حالة الحريات الصحفية خلال تغطية انتخابات مجلس الشيوخ

حالة الحريات الصحفية خلال تغطية انتخابات مجلس الشيوخ

 

تُعد المعلومة عصب الحياة المعاصرة، وتمثل الصحافة والإعلام القناة الرئيسية لتقديم المعلومة الصحيحة. وفي المشاهد الكبرى ذات التأثير العميق والممتد، تزداد أهمية الأدوار التي تضطلع بها الصحافة والإعلام في كشف الحقيقة وتقديم المعلومات الدقيقة. ولا شك أن الانتخابات تُعد مشهدًا بالغ الأهمية في حياة المجتمعات، الأمر الذي يفسر الاهتمام الكبير بوجود تغطية إعلامية لها وتنظيم هذه التغطية.

 

انطلقت انتخابات مجلس الشيوخ في الرابع من يوليو 2025، وفي إطار دور مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام بمتابعة بيئة العمل الصحفي والإعلامي في البلاد، أعلنت “تشكيل غرفة عمليات مركزية لمتابعة وتوثيق أوضاع الصحفيين والصحفيات” أثناء تغطية المشهد الانتخابي. ذلك بهدف “استقبال البلاغات من الصحفيين والصحفيات بشأن أي انتهاكات محتملة أثناء التغطية، مع تقديم دعم قانوني فوري عند الحاجة، وأخيرًا إصدار تقارير مهنية موثقة ترصد واقع حرية التغطية الصحفية خلال الاستحقاق الانتخابي”.

 

وخلال يومي التصويت، حرصنا على التواصل مع صحفيين مشاركين/ات في تغطية المشهد الانتخابي في مختلف محافظات الجمهورية، فضلًا عن الاعتماد على مجموعة من الصحفيين الميدانيين/ات الذين يقومون برصد الانتهاكات في مختلف محافظات مصر من ناحية، بالإضافة إلى المتابعة المستمرة لغرفة عمليات نقابة الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة من ناحية أخرى، بغرض الوقوف على أية صعوبات واجهها الصحفيين/ات، أو تضييقات أو انتهاكات، مع تقديم الدعم اللازم.

وعليه نطرح في هذه السطور، ما تم توثيقه عن سير عملية تغطية انتخابات الشيوخ، وما شهدته من تضييقات بحق القائمين/ات بالتغطية من مراسلين/ات ومصورين/ات. 

لكن قبل ذلك نستعرض الإطار الدستوري والقانوني المنظم للعملية الانتخابية، والقواعد والأطر المنظمة لعملية التغطية خلال المشهد الانتخابي.
والهدف من تناول السياق الدستوري والقانوني المنظم للعملية الانتخابية وسائر أبعادها، ومنها البعد المتعلق بالتغطية الإعلامية للانتخابات، يستهدف: (1) أن نعرف إن كانت القواعد الحاكمة لعملية التغطية الإعلامية للمشهد الانتخابي، عادلة ومرنة واحترافية، أم تمثل ضغط على القائمين بالتغطية من صحفيين وإعلاميين. (2) أن ندرك الفارق بين عملية التغطية كما يصورها القانون، وعملية التغطية كما حدثت في الواقع، حتى نعي الفارق بين المثال القانوني والواقع العملي، ومن ثم نقف على جوانب القصور وطرق معالجتها.

وعليه تتكون هذه الورقة من 3 محاور؛ الأول: الإطار الدستوري والقانوني المنظم للعملية الانتخابية. الثاني: القواعد المنظمة للتغطية الإعلامية للمشهد الانتخابي. الثالث: الانتهاكات أو التضييقات التي رصدناها. والخاتمة: تعليقات ختامية.

 

الإطار الدستوري والقانوني المنظم للعملية الانتخابية:

بداية، فإن الهيئة الوطنية للانتخابات، بموجب المواد من (208 – 210) من دستور 2014 والمعدل في 2019، هي المسؤولة مسؤولية تامة عن “إدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة”

وهو ما يرد في القانون رقم 198 لسنة 2017، الخاص بتنظيم عمل الهيئة،  والذي ينص على أنها مسؤولة عن “وضع القواعد المنظمة لمتابعة الاستفتاءات والانتخابات من جانب وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية، وغيرها، ووكلاء المترشحين، ومراقبة مدى الالتزام بتلك القواعد”. بالتالي فإن الهيئة هي الجهة المنوطة بوضع قواعد تنظيم التغطية الإعلامية للاستحقاقات الديمقراطية.

