لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام..تنظيم أم تحجيم (ورقة بحثية)
للإطلاع على الورقة بصيغة بي دي إف اضغط هنا
(ورقة قانونية)
ملخص
في غضون الأيام القليلة الماضية ضجت وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن لائحة الجزاءات التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونشرتها الجريدة الرسمية يوم الاثنين الموافق 18 مارس 2019، ولاقت اللائحة عددًا كبيرًا من الاعتراضات من جانب عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وكذلك بعض المؤسسات مثل نقابة الصحفيين والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
وفي سياق تنفيذ لائحة الجزاءات، وفي أول تطبيق لنصوصها، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قراره رقم 20 لسنة 2019 بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة المشهد لمدة ستة أشهر وإلزام الصحيفة الورقية بغرامة قدرها 50 ألف جنيه تسدد خلال أسبوعين. وقد أكد “الأعلى للإعلام” بهذا القرار عن نيته المبيتة وعزمه على الاستمرار في تطبيق لائحة الجزاءات ضاربًا عرض الحائط بجميع الانتقادات والاعتراضات التي عبر عنها عدد من الجهات المختلفة.
وفى هذا السياق تُصدر مؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام” هذه الورقة القانونية بهدف توضيح الخط الزمني لإصدار تلك اللائحة، وتوضح الورقة انفراد المجلس الأعلى للإعلام بالقرار والصياغة وإهمال آراء وتعليقات جميع الجهات المعنية بتلك اللائحة، كما توضح الورقة عددًا من الملاحظات بمواد اللائحة والتى ستؤثر بالسلب على حالة حرية الرأي والتعبير بشكل عام وحالة الحريات الإعلامية بشكل خاص، وتتضمن الورقة الإشارة إلى عدد من المواد التي يشوبها عدم الدستورية وتعارضها مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي قامت مصر بالتوقيع عليها.
وبناءً على النتائج التي توصلت إليها الورقة القانونية، فإن “المؤسسة” تدين بشدة لائحة الجزاءات والتدابير التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وتؤكد أن اللائحة جزء من الهجمة ضد الصحافة وحريتها، وتزيد من اختناق المهنة والعاملين فيها، كما تدعو “المؤسسة” نقابتي الصحفيين والإعلاميين واللجنة التشريعية بمجلس النواب بضرورة التصدي لتلك اللائحة المعيبة، والتي تنتهك نصوص الدستور، وتقيد بصورة كبيرة حريات الصحفيين والإعلاميين، وتجعلهم عرضة للمساءلة والتحقيق، وتدعو كل منظمات المجتمع المدني لا سيما المنظمات المدافعة عن حرية الفكر والتعبير وحرية الصحافة والإعلام إلى التصدي لهذه اللائحة المشينة وتقديم مشاريع بديلة.
الفهرس
- مقدمة.
- أولًا: تشكيل فوقي وقرارات فردية.
- ثانيًا: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: انتهاكات بالجملة.
- ثالثًا: لائحة مرفوضة في ثوب جديد.
- رابعًا: قراءة في عدد من مواد اللائحة.
- مفاهيم مطاطة ومصطلحات واسعة.
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. تغول على اختصاصات نقابتي الصحفيين والإعلاميين.
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. تغول على اختصاصات السلطات القضائية.
- مواد تخالف الدستور.
- مواد تخالف العهود والمواثيق الدولية.
- خاتمة وتوصيات.
- مقدمة
في غضون الأيام القليلة الماضية ضجت وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي بالحديث عن لائحة الجزاءات التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ونشرتها الجريدة الرسمية يوم الاثنين الموافق 18 مارس 2019[1]، ولاقت اللائحة عددًا كبيرًا من الاعتراضات من جانب عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وكذلك بعض المؤسسات مثل نقابة الصحفيين والمجلس القومي لحقوق الإنسان.
وفي نفس السياق، أعلن نقيب الصحفيين وعدد من أعضاء مجلس النقابة رفضهم للائحة التي انفرد بإصدارها “الأعلى للإعلام”، ووصف أعضاء مجلس النقابة اللائحة بعدم الدستورية وأن بعض موادها تتعارض مع مواد القانون، وأشار البيان الذي أصدره نقيب الصحفيين، ضياء رشوان، أن مجلس نقابة الصحفيين سيناقش مواد اللائحة في ضوء تقرير الملاحظات الذي سبق أن أقره مجلس النقابة المنتهية ولايته هذا العام في جلسة 8 يناير 2019، وشدد “رشوان” على أن النقابة سوف تكون رأيها النهائي في هذه اللائحة وفقًا لمواد الدستور[2]، وبشكل مباشر قال عضو نقابة الصحفيين، محمود كامل، أن المجلس الأعلى تجاهل مطالب مجلس النقابة والمقترحات المُقدمة من الصحفيين[3]، وبشكل أكثر حدة عبر كلًا من (محمد سعد عبد الحفيظ وعمرو بدر وهشام يونس) أعضاء مجلس النقابة عن رفضهم للائحة “المعيبة” التي أقرها الأعلى للإعلام[4]. كما أكد محجوب سعدة، سكرتير عام نقابة الإعلاميين، أن “الأعلى للإعلام” تجاهل ملاحظات نقابة الإعلاميين على لائحة الجزاءات التي أصدرها، وأكد “سعدة” على أن إصرار المجلس الأعلى على ظهور هذه اللائحة بهذا الشكل سيؤدي إلى وجود خلافات مستمرة بين المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين[5]. كما عبر المجلس القومي لحقوق الإنسان عن رفضه للائحة الجزاءات موضحًا أن بنودها تتضمن قيودًا على ممارسة حرية الرأي والتعبير والصحافة بكافة وسائلها سواء المسموعة أو المقروئة؛ الورقية أو الإلكترونية، أو المرئية. وأكد “القومي لحقوق الإنسان” أن هذه اللائحة لا تتوافق مع الحق في حرية الرأي والتعبير، ودعا “الأعلى للإعلام” لمراجعتها وتنقيتها بما يتوافق مع أحكام الدستور[6].
