المرصد يوثق انتهاكات طالت الصحفية برباره يوسف خلال عملها الاستقصائي
في إطار حملة “هن في الإعلام” التي أطلقها المرصد المصري للصحافة والإعلام، تزامنًا مع حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، يوثق المرصد في هذا التقرير تصاعد الهجمات الرقمية والميدانية ضد الصحفية برباره يوسف جورجي، ويكشف كيف تحولت حملة تشويه إلكترونية إلى تهديدات ميدانية وضغوط قانونية وابتزاز رقمي. كما يسلط – هذا التوثيق – الضوء على هشاشة حماية الصحفيات في القضايا الحساسة ودور المنصات الحقوقية في مقاومة هذا النمط من العنف.
ويشار إلى أن برباره يوسف جورجي، صحفية استقصائية عملت خلال السنوات الخمس الأخيرة مع عدد من المؤسسات الدولية والمحلية، من بينها: أريج، دير شبيجل، مؤسسة AD، وPointer في هولندا. وتركز أعمالها على قضايا حقوق الإنسان، وتعقب الفساد داخل شركات حكومية.
أولا: التهديدات عقب نشر تحقيق “لماذا باعت مصر للطيران بـ300 مليون دولار ما اشترته بمليار دولار”
بعد نشر تحقيق استقصائي يتناول صفقة مثيرة للجدل حول بيع طائرات من قبل شركة مصر للطيران بسعر أقل بكثير مما اشترته به، والذي نشر على موقع “زاوية ثالثة” في يونيو من العام 2024، بدأت حملة واسعة من الهجمات الرقمية ضد الصحفية.. وتضمنت هذه الحملة:
• رسائل تهديد متتابعة عبر منصات التواصل
• حملة اتهامات منظمة بنشر أخبار كاذبة تهدف إلى نزع المصداقية وتشويه السمعة
• مزاعم حول حصولها على تمويل خارجي واتهامات بالعمالة، وهي أساليب شائعة في حملات التشويه ضد الصحفيات من قبل الشرطة والرأي المضاد
تطورت الحملة بشكل متسارع حتى إن موقع النشر قد تعطل بشكل كامل لساعات عن العمل. وخلال أيام من نشر التحقيق، فإن الاتهامات التي طالتها أدت إلى انتقالها إلى هولندا في ظل تصاعد الهجمات الرقمية والمخاوف على السلامة الشخصية.
ثانيا: التصعيد بعد نشر تحقيق “العائلات المنسية”
بعد شهر واحد من انتقالها، نشرت الصحفية – في يوليو 2024 – تحقيقا آخر بعنوان “العائلات المنسية”، والذي تناول أوضاع قبيلة الجمسة في صعيد مصر وما تتعرض له من تهميش حكومي اجتماعي واقتصادي. أدى نشر التحقيق إلى موجة جديدة من الهجمات، كان من أبرز مظاهرها:
• عشرات الرسائل التهديدية موجهة إليها وإلى المنصة الناشرة “رصيف22”
• ضغوط مكثفة على المؤسسة الناشرة حتى اضطرت إلى حذف النسخة العربية من التحقيق والإبقاء على النسخة الإنجليزية فقط، وذلك بعد اجتماع ضم ممثلين عن رصيف22 ومسؤولي IJNet. وبعد فترة قصيرة نشر التحقيق على الموقع البريطاني مرة أخرى باللغة الإنجليزية بالتنسيق مع الصحفية

