ورقة بحثية بعنوان: ممنوع دخول الصحفيين .. المنع من التغطية الصحفية والإعلامية في مصر
- ملخص
تحظى التغطيـة الصحفية/الإعلامية بطابع مميـز ومختلـف، فـأي تضييق علـى عمـل الصحفي/الإعلامي أثنـاء ممارسـة مهامـه هـو انتهـاك مـزدوج، يؤثـر علـى معاييـر الحريـة الإعلاميـة بشـكل مباشـر، ويؤثـر علـى حـق المواطنيـن فـي الوصـول إلـى الحقيقـة بشـكل غير مباشـر، وينتهـك الحق فـي الحصول علـى المعلومـات وتداولهـا، وكذلك يمثـل خطـرًا يقـوض أركان الديمقراطيـة فـي الـدول عـن طريــق التضليــل الإعلامي المتعمــد وإخفــاء مــا تتعــرض لــه هــذه المجتمعــات مــن انتهـاكات وفساد.
تغطي هذه الورقة البحثية نوعًا من الانتهاكات الأكثر شيوعًا ضد الصحفيين والإعلاميين، وهو “المنع من التغطية”؛ فقد شهد عام 2018 عدد (218) حالة انتهاك في المجمل؛ جاءت حالات “المنع من التغطية” في المرتبة الأولى بنسبة حوالي 30% من إجمالي الانتهاكات، وهو ما ينم عن استراتيجية تهدف إلى الإخفاء المتعمد للمعلومات والبيانات عــن طريــق منــع العامليــن فــي وســائل الإعلام من التغطية الصحفية والإعلامية.
وتبدأ الورقة في قسمها الأول بتوضيح الإطار القانونـي المبنـي عليـه تصنيــف “المنــع مــن التغطيـة” كنــوع مــن الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين والإعلاميين. ويتناول القسم الثاني عرضًا تحليليًا لعـدد مـن وقائـع الانتهاكات الخاصـة بــ”المنـع مـن التغطيـة” التـي وقعت خلال عام 2018.
وتوصلت الورقة إلى عدد من النتائج أهمها؛ قيام جهات عــدة بانتهــاك حــق الصحفييــن والإعلاميين فــي ممارسـة عملهـم فـي مناسـبات مختلفـة، وقـد شـاب الانتهاكات حالات مـن التمييـز، ففـي عـدد مـن الحـالات قامـت الجهـات المعتديـة بمنـح عـدد مـن الصحفيين والعاملين بوسـائل الإعلام الإذن بالدخول للتغطيـة، ومنعـت علـى الجانب الآخر عـددًا منهـم بـدون سـبب واضـح، وقـد لوحظ التمييز الواضح ضـد العامليـن فـي الصحـف المصريـة الخاصـة فـي مقابـل العامليـن بالصحـف القوميـة، وكذلك لوحـظ استهداف الجهـات المعتديـة للعامليـن فـي الشـبكات والمواقـع الإخبارية الإلكترونية بالتزامـن مـع اسـتمرار أزمـة القيــد فــي نقابــة الصحفييــن والتــي تلاحق الصحفيين الإلكترونيين فــي عــدد مــن المناسـبات فـي ظـل عـدم اعتـراف القانـون بكونهم صحفيين رسـميين.
وقدمت الورقة مجموعة من التوصيات أهمها؛ إلغـاء النصـوص القانونيـة التـي تؤثـر بشـكل سـلبي علـى مهنية الصحافة والإعلام، وتحـد من إمكانيات وأدوات العاملين بوسائل الإعلام، وسرعة إصـدار قانـون حريـة تـداول المعلومـات، على أن يبين فيـه ضوابـط الحصول علـى البيانـات والمعلومات والإحصاءات.
الفهرس
- مقدمة
- أولًا: المنهجية
- ثانيًا: التأصيل القانوني لانتهاك “المنع من التغطية”
- الحرية الإعلامية في المواثيق والتشريعات الدولية
- الحق في المعرفة وحق الوصول إلى المعلومات في المواثيق والتشريعات الدولية
- التشريعات الدولية بين منح الحق وتقييده
- التشريعات المصرية بين منح الحق ومنعه
- ثالثًا: قراءة في وقائع انتهاك “المنع من التغطية”
- رابعًا: الخاتمة والتوصيات
- مقدمة:
تعد وسائل الإعلام إحدى المسارات الأساسية التي يتم من خلالها نقل الأحداث إلى الجمهور، والتي يستقي منها المعلومات في شتى المجالات المختلفة، فهي من أهم الطرق لتشكيل الوعي الجماهيري في كافة المواضيع اليومية. وقد اكتسبت التغطية الإعلامية أهمية بالغة لدورها في الوصول إلى الحقائق وإيصالها للمتابعين، مما يؤهلها للعب دور أساسي في تكوين الأفكار وصناعة التحليلات والرؤى لدى المواطنين، ومن خلال تلك التحليلات يستطيع الجمهور تكوين وجهات نظر ومواقف تجاه القضايا المختلفة.
وتُعرف التغطية الإعلامية بأنها عملية تتضمن مجموعة من الخطوات التي يقوم من خلالها الصحفي/الإعلامي بالبحث عن بيانات ومعلومات عن التفاصيل والتطورات والجوانب المختلفة لحدث أو واقعة أو تصريح ما. ومن ثمَّ تنقسم التغطية الإعلامية إلى مسارين، أولهما أنها الداعم الأساسي للمتطلبات المهنية في العمل الصحفي والإعلامي، والمسار الثاني يتمثل فى أن التغطية الإعلامية إحدى الروافد التي يتم من خلالها تمكين الجمهور في الحصول على تفاصيل الأحداث والقضايا الاجتماعية التي تتداخل مع اهتماماته وشؤونه الخاصة والعامة.
وفي المقابل يواجه العاملون بوسائل الإعلام تعنت شديد أثناء القيام بأعمالهم، وليس من الغريب أن تسمع جملة “ممنوع دخول الصحفيين” في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها حالة الحريات الإعلامية في مصر في إطار تضييق تشريعي وأمني، ومن الغريب ألا تقتصر تلك الجملة على الفعاليات السياسية، فلقد أصبح المنع من التغطية سمةً في جميع أنواع الفعاليات السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية.
