجريدة اليوم السابع، في نوفمبر 2010.

وفي جلستها بتاريخ 28 مارس 2016 حكمت محكمة جنايات جنوب سيناء، باعتبار الحكم الغيابي بجلسة 10/10/2011 ما زال قائمًا. وفي 26 ديسمبر 2016 تم الطعن على هذا الحكم بالمعارضة، وفي 26 فبراير 2017 تم الحكم بقبول المعارضة شكلًا وفي الموضوع بإلغاء الحكم واﻻكتفاء بتغريم المتهمة 20 ألف جنيه عن التهمة الأولى والثالثة. وقد تم الطعن على الحكم بالنقض وقيد برقم 9848 لسنة 87 قضائية وحدد لنظر الطعن بالنقض جلسة 2 فبراير 2019. [12].

  • فترة الرئيس السابق محمد مرسي: لم تكن تهمة “انتحال صحفي” موجودة خلال عام حكم الرئيس السابق محمد مرسي، ولكن ثمة تهم أخرى مشابهة مثلت تضييقًا على الصحفيين غير النقابيين؛ ففي الستة أشهر الأخيرة من عام 2012 تزايدت تهم إزدراء الدين الإسلامي بحق العديد من المدونين مثلما حدث، في سبتمبر 2012، مع المدوّن ألبير صابر، والصحفي إبراهيم عيسى، ورسامة الكاريكاتير بصحيفة المصري اليوم دعاء العدل.
  • فترة حكم الرئيسين عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي: تشهد مصر في هذه الفترة، حالة من التضييق على الصحفيين بصورة عامة والصحفيين غير النقابيين بصورة خاصة، فثمة ملاحقات متعددة لعدد من الصحفيين والمدونين في مصر؛ كما أصبحت تهمة “انتحال صفة صحفي” تهمة ممنهجة تقوم على أساسها السلطات في استغلال ثغرات بعض القوانين المنظمة للعمل الصحفي للتضييق على حرية الصحفيين إذا تجاوزوا الخطوط المحددة. وقد وثق “المرصد المصري للصحافة والإعلام” ما يقرب من 20 تهمة بانتحال صحفي خلال العامين السابقين (2016، 2017) والعام الحالي (2018). ولعل أهم وأغرب قضية في هذه الفترة هي قضية الصحفيَّين سعيد بريك وحماده جعفر، وتعود أهمية وغرابة هذه القضية إلى قيام نقيب الصحفيين، عبد المحسن سلامة، –الذي من المفترض أنه يدافع عن الصحفيين، ومن المفترض أن يعمل على تعديل تناقضات قانون النقابة- بتقديم بلاغ ضد الصحفيين في الدعوى التي سجلت برقم 10437 لسنة 9 قضائية.

تعود تفاصيل القضية إلى قيام نقيب الصحفيين، عبدالمحسن سلامة، بتقديم بلاغ للنائب العام يتهم فيه كلًا من سعيد بريك وحماده جعفر، بانتحال صفة صحفي، وممارسة المهنة دون قيدهم بجدول نقابة الصحفيين، الأمر الذي يخالف المادة 65 من القانون رقم 76 لسنة 1970. وعلى إثر هذا البلاغ، قامت نيابة الفيوم الكلية بتحريك البلاغ، ووجهت للمذكورين، تهم انتحال صفة صحفي، والعمل بالصحافة دون أن يكونا مقيدين في جدول النقابة، وأحيلت القضية لمحكمة جنح الفيوم الجزئية[13].

كانت أولى الجولات في أروقة المحاكم في الأول من يناير من العام 2018، انتهت بحصول نقابة الصحفيين، على حكم لصالحها بحبس الصحفيين 4 أشهر في القضية التي قيدت برقم (23223) لسنة 2017 جنح الفيوم، وصدر الحكم برئاسة المستشار محمد حلمي، رئيس المحكمة، بحبس الصحفيين “بريك وجعفر” 3 أشهر عن التهمة الأولى “مزاولة المهنة بدون ترخيص” ، وشهر عن التهمة الثانية “انتحال صفة صحفي”[14] وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم وقد قيدت القضية برقم (2896) لسنة 2018.

وتم الطعن عليها بمحكمة النقض برقم(10437) لسنة 9 قضائية، وفي جلستها بتاريخ 17 سبتمبر2018، قضت محكمة النقض بقبول الاستئناف شكلًا، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء ببراءة الصحفيين سعيد بريك وحماده جعفر من التهم المنسوبة إليهم[15].