ثالثا: تحوّل الهجمات الرقمية إلى تهديدات ميدانية مباشرة
لم تتوقف الاعتداءات عند المستوى الرقمي، بل امتدت إلى محيط الأسرة وهو نمط متكرر في الهجمات ضد الصحفيات، حيث تشير البيانات إلى أن 17% من الصحفيات يتم استهداف أسرهن كوسيلة للضغط عليهن.
ووفقًا لما ذكرته الصحفية في شهادتها للمرصد، فقد تعرضت أسرتها لحوادث ضغط ميداني، من بينها:
• وصول سيارة تقل رجالا مجهولين إلى منزل أسرتها في مصر للسؤال عن والدها
• محاولة التواصل مباشرة مع الأب للضغط على الأسرة بشأن التحقيقات المنشورة
يمثل هذا التصعيد انتقالا من العنف الرقمي إلى تهديدات ميدانية مباشرة وهي أخطر مراحل الاستهداف.
رابعا: ملاحقات قانونية وتسريب بيانات شخصية
تزامن ذلك مع:
• رفع قضايا قانونية ضدها بهدف الردع والضغط
• تسريب بياناتها وبيانات عائلتها، وهو انتهاك متكرر في حملات التشهير، فقد أشار منفذو الحملة الرقمية إلى أنهم حصلوا على هذه البيانات من أفراد من داخل جهات أمنية، بما يعكس هشاشة حماية الخصوصية للصحفيات العاملات على ملفات حساسة. (اطلع المرصد على صورة لإحدى هذه المحادثات).

أفادت الصحفية بأنها كانت تتعرض مع كل تحقيق جديد لحملة متصاعدة من المضايقات الرقمية. وقد اطّلع المرصد على عدد من الرسائل الواردة إليها، والتي تضمنت:
• عشرات الرسائل التي تبدأ بالسب والقذف
• إرسال فيديوهات إباحية بهدف الإهانة وتشويه السمعة، وهو أحد أكثر أشكال العنف الرقمي ضد الصحفيات انتشارا
• اتهامات متكررة بالعمالة والخيانة
هذه الأنماط نفسها توثقها منظمات حقوقية باعتبارها آليات ممنهجة لإسكات الصحفيات ومنعهن من مواصلة العمل.

خامسا: آثار نفسية ومهنية وإجراءات حماية ذاتية
ضمن محاولات الحد من الضرر:
• اضطرت الصحفية إلى إغلاق جميع حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي لفترة طويلة
• تغيير أرقام الهواتف لحماية نفسها وأسرتها
• التواصل مع نقابة الصحفيين، حيث قدم مسؤول لجنة الحريات في نقابة الصحفيين دعما لمتابعة الأمر
مثل هذه الإجراءات باتت شائعة بين الصحفيات، حيث تظهر الدراسات أن 40% منهن اضطررن لترك المنصات الرقمية أو تقليل استخدامهن لها بسبب التهديدات.
****
سياق أوسع للحملة
تأتي هذه الحالة ضمن إطار عام يعرف بتصاعد العنف الرقمي ضد الصحفيات، وخاصة اللواتي يعملن في مجالات الاستقصاء ومتابعة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. وتشير الأدلة إلى أن التهديدات غالبا ما تكون:
• منسقة وليست فردية
• مرتبطة بجهات صاحبة نفوذ في قضايا يتم الكشف عنها
• وتهدف إلى إسكات الصحفيات وإضعاف المؤسسات الإعلامية التي يعملن معها
وتشير تقارير دولية إلى تزايد حاد في حجم العنف الرقمي ضد الصحفيات خلال الأعوام الأخيرة؛ إذ أفادت منظمة اليونسكو أن 73% من الصحفيات حول العالم تلقين تهديدات أو إساءات رقمية، فيما أكدت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين أن العنف الرقمي يتطور غالبا إلى تهديدات ميدانية أو استهداف للأسرة في أكثر من 20% من الحالات. كما تظهر دراسات أخرى أن واحدة من كل ثلاث صحفيات تتعرض لتهديدات تتضمن محتوى جنسي مهين أو محاولات تشويه سمعة منظمة.
ختام
تمثل هذه التجربة مثالا واضحا على حجم المخاطر التي تتعرض لها الصحفيات العاملات على قضايا حساسة. وعلى الرغم من تلك التهديدات، يستمر العمل الصحفي الاستقصائي في لعب دوره كأداة للكشف والمساءلة، وإبقاء هذه الانتهاكات موثقة هو خطوة أساسية لحماية الصحفيات وتعزيز المساءلة وضمان حرية الصحافة.