ومن المفارقات في هذا الشأن، أن الحكومة المصرية أطلقت في نهاية شهر مايو عام 2017 حملة “حق المواطن في المعرفة“، بهدف توعية المواطن لانتقاء المصادر التي يستقي منها المعلومات، وبينما تدشن الحكومة هذه الحملة، فإنها تقوم في الوقت نفسه بانتهاك هذا الحق بالاعتداء على العاملين في الصحف ووسائل الإعلام تحت مظلة تشريعية تكفلها القوانين المصرية بالمخالفة لمواد الدستور المصري والتشريعات والقوانين الدولية.
في الثامن من يناير بداية عام 2018، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على عدم نقل وقائع جلسات المحاكم إلا بإذن مكتوب من رئيس الدائرة[1]، وجاء هذا القرار امتدادًا للقرار الصادر من مجلس الشعب في الحادي عشر من يناير بدايات عام 2016، عندما وافق المجلس في جلسته على قطع البث المباشر عن الجلسات البرلمانية، وذلك بناءً على حملة جمع توقيعات داخل البرلمان لوقف البث المباشر للجلسات[2]، ليصبح المجلس مساحة محرمة على الصحفيين ووسائل الإعلام.
وبالتوازي تم منع الصحفيين من ممارسة عملهم في نقل وقائع عدد من الجلسات في مرات مختلفة من قِبل جهات معتدية عدة، وذلك بالمخالفة للمادة 120 من الدستور المصري التي أصلت لعلانية جلسات مجلس الشعب. ولم تتوقف نوعية ومساحات الانتهاكات عند هذا الحد، فمن القبة البرلمانية إلى قاعات المحاكم، امتدت إلى الملاعب الرياضية، والمستشفيات، والنقابات، وكذلك مطار القاهرة وأيضًا المناسبات الاجتماعية والفنية، في ظل غياب الآليات التي تضمن للصحفيين حقوقهم، وانتشارًا لسياسة الإفلات من العقاب، التي تمكن المعتدين من الإفلات بجرائمهم، مما يدفعهم لتكرار تلك الانتهاكات دون خوف أو ارتعاب. وهو ما سيتم تفصيله لاحقًا في هذه الورقة البحثية.
في القسم الأول من هذه الورقة، سنقوم بوضع الإطار القانوني المبني عليه تصنيف “المنع من التغطية” كنوع من الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين، ولقد واجه الباحث عددًا من الصعوبات أهمها عدم إدراج “المنع من التغطية” كمفهوم صريح في النصوص والتشريعات، في المقابل قام الباحث بالاعتماد على منهجية تعتمد على العرض والتحليل الكيفي للتشريعات بناء على التفسيرات القانونية لخبراء قانونيين وفقهاء دستوريين.
وفي القسم الثاني من هذه الورقة البحثية سنقوم بالعرض والتحليل وتسليط الضوء على عدد من وقائع الانتهاكات الخاصة بــ”المنع من التغطية” التي وقعت خلال هذا العام، واستخلاص عدد من التوصيات والمقترحات التي تساهم وتساعد في توفير ضمانات حقيقية للصحفيين تمكنهم من أداء عملهم في استقلالية وحيادية تامة في بيئة سليمة وآمنة.
- أولًا: منهجية الدراسة:
تغطي هذه الورقة البحثية نوعًا من أنواع الانتهاكات الأكثر شيوعًا ضد الصحفيين والإعلاميين، وهو انتهاك “المنع من التغطية”، وتعتمد هذه الورقة في القسم التشريعي على منهج العرض والتحليل النقدي للتشريعات المصرية والمنهج المقارن في مقارنتها بالدستور المصري، والتشريعات الدولية، وقد تم تحديد مساحة البحث فيما يخص القوانين المباشرة للمنع من التغطية والقوانين المتماسة مع “المنع من التغطية” موضوع الدراسة.
تعتمد هذه الورقة منهجية التحليل الكيفي للحالة السياسية والقانونية وتأثيرها على الأداء المهني للصحفيين والإعلاميين، وتأثيرها أيضًا على المؤسسات الإعلامية، وذلك للوصول إلى جانب من الظروف الحالية التي تؤثر في حرية الإعلام في مصر، واستخلاص توصيات للإصلاح تحد من التضييق على الصحفيين والإعلاميين أثناء تأدية عملهم الصحفي.
وتعتمد الورقة البحثية على منهجية التحليل الرصدي لطبيعة الانتهاكات التي استطاعت وحدة الرصد والتوثيق، بمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام” تسجيلها وتوثيقها والتحقق منها طبقًا للمنهجية التي تعتمدها المؤسسة، وتلتزم الورقة بالحدود الزمنية بداية من شهر يناير 2018، حتى نهاية شهر ديسمبر للعام نفسه.
- ثانيًا: التأصيل القانوني لانتهاك “المنع من التغطية”:
تحظى التغطية الصحفية/الإعلامية بطابع مميز ومختلف، فأي تضييق على عمل الصحفي/الإعلامي أثناء ممارسة مهامه ومنها “المنع من التغطية” هو انتهاك مزدوج، يؤثر على معايير الحرية الإعلامية بشكل مباشر، ويؤثر على حق المواطنين في الوصول إلى الحقيقة بشكل غير مباشر، وينتهك الحق في الحصول على المعلومات وتداولها. ويمثل خطرًا يقوض أركان الديمقراطية في الدول عن طريق التضليل الإعلامي المتعمد وإخفاء ما تتعرض له هذه المجتمعات من انتهاكات وفساد مالي وإداري.
لذا سنقوم في هذا القسم من الدراسة، بتوضيح التشريعات المصرية والدولية لتصنيف “المنع من التغطية” كنوع من أنواع الانتهاكات الذي يُمارس ضد حقوق الصحفيين بشكل مباشر وضد حقوق الجمهور بشكل غير مباشر.
