في ذكراه العاشرة: أحمد محمود.. أول شهيد للصحافة المصرية في ثورة يناير 2011 (بروفايل)
في صباح يوم 29 يناير 2011، قرر “أحمد محمود” الصحفي بجريدة التعاون، التي تصدر عن مؤسسة الأهرام، الذهاب إلى مكتبه بـ”دار اللطائف للنشر”، بالعقار القريب من مكتب الأمن العام بميدان لاظوغلي، وسط القاهرة، وبحسب حديث زوجته مع المرصد المصري للصحافة والإعلام، فقد أخبرها أن عليه دفع رواتب الموظفين، ونصحها بعدم الذهاب لعملها لأن “الشوارع فيها سحل”.
لم تمنعه الظروف الاستثنائية التي كانت تمر بها البلاد، واشتداد وتيرة الأحداث وقتها في الشوارع والميادين والتي كانت تعج بآلاف المتظاهرين الذين جاءوا من كل حدب وصوب، للمشاركة في الثورة المصرية، من القيام بواجبه الصحفي في متابعة ما يحدث ورصده بأبسط الإمكانيات المتاحة لديه.
وبينما كان المتظاهرين في الشوارع القريبة من مكتبه، كان أحمد محمود في شرفة الطابق الأول من الشقة التي اتخذها مقرًا لدار النشر، يلتقط من خلال هاتفه المحمول، صورًا لما يحدث في من اشتباكات بين قوات الأمن و المتظاهرين، بغرض التوثيق.
وما إن ضغط بإصبعه على زر الالتقاط، حتى لمحه ضابط برتبة نقيب، كما قالت زوجته في تصريحات صحفية سابقة، وصوّب السلاح نحوه، في ذلك الوقت كان أحد الموظفين العاملين معه يفرّ من الأحداث بالشارع، صاعدًا إلى المكتب، فرأى الصحفي راكعًا على ركبتيه، والدماء تسيل من رأسه، فنقله إلى مستشفى القصر العيني، ليمكث في غيبوبة لبضعة أيام، بعد إصابته برصاص”قناصة الداخلية” ليفارق بعدها الحياة في الرابع من فبراير، عن عمر ناهز الـ36 عامًا، تاركًا خلفه زوجته وابنته نورهان ذات الـ 10 أعوام. يُشار إلى أن “محمود” قد التقط صورة قاتله، وظلت في هاتفه المحمول، حتى تم استخراجها، لكنها لم تكن دليل كافٍ كما قالت النيابة لزوجته، ورغم شهادة المتواجدين في محيط المكان من أصحاب محال بمواصفات الضابط، غير أن الحجة القاطعة كانت في الرصاصة التي قُتل بها الصحفي، لكنها دُفنت معه، حيث رفضت أسرة “محمود” تشريح الجثة، من منطق “أن هذا قضاء الله”، فضلًا عن أن زوجته لم تلتفت لهذا من هول الصدمة، وحينما أدركت، تيقنت أن ذلك لم يكن ليحرك شيئًا، قائلة: “مطابقة الرصاصة والبحث عن السلاح المضروب به حاجة استحالة تتعمل”.
*القصاص*
وخلال تواصلها مع “المرصد”، أكدت زوجة الصحفي “أحمد محمود”، أن التحقيق في مقتل “أول ضحية للصحافة في الثورة” لم يُحفظ، وأن القصاص لم يأتِ بعد، لكنها فقدت الأمل في محاسبة أحد، مستنكرة ما حدث مع الرئيس الأسبق ووزير داخليته، قائلة: “خلاص لما مبارك يطلع براءة، وحبيب العادلي يطلع براءة هيتهموا مين بقى؟”.