وفي أول رد فعل رسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على الاعتراضات والانتقادات التي وُجهت للائحة، أبدى رئيس المجلس الكاتب الصحفي، مكرم محمد أحمد، استيائه من الاعتراضات والانتقادات التي وُجهت للائحة قائلًا: “المعترضون على اللائحة مش لاقيين شغلانة”، كما أكد “مكرم” أن اللائحة قانونية 100% ولا يوجد بها أي تعارض مع نصوص مواد القانون والدستور[7].
في سياق تنفيذ لائحة الجزاءات، وفي أول تطبيق لنصوصها، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قراره رقم 20 لسنة 2019 بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة المشهد لمدة ستة أشهر وإلزام الصحيفة الورقية بغرامة قدرها 50 ألف جنيه تسدد خلال أسبوعين[8]. وقد أكد “الأعلى للإعلام” بهذا القرار عن نيته المبيتة وعزمه على الاستمرار في تطبيق لائحة الجزاءات ضاربًا عرض الحائط بجميع الانتقادات والاعتراضات التي عبر عنها عدد من الجهات المختلفة.
وبناءً على ما سبق، تُصدر مؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام” هذه الورقة القانونية التي تهدف إلى تقديم عرضًا نقديًا للائحة الجزاءات؛ وذلك من خلال العناصر التالية:
- أولًا: تشكيل فوقي وقرارات فردية.
- ثانيًا: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: انتهاكات بالجملة.
- ثالثًا: لائحة مرفوضة في ثوب جديد.
- رابعًا: قراءة في عدد من مواد اللائحة.
- مفاهيم مطاطة ومصطلحات واسعة.
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. تغول على اختصاصات نقابتي الصحفيين والإعلاميين.
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. تغول على اختصاصات السلطات القضائية.
- مواد تخالف الدستور.
- مواد تخالف العهود والمواثيق الدولية.
- خاتمة وتوصيات.
- أولًا: تشكيل فوقي وقرارات فردية
أُنشئ المجلس الأعلى لتنظيم للإعلام بقرار من رئيس الجمهورية طبقًا للقانون رقم 92 لسنة 2016 بشأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام يوم الثلاثاء الموافق 11 أبريل عن طريق إصدار ثلاثة قرارات حملت أرقام 158 و159 و160 لعام 2017 بتشكيل الهيئات الإعلامية الثلاث الممثلة في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وأُسندت رئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد[9].
وعلى الرغم من أن المجلس هو السلطة المختصة في مصر بحماية حرية الرأي والفكر والتعبير وضمان استقلال الإعلام طبقًا لنصوص الدستور والقانون، إلا أن المجلس قد تناسى دوره الأساسي، ومنذ تشكيله أصبح المجلس ممثلًا دور الإدارة السلطوية السياسية والأخلاقية على وسائل الإعلام، واتسمت جُل قرارته بالفردية؛ حيث أصدر المجلس جميع قراراته التي تنظم ما يبث وينشر على وسائل الإعلام دون إجراء أي نقاشات أو حوارات مجتمعية عليها، كما قام عن قصد بتهميش دور نقابتي الصحفيين والإعلاميين، وأصدر المجلس خلال عام 2017 عدد (14) قرارًا أهمها وضع كود أخلاقي عمري على المسلسلات والبرامج، وتحديد الفئة العمرية المسموح لها بالمشاهدة، كما أصدر قرارًا هامًا باعتبار مقدم البرامج هو المسؤول عن ضيوفه.
وفي عام 2018، لم يتوقف المجلس عن إصدار القرارات وتوقيع العقوبات التي تهدف إلى التضييق على مساحات حرية الرأي والتعبير، فلقد نصَّب المجلس نفسه ممثلًا لدور شرطة الأخلاق في المجتمع الإعلامي، حتى وصل الأمر من الوصاية الأخلاقية إلى تحديد شكل الملابس وهيئة مقدمي البرامج، وهو ما عبر عنه رئيس المجلس مكرم محمد أحمد مهددًا وسائل الإعلام قائلًا: “سنواجه خروج أي قناة عن المعايير الإعلامية بإجراءات حاسمة”، وذلك في بيان للمجلس بتاريخ 17 سبتمبر 2018[10].