- الحرية الإعلامية في المواثيق والتشريعات الدولية
تُعد التغطية الصحفية/الإعلامية مقوم أساسي من مقومات العمل الصحفي والإعلامي، وغياب التغطية الإعلامية يعني غياب لإحدى أدوات الصحفي والإعلامي التي يعتمد عليها بشكل أساسي، وهو ما يسبب معوقات وصعوبات على المستوى المهني، لذا فإن أي منع من التغطية هو انتهاك للحريات الصحفية والإعلامية التي تعد جزءً أساسيًا من الحق في حرية الرأي والتعبير. وقد أكدت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود[3]، وجاءت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتوضيح مفهوم الإعلان العالمي عن حرية التعبير، حيث أعطت المادة الحق لكل إنسان في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها[4].
كذلك ينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق الإعلام في الوصول إلى مصادر المعلومات حيث نص على أن “يُكفل للإعلام الحصول على المعلومات التي تمكنه من القيام بمهمته” باعتبارها ركن أساسي في أي مجتمع ديمقراطى، ويكفل أيضًا حرية الصحافة ووسائل الإعلام في “التعليق على الشؤون العامة بدون رقابة أو قيود وأن تكون وسائل الإعلام مصدرًا للمعرفة للرأي العام”، وبالتالي للرأي العام الحق في الحصول على معلومات عن طريق الإعلام. وطبقًا للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يُفترض في حرية التعبير وجود صحافة حرة ومستقلة وغير خاضعة للرقابة.
وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (163/68)، أن وسائل الإعلام الحرة إحدى الركائز الأساسية في بناء مجتمع ديمقراطي وعادل، كما نصت المحكمة الدولية على أن “الصحافة الحرة غير المراقبة وغير المقيدة ” هي شرط ضروري وأساسي لضمان الحريات”، وقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الإعلام يلعب دورًا حيويًا ويقع على عاتقه مسؤولية نقل المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام، وأن مفهوم المجتمع الديمقراطي يتم تحقيقه من خلال تعزيز الجدال السياسي الحر، والذي تلعب فيه الصحافة دور إمداد الرأي العام بأفضل الطرق لتشكيل وجهات النظر بشأن الأفكار والمواقف السياسية”.
- الحق في المعرفة وحق الوصول إلى المعلومات في المواثيق والتشريعات الدولية
يعتبر الحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات وتداولها أحد الحقوق الأساسية للإنسان والتي ترتبط بحرية الصحافة والإعلام بشكل مباشر، فكلما زادت إمكانية الوصول إلى المعلومات ومدى إتاحتها، زادت فرصة الصحافة والإعلام لتقديم رسالتها وأهدافها الرئيسية، ولذا فإن ضمان تلك الحقوق يعد إحدى الدعائم الأساسية التي يجب أن يتحلى بها أي مجتمع ديمقراطي.
وقد أكدت اللجنة العامة للأمم المتحدة عام 2011، بأن الحق في الوصول إلى المعلومات جزء لا يتجزأ من الحق في حرية التعبير، كما أكدت المواثيق الدولية على حق جميع المواطنين لطلب المعلومات مباشرة من جميع الهيئات العامة. ويعتبر حق الوصول إلى المعلومات أحد السبل لجعل الحكومة أكثر شفافية وقبولًا للمساءلة أمام الشعب.
ولقد تم التأكيد على الحق في المعرفة والحق في تداول المعلومات في المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[5]، ثم أُعيد تأكيد هذا الحق في المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[6] عام 1966. كما أكدت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 في قرارها رقم (59)، الذي نص على ” أن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تُقاس به جميع الحريات التي تُكرس الأمم المتحدة جهودها لها، وأن أحد العناصر التي لا غنى عنها في حرية الإعلام هو توافر الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، وأن أحد قواعدها الأساسية هي الالتزام الأدبي بتقصي الوقائع دون تعرض ونشر المعلومات دون سوء قصد”[7].
لقد وضع القرار السابق الحق في الحصول على المعلومات في مصاف حقوق الإنسان الأساسية وجعلها مساوية في المرتبة والدرجة مع الحقوق الأساسية المتفق عليها مثل الحق في الحياة والحق في سلامة الجسد. وجاءت الاتفاقية الأمريكية عام 1969، لتؤكد ذلك الحق، حيث نصت المادة 13 على أن “لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء شفاهة أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني أو بأية وسيلة يختارها. ولا يجوز أن تخضع ممارسة الحق المنصوص عليه في الفقرة السابقة لرقابة مسبقة، بل يمكن أن تكون موضوعًا لفرض مسؤولية لاحقة يحددها القانون صراحة وتكون ضرورية من أجل ضمان:
أ- احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم.
ب- حماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق العامة.
ج- لا يجوز تقييد حق التعبير بأساليب أو وسائل غير مباشرة، كالتعسف في استعمال الإشراف الحكومي أو غير الرسمي على ورق الصحف، أو تردد موجات الإرسال الإذاعية أو التلفزيونية، أو الآلات أو الأجهزة المستعملة في نشر المعلومات، أو بأية وسيلة أخرى من شأنها أن تعرقل نقل الأفكار والآراء وتداولها وانتشارها.
كما قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1998 بتبني إعلان المدافعين عن حقوق الإنسان[8]، وأكدت المادة السادسة أن الحق في الوصول إلى المعلومات المتعلقة بجميع حقوق الإنسان هو حق إنساني أصيل يتمتع به الجميع، حيث نصت المادة “لكل شخص الحق بمفرده وبالاشتراك مع غيره، في:
(أ) معرفة المعلومات المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وطلبها والحصول عليها وتلقيها والاحتفاظ بها، بما في ذلك الإطلاع على المعلومات المتعلقة بكيفية إعمال هذه الحقوق والحريات في النظم التشريعية أو القضائية أو اﻹدارية المحلية.