ولقد جاء هذا الحكم انتصارًا لحرية الصحافة، وفتح باب حرية العمل الصحفي أمام الآلاف من الممارسين الفعليين للصحافة الذين يمارسون العمل المهني ولم تخدمهم الظروف للحصول على عضوية النقابة. فقد أجاز الحكم العمل الصحفي دون الحصول على كارنيه النقابة، حيث وضحت المحكمة وبناء على المادة 5/أ من القانون 76 لسنة 1970، أن اشتراط القيد في النقابة يسبقه شرطًا مفترض آخر، وهو أن يكون المتقدم للقيد بالنقابة صحفيًا محترفًا، أي أن يكون ممارسًا للعمل الصحفي قبل القيد[16].

وعلى الرغم من أهمية هذا الحكم في تدعيم موقف الصحفيين غير النقابيين، إلا أن السلطات التنفيذية ما زالت تستخدم هذا العوار القانوني في التضييق على حرية الصحفيين وتهديدهم.

  • استنتاجات وتوصيات

يمكن أن نخلص مما سبق إلى:

  • أن قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 يعج بالكثير من الإشكاليات والتناقضات التي لا توجد أي إطار قانوني لحماية الصحفيين غير النقابيين وتجعلهم معُرضين للاتهام في أي وقت، ولم يصبح هذا القانون ملائمًا للأوضاع السياسية والاجتماعية الحالية، كما لم يصبح مواكبًا للتطورات التكنولوجية الحادثة في المجتمع العالمي بصورة عامة والمجتمع الصحفي بصورة خاصة.
  • أنه على الرغم من أن تهمة انتحال صحفي كانت حاضرة في معظم الأنظمة المختلفة إلا أنها أصبحت في الوقت الحالي تهمة ممنهجة، تقوم على أساسها السلطات في استغلال ثغرات بعض القوانين المنظمة للعمل الصحفي للتضييق على حرية الصحفيين غير النقابيين إذا تجاوزوا الخطوط المحددة. وتزايد عدد الصحفيين المعرضين لهذه التهمة نتيجة لزيادة عدد الصحفيين الإلكترونيين -التي لا تعترف نقابة الصحفيين بالعاملين فيها- من ناحية، ونتيجة لعمل بعض الصحفيين بالجرائد دون عقد عمل من ناحية أخرى.
  • أن تهمة “انتحال صحفي” هي تهمة زائفة وغير دستورية، وهي آلية تقوم من خلالها السلطات التنفيذية بتضييق الخناق على العاملين بمهنة الصحافة. وليس أدل على ذلك من حكم محكمة النقض برقم (10437) لسنة 9 قضائية، في قضية مماثلة؛ هي قضية الصحفي سعيد بريك، والصحفي حماده جعفر، والتي قضت فيها ببراءة الصحفيين من التهم المنسوبة إليهم وأجاز الحكم العمل الصحفي دون الحصول على كارنيه النقابة، موضحًا في حيثياته أنه بناء على المادة 5/أ من القانون 76 لسنة 1970، أن اشتراط القيد في النقابة يسبقه شرطًا مفترض آخر، وهو أن يكون المتقدم للقيد بالنقابة صحفيًا محترفًا، أي أن يكون ممارسًا للعمل الصحفي قبل القيد.
  • أن قانون نقابة الصحفيين الحالي يُعد انتهاكا لحرية الرأي والتعبير ومخالفة واضحة للمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومخالفة للمادة 65 من الدستور المصري التي تنص على أن “حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”.
  • أن تعريف الصحفي في قانون الهيئة الوطنية للصحافة، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام يتناقض مع تعريف الصحفي في الاتفاقیة الدولیة الخاصة بسلامة الصحفیین والعاملین الإعلامیین واستقلالیتھم.

وبناءً عليه تقدم الورقة مجموعة من التوصيات اللازمة من أجل تدعيم حقوق الصحفيين وخلق مساحة أكبر أمام حرية الصحافة والعاملين في المجال الصحفي، وتتمثل أهم هذه التوصيات في:

