إحسان عبد القدوس.. المغامرة بين الصحافة والأدب (بروفايل)

كان عام 1919 إيذانًا بحدوث انتفاضة شعبية ثار فيها الشعب المصري ضد بطش الاحتلال الإنجليزي ونفيه للزعيم الوفدي سعد باشا زغلول وبعض رفاقه إلى خارج البلاد، وشهد نفس العام مولد كاتب وروائي من العيار الثقيل، قضى حياته متجولًا بين أروقة الصحافة والأدب، هو الصحفي الكبير إحسان عبد القدوس، والذي تحل اليوم ذكرى ميلاده.

البداية

ولد الكاتب إحسان عبد القدوس بالقاهرة، في الأول من يناير عام 1919 لأسرة فنية، فوالدته هي السيدة”روز اليوسف” التي عملت في مجال التمثيل قبل أن تهجره متجهة إلى الصحافة حيث أنشأت صحيفة تحمل نفس اسمها على غير المألوف في هذا العصر خلال فترة العشرينات وهي صحيفة روز اليوسف الشهيرة، ووالده الفنان محمد عبد القدوس الذي عشق الفن فترك من أجله الهندسة وتفرغ للكتابة والتأليف، على غير رغبة والده.

منذ صغره اعتاد “إحسان” على التنقل بين بيت جده لوالده “الشيخ رضوان”، والذي كان معروفًا عنه التزامه الديني، فحرص على تعليم حفيده أصول الدين والشريعة، وكان يلزمه بحضور مجالس العلم، وبجانب ذلك كان بيت السيدة روز اليوسف لا يخلو من عقد الندوات الثقافية والسياسية التي كان يحضرها كبار المفكرين والشعراء والفنانين في ذلك الوقت، وفي هذه البيئة نشأ “إحسان” متسلحًا بالعلم والايمان، وعن ذلك يقول: “كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه”.

دراسته

التحق إحسان عبد القدوس بمدرسة خليل أغا في عام١٩٢٧ وحصل منها على الابتدائية، وفي عام 1937 حصل على الثانوية من مدرسة فؤاد الأول، وخلال دراسته الجامعية التحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام ١٩٤٢، ليعمل من بعدها في مهنة المحاماة لكنه لم يوفق فيها، وعن ذلك قال: “كنت محاميًا فاشلًا لا أجيد المناقشة والحوار، وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، فودعت أحلامي أن أكون محاميًا لامعًا”.

عمله الصحفي

استطاع “إحسان” أن يثبت مع مرور الوقت أنه صاحب قلم لا يشق له الغبار، فبعد عزوفه عن المحاماة، اتجه إلى العمل في الصحافة، فكانت أولى مقالاته التي كتبها في مجلة روز اليوسف عام 1945 تحت عنوان “هذا الرجل يجب أن يخرج من مصر”، قاصدًا اللورد كيلر، المندوب السامي البريطاني، فسُجن، وبمجرد خروجه من المعتقل، عينته والدته رئيسًا لتحرير المجلة بصفة رسمية وعمره آنذاك لم يتخطي الـ 26 عامًا ، لكنه لم يمكث طويلًا في العمل هناك ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة للصحفي أحمد بهاء الدين.

وخلال منتصف الستينات، تولى احسان عبد القدوس رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم في الفترة من عام 1966 حتى عام 1968، وبداية من عام 1971 جمع احسان بين منصبين رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير حتى عام 1974.

تعرض “إحسان” خلال مسيرته الصحفية إلى السجن والاعتقال عدة مرات بسبب مقالاته السياسية، حيث سُجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قرارًا بإعدامه، ودخل السجن عام 1954 بعد كتابته لمقال طالب فيه بضرورة عودة الجيش المصري إلى ثكناته، وخرج من السجن ليدخل السجن مرة أخرى بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم.

ولعله من المنصف الاشارة إلى أن قضية الأسلحة الفاسدة في حرب فلسطين عام 1948 والتي تطرق لها إحسان عبد القدوس في عدد من مقالاته، ساعدت على تأليب الرأي العام ضد حكومة الملك فاروق، وكانت دافعًا قويًا لقيام ثورة يوليو فيما بعد.