(ب) حرية نشر اﻵراء والمعلومات والمعارف المتعلقة بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية أو نقلها إلى الآخرين أو إشاعتها بينهم، وفق ما تنص عليه الصكوك المتعلقة بحقوق الإنسان وغيرها من الصكوك الدولية المنطبقة.
وفي نوفمبر 1999 اجتمع ممثلو ثلاث جهات مختصة بحرية التعبير وهم: المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، وممثل منظمة التعاون والأمن في أوروبا لحرية الإعلام، والمقرر الخاص لمنظمة الدول الأمريكية لحرية التعبير، وتم إصدار بيان مشترك نص على الآتي “تتضمن حرية التعبير حق الجمهور في الحصول على المعلومات ومعرفة ما تقوم به الحكومة بالنيابة عنهم، حتى لا تبقى مشاركتهم في الحكم منقوصة”.
كما أيدت المحاكم الدولية لحقوق الإنسان هذا الحق، حيث قضت المحكمة الأوروبية عام 2009 بأن الجمهور يحتاج إلى المعلومات للقيام بدور “الرقيب”، وهو دور الصحفيين والمنظمات الغير حكومية بالأساس وعلى وجه الخصوص.
ويتناول الإعلان الإفريقي الحق في المعلومات، حيث ينص الجزء الرابع منه على أن “لكل شخص الحق في الحصول على المعلومات المتوفرة في حيازة الهيئات العمومية”، وأن “لكل شخص الحق في الوصول إلى المعلومات المتوفرة في حيازة الهيئات الخاصة واللازمة لممارسة أو حماية حق ما”[9].
وعند تفسير إطار الحق في حرية المعلومات تفسيرًا يضمن الحق في الوصول إلى الوثائق الموجودة في الهيئات العمومية، وتضم الهيئات العمومية جميع الأجهزة الحكومية والسلطات على كل المستويات الحكومية والهيئات التي تقوم بمهام حكومية عامة، وبالنظر أيضًا إلى المادة (19) والمادة (25) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[10]، التي تضمن كفالة حق المواطنين في المشاركة في الشؤون العامة، وبالتالي يتضمن حق الإعلام في الوصول إلى المعلومات ذات الصلة بالشأن العام، وكذلك الحصول على المعلومات اللازمة لكي يتمكن من القيام بدوره الأساسي والمهني.
- التشريعات الدولية بين منح الحق وتقييده
عند تناول التشريعات والقوانين الدولية المتعلقة بالحقوق والواجبات، نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يرسخ إلى مبادئ حقوقية مطلقة، ورغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غير ملزم للحكومات، جرى عرفيًا الالتزام بعدد من المواد كتشريع ملزم للدول، ومن ضمن تلك المواد المادة 19، فلقد أرست تلك المادة الحق المطلق لحرية التعبير، ثم جاء العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) ليفسر المادة 19 ويضع بعض القيود “المسموح بها” على الحقوق الخاصة بحرية التعبير.
وحسب لجنة حقوق الإنسان لا يجوز للقيود على حرية التعبير أن تهدد ممارسة الحق نفسه، حيث تنص المادة الخامسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة أو جماعة أوشخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه، ولا يقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف أو النافذة في أي بلد تطبيقًا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة أن هذا العهد لا يعترف بها أو أن اعترافه بها في أضيق مدى”.
ولقد منحت المادة 14 من العهد هيئة المحاكمة جواز ﻣﻨﻊ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ واﻟﺠﻤﻬﻮر ﻣﻦ حضور المحاكمة كلها أو ﺑﻌﻀﻬﺎ لدواعي اﻵداب اﻟﻌﺎﻣﺔ أو النظام اﻟﻌﺎم أو اﻷﻣﻦ القومي، وجاءت المادة التاسعة من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لتضع ممارسة الحق في التعبير داخل إطار القوانين واللوائح[11]، وقيدت المادة 32 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان ممارسة الحقوق والحريات بدعوى احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[12].
وجاءت التشريعات والقوانين المنظمة لحقوق الإنسان وممارستها، لتفسر المواد الخاصة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتضع بعض القيود على ممارسة الحق، ما يعطي ذرائع كثيرًا ما تستخدمها الدول للتقييد على الحقوق الإنسانية والمهنية، فلقد استخدمت الدول “الأمن القومي والنظام العام والآداب والأخلاق العامة” كوسيلة وسبب في فرض القيود، رغم التأكيد على “الضرورة” للالتزام بالقيود “المسموح بها” لتحقيق الأغراض المشروعة من التقييد، مع التزام هذه القوانين شرط الضرورة والتناسب، حيث مازالت تلك المفاهيم تتسم بالغموض وخاضعة للتفسيرات التشريعية المختلفة، وفي المقابل لم يرد تعريف مفصل موضح لتلك المفاهيم.
- التشريعات المصرية بين منح الحق ومنعه
طبقًا للمادة (93) من الدستور المصري، تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتكسبها صفة القانون وقوته[13]. ولقد صدقت مصر على عدد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تضمن حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات وتداولها، وتضمن للمواطنين الحق في المعرفة بمفهومها الواسع، ومن ضمنها اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي وقعت عليها مصر عام (1967)، كذلك فإن هناك الكثير من الاتفاقيات والإعلانات التي وقعت عليها مصر وتحتوي إرشادات هامة بشأن تفسير الحقوق وتفسير القيود المسموحة ووضعها على تلك الحقوق.