وقد ترجم المجلس هذه الوصاية الأخلاقية والمهنية إلى نصوص مكتوبة وهو ما تم تعريفه بــ “المعايير الإعلامية وأكواد التغطية المتخصصة“؛ حيث طالب المجلس الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية، وكذلك القنوات الفضائية بتطبيق المعايير الأخلاقية والمهنية التي يراها المجلس عند تناول القضايا والأخبار.
- ثانيًا: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام: انتهاكات بالجملة
استطاعت وحدة الرصد والتوثيق بمؤسستنا “المرصد المصري للصحافة والإعلام” رصد وتوثيق عدد 58 انتهاكًا، قام بها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عام 2018، تفاوتت بين إيقاف البرامج، والغرامات المالية، وتحويل عدد من الإعلاميين والصحفيين إلى التحقيق بواسطة نقابتهم المختصة، وتوقيع عقوبات على العاملين في وسائل الإعلام.
واستمرارًا للمنهجية الفردية التي يسلكها المجلس الأعلى، بالمخالفة مع مواد الدستور التى تُلزم مشاركة نقابتي الصحفيين والإعلاميين كأطراف مشاركة في التشريعات المتعلقة بالصحافة والإعلام[11]. قام المجلس مؤخرًا بإصدار لائحة الجزاءات والتدابير التي سيتم توقيعها على الوسائل الإعلامية المشار إليها في قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018 بعد ما يقرب من خمسة شهور من حالة الجدل الواسعة والاعتراضات الكبيرة التي لاقتها مسودة اللائحة التي اعتمدها المجلس الأعلى في ديسمبر الماضي من عام 2018 ثم تراجع عن إصدارها[12].
- ثالثًا: لائحة مرفوضة في ثوب جديد.
لا تختلف لائحة الجزاءات الجديدة التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام، كثيرًا عن مشروع اللائحة القديمة التي لاقت الكثير من الانتقادات من جانب نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين، ودفعت العديد من الصحفيين والإعلاميين والشخصيات العامة لتبني حملة جمع توقيعات على مذكرة، اعتراضًا على مسودة اللائحة، ووصل عدد الموقعين عليها إلى ما يقارب 600 توقيعًا بينهم عدد من أعضاء مجلس النقابة، ووصف الموقعون على المذكرة اللائحة بأنها “الحلقة الأخيرة في المسلسل الذي يستهدف مصادرة حرية الرأي والتعبير وكل مساحة متاحة للكلام”. وطالب الموقعون نقابة الصحفيين والنقابات المعنية بـ “التحرك في مواجهة هذه اللائحة بكل الوسائل النقابية والمهنية والقانونية المتاحة”[13]. وفي نفس السياق أصدر حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، بيانًا عبر فيه عن رفض نقابة الإعلاميين لبعض مواد لائحة الجزاءات التي أعدتها لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لما فيها من تناقض وتعارض كبير مع اختصاصات النقابة ودورها، كما قامت نقابة الصحفيين بتقديم عدد من الملاحظات إلى المجلس الأعلى على عدد من المواد التي تضمنتها “اللائحة القديمة”[14].
وعند تناول اللائحة الجديدة التي أقرها “الأعلى للإعلام” نجد أن المجلس لم يتجاوب مع الانتقادات والاعتراضات التي أبداها الصحفيون والإعلاميون، كما ضرب عرض الحائط بالملاحظات التي قدمها مجلس نقابة الصحفيين، ولم تأتِ اللائحة الجديدة بجديد من حيث استخدام النصوص الفضفاضة والعبارات المطاطية لتحديد المخالفات، مما يفتح الباب أمام تفسيرات مختلفة على أهواء السلطات، ويفتح المجال أمام انتهاكات أوسع ضد الصحفيين. كما جاءت العقوبات غليظة وغير متناسبة مع الفعل تصل إلى حد حجب المواقع أو منع الصحفي أو الإعلامي من ممارسة المهنة، ومنع البث أو النشر لفترات محدودة ودائمة، وتتراوح الغرامات المادية من عشرة آلاف إلى ربع مليون جنيه للمخالفات، وشملت اللائحة مضاعفة الجزاء في حال تكرار المخالفة أو الامتناع عن تنفيذ الجزاء.
من ناحية أخرى، وامتدادًا للقانون رقم 180 لسنة 2018، ركز مشروع اللائحة التنفيذية كل السلطات والتحقيقات في يد المجلس الأعلى للإعلام الذي يُشكل معظم أعضائه بقرارات من السلطة التنفيذية، في إهمال تام لنقابتي الصحفيين والإعلاميين، اللتين لم يُستشارا في وضع اللائحة مما ينذر بتوغل للسلطة التنفيذية على حرية الصحافة والإعلام، ويجعل ولاء رئيس المجلس وأعضائه للسلطة التنفيذية.
- رابعًا: قراءة في عدد من مواد اللائحة.