  • ضرورة إلغاء قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970، وإصدار قانون جديد يواكب التطورات التكنولوجية الحادثة في المجتمع الصحفي بصورة خاصة.
  • ولابد أن يراعي القانون فئة الصحفيين الإلكترونيين، الذين تتكاثر أعدادهم يومًا تلو الآخر، وتنظيم عمل الصحافة الإلكترونية والاعتراف بها وخاصة عقب التصديق على قانون الجريمة الإلكترونية.
  • ولابد أن يضع القانون في اعتباره حماية حقوق الصحفيين تحت التمرين، ومن ثم إجبار المؤسسات الإعلامية على إرسال أسماء متدربيها إلى نقابة الصحفيين، الأمر الذي يجبر هذه المؤسسات على تعيين هؤلاء الصحفيين عقب انتهاء مدة التدريب؛ لضمان حق الصحفي وحمايته من الاستغلال.
  • ضرورة أن يتم تعديل تعريف الصحفي في قانون رقم 179 لسنة 2018، وقانون رقم 180 لسنة 2018، ليصبح تعريف الصحفي متماشيًا مع التعريف العالمي له، ونقترح أن يكون تعريف الصحفي هو تعريف الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الصحفيين وأمنهم واستقلالهم والذي ينص على أن مصطلح الصحفي ينطبق على “المھنیین العاملین في وسائط الإعلام”، وعلى الأشخاص الذین یشاركون بشكل منتظم أو مھني في جمع المعلومات، وإعدادھا، ونشرھا للجمھور عن طریق أي وسیلة للاتصال الجماھیري، بما في ذلك مصورو الفیدیو والمصورون الفوتوغرافیون، وموظفو الداعم التقني، والسائقون، والمترجمون الفوریون، والمحررون، والمترجمون، والناشرون، والمذیعون، والعاملون في الطباعة، والموزعون”للإطلاع على الملف بصيغة بي دي إف اضغط هنا
  • المراجع

[1] مراسلون بلا حدود. ” التصنيف العالمي لحرية الصحافة”، التقرير السنوي لعام 2018، متاح على الرابط التالي

https://rsf.org/ar/ltsnyf-llmy-lhry-lshf-2018-krhy-lshf-thdwd-ldymqrtyt    تمت الزيارة في 18 نوفمبر 2018.

[2]  نفس المرجع السابق.

انظر أيضًا: من أرشيف المرصد المصري للصحافة والإعلام.

[3] من أرشيف “المرصد المصري للصحافة والإعلام”.

[4]  “قانون الهيئة الوطنية للصحافة” رقم 179 لسنة 2018، متاح على الرابط التالي http://gate.ahram.org.eg/News/1968539.aspx تاريخ الزيارة 25-11-2018.

انظر أيضًا: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. “قانون تنظيم الصحافة والإعلام” رقم 180 لسنة 2018. متاح على الرابط التالي http://scm.gov.eg/  تاريخ الزيارة في 25-11-2018.

انظر أيضًا “قانون نقابة الصحفيين” رقم 76 لسنة 2018، متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2Q2xRuX تاريخ الزيارة في 25- 11- 2018.

[5]  هدير المهدوي. “تحت الحصار: أن تكون صحفيًا في مصر”، مدى مصر، 3 مايو 2018، متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2rdtXRm تاريخ الزيارة 28-11-2018.

 [6]  نفس المرجع السابق.

[7]  مراسلون. “أن تكون صحفيًا في مصر”. متاح على اللينك https://bit.ly/2rdtXRm  تاريخ الزيارة 28-11-2018.

 [8]الجزيرة. “انتحال صفة صحفي تهمة تلاحق الصحفيين بمصر”. متاح على الرابط التالي https://bit.ly/1KftP7n  تاريخ الزيارة  28-11-2018.

[9]  نفس المرجع السابق.

[10] يمكنك الاطلاع على مذكرة الدفاع الخاص بالقضية من على الرابط التالي، http://qadaya.net/?p=236 آخر اطلاع بتاريخ 14 نوفمبر 2018.

كما يمكنك الاطلاع على حيثيات حكم البراءة من خلال الرابط التالي، http://qadaya.net/?p=378 آخر اطلاع بتاريخ 14 نوفمبر 2018.

[11]  الجزيرة. “المتاعب والأخطاء تلاحق الصحفيين بمصر”، متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2E3gQuf  تاريخ الزيارة 26-11-2018.

[12]  من أرشيف “المرصد المصري للصحافة والإعلام”.

[13] بوابة فيتو، حبس اثنين من منتحلي صفة صحفي في اليوم 4 أشهر، 1 يناير 2018، آخر اطلاع بتاريخ 14 نوفمبر 2018، متاح على الرباط https://www.vetogate.com/3015155

[14] نفس المصدر السابق.

[15] بوابة الفجر، النقض تبرئ صحفيان من قضية انتحال صفة، 18 سبتمبر 2018، آخر اطلاع بتاريخ 14 نوفمبر 2018، متاح على الرابط

https://www.elfagr.com/3256439

[16] من أوراق حيثيات القضية، محفوظة وموثقة  لدى الوحدة القانونية بالمؤسسة.