وقد كفل الدستور المصري صراحة حق التعبير بأي وسيلة دون قيود أو شروط؛ حيث نصت المادة (65) من الدستور المصري على أن “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”. كما كفلت المادة (66) حرية البحث العلمي، وأكدت المادة (68) على أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، وألزمت الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وبالرغم من وجود ذلك النص الدستوري لم يتم إصدار قانون لتنظيم تداول المعلومات والحصول عليها، وهو ما يشكل انتهاك دستوري، وبالرغم من أن القانون كفل للصحفيين حق الحصول على المعلومات وتداولها، إلا أنه لم يتم تقديم أي ضمانات أو آليات للحصول على المعلومات بشفافية تامة، وكفلت المواد(71،72،73) حرية الصحافة والطباعة والنشر، وحظرت فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، كما نصت المادة (120) من الدستور على علانية جلسات مجلس الشعب، وأجازت سرية بعض الجلسات طبقًا لشروط محددة، كما نصت المادة رقم (184) على أن جلسات المحاكم علانية وأوجبت في جميع الأحوال أن يكون النطق في جلسة علانية، وتناول قانون السلطة القضائية، إشكالية علانية الجلسات، في المادة رقم 18[14]، فقد أصلت تلك المواد للعلانية وليس السرية، وضمنيًا كفل الدستور لوسائل الإعلام حضور جلسات المحاكم وجلسات مجلس الشعب وأتاحت للعاملين بوسائل الإعلام ممارسة حقوقهم المهنية باستخدام أدواتهم المختلفة من تصوير وكتابة وتسجيل، مما يسمح بانتشار المعلومات وتداولها ووصولها للمواطنين[15].
وقد ألزم قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام -المثير للجدل-، الصادر في نهاية شهر أغسطس 2018، الهيئات الحكومية والجهات العامة بتمكين الصحفيين من الحصول على المعلومات، وقد حظر القانون فرض أي قيود تعوق توفير وإتاحة المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف وسائل الإعلام، بيد أن المادة (12) من القانون جاءت بالمخالفة لمواد الدستور، حيث فرضت قيد تعسفي يعوق الصحفيين والإعلاميين من ممارسة عملهم بحرية واستقلالية تامة، واشترطت على الصحفي أو الإعلامي في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة، وإجراء اللقاءات مع المواطنين، والتصوير في الأماكن غير المحظور تصويرها، أن يكون حاصلًا على التصاريح اللازمة في الأحوال التي تتطلب ذلك[16]، ومن ثم فقد فتحت المادة باب الإلزام بحمل التصريح عند ممارسة أحد المهام الأساسية للصحفي أو الإعلامي. ومن الجدير بالذكر، أنه تم إضافة شرط التصريح في القانون الجديد، ولم يكن موجودًا في القوانين السابقة المنظمة للصحافة والإعلام في مصر، مما يفتح باب منع الصحفيين من التغطية بحجة عدم توافر التصاريح اللازمة. والأمر هنا يتناقض مع الطبيعة المهنية لعمل الصحفي أو الإعلامي، فهل إذا كان الصحفي أو الإعلامي سائرًا في مكان ما، ووجد حادثة تفرض عليه أكواد المهنة أن يقوم بتصويرها، فهل يترك الحادثة تنتهي إلى أن يذهب لإحضار التصريح ويعود!
كما تقوم السلطات باستخدام القانون رقم 430 لسنة 1955، حيث ُيخضع هذا القانون ما يماثل الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمونولوجات إلى الرقابة بقصد حماية الآداب العامة والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا، حيث تقوم النيابة العامة باستخدام المادة الأولى والثانية من القانون في توجيه الاتهامات إلى الصحفيين والإعلاميين، وقد أقرت المادة 15 من نفس القانون العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتنين، ولا يجوز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة[17].
وكالعادة التي يتخذها السياق التشريعي في مصر، يتم استخدام المصطلحات الواسعة المطاطة التي يمكن تفسيرها بأكثر من صورة ووجه، فلم يحدد القانون ما المقصود بالآداب العامة أو مصالح الدولة العليا، وكذلك وضع المشرعون كلمة “ما يماثلها” في القانون، ليتضمن القانون جميع المنتجات التي تحتوي على صورة أو تسجيل صوتي، مما يعطى للأجهزة التنفيذية الدافع والسبب للقبض على الصحفيين والإعلاميين أثناء تأدية عملهم المهني، تحت الغطاء التشريعي الذي يكفله القانون.
وفي نفس السياق يأتي قانون الطوارئ، الذي يعتبر سيف مشهر في وجه المواطنين، ومن ضمنهم الصحفيين والإعلاميين، فمواد قانون الطوارئ المقيدة للحرية الإعلامية وجميع الحقوق بوجه عام، تُستخدم كمظلة تشريعية تحوي عددًا من الانتهاكات الممارسة ضد الصحفيين والإعلاميين، أثناء تأدية عملهم.
وفي المجمل، تعكس تلك القوانين واقع يخالف الافتراض الأساسي، وهو أن “الأصل الإتاحة والعلانية وليست السرية”، فلقد أصبحت الدولة المصرية تتعامل باحترافية شديدة في الحد من الحريات الإعلامية، وفرض السيطرة على وسائل الإعلام، عن طريق توفير الغطاء التشريعي لتقنين غالبية الانتهاكات التي تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة ضد وسائل الإعلام والعاملين بها، وحاصرت السلطة التشريعية حرية الإعلام وتداول المعلومات من خلال قوانين تتسم بالعشوائية والتناقض مع مواد الدستور المصري، وبالتناقض مع الاتفاقيات والتشريعات الدولية، وبالرغم من أن الاتجاه العام للدستور يميل إلى تنظيم الحريات عن طريق تشريعات لاحقة، عكست التشريعات اتجاه البرلمان في التضييق على الحريات بشكل عام وكأنها غير موجودة فى الدستور.
ثالثًا: قراءة في وقائع انتهاكات “المنع من التغطية”:
في 27 أغسطس 2018 صدق رئيس الجمهورية على قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى، وقد سبقه إصدار قانون الجريمة الإلكترونية، فأصبحت السمة العامة لمنهجية الدولة في التعامل مع ملف الحرية الإعلامية، توفير غطاء قانوني يمر عن طريقه إجراءات أمنية تهدد بيئة عمل الصحفيين.