*جنازة رمزية*
في7 فبراير 2011، قرر زملاء الصحفي الراحل الخروج في جنازة رمزية، من أمام مقر نقابة الصحفيين صوب ميدان التحرير، مرورًا بشارع طلعت حرب، كنوع من التضامن والتكريم لزميلهم الراحل، شارك فيها مئات الكتاب والصحفيين وفي مقدمتهم أعضاء من مجلس النقابة، من بينهم: الصحفية عبير السعدي.
*جرافيتي*
حرص زملاء “أحمد محمود”، على التذكير بسيرته الطيبة والتعريف بالجُرم الذي ارتكب في حقه، تعبيرًا عن تقديرهم وامتنانهم لذكرى إنسان قضى حياته عاشقًا لمهنة الصحافة، ففي ذكرى رحيله الثانية؛ سعى عدد من الزملاء لدى نقابة الصحفيين في شارع عبد الخالق ثروت إلى وضع رسم جرافيتي على جانبي جدران النقابة من الخارج، يتضمن صور شهداء الصحافة، ففي أقصى اليسار تتجلى صورة شاب دون الأربعين من العمر، يخط وجهه شارب أسود، فيما تحمل الكلمات أسفل الرسم “أحمد محمد محمود، شهيد محيط وزارة الداخلية”.
ولكن سرعان ما تبدل الوضع، فمع كثرة ضحايا الصحافة قام أحد مسؤولي النقابة بمسح الصور كلها بما في ذلك صورة أحمد محمود، مما اضطر إيناس عبد الدايم، زوجته، إلى الذهاب لمقر النقابة، حيث بدا عليها الحزن لمسح الصورة، وطالبت القائمين على شؤون النقابة بوجوب إعادة رسمها مرة أخرى، فكان لها ما أرادت.
وعن هذه الواقعة، قالت الزوجة في تصريحات صحفية: “هما مش مستوعبين إن النقابة بتقوى بصحفييها وإن تكريم اللي راحوا واجب”.
*نقابة الصحفيين*
لم تدخر نقابة الصحفيين جهدًا في المطالبة بحق الصحفي أحمد محمود، حيث قام الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين -آنذاك- بتقديم بلاغ للنائب العام، طالب فيه باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص العادل ممن تسببوا في قتل أحد أعضائها أثناء قيامه بمهام عمله الصحفي.
وبالتزامن مع تنظيم حفل تكريم لأسرة الشهيد، في ذكرى مرور عام على مقتله، قرر نقيب الصحفيين ممدوح الولي، وأعضاء من مجلس النقابة، اختصام وزير الداخلية أمام النيابة العامة، لرفض الوزارة تقديم الضابط المتهم في واقعة قتل الصحفي أحمد محمود للعدالة. كما قرر المجلس التوجه بكامل هيئته إلى مكتب النائب العام، يوم الأحد الموافق 5 فبراير 2012، لتقديم طلب بتسريع التحقيقات في القضية.
وعلى الرغم من مطالبة نقابة الصحفيين باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لاسترداد حق محمود إلا أن حق القصاص لمحمود لم يتم حتى الآن، مما فتح المجال لمقتل المزيد من الصحفيين.
على الجانب الآخر، أبدت وفاء محمود شقيقة الصحفي الراحل استياءها من الوضع، ففي ذكراه السابعة قالت إن نقابة الصحفيين تتخاذل ضد حقوق أعضائها، وحتى الآن لم يسترد صحفي حقه، مناشدة في الوقت نفسه بضرورة الإفراج عن الصحفيين المعتقلين على خلفية عملهم الصحفي، وأن يتم القصاص العادل لمن فارقوا الحياة في سبيل مهنتهم.
كانت نقابة الصحفيين، قد بذلت جهودًا ملموسة من أجل استرجاع حقوق أبناءها المغدور بهم، إذ عكفت النقابة على إصدار كتيب اليوبيل الماسي لها، شمل العديد من ضحايا الصحافة، كان من بينهم أحمد محمود، كما قررت النقابة، تعليق لوحة تذكارية رخامية، نقش عليها اسم الصحفي، وصورته، وظروف استشهاده.