 

القواعد المنظمة للتغطية الإعلامية للمشهد الانتخابي:

يستلزم مشاركة وسائل الإعلام، المحلية أو الأجنبية، في تغطية الاستحقاقات الديمقراطية من انتخابات أو استفتاءات، أن تحصل على ترخيص بالتغطية من الهيئة العليا للانتخابات، عبر التقدم، بطلب إلى الهيئة العليا للانتخابات للقيد بقاعدة بيانات التغطية الإعلامية. على أن يرفق معه طلب آخر بتفويض “س” أو “ص” من مراسليها أو المصورين، للسماح له بالتواجد في مقرات التصويت للتغطية. أما وسائل الإعلام الأجنبية تتقدم بطلباتها إلى الهيئة العامة للاستعلامات، التي تتولى رفعها إلى الهيئة الوطنية للانتخابات.

وللحصول على الترخيص بالتغطية يشترط الآتي: (1) أن تكون المؤسسة الصحفية أو الإعلامية مرخصة من المجلس                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 للإعلام، ولا يزال القيد ساريًا، مع مستند من المجلس يتضمن كل المخالفات التي ارتكبتها. نوع المحتوى، والسياسة التحريرية، وعنوان المقر، واسم ممثلها القانوني، وتاريخ نهاية الترخيص، وملخص خبرتها في مجال متابعة الانتخابات والاستفتاءات (إن وجد). (2) بيان بعدد أفراد طاقمها المرشحين للمشاركة في تغطية الانتخابات أو الاستفتاءات في كل محافظة من محافظات الجمهورية. (3) تقديم تفويض ممثل المؤسسة الصحفية أو الوسيلة الإعلامية أو الموقع الإلكتروني أمام الهيئة الوطنية للانتخابات.

أما الصحفي الذي يُسمح له بالتغطية يشترط فيه؛ حسن السيرة والسمعة، أن يكون نقابيًا، مقيد لدى نقابة الصحفيين، أو نقابة الإعلاميين إن كان إعلاميًا، على ألا يقل عمره عند التقدم عن 18 عامًا.

على أن يلتزم القائم بالتغطية بعدد من الضوابط، أهمها: الالتزام بالموضوعية والدقة والبعد عن التحيّز، مع عدم خلط الرأي بالخبر أو الإعلان، وعدم نشر صور أو معلومات بعيدة الصلة بموضوع التغطية، وعدم سؤال الناخبين عن اختياراتهم، أو إجراء استطلاعات رأي داخل أو قرب اللجان. هذا فيما يتعلق بعملية التغطية ككل.

بينما يتمتع القائم بالتغطية بالصلاحيات الآتية: (1) يسمح له بدخول اللجان للتغطية، بشرط: إبراز التصريح عند دخول مقار اللجان، بعد موافقة رئيس اللجنة، وبما لا يُعطّل سير عملية الاقتراع أو الفرز. (2) يجوز له تصوير عملية الاقتراع أو الفرز بعد موافقة رئيس اللجنة، لكن لا يُسمح بإجراء أي مقابلات صحفية أو إعلامية داخل اللجنة أو في محيطها، فيما لا تتجاوز مدة التواجد داخل اللجنة نصف ساعة أثناء الاقتراع. (3) له حق حضور عمليات فرز الأصوات وإعلان النتائج باللجان الفرعية والعامة، إلا أنه يجوز لرئيس اللجنة تقليص عدد الحاضرين إلى خمسة في حالة التزاحم، من خلال قرعة.