لقد استطاعت الدولة فرض حالة من التعتيم والصمت الإعلامي عن طريق عدة مسارات مختلفة، تشريعية وقانونية وأمنية، وقد برز انتهاك المنع من التغطية، كأكثر أنواع الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين/الإعلاميين، وقد تكررت حالات المنع من التغطية في جميع أنواع الفعاليات السياسية والاجتماعية، ومن أبرزها هذا العام أزمة نادي الزمالك مع وسائل الإعلام، تلك الأزمة التي بدأت في 13 من نوفمبر 2017، عندما قرر رئيس نادي الزمالك منع الصحفيين من دخول مقر النادي، وتبعه بقرار منع القنوات الفضائية من الدخول إلى استاد القاهرة لنقل مباراة الزمالك أمام نادي المقاصة في الجولة الحادية عشر للدوري، وذلك يوم الاثنين الموافق 27 من نفس الشهر، وفي يناير عام 2018، قام مسؤولو الزمالك بمنع فريق عمل قناتي ON SPORT و dmc من دخول أرضية استاد القاهرة بمواجهة الزمالك مع الإنتاج الحربي، تنفيذًا لقرارات رئيس الزمالك، وفي نفس السياق قام نائب رئيس مجلس إدارة الزمالك بمنع الصحفيين من حضور اجتماع مجلس إدارة النادي، وفي أكتوبر من العام نفسه أصدر رئيس الزمالك قرارًا بمنع دخول الصحفيين لمقر النادي، تبعه بقرار إسقاط عضوية النادي لثلاثة من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، ولقد قاوم الصحفيون القرار، واستطاعوا دخول النادي يوم السبت الموافق 13 أكتوبر 2018، اعتراضًا على قرار منعهم من جانب رئيس النادي، وقد اشتدت الأزمة في السادس من نوفمبر 2018 عندما رفض أمن نادي الزمالك دخول الصحفيين لمقر النادي وقام بالاعتداء عليهم بالسب والضرب، كما قام الأمن بالتحرش بإحدى الصحفيات المتواجدات بالمكان، أثناء قيامها بتصوير الواقعة، وعلى إثرها قام الصحفيون بتحرير محضر جنحة ضرب واعتداء وتحرش.
وبرزت أيضًا الأزمة التي دارت بين إدارة نادي المصري والصحفيين في بورسعيد، في شهر مايو 2018، ورفضت نقابة الصحفيين الفرعية ببورسعيد الأسلوب الذي بدر من محمد الخولي، نائب رئيس النادي المصري، حين قام الأخير بمنع الصحفيين من حضور المؤتمر الصحفي عقب مباراة المصري وبطل موزمبيق، وأكدت بأنه ليس من حق أحد منع الصحفيين والإعلاميين من ممارسة عملهم، ومؤخرًا في 15 من نوفمبر عام 2018، قام أمن النادي المصري بمنع الصحفي بجريدة اليوم السابع، أحمد وجيه، من دخول المباراة الودية للنادي المصري أمام الباطن السعودي.
وفي نفس السياق الرياضي، قام أمن النادي الأهلى بمنع الناقد الرياضي بجريدة الجمهورية، محمد ضياء، من حضور مباراة الأهلي ومونانا التي أُقيمت باستاد القاهرة الدولي، يوم 6 مارس 2018، وقام الصحفي المذكور بتقديم مذكرة بالواقعة لنقيب الصحفيين. كما قام الأمن الخاص المكلف بتأمين مباراة الترسانة وجمهورية شبين يوم الأربعاء الموافق 18 أبريل 2018، بمنع دخول عدد من الصحفيين، في المقابل قام بالسماح لعدد من الصحفيين بالدخول، دون أي مبرر واضح للتمييز بين الصحفيين، وفي 28 من يونيو 2018، منعت إدارة نادي بيراميدز الصحفيين من حضور المؤتمر الصحفي، الخاص بإعلان تفاصيل شراء النادي.
وشهد عام 2018 واقعة تعد الأولى في تاريخ الرياضة المصرية والمنتخب الوطني، عندما منع خافيير أجيري، المدير الفني للمنتخب المصري، الصحفيين من تغطية رحلة بعثة المنتخب الوطني إلى سوازيلاند، وقام كلًا من أجيري واتحاد الكرة والشركة الراعية في 11 أكتوبر 2018، باتخاذ قرار غير مسبوق في التعامل مع الصحفيين الرياضيين، وذلك بمنعهم من تغطية أخبار المنتخب الوطني، ومنع ملايين المصريين من حقهم في معرفة أخبار المنتخب وتفاصيل الرحلة قبل المباراة.
وقد امتدت حالات المنع من التغطية إلى ساحات المحاكم، ففي الثامن من يناير بداية عام 2018، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب على تعديل المادة 286 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تنص على علانية جلسات المحاكمة، حيث أضافت الفقرة التي تنص على أنه “لا يجوز نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة كانت إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة”، وقد سبق هذا القرار حالة انتهاك في الأول من يناير عام 2018، حيث أصدرت هيئة محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار معتز خفاجي، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، قرارًا بمنع دخول الصحفيين وممثلي وسائل الإعلام حضور جلسة محاكمة 42 متهمًا من عناصر تنظيم “أجناد مصر”. وشهد شهر مارس حالتين تم فيهما منع وسائل الإعلام والصحفيين من حضور الجلسات بواسطة الجهات القضائية الأولى في 19 مارس عندما منعت الدائرة 3 جنايات شمال القاهرة، الصحفيين من تغطية أحداث محاكمة قاضٍ وعضوي مجلس نواب سابقين في قضية رشوة، والحالة الثانية عندما منعت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بالتجمع الخامس، دخول الصحفيين لتغطية أحداث ثاني جلسات محاكمة الإعلامية ريهام سعيد و7 آخرين في القضية المعروفة إعلاميًا بالتحريض على خطف الأطفال. وفي 29 يوليو 2018، نشبت مشادة كلامية بين الحرس المسؤول عن تأمين محكمة جنح مستأنف مصر الجديدة، المنعقدة بالعباسية، وعدد من المصورين عقب قرار هيئة المحكمة منع دخول المصورين لتغطية جلسة استئناف اللبنانية منى المذبوح، على حكم حبسها في اتهامها بسب وقذف الشعب المصري في القضية المقيدة برقم 5411 لسنة 2018 جنح مصر الجديدة.