وخلال تلك الفترة أصدرت النقابة قرارًا بمنح أسرة الصحفي أحمد محمود معاشًا استثنائيًا، إلا أن زوجته، أكدت في حديثها لـ”المرصد” أنهم لم يحصلوا على أي معاش من النقابة، وأن ما تردد ما هو إلا ”كلام”، على حد تعبيرها.
*تطورات القضية*
قالت إيناس عبد الدايم، زوجة الصحفي أحمد محمود، إن القضية بتطوراتها كانت تسير بشكل جيد، وإن النيابة قامت بإحضار الضباط المناوبين في ذلك اليوم، كما طالبت أيضًا بإحضار الشهود، فحضر واحد على الأرجح -حسب قولها- ولم يستطع التعرف على أحد. وتعتبر زوجته أن القضية تم إغلاقها منذ تم تبرئة الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي في قضية قتل المتظاهرين.
وفي يوم الثلاثاء، الموافق 1 أبريل 2014، استكملت محكمة جنايات القاهرة، جلسات محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال مبارك، ووزير داخليته الأسبق اللواء حبيب العادلي ومساعديه الستة، بتهمة التحريض والاتفاق والمساعدة على قتل المتظاهرين السلميين إبان ثورة 25 يناير، وإشاعة الفوضى فى البلاد وإحداث فراغ أمني فيها.
في هذه الجلسة قال دفاع “العادلى” إن القضية بها مجني عليه يدعى “أحمد محمد محمود” صحفي، قيل إنه قتل خلال قيامه بتصوير الضابط الذي قتله باستخدام جهازه المحمول، وأن النيابة العامة حصلت على هذا الجهاز المحمول وبه صورة الضابط القاتل، متسائلًا لماذا لم تعرض النيابة صورة ذلك الضابط ولم تستدعيه وتسأله عن محرضه وهل صدرت له أوامر من مرؤوسيه بقتل المتظاهرين من عدمه؟.
*الحلم*
سردت إيناس عبد الدايم، زوجة الصحفي أحمد محمود خلال حديثها مع”المرصد” أنه كان يحلم أن تصير ابنته خلفًا له في دار النشر وأن تلتحق بكلية الإعلام قسم الصحافة إلا أن ابنته نورهان التحقت بكلية الحقوق في عام 2018 ، حبًا في القانون، ورغبة في الدفاع عن الحقوق. ومن بين حكايات الصحفي مع ابنته كما تروي زوجته أنه كان يقول لها إنها نائب رئيس مجلس الإدارة، مشجعًا لها على إدارة دار النشر.
*تضامن دولي*
في 12 فبراير 2011، أدانت منظمة اليونسكو العالمية قتل الصحفي أحمد محمود، على لسان المديرة العامة للمنظمة، إيرينا بوكوفا، إذ قالت في بيان لها: “أدين اغتيال الصحفي أحمد محمد محمود، ونرى أن أعمال العنف التي يتعرض لها الصحفيون انتهاك للحق الأساسي في حرية التعبير، وهي تمثل بالتالي تهديدًا مباشرًا للديمقراطية. كما ينبغي تمكين وسائل الإعلام من الاضطلاع بمهامها في ظروف آمنة بغية إثراء الحوار الحر والمستقل، وأضافت: “إنني أعول على السلطات المصرية لتقوم بكل ما في وسعها من أجل الكشف عن ملابسات هذه الجريمة وإحالة المسؤولين إلى القضاء”.
*النشأة والميلاد*
وُلد الصحفي أحمد محمد محمد محمود في 8 فبراير 1972 بمحافظة القاهرة، تخرج من كلية التجارة، لكنه كان مولعًا بالصحافة، فالتحق بالعمل كصحفي بدار التعاون قبل دمجها مع مؤسسة الأهرام، وتمكن من الحصول على عضوية نقابة الصحفيين بعد تعيينه بجريدة التعاون.