أصدر المجلس الأعلى “لائحة الجزاءات والتدابير الإدارية والمالية” التي يجوز توقيعها على الجهات الخاضعة للقانون 180 لسنة 2018 بما فيها الحسابات الشخصية التي يتجاوز عدد متابعيها أكثر من 5000 شخص، وتتكون اللائحة من 29 مادة ترصد عدد من المخالفات والتجاوزات المهنية، والجزاءات والعقوبات بشأنها، وقد تنوعت هذه الجزاءات بين لفت النظر، والحجب، وإيقاف البث، والغرامة المالية التي وصلت إلى 250 ألف جنيه ضد الوسيلة الإعلامية سواء كانت “مقروءة أو مسموعة أو مرئية”، حال ارتكابها أي من المخالفات التي حددتها.
وأوضحت اللائحة في مادتها الأولى أحقية المجلس في معاقبة الوسائل الإعلامية بمجرد العلم سواء عن طريق وسائل الرصد التي يشكلها المجلس أو الشكاوى التي يقدمها المواطنين أو عن طريق الاستماع أو القراءة الذاتية لأي من أعضاء المجلس بالرغم من أن اللائحة تتضمن عددًا من المخالفات والجرائم الشخصية مثل السب والقذف والتي لا يجوز المعاقبة عليها إلا بناء على شكوى ذاتية من المتضرر.
وبشكل عام، وطبقًا لمواد الدستور المصري الصادر عام 2014، فإن مواد اللائحة الصادرة تتعارض بشكل صريح مع مبدأ الدولة الديمقراطية طبقًا لنص المادة الأولى من الدستور التي أسست للنظام الديمقراطي الذي يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، وتكفل الدولة الديمقراطية العديد من الحقوق والمبادئ المنصوص عليها في الدستور أهمها الحق في حرية الرأي والتعبير، والتعددية السياسية ومبدأ الاستقلالية والفصل بين السلطات.
واللائحة في شكلها النهائي غلب عليها منهجية تهدف إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير وخنق المجال الإعلامي وفتحت الباب نحو غلق المساحات الإعلامية أمام المعارضين والمخالفين لسياسات الحكومة المصرية وهو ما يهدد مبدأ التعددية السياسية، ويهدم حرية الصحافة والطباعة والنشر، كما يقيد الإبداع الفني والثقافي طبقًا للأحكام القضائية الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في شأن حرية الرأي والتعبير، فلقد أرست “الدستورية العليا” أن حرية الرأى تعتبر بمثابة الحرية الأصل التي يتفرع عنها الكثير من الحريات والحقوق العامة الفكرية والثقافية وغيرها، وتعد المدخل الحقيقي لممارستها ممارسة جدية، كحق النقد، وحرية الصحافة والطباعة والنشر، وحرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وحق الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء، وحق مخاطبة السلطات العامة[15].
وفيما يلي تعليق على عدد من النصوص الموجودة في لائحة الجزاءات:
- مفاهيم مطاطة ومصطلحات واسعة.
غلب على مواد اللائحة المفاهيم الفضفاضة والمصطلحات الواسعة والتي تخضع لأهواء المفسرين مثل “مقتضيات الأمن القومي، الأداب العامة، الدعوة إلى الفسق والفجور، تكدير السلم العام للمجتمع، الحض على العنف أو الكراهية أو التمييز، تهديد وحدة النسيج الوطني، الهوية الثقافية المصرية، استضافة أشخاص غير مؤهلين). وقد ألزمت المادة السادسة باللائحة المجلس الأعلى باتخاذ ما يراه مناسبًا من التدابير اللازمة لمواجهة “الإضرار بالأمن القومي”، ومن حق المجلس أن يقوم بحجب الموقع الإلكتروني أو إيقاف ترخيص مزاولة البث الفضائي للوسيلة الإعلامية لمواجهة هذه المخالفة وفق تقدير المجلس. وفي المادة (14) ورد عدد من العقوبات تراوحت بين لفت النظر وحتى منع البث/ النشر فيما يخص الانتهاكات المرتبطة بمخالفة النظام العام أو الآداب العامة، أو الدعوة إلى الفسق والفجور، وكذلك فيما يخص تكدير السلم العام للمجتمع، دون التحديد ما المقصود بتلك المصطلحات والمفاهيم، ووضعت السلطة في يد المجلس الأعلى الحق المطلق في تفسير تلك النصوص وتوقيع الجزاءات والعقوبات بناء على ذلك التفسير.
وفي نفس السياق جاءت المواد (17، 21) بمصطلحات فضفاضة مثل (الحض على العنف أو الكراهية أو تهديد وحدة النسيج الوطني، الهوية الثقافية المصرية). كما أقرت اللائحة مخالفة تستوجب توقيع جزاء لفت النظر وهي استضافة شخصيات غير مؤهلة، دون التحديد ما هي معايير التقييم التي يتم القياس عليها أحقية التأهيل من عدمه. وثمة سؤال يطرح نفسه؛ هل يعد استضافة الشخصيات العامة والشخصيات السياسية للتحدث في الشؤون العامة مخالفة أم لا؟ وطبقًا للائحة لا نجد إجابة محددة، فالتفسير عائد إلى سلطة المجلس التقديرية وهو ما يفتح الباب نحو التضييق على المعارضين سياسيًا والمخالفين لتوجهات المجلس الأعلى للإعلام.
