عندما ضغطت جماعات المصالح على الرئيس الأميركي الأسبق “فرانكلين روزفلت”؛ من أجل دخول أميركا الحرب العالمية الثانية، فإن الإعلام كان السلاح الأول لتغيير توجه الرأي العام الأميركي الرافض للدخول في الحرب، وذلك عن طريق بناء رسالة وحملة إعلامية مبنية على أخبار لو عُرفت حقيقتها في وقتها ربما لظلت أميركا بعيدة عن الحرب، ولتغيرت نتيجة الحرب العالمية الثانية وتغير مسارالتاريخ.

فقد أثبتت الوثائق فيما بعد أن المخابرات الأميركية عرفت بميعاد الضربة اليابانية للأسطول الأميركي في “بيرل هاربر” قبلها بأيام، لكنها تجاهلتها؛ من أجل استغلال الحدث في إقناع الرأي العام بدخول الحرب.

تكرر هذا الموقف بعدها بستين عام قبل الغزو الأميركي للعراق في 2003 والتي أثبتت التحقيقات بعدها بسنوات أن العراق لم يكن لديه أسلحة نووية تهدد العالم قبل أبريل 2003 وهو ما بُني عليه الإعلام رسالته إلى قطاعات كبيرة من الشعب الأميركي؛ كي يُقنعه بأهمية الغزو الأمريكي للعراق.

خلال التسعينيات من القرن الماضي في الجزائر أثناء حرب الجيش الجزائري مع التيارات الإسلامية المسلحة، كانت هناك أكاذيب مثيرة بنى عليها الإعلام الجزائري رسالته الإعلامية في إقناع الشعب الجزائري بعدالة قضيته، أكاذيب ظهرت حقيقتها بعدها بسنوات في اعترافات عدد من ضباط المخابرات الجزائرية بارتكاب مجازر ونسبتها إلى الإسلاميين؛ لكي تثير تعاطف الشعب الجزائري ويطول أمد الحرب.

كثيرة هي القضايا في التاريخ الإقليمي والدولي التي راح ضحيتها الآلاف بسبب أكاذيب بنى عليها الإعلام رسالته بدون تحري الصدق والموضوعية.

هنا تبدو أهمية الإعلام، وتبدو أكثر أهمية الأخلاق والمواثيق الإعلامية الحاكمة لهذا الإعلام، وأهمية مراقبة تنفيذ هذه المواثيق من قبل الشعوب.

تعد حقوق المثليين من القضايا الشائكة والحساسة في نفس الوقت؛ شائكة لأن عليها جدلًا كبيرًا في مصر والعالم، وحساسة لأن هذا الجدل يصل إلى أن جانب من هذه الآراء تدعو إلى قتل المثليين أو إيذاءهم ناهيك عن إهانتهم والدعوة إلى الانتقاص من حقوقهم.

من هنا تظهر أهمية وخطورة قيم النزاهة والموضوعية الإعلامية، في إيضاح حقيقة القضية المثلية، وهل هي مرض أو سلوك شاذ تحرمه الأديان والتقاليد والقانون؟ أم أنها ميل جنسي طبيعي كما تقول منظمة الصحة العالمية.

لذلك فإن النزاهة والموضوعية الإعلامية هنا ليست مجرد قيم وأخلاقيات للمهنة، مع أهميتها الشديدة، ولكنها تكاد تكون الضرورة الوحيدة في هذه القضية؛ لكي يأخذ الرأي العام موقفه بشكل سليم أقرب إلى احترام مواثيق حقوق الإنسان.

هذه الدراسة تقيم التغطية الإعلامية المصرية للقضية التي عُرفت إعلاميًا بقضية “حفل مشروع ليلى” والذي رُفع فيه علم قوس قزح (الذي يتخذه المثليون رمزًا لهم) من جانب مجموعة من الشباب الحاضرين للحفل، من الناحية المهنية وقياسًا على مواثيق الشرف الإعلامية المصرية والدولية.

وقد اخترنا عينة من البرامج التليفزيونية التي غطت القضية لقياس الأداء الإعلامي المصري من خلالها، مراعين فيها أن تكون الأكثر مشاهدة في تغطية هذه القضية وأن يكون إحداها ممثلًا للمعارضة؛ بهدف أن تكون عينة البرامج المختارة أقرب تمثيلًا للواقع.

البرامج المختارة هي:
1- برنامج صح النوم للإعلامي محمد الغيطي على قناة “إل تي سي”.
2- برنامج العاشرة مساءً للإعلامي وائل الإبراشي المذاع على قناة دريم.
3- برنامج المسائية المذاع على قناة الجزيرة مباشر.
4- برنامج 90 دقيقة المذاع على قناة المحور.

حاول البحث استخلاص عدد من المعايير والقيم الإعلامية التي من خلالها أخضعنا البرامج السابقة للتقييم، وذلك من خلال استعراض جانب من مواثيق الشرف المصرية والدولية ونصوص الدستور المصري، وتفسيرات المحكمة الدستورية العليا.

وتوصلت الدراسة إلى وجود فجوة ليست بالقليلة بين إجمالي الأداء الإعلامي المصري، وقواعد المهنية الإعلامية في تغطية القضية محل الدراسة، وإن كان هناك استثناءات أوضحناها خلال البحث، هذه الفجوة تتسع أكثر بقرارات من الكيان المسؤول عن الإعلام في مصر والمنوط به الارتقاء وتحسين الأداء الإعلامي وليس العكس.

وهو ما جعلنا نخرج بالتوصيات التالية:
1- نطالب مجلس نقابة الإعلاميين المؤقت والسادة الإعلاميين بدعوة الجمعية العمومية فورًا (الدعوة التي تأخرت لشهور عديدة على خلاف القانون)، وانتخاب مجلس لنقابة الإعلاميين من أجل الاتفاق على ميثاق شرف إعلامي يتوافق مع المعايير الدولية للإعلام يحمي الإعلاميين ويحمي الجمهور ويرتقي بمهنة الإعلام.
2-كما أننا نتقدم بهذه الدراسة إلى مجلس نقابة الإعلاميين الحالي والمؤقت برئاسة الأستاذ حمدي الكنيسي وإلى المجلس الأعلى للإعلام، مطالبين أن يتم التحقيق فيما رصدته هذه الدراسة من إخلال بقيم المهنية في البرامج المشار إليها من أجل الارتقاء بالأداء الإعلامي في المستقبل.

للإطلاع على الورقة البحثية.. اضغط هنا