ولم يسلم العاملون بوسائل الإعلام الأجنبية من التقييد، فقد نالوا قسطًا من الانتهاكات، عندما احتجزت قوات الأمن المصري بمطار القاهرة، في الرابع من نوفمبر عام 2018، سبعة أفراد من الوفد العراقي المشارك في الدورة السابعة من مونديال القاهرة للإعلام العربي الذي ينظمه اتحاد المنتجين العرب.
إجمالًا وانطلاقًا من المنهجية والمعايير التي يتبناها “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، استطاع المرصد خلال عام 2018، رصد وتوثيق 66 انتهاكًا خاصًا بمنع الصحفيين والعاملين بوسائل الإعلام من التغطية الإعلامية، بواقع 34 انتهاكًا في النصف الأول من عام 2018، و32 انتهاكًا في النصف الثاني من نفس العام، حيث تجاوزت حالة المنع من الفعاليات السياسية لتصل إلى قاعات المحاكم والملاعب الرياضية، وكذلك الفعاليات الاجتماعية والفنية المختلفة.
تصدرت جهات حكومية ومسؤولين مع وزارة الداخلية وجهازها الأمني قائمة الجهات التي اعتدت على حرية الصحافة والإعلام، ومنع العاملين بوسائل الإعلام من أداء عملهم المهني، بواقع 20 حالة للجهة الأولى و19 حالة للجهة الثانية، وفي المرتبة الثانية تورط الأمن المدني والحراسات الخاصة في 17 حالة، وجاءت الجهات القضائية بواقع مسؤوليتها عن 6 حالات انتهاك، ومواطنين مدنيين بـ4 حالات تم فيها انتهاك حقوق الصحفيين والإعلاميين.
تركزت أغلب الانتهاكات في محافظتي القاهرة والجيزة، حيث انفردت القاهرة بالصدارة بواقع 42 حالة، تلتها محافظة الجيزة بواقع 11 حالة، وجاءت محافظتي الإسكندرية وبورسعيد في المرتبة الثالثة بواقع 3 حالات لكل محافظة، وفي المرتبة الرابعة حصدت محافظتي قنا والمنوفية حالتي انتهاك لكل منها، وأخيرًا جاءت محافظتي القليوبية والدقهلية بواقع حالة انتهاك لكل منها.
وقد غلب على الانتهاكات شكل المنع الجماعي بواقع 38 حالة، وكان نصيب الحالات الفردية 28 حالة، بواقع 18 حالة انتهاك ضد الذكور، و10 حالات ضد الإناث.
وجاءت الحالات التي تم فيها منع العاملين في الصحف والقنوات المصرية الخاصة في المرتبة الأولى بواقع 12 حالة، وتم منع العاملين في الشبكات الإخبارية والصحف الإلكترونية في عدد 9 حالات لتحتل المرتبة الثانية من حيث نوع جهة عمل الصحفيين والإعلاميين، وفي المرتبة الثالثة نال العاملون بوسائل الإعلام الأجنبية 7 حالات انتهاك من إجمالي الانتهاكات، فيما تعرض الصحفيون العاملون بالجرائد المصرية الحزبية لعدد 3 حالات انتهاك في مقابل حالة انتهاك واحدة للعاملين بالصحف المصرية القومية، ورصدت المؤسسة عدد 34 حالة انتهاك تم فيها منع العاملين بوسائل الإعلام من التغطية ولم يتسن لوحدة “الرصد والتوثيق” التأكد من جهات عملهم.
- رابعًا: الخاتمة والتوصيات:
تعتبر مصر من أسوأ البلدان في مجال الحرية الإعلامية في العالم، وقد تلقت تصنيفات منخفضة للغاية في تقرير “مراسلون بلا حدود” السنوي للمؤشر العالمي لحرية الصحافة؛ ففي عام 2017 احتلت مصر المركز 161 من إجمالي 180 دولة. ويعود انخفاض درجة مصر إلى القيود الواسعة المفروضة على حرية الصحافة والإعلام، بالإضافة إلى الهجمة الواسعة التي تقوم بها السلطة التنفيذية على الصحافة والإعلام، نظرًا لإدراك تلك الأجهزة خطورة الفضاء الإعلامي ومدى تأثيره على أفراد المجتمع، وتهدف تلك الهجمة بالأساس إلى فرض حالة من التعتيم الإعلامي المتعمد، لتصبح وسائل الإعلام التي تقع تحت أيدي الدولة وسلطانها، هي المصدر الأوحد لاستقاء المعلومات والتحليلات.
لقد سلك النظام المصري عدة طرق تستهدف خنق المجال الإعلامي، من أهمها المسلك التشريعي، وبالأخص قوانين “الصحافة والإعلام والجريمة الإلكترونية”، حيث وفرت تلك القوانين الغطاء القانوني للانتهاكات والجرائم المرتكبة في حق الصحفيين، كما وفرت مناخ سياسي واجتماعي يمنح الثقة لمرتكبي هذه الأنواع من الجرائم في التمادي في ارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات، فلقد عمد مرتكبي هذه الجرائم إلى محاربة النشاط الإعلامي، وفي سبيل ذلك ارتكبت عشرات الانتهاكات بحق الصحفيين، محاولين بذلك إخفاء الحقائق والانتهاكات والمشاكل التي ترصدها الصحافة والإعلام.
وكانت أشد المحاولات التي عمدت إلى الإخفاء المتعمد للمعلومات والبيانات عن طريق منع العاملين في وسائل الإعلام من التغطية الصحفية والإعلامية، وفي سبيل ذلك قامت جهات عدة بانتهاك حق الصحفيين والإعلاميين في ممارسة عملهم، في مناسبات مختلفة، وقد شاب الانتهاكات حالات من التمييز، ففي عدد من الحالات قامت الجهات المعتدية بمنح عدد من الصحفيين والعاملين بوسائل الإعلام الأذن بالدخول للتغطية، ومنعت على الجانب الآخر عددًا منهم بدون سبب واضح، وقد لوحظ التمييز الواضح ضد العاملين في الصحف المصرية الخاصة في مقابل العاملين بالصحف القومية، وكذلك لوحظ استهداف الجهات المعتدية للعاملين في الشبكات والمواقع الإخبارية الإلكتروينة بالتزامن مع استمرار أزمة القيد في نقابة الصحفيين والتي تلاحق الصحفيين الإلكترونيين في عدد من المناسبات في ظل عدم اعتراف القانون بكونهم صحفيين بشكل رسمي.
فالتشريعات المصرية تتعامل مع الصحفيين الإلكترونيين بموقف يتسم بالترصد والارتباك، فتقوم بمنعهم من التغطية الإعلامية لكونهم غير مقيدين في جداول النقابة من ناحية، وتقوم بملاحقتهم بتهمة “انتحال صفة صحفي” من ناحية أخرى، وقد ترافق كل ذلك مع غياب كامل لأي عمليات محاسبة أو مراقبة، وهذا دون أدنى شك شجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في ظل حصانة دائمة، وقد عزز كل ذلك سياسة الإفلات من العقاب في ظل استمرار حالة التضييق الممنهجة ضد العاملين في وسائل الإعلام وما يترتب عليها من تفتيت للمجتمعات وغياب للعدالة.
- التوصيات:
- مراجعة كافة التشريعات والقوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير بشكل عام، والحرية الإعلامية بشكل خاص وتعديلها بما يتوافق مع الدستور المصري والتزامات مصر الدولية.
- إلغاء النصوص القانونية التي تؤثر بشكل سلبي على مهنية الصحافة والإعلام، وتحد من إمكانيات وأدوات العاملين بوسائل الإعلام.
- تشكيل لجنة من “البرلمانيين الصحفيين” لتقديم الدعم والعون في مسار التصحيح التشريعي.
- تشكيل لجنة ممثلة للصحفيين عن طريق النقابة، وتجهيز مقترحات وبدائل لبعض مواد القانون المثيرة للجدل ومخاطبة السلطة التنفيذية والبرلمان، ومناقشة تلك المواد وإمكانية تعديلها.
- سرعة إصدار قانون حرية تداول المعلومات، ويبين فيه ضوابط الحصول على البيانات والمعلومات والإحصاءات.
- تعديل قانون نقابة الصحفيين، وتعديل شروط القيد في النقابة بما يضمن توفير مظلة قانونية تحمي جميع العاملين في المؤسسات الصحفية، من محترفين وغير محترفين، وكذلك العاملين في الطباعة والموزعين للصحف والجرائد.
- يجب على السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية توفير ظروف تضمن نشوء بيئة إعلامية آمنة تمكن الصحفيين من أداء عملهم بشكل مستقل وبدون أي تدخل، وذلك عن طريق تعزيز وتنفيذ الأطر القانونية المتعلقة بحماية الصحفيين، ويجب على تلك السلطات القيام بدورها في منع محاولات إسكات الوسائل الإعلامية، بالتوازي مع نشر الوعي للدور الهام الذي يؤديه الصحفيين ووسائل الإعلام في بناء مجتمعات ديمقراطية وعادلة قائمة على سيادة القانون.
- يدعو “المرصد المصري للصحافة والإعلام” السلطة التنفيذية إلى استخدام قانون الطوارئ في أضيق الحدود وفيما يخص فقط جرائم الإرهاب كما هو منصوص عليه في القانون.
للإطلاع على التقرير بصيغةبي دي إف اضغط هنا
المراجع
[1] الشروق، “تشريعية النواب” توافق على عدم نقل وقائع جلسات المحاكمة إلا بإذن من رئيس الدائرة، 8 يناير 2018، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018 متاح على الرابط https://bit.ly/2Q5FVuV
[2] شبكة سي إن إن، بالفيديو…منع بث جلسات البرلمان المصري بـ”التصفيق الجماعي”، 12 يناير 2016، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط https://arabic.cnn.com/middleeast/2016/01/12/egypt-new-parliament-no-live-sessions
[3] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://www.un.org/ar/udhrbook/pdf/UNH_AR_TXT.pdf
[4] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 19، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط https://bit.ly/2Pcq4Wj
[5] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://www.un.org/ar/udhrbook/pdf/UNH_AR_TXT.pdf
[6] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 19، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط https://bit.ly/2Pcq4Wj
[7] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59 لعام 1946، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://research.un.org/en/docs/ga/quick/regular/1
[8] الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالميًا، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://hrlibrary.umn.edu/arab/hrdef.html
[9] إعلان المبادئ بشأن حرية التعبير في أفريقيا ، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ، الدورة الثانية والثلاثون ، 17-23 أكتوبر / تشرين الأول 2002: بانجول ، غامبيا، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://hrlibrary.umn.edu/achpr/expressionfreedomdec.html
[10] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 19، المادة 25، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط https://bit.ly/2Pcq4Wj
[11] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المادة 14، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://hrlibrary.umn.edu/arab/a005.html
[12] الميثاق العربي لحقوق الإنسان، المادة 32، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط http://hrlibrary.umn.edu/arab/a003-2.html
[13] الجريدة الرسمية، العدد 3 مكرر (أ) في 18 يناير سنة 2014، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرباط https://www.egypt.gov.eg/arabic/laws/download/Constitution_2014.pdf
[14] قانون السلطة القضائية، المادة رقم 18، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018 ، متااح على الرابط https://bit.ly/2GAW4o8
[15] الجريدة الرسمية، العدد 3 مكرر (أ) في 18 يناير سنة 2014، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرباط https://www.egypt.gov.eg/arabic/laws/download/Constitution_2014.pdf
[16] الموقع الرسمي للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى، آخر زيارة بتاريخ 1 ديسمبر 2018، متاح على الرابط https://bit.ly/2OyQVk0
[17] وصل الباحث إلى هذه النتيجة بناءً على البيانات والمعلومات التي تحتفظ بها الوحدة القانونية بالمؤسسة.