وبالتالي فإن استخدام تلك العبارات والمصطلحات الفضفاضة يفتح الباب نحو الانتقاص من مبدأ حرية الرأي والتعبير وهو ما يهدد ممارسة الديمقراطية وتعدد الآراء واختلافها، كما أن استخدام تلك المصطلحات غير المحددة يمكن المجلس من استغلالها في فرض القيود على وسائل الإعلام وفرض صورة أخلاقية واجتماعية وسياسية واحدة هي الصورة التي يحددها “الأعلى للإعلام”.
وإضافة إلى ذلك، فإن استخدام هذا النمط من التعبيرات المرنة الفضفاضة كأداة لتمرير العقوبات يخالف أحد المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الدستورية العليا المصرية بشأن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، حيث قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية بأن: النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إنما يتحدد على ضوء ضمانتين تكفلان الأغراض التي توخاها: الضمانة الأولى؛ أن تصاغ النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شبكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي بعد ضمانة غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولًا عليها[16]. والضمانة الثانية؛ أن الأصل كون التجريم والعقاب بيد السلطة التشريعية، (النص في المادة 66 من الدستور) على أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، تفويض بالتشريع يتناول بعض جوانب التجريم والعقاب، توكيدًا لما جرى عليه العمل من قيام المشرع بإسناد الاختصاص إلى السلطة التنفيذية بإصدار قرارات لائحية تحدد أفعالًا تعد جرائم وعقابها لاعتبارات تقدرها السلطة التشريعية وفي الحدود التي يبينها القانون الصادر عنها[17].
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتغول على اختصاصات نقابتي الصحفيين والإعلاميين
توسعت اللائحة في تطبيق اختصاصات المجلس الأعلى للإعلام، حيث منحت اللائحة في مادتها السابعة وفي حالات الضرورة سلطة مطلقة لرئيس المجلس لإصدار أو إلغاء أي جزاء أو تدبير بحق الوسيلة الإعلامية دون عرضها على المجلس للموافقة. كما برز استخدم المشرع منهجية تهدف إلى مد أيادي الرقابة على جميع الوسائل الإعلامية بكافة الطرق الممكنة، وفي صياغته قام بتجاوز ونزع عدد من الاختصاصات والسلطات الخاصة بالنقابات المهنية والسلطة القضائية في تعد صريح لمبدأ الاستقلالية والفصل بين السلطات.
وقد ضمت اللائحة العديد من الاختصاصات إلى “الأعلى للإعلام” فمنحت المادة السابعة والثامنة من اللائحة سلطة التحقيق وتوقيع العقوبة والجزاء بحق الصحفيين والإعلاميين إلى المجلس دون وضع أي اعتبار للنقابات المهنية وأحقيتها في تأديب أعضائها، وبالتالي فقد حولت تلك المواد اختصاص المجلس من تقديم الشكاوى إلى النقابات المختصة إلى حق التأديب والعقاب فتعارضت نصوص اللائحة مع المواد (47، 75) من القانون رقم 76 لسنة 1970 بشأن إنشاء نقابة الصحفيين، حيث منحت تلك المواد السلطة لمجلس نقابة الصحفيين دون غيرها في محاسبة الأعضاء فيما يخص المخالفات المهنية التي يرتكبها الصحفيون، وهو الحق الذي أكدت عليه الجمعية العمومية للصحفيين في 15 مارس 2019 قبل أيام من إصدار لائحة “الأعلى للإعلام”[18]، فاستنادًا إلى القوانين المنظمة للصحافة والإعلام في مصر[19]، أضافت الجمعية العمومية بعض النصوص للائحتها التنفيذية، وفيما يخص هذا، أضافت الجمعية مادة تنص على أن “تختص نقابة الصحفيين وحدها بتأديب الصحفيين من أعضائها، وتطبق في هذا الشأن الأحكام الواردة في قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970″ و “يحيل نقيب الصحفيين بعد العرض على مجلس النقابة الصحفي الذي تنسب إليه مخالفة تأديبية إلى لجنة التحقيق، على أن تنتهي من إجراء التحقيق خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الإحالة إليها، فإذا رأت اللجنة أن التحقيق يستغرق مدة أطول استأذنت مجلس النقابة في ذلك”[20].
وفي نفس السياق، حددت المادة (77) من قانون نقابة الصحفيين، العقوبات التأديبية التي يحق لمجلس النقابة توقيعها على الأعضاء المنتسبين لها، ونظمت المواد (78، 80، 81، 82 ، 88) الإجراءات التأديبية بخصوص إجراء التحقيق وتوقيع الجزاء بحق الصحفيين.
وفي سياق آخر، تعارضت مواد اللائحة مع المادة (18) من القانون رقم 180 لسنة 2018، والتي نصت على مساءلة الصحفي أو الإعلامي تأديبيًّا أمام نقابته إذا أخل بواجباته المنصوص عليــــها في هذا القانون أو في ميثاق الشرف المهني، وفقًا للأحكام المنصوص عليها في قانون النقابة.