حياته الأدبية

حينما قرر “إحسان” أن يكتب أولى قصصه، كان يعتريه صراع داخلي في أنه لن يوفق في الأدب مثلما سبق ووفق في الصحافة، لطبيعة الاختلاف بينهما؛ فمتطلبات كلًا منهما في الكتابة ليست واحدة، وهو الأمر الذى ظهر واضحًا في رواياته، حيث طغي عليها الأسلوب الصحفي أكثر من الأدبي، وعن ذلك قال: “لقد بدأت كتابة القصة منذ كنت صبيًا في الحادية عشرة من عمري.. قصص لم تزد قيمتها على أنها محاولات صبي.. وعندما أصبحت في السابعة عشرة من عمري كتبت قصصًا في أسلوب أقرب إلى الشعر المنثور، مجرد خيال مراهق مفكك، وعندما دخلت الجامعة في الثامنة عشر من عمري توقفت عن محاولات كتابة القصة، واكتفيت بقراءة القصص العالمية والمصرية، وفي هذه المرحلة بدأت اشتغالي بالصحافة، وأخذتني الصحافة، أخذت كل تفكيري، وكل جهدي، وكل عواطفي، واتجه قلبي اتجاهًا عنيفًا نحو الخبر والمقال، وفي كثير من القصص التي نشرت لي في ذلك الحين كانت شخصيتي كصحفي تطغى على شخصيتي كأديب”.

يعد إحسان عبد القدوس أحد أبرز الكتاب الذين سطروا بكلماتهم أجمل القصص والروايات التي تحول بعضها إلى أفلام سينمائية لعل من أشهرها: الوسادة الخالية، وأبي فوق الشجرة، وأنف وثلاث عيون، والعذراء والشعر الأبيض، وشيء في صدري، وأنا حرة، ومن المسلسلات التليفزيونية كان أبرزها: لن أعيش في جلباب أبي، ولا تطفئ الشمس، كما كتب ما يزيد عن 600 قصة، منها 49 رواية تم تحويلها إلى نصوص للأفلام و5 روايات تم تحويلها إلى نصوص مسرحية و9 روايات تحولت إلى مسلسلات إذاعية و10 روايات تم تحويلها إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى 65 كتابًا من رواياته ترجمت إلى عدة لغات أجنبية.

كان المجتمع المصري هو البطل في معظم كتابات إحسان عبد القدوس ـ إن لم يكن جميعهاـ يناقش مشاكله ويعالج نواقصه بحيادية وموضوعية، لكنه في المقابل لم يسلم من الانتقادات اللاذعة التى شككت في إبداعه ككاتب له رؤية كاتهامه بأنه كاتب جنس أو أديب الفراش وهو ما رفضه خلال حوار صحفي أجري معه في الثمانينات قال فيه: “أنا لا أكتب عن الجنس فقط، ولكني أكتب عن كل ما في الحياة التي يعيشها مجتمعي، الجنس وغيره، وبالنسبة للجنس فإنني لا أخاف من الكتابة عنه لأنه موجود في حياتنا ومؤثر فيها، إلى حد كبير، وعندما أكتب عنه، لا أتناوله لذاته، بل بهدف التحليل الواقعي لدوافع الإنسان التي تحركه نحو سلوك معين”.

تكريمه

حصد إحسان عبد القدوس العديد من الجوائز التي توجت أعماله بالنجاح والتميز، ففي عام 1973 حصل على الجائزة الأولى عن روايته “دمي ودموعي وابتساماتي”، وعن فيلمه “الرصاصة لا تزال في جيبي” حصل على جائزة أحسن قصة فيلم أشاد بها الجمهور والنقاد، وفي عام 1989 حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب.

كما حظي بتكريم الدولة له أكثر من مرة، حيث حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس جمال عبد الناصر، ووسام الجمهورية من الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وكل عام يحرص صالون إحسان عبد القدوس الثقافي على تنظيم مسابقة في مجالات القصة والرواية والنقد القصصي، يعلن أسماء الفائزين فيها في احتفالية تقام في مقر جريدة روز اليوسف في ذكرى رحيل الكاتب الكبير وبحضور عدد من المثقفين والفنانين.

وفاته

تناقلت بعض المواقع الإلكترونية معلومات مغلوطة عن وفاة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، وهو الأمر الذي نفاه نجله الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، في مكالمة هاتفية له مع المرصد المصري للصحافة والإعلام، حيث أوضح أن تاريخ الوفاة كان في 11 يناير عام 1990 وليس بعده كما يشير إليه البعض.

زر الذهاب إلى الأعلى