 

التضييقات المرصودة خلال يومي الانتخابات:

 بصفة عامة جاءت انطباعات الصحفيين إيجابية عن تجاربهم في التغطية، وهو ما أكدته عملية الرصد، إذ وثقنا 5 وقائع انتهاك، في محافظتي الإسكندرية والمنيا، فقط خلال يومي التصويت، وهي نسبة مقبولة وليست كبيرة، ما يمكن معه القول أن انتخابات مجلس الشيوخ 2025، في مصر، لم تشهد انتهاكات ممنهجة، أو تضييقات مقصودة، وما وقع وتم رصده إنما كانت حالات فردية لا تحيل إلى نمط موجه. وهو ما يؤكده إعلان غرفة عمليات نقابة الصحفيين لمتابعة التغطية الصحفية لانتخابات مجلس الشيوخ، أنها لم تتلق أي شكاوى تتعلق بعرقلة مهام الزملاء الصحفيين خلال تغطيتهم لسير عملية الاقتراع، سواء داخل اللجان أو خارجها.

أما الانتهاكات المرصودة، فقد جاءت كالتالي: 

  • في إسكندرية… منع 3 صحفيين من التغطية في إحدى اللجان.

وثق المرصد المصري للصحافة والإعلام، اليوم الإثنين 4 أغسطس 2025، واقعة منع ثلاثة صحفيين من تغطية مجريات انتخابات مجلس الشيوخ بإحدى المدارس في محافظة الإسكندرية، وذلك رغم حصولهم على التصاريح الرسمية الصادرة عن الهيئة الوطنية للانتخابات.

وقد أفاد أحد المسؤولين في غرفة عمليات الصحفيين بالإسكندرية بأن الصحفيين الثلاثة ينتمون إلى ثلاث مؤسسات صحفية مختلفة، وقد تعرضوا لتعنت من قِبل بعض أفراد الأمن المكلفين بتأمين المدرسة، حيث مُنعوا من الدخول لمباشرة عملهم، رغم إبرازهم التصاريح القانونية التي تتيح لهم التغطية.

 

  • الاعتداء على مراسل (رفض ذكر اسمه): 

وثق المرصد المصري للصحافة والإعلام، في اليوم الثاني من انتخابات مجلس الشيوخ، الموافق 5 أغسطس 2025، واقعة الاعتداء بالضرب على مراسل صحفي (رفض ذكر اسمه).

قال حديثه للمرصد، إنه أثناء تغطيته للمشهد الانتخابي، يوم الإثنين، من أمام لجنة محمود كريم بسموحة، تعرض للاعتداء من طرف أحد الأشخاص من حزب مستقبل وطن.

يضيف: “كان هناك ثلاث كاميرات، كاميرا لإحدى القنوات، وكاميرتين للحزب، فلما بدأت التصوير في المكان ذاته، أمسك هذا الشخص بيدي، لمنعي من التصوير، ودفعني بعيدًا، دفعته بدوري، فلكمني في بطني”.

وأفاد أن قوى الأمن المسؤولة عن تنظيم وتأمين العملية الانتخابية تدخلت لفض الاشتباك لصالحه، “اعتذر لي رئيس مباحث سموحة الموجود في محيط المكان، كما اتصل بي مسؤولين بالأمن الوطني واعتذروا لي”. 

 

  • في المنيا… التضييق على صحفية خلال التغطية.

كما رصد المرصد المصري للصحافة والإعلام، تعرّض صحفية ميدانية تعمل في محافظة المنيا لسلسلة من التضييقات أثناء تغطية مجريات العملية الانتخابية، في واقعة تُثير القلق بشأن حرية التغطية الصحفية خلال الاستحقاقات الديمقراطية.

وقالت الصحفية (ز.ت)، في حديثها للمرصد: “خلال يومين من التغطية، زرت نحو 15 لجنة انتخابية في مراكز مختلفة من محافظة المنيا، ومُنعت من التصوير داخل جميع هذه اللجان، ورفض رؤساء اللجان السماح لي بتصوير الناخبين أو صناديق الاقتراع، وحتى إجراء مقابلات أو تسجيلات مع رؤساء اللجان أنفسهم”.

وأضافت: “أعلم أن لرئيس اللجنة سلطة تنظيم التصوير داخل اللجنة، لكن في المقابل، تصلنا صور ومقاطع من زملاء في محافظات أخرى تمكّنوا من التصوير داخل اللجان، ما يكشف عن تفاوت واضح في المعاملة”.