وجاءت مواد اللائحة مخالفة أيضًا للمادة (94) من نفس القانون والتي تنص على أنه “يضع المجلس الأعلى لائحة بالجزاءات والتدابير الإدارية والمالية التي يجوز توقيعها على المؤسسات الصحفية والمؤسسات الصحفية القومية والمؤسسات الإعلامية عامة حال مخالفة أحكام هذا القانون، وإجراءات التظلم منها…. ويتم إخطار النقابة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في المخالفات التي تقع من أحد أعضائها بمناسبة توقيع المجلس أحد الجزاءات على إحدى الجهات الخاضعة للمجلس الأعلى، وتلتزم النقابة المعنية باتخاذ الإجراءات التأديبية في مواجهة الشخص المسؤول عن المخالفة وفقًا لقانونها”.
- المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتغول على اختصاصات السلطات القضائية
تغولت سلطة المجلس الأعلى للإعلام على عدد من اختصاصات السلطة القضائية ففرضت عقوبات جنائية على أفعال محلها قانون العقوبات وحاكمها القضاء المصري وليس تلك اللائحة فجاءت المادة (16) من اللائحة بتوقيع غرامة مالية تصل إلى 250 ألف جنيه على المواقع الإلكترونية غير الشخصية أو الشخصية التي يزيد متابعيها عن 5000 متابع في حالة إذا ما ارتأى المجلس الأعلى للإعلام وجود مادة صحفية أو إعلامية على الوسيلة الإعلامية أو المواقع الإلكترونية تحمل سبًا أو قذفًا أو تشهيرًا أو طعنًا في الأعراض أو تحقيرًا من الأفراد، فهذه الجرائم لا يتم التحقيق والقضاء فيها إلا عن طريق النيابة العامة وبناء على شكوى أو طلب أو إذن من المجني عليه شخصيًا أو ممثله القانوني إذا كان شخصًا اعتباريًا، والسلطة القضائية وحدها هي المختصة ولها مطلق الحرية والسلطة التقديرية في تحديد العبارات والألفاظ التي تعد سبًا أو قذفًا من عدمه، فالمرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما يطمئن له القاضي من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى وليس المجلس الأعلى للإعلام كما جاء في لائحته[21]. فوفقًا لنص المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على: “لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه، أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد 185 و274 و277 و279 و292 و293 و303 و306 و307 و308 من قانون العقوبات، وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون”، وحيث إن جرائم السب والقذف والتشهير لها طابع خاص متعلق بالأفراد فلا يجوز معاقبة مرتكبيها سواء مهنيًا أو جنائيًا إلا بناءً على رغبة المجني عليه وبإصدار تلك اللائحة أصبحت سلطة المجلس أبوية واغتصاب لحق فردي، كما تجاوزت الجزاءات المالية العقوبات الواردة في قانون العقوبات وخاصة في جرائم السب والقذف (الغرامة المالية) فقررت اللائحة في المادة (16) منها عقوبات تصل إلى تغريم الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية أو المواقع الإلكترونية مبلغ وقدره 250 ألف جنيه مصري في حين أن القانون يعاقب على السب والقذف بغرامة أقصاها 40 ألف جنيه وفقًا لنصوص المواد 303، 306، 307 من قانون العقوبات.
بالإضافة إلى أنه لا يجوز معاقبة الشخص عن ذات الفعل مرتين حتى وإن كان الجزاء تأديبيًا فكان يجب إحالة تنفيذ أي عقوبة مالية إلى الجهة المختصة وهي الجهات القضائية حيث إنه سيترتب على ذلك توقيع عقوبة تلك الغرامة وفي حالة المساءلة الجنائية ستؤدي المؤسسة الصحفية أو الصحفي غرامة أخرى طبقًا لقانون العقوبات المصري.
مواد اللائحة التنفيذية.. مخالفة للدستور
لقد بدا واضحًا منذ إصدار الدستور المصري عام 2014، أهمية الملف الخاص بحرية الرأي والتعبير بشكل عام وملف الصحافة والإعلام بشكل خاص، فلقد بلغ عدد المواد التي تناولت هذه الملفات 15 مادة من 247 مادة إجمالي مواد الدستور، وبشكل مباشر اختصت المواد رقم (68. 70. 71. 72.) بملف الصحافة والإعلام، وألزمت تلك النصوص الدولة بكفالة حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقي والرقمي والمسموع والإلكتروني، كما نظمت إصدار الصحف عن طريق الإخطار وأيضًا نظمت إجراءات إنشاء وتملك القنوات الإذاعية والمرئية والصحف الإلكترونية، وحظرت فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، وفي المقابل نصت اللائحة في عدد من المواد مثل أرقام (6، 14، 15، 16، 17، 23، 27) على منح المجلس الأعلى سلطة توقيع عقوبات الحجب ومنع البث ومنع النشر ووقف البرامج بشكل مؤقت أو دائم وكذلك إيقاف الإعلاميين والصحفيين ومنع ظهورهم لأسباب عديدة.
كما تخالف مواد اللائحة -المشار إليها أعلاه- أحد المبادئ الدستورية التي أقرتها المحكمة الدستورية وهو “حق الصحافة في انتقاد العمل العام”، حيث وضحت المحكمة بأنه يجب أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته، حقًا مكفولًا لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الأراء وتداولها بما يحول -كأصل عام- دون إعاقتها، أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهي حرية يقتضيها النظام الديموقراطي، وليس مقصودًا بها مجرد أن يعبر الناقد عن ذاته ولكن غايتها النهائية للوصول إلى الحقيقة من خلال ضمان تدفق المعلومات من مصادرها المتنوعة، وعبر الحدود المختلفة، وعرضها في آفاق مفتوحة، تتوافق فيها الأراء في بعض جوانبها، أو تتصادم في جوهرها، ليظهر ضوء الحقيقة جليًا من خلال مقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققًا لمصلحة مبتغاة[22].
- مواد اللائحة التنفيذية..مخالفة للمعاهدات والمواثيق الدولية
صدقت مصر على عدد من المعاهدات والمواثيق الدولية، والتي تسري في مصر بقوة القانون طبقًا لنص المادة (93) من الدستور المصري، وقد أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود، وجاءت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتوضيح مفهوم الإعلان العالمي عن حرية التعبير، حيث أعطت المادة الحق لكل إنسان في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
كذلك يؤكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق الإعلام في الوصول إلى مصادر المعلومات حيث نص على أن “يُكفل للإعلام الحصول على المعلومات التي تمكنه من القيام بمهمته” باعتبارها ركنًا أساسيًا في أي مجتمع ديمقراطي، ويكفل أيضًا حرية الصحافة ووسائل الإعلام في “التعليق على الشؤون العامة بدون رقابة أو قيود وأن تكون وسائل الإعلام مصدرًا للمعرفة للرأي العام”، وبالتالي للرأي العام الحق في الحصول على معلومات عن طريق الإعلام. وطبقًا للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يُفترض في حرية التعبير وجود صحافة حرة ومستقلة وغير خاضعة للرقابة.
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (163/68) أن وسائل الإعلام الحرة إحدى الركائز الأساسية في بناء مجتمع ديمقراطي وعادل، كما نصت المحكمة الدولية على أن “الصحافة الحرة غير المراقبة وغير المقيدة” هي شرط ضروري وأساسي لضمان الحريات، وقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الإعلام يلعب دورًا حيويًا ويقع على عاتقه مسؤولية نقل المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام، وأن مفهوم المجتمع الديمقراطي يتم تحقيقه من خلال تعزيز الجدال السياسي الحر، والذي تلعب فيه الصحافة دور إمداد الرأي العام بأفضل الطرق لتشكيل وجهات النظر بشأن الأفكار والمواقف السياسية.
وعند تناول مواد اللائحة نجد أنها خالفت المواثيق والمعاهدات الدولية في موادها (8، 14، 16، 17، 21، 23، 27) وجاءت بنصوص مقيدة للحق في حرية الرأي التعبير والحريات الإعلامية والحق في تداول المعلومات على نحو ينتقص منها وهو ما يهدد ممارسة الديمقراطية في المجتمع ويقوض أركانها، ويهدد مبدأ التداول السلمي للسلطة وتعدد الأراء.
- خاتمة وتوصيات
في ظل هذه الصورة العامة التي توحي بمدى انحدار حالة حرية الرأي التعبير في مصر والتي وصلت إلى معدلات تدق ناقوس الخطر غير المسبوق الذي ربما يقضي على ما تبقى من مهنة الصحافة والإعلام، ووسط هذا الوضع المربك الذي يزداد سوءً، يخرج المجلس الأعلى للإعلام بلائحة جزاءات يشوبها العديد من المشكلات الدستورية، وطغى عليها تعمد المجلس التضييق على وسائل الإعلام وفرض الرقابة عليها، وهو ما قد يتسبب في العديد من المشكلات إلى وسائل الإعلام والعاملين بها وقد تؤدي إلى إغلاق المؤسسات الإعلامية والصحفية أو تسريح عدد من العاملين بها بسبب الغرامات المالية الكبيرة، والتي ستؤدي أيضًا إلى خلق نمط إعلام موحد يحدده المجلس دون وضع اعتبار للأراء المخالفة لسياسته التحريرية والأخلاقية، بالتوازي مع تهميش أدوار نقابتي الصحفيين والإعلاميين فيما يخص مراقبة وسائل الإعلام وتأديب أعضائها، ليُنصب المجلس نفسه “رقيبا أعلى” و “أخ أكبر” يراقب ما يبث وينشر على وسائل الإعلام، ويتخذ الإجراءات ويطبق العقوبات والجزاءات بحق الوسائل الإعلامية والعاملين بها دون سلطان.
ومما سبق سرده في نص الورقة البحثية، وبناءً عليه، فإن مؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام” إذ تؤكد على التزامها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية الخاصة بسلامة الصحفيين، وعلى التزامها بالدستور المصري والحريات التي كفلها للمواطنين فإنها:
- تدين بشدة لائحة الجزاءات والتدابير التي أصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
- تشجب انتهاك اللائحة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانتهاكها لنصوص الدستور المصري الذي كفل حرية الصحافة والإعلام كجزء أصيل من حرية الرأي والتعبير.
- تعارض بشدة استخدام النصوص القانونية الفضفاضة التي تفتح المجال نحو الاستخدام السيئ من قِبل السلطات المختلفة، وتحد من الحريات الأساسية وتفرغها من مضامينها التي كفلها الدستور.
- تؤكد أن اللائحة جزء من الهجمة ضد الصحافة وحريتها، وتزيد من اختناق المهنة والعاملين فيها.
- تشجب تركيز كل السلطات في يد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وانفراده بإصدار اللائحة دون مناقشة مع نقابتي الصحفيين والإعلاميين باعتبارهما الممثل الرسمي للصحفيين والإعلاميين في المجتمع.
- تدعو نقابتي الصحفيين والإعلاميين واللجنة التشريعية بمجلس النواب بضرورة التصدي لتلك اللائحة المعيبة، والتي تنتهك نصوص الدستور، وتقيد بصورة كبيرة حريات الصحفيين والإعلاميين، وتجعلهم عرضة للمساءلة والتحقيق.
- تدعو كل منظمات المجتمع المدني لا سيما المنظمات المدافعة عن حرية الفكر والتعبير وحرية الصحافة والإعلام إلى التصدي لهذه اللائحة المشينة وتقديم مشاريع بديلة.
المراجع
[1] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الجريدة الرسمية تنشر لائحة جزاءات الأعلى للإعلام، 19 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2FwgrA1
[2] الصفحة الرسمية لنقيب الصحفيين ضياء رشوان على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، 19 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2YiKa76
[3] موقع أخبار الخليج 365، “الصحفيين تفتح النار على جزاءات “الأعلى للإعلام”، 20 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2WmGZJx
[4] المصدر السابق ذاته.
[5] موقع البوابة نيوز، سعدة: الأعلى للإعلام تجاهل ملاحظة نقابة الإعلاميين على لائحة الجزاءات، 19 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://www.albawabhnews.com/3527482
[6] المواطن، “القومي لحقوق الإنسان” يرد على لائحة جزاءات الأعلى للإعلام، 20 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2Fz0DNb
[7] الدستور، مكرم محمد أحمد: المعترضون على لائحة الجزاءات “مش لاقيين شغلانة”، 19 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://www.dostor.org/2558090
[8] المشهد، في أول تطبيق للائحة الجزاءات: حجب المشهد 6 أشهر وتغريم الصحيفة 50 ألف جنيه بتهم مجهلة، 21 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2HOtkXT
[9] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، القرار الجمهوري بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، 11 أبريل 2017، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2SnbTiE
[10] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، القضاء ينتصر لقرار المجلس الأعلى، 17 سبتمبر 2018، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2OpCfjU
[11] الدستور المصري الصادر عام 2014، الباب الثالث، المادة 77.
[12] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، هيئة المكتب الأعلى للإعلام توافق على مشروع لائحة الجزاءات، 30 ديسمبر 2018، آخر زيارة بتاريخ 24 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2CCO1T5
[13] مدى مصر، بعد مذكرة من 600 شخص ضد اللائحة المسربة..رئيس الأعلى للإعلام: نصدر لائحة الجزاءات خلال أسبوعين، 28 ديسمبر 2018، آخر زيارة بتاريخ 25 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2CBRzVH
[14] اليوم السابع، بيان لحمدي الكنيسي ينتقد لائحة جزاءات “الأعلى للإعلام، 22 نوفمبر 2018، آخر زيارة بتاريخ 25 مارس 2019، متاح على الرابط https://bit.ly/2U5T5JU
[15] القضية رقم 44 – لسنة 7 – تاريخ الجلسة 7 مايو سنة 1988 – مكتب فني 4 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 98 – [الحكم بعدم الدستورية].
[16] القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية ، جلسة 22 فبراير سنة 1977، تم النشر بالجريدة الرسمية يوم 6 مارس سنة 1997، العدد رقم (10). والقضية رقم 84 لسنة 17 قضائية دستورية، جلسة 15 مارس سنة 1997، تم النشر بالجريدة الرسمية يوم 27 مارس سنة 1997 العدد رقم (13).
[17] القضية رقم 43 لسنة 7 قضائية دستورية، جلسة 7 مارس سنة 1992، تم النشر بالجريدة الرسمية يوم 2 أبريل سنة 1992 العدد رقم (14).
[18] الموقع الرسمي لنقابة الصحفيين، القرارات والتوصيات التي صدرت عن الجمعية العمومية العادية لنقابة الصحفيين، القرار رقم (5)، 16 مارس 2019، آخر زيارة بتاريخ 25 مارس 2019.
[19] المصدر السابق ذاته.
[20] المصدر السابق ذاته.
[21] الطعن رقم 47617 لسنة 59 ق، جلسة 10 مايو سنة 1998، س 49، ص 684.
[22] القضية رقم 42 – لسنة 16 – تاريخ الجلسة 20 مايو سنة 1995 – مكتب فني 6 رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 740 – [الحكم بعدم الدستورية].