وتابعت: “في ثلاث لجان على الأقل، لم يُسمح لي حتى بدخول المبنى الذي تُقام فيه اللجنة الانتخابية، وهو ما يمثّل تضييقًا مباشرًا على عملي الصحفي”.

وأشارت إلى أن أقسى درجات المنع وقعت في لجنة بمركز طحا الأعمدة؛ حيث مُنعت من تصوير مواطنين يحتفلون ويرقصون خارج مقر اللجنة، رغم أن هذا النشاط جرى في مكان عام.

وأكدت أن أعداد الصحفيين في هذه اللجان كانت محدودة؛ لم تتجاوز في أي حالة 6 مراسلين، “ما ينفي الادعاء بأننا نُعطّل سير العملية الانتخابية أو نُسبب ازدحامًا” -بسحب قولها.

وفيما يتعلّق بتغطية عمليات الفرز، أفادت الصحفية بأنها تقدّمت بطلب رسمي إلى الجهات المعنية، لكنها لم تتلقَ حتى الآن أي رد.

 

الخاتمة والتوصيات:

في البداية، استعرضت الورقة، وإن بشكل مختصر، الإطار الدستوري والقانوني، الحاكم للعملية الانتخابية، وما يرافقها من نشاطات، ومنها التغطية الإعلامية للمشهد، قبل أن تشير إلى التضييقات والانتهاكات التي شهدتها عملية التغطية خلال انتخابات مجلس الشيوخ 2025، بهدف تسليط الضوء على الفجوة بين المثال التشريعي والتطبيق. وقد كشفت هذه المقارنة أنه لا تزال هناك فجوة بين القواعد القانونية المنظمة وبين التطبيق، إذ كشفت الوقائع: أن التشريعات المنظمة وإن كانت تضمن حرية التغطية فإنها لم تشتمل على آليات واضحة لتحقيق ذلك، ومن ثم تختلف طريقة تعامل رؤساء اللجان الانتخابية مع صحفيين التغطية، خاصة في الأقاليم بعيد عن العاصمة، يجد رؤساء اللجان أنفسهم أكثر حرية في التحلل من مسؤلياتهم تجاه القائمين بالتغطية.

كما أن الوقائع المرصودة، على محدوديتها، تكشف أن هناك تفاوتًا في تطبيق القواعد المنظمة لعملية التغطية باختلاف الأقاليم، خارج العاصمة يجد رؤساء اللجان أنفسهم أكثر حرية في الالتزام بالقواعد، وغير معرضين لضغوط الرأي العام، كما هو الحال في العاصمة.

يكشف استعراض القواعد المنظمة لعملية التغطية، غياب لجهة مركزية مسؤولة عن ضمان تغطية سلسة وحرة للمشهد الانتخابي، ومسؤولة عن تلقي شكاوى الصحفيين، وعن الرقابة على عدم وقوع انتهاكات خلال التغطية، والتحرك في حال وقوع انتهاكات. لكن الوقائع المرصودة تكشف من جهة أخرى أن الأجهزة الأمنية المسؤولة عن تنظيم العملية الانتخابية في اللجان حاولت تقليل آثار الانتهاكات بحق الصحفيين في حال وقوعها. لكن ظل مع ذلك غياب آلية للرقابة على التزام الجهات المختلفة بالقواعد المنظمة للتغطية. 

 

في ضوء ما سبق يمكن طرح المقترحات الآتية:

  1. إصدار بروتوكول وطني مُلزم بين الهيئة الوطنية للانتخابات ونقابة الصحفيين بشأن صلاحيات التغطية وإجراءات التنسيق.
  2. وجود جهة مستقلة (بالشراكة بين الهيئة الوطنية للانتخابات والمجلس الأعلى للإعلام ونقابتي الصحفيين والإعلاميين) لمتابعة سير عملية التغطية، ومراقبتها وضمان سيرها بصورة جيدة.
  3. تدريب مسؤولي اللجان وقوات الأمن على الالتزام بضمان التغطية الصحفية للمشهد الانتخابي.
  4. إطلاق آلية إلكترونية فورية للتظلم حال التعرض للمنع.
  5. إشراك منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في إصدار تقرير لتقييم المشهد الانتخابي وما شهد من مشكلات وأوجه قصور تتعلق بالتغطية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى