الحسيني أبو ضيف.. حمل الكاميرا ليوثق الأحداث فُحمِل قتيلًا على الأكتاف (بروفايل)

“هذه آخر تويتة قبل نزولي للدفاع عن الثورة وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة”. كانت هذه الكلمات آخر ما كتبه الحسيني أبو ضيف، في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، قبل نزوله لتغطية أجواء الاشتباكات التي وقعت نهاية عام 2012، والمعروفة إعلاميًا  بـ “أحداث الاتحادية”، عقب إصدار الرئيس الأسبق محمد مرسي، إعلانًا دستوريًا في 21 نوفمبر 2012، والذي اعتبره معارضيه تحصينًا لبعض قرارته.

خرج “أبو ضيف” ليؤدي عمله يوم الأربعاء الموافق 5 ديسمبر 2012، لتغطية مظاهرات القوى الثورية المعارضة للإخوان، أمام قصر الاتحادية، لكن باغتته طلقة في الجمجمة أدت إلى تهتك في الرأس، نُقل “الحسيني” على إثرها من موقع الحدث إلى مستشفى منشية البكرى، التي رفضت استقباله، كما فعل عين شمس التخصصي، واستقر به المقام في مستشفى الزهراء الجامعي، ووضع على أجهزة التنفس الصناعي كى تساعد رئتيه على نقل الهواء دخولًا وخروجًا، إلا أنه بقى في غيبوبة لمدة أسبوع كامل، لتوافيه المنية في 12 ديسمبر 2012 متأثرًا بإصابته بنزيف دموي غزير، وشُيِّع جثمانه من مقر نقابة الصحفيين إلى موطنه بطما في سوهاج، وسط الحشود.

عن الحسيني

تخرج الحسيني أبو ضيف، في كلية الحقوق جامعة أسيوط، ثم توجه إلى القاهرة؛ نظرًا لشغفه بالعمل الصحفي الذي وجد فيه أحلامه، إذ انضم إلى جريدة الفجر، ورغم كونه ناصريًا إلا أنه فضل ترك تلك الانحيازات جانبًا داخل العمل الصحفي محاولًا أن يتسم بالمهنية قدر المستطاع، وذلك حسبما أكده صديقه في فيديو له أثناء تلقي عزائه، ورغم ذلك لم ينس السياسة تمامًا فقد انضم إلى أحزاب مثل حركة كفاية، وحزب التيار الشعبي الاشتراكي.

اشتُهر  “أبو ضيف” بدفاعه المستميت عن الفقراء، وشارك في العديد من الوقفات الاحتجاجية للدفاع عن المظلومين. كما كان يقف فى المظاهرات التي تندد بالظلم والفساد وتقييد الحريات، لأن قضيته هي القضاء على الفساد ومحاربته، وأكبر دليل على محاربته الفساد أنه عندما رفعت جامعة أسيوط المصاريف الجامعية، أقام “الحسينى” دعوى قضائية ضد إدارة الجامعة، وكان من المعتقلين لدى أمن الدولة التي تستدعيه على خلفية اﻷنشطة السياسيّة بالجامعة.

شغف التصوير

وخلال وقائع مؤتمر صحفي داخل نقابة الصحفيين لمساندة الصحفي الحسيني أبو ضيف في شهر ديسمبر 2012، قالت إحدى صديقاته: “إنه قام بشراء الكاميرا في رمضان الماضي، وكان فرحًا بها وكأنها أحد أبنائه، وأنفق الحسيني كل مدخراته، لتوثيق أحداث الثورة، وكان دائمًا يمسك الكاميرا ويصور كل شخص منا، ودائمًا كان يقول: لو حد مننا تم اعتقاله نستطيع أن نجد له صورًا لنعرف الناس به”.

وقالت عبير سعدي، وكيل نقابة الصحفيين آنذاك، في ذات المؤتمر، إن الحسيني أبو ضيف، كان منسق عام لجنة الدفاع عن الصحافة، إذ إنه صاحب الفكرة، حيث قرر أن يكون لليوم العالمي لحرية الصحافة، لجنة تقوم بتوثيق الانتهاكات التي تُمارس ضد الصحفيين، الأمر الذي دعاه إلى الاهتمام بالتصوير بأخذ دورة تدريبيه، فاشترى كاميرا بمعظم مدخراته لتوثيق الانتهاكات ولتأديةعمله بشكل أفضل”.

واقعة قتله

في وقت مبكر من يوم 5 ديسمبر 2012 أصيب “الحسيني” بطلقة بخرطوش أثناء تأدية عمله في تغطية التظاهرات، واستطاع خلال وجوده بالمستشفى الميداني لعلاج جراحه، تصوير مقطع فيديو يوثق من خلاله بعض الاعتداءات التي تمت من أنصار الرئيس “مرسي”، إلى أن أصيب بطلقة في رأسه، وذلك حسبما أوضح صديقه “محمود عبد القادر” – الذي كان متواجدًا معه أثناء الحادث – في تصريحه لجريدة الوطن:” “وأنا واقف على شماله مباشرة، فجأة سمعت صوت طنين يشبه صوت النحلة، واستقر برأس الحسيني من الناحية اليمين، ولقيت الحسيني وقع على النجيلة بعنف من أثر الطلقة اللي خدها في دماغه”، وأضاف “عبدالقادر” في مداخلة عبر برنامج مانشيت، مع الإعلامي جابر القرموطي، على فضائية أون تي في، فيديو: “أن الكاميرا الخاصة بالحسيني كانت بنسبة كبيرة مستهدفة، فأخذها شخص ما خلال انشغالي بنقل الحسيني للمستشفى، خاصة بأنها كانت عليها كل شيء قام بتصويره”.

العمل الصحفي

كان الحسيني أبو ضيف، نشر قبل 4 أشهر من مقتله فقط، مقالًا أوضح فيه أن الرئيس الأسبق، محمد مرسي، أصدر عفوًا رئاسيًا شمل 572 سجينًا، وذلك في يوليو من عام 2012، ليتضمن هذا العفو “سيد علي محمود”، وهو شقيق زوجة مرسي، والذي كان يمضي حكمًا بالسجن لمدة 3 سنوات بعد أن أتمت إدانته بتهمة الرشوة، وتجاهلت الرئاسة هذا التقرير تمامًا، ولكن بعد فترة قليلة تلقى “الحسيني” عددًا من التهديدات عبر صفحته على موقع فيسبوك، من أشخاص وصفوا أنفسهم بأنهم “مؤيدون لجماعة الإخوان المسلمين”، وذلك حسب مقابلات أجرتها لجنة حماية الصحفيين مع شقيق الصحفي القتيل وزملائه.

كما كان الحسيني نشطًا للغاية في توثيق كل الانتهاكات التي كان تحدث آنذاك، إذ كان أدمن الصفحة الرسمية لحركة “كفاية”، المناهضة لحكم الإخوان، والتي نشر بها أي انتهاكات تمت في ذلك الوقت، إضافة إلى توثيقه ما يحدث على صفحته هو الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وذلك حسبما أوضح محاميه محمد فاضل، وفق المذكرة التي قدمها للمحكمة، ونشرها موقع اليوم السابع، كما كان أدمن أيضًا بصفحة لجنة الدفاع عن الصحافة.

وكتب الحسيني في أحد موضوعاته، “ليس مهمًا أن تكون أحد المشاهير لكي يخلد اسمك، ليس مهمًا أن يكون لك أصدقاء على فيس بوك أو تويتر بعشرات الآلاف لكي تخرج مظاهرة حاشدة تؤيدك، ليس مهمًا اسمك أو لونك أو دينك لكي ترى الجميع يرفع صورتك في قلب ميادين التحرير، كلنا في حب الوطن سواء وكلنا خالد سعيد وكلنا مينا دانيال وكلنا أحمد صالح”.

حرية الإعلام

وطالب “الحسيني أبو ضيف”، مرارًا وتكرارًا بحرية الصحافة والإعلام المصري من القيود التي فرضت عليه من أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحتى مقتله أيام الرئيس السابق محمد مرسي.

قالوا عنه

أجمع أصدقاؤه على أنه لم يترك أي صديق في محنة كما لم يرتفع صوته فى حديث مع صغير أو كبير، وكان دمث الخلق، بشوشًا متدينًا مصريًا حتى النخاع، مؤمنًا بوحدة شعب مصر.

قالت زميلة له: “الحسيني مات خارج الاشتبكات بمسافة طويلة، نحن أمام محاولة اغتيال وتصفية مباشرة للحسيني”.

وقال الكاتب خالد السرجاني في مقال له منشور على جريدة المصري اليوم: ” صديقى الراحل الحسينى أبوضيف له طابع خاص بين زملائه الصحفيين،  فجاء إلى الصحافة وله انتماءات سياسية واضحة، منتمي إلى التيار الناصرى، وعمل فى جريدة من تلك التى تحارب الفساد، وكان فى حربه على الفساد من النوع الثقيل، لقد كان الشهيد الحسينى «ابن موت» كما يقول أولاد البلد، فمن جلس معه مرة واحدة لا ينساه، ومن تعامل معه بنى معه صداقة ظلت مستمرة”.

تخليدًا للذكرى

تم تخليد ذكراه، حينما أطُلق اسمه، على الشارع الذي تقع فيه المدرسة التي تحمل نفس اسمه، بمحافظة سوهاج، مسقط رأسه، إضافة إلى تكريم مجلس وزراء الإعلام العرب اسم، الحسيني أبوضيف، وذلك على هامش الاحتفالية التى نظمها بمقر الجامعة العربية، إيمانا بدوره فى دعم حرية الصحافة، وذلك بحضور أحد أفراد العائلة لتسلم شهادة التكريم.

ومن جانبها قامت أسرة أبو ضيف، تخليدًا لذكراه الثانية، بإعادة تجهيز مشرحة مستشفى طما المركزي، وإعادة تشغيلها مرة أخرى بعد أن توقفت عدة شهور عن استقبال أي جثث، كصدقة جارية على روح ابنهم، وذلك حسب ما أكد شقيقه، سالم أبوضيف، لتخفيف معاناة أهالي قرى ومركز طما.

كما اختارت جامعة الدول العربية اسمه، كشخصية العام العربية،  وإهدائه درع التميز الصحفي، وفي عام 2015 تم إحياء ذكرى مقتل الحسيني الثالثة بعدما قام المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء، بتقديم 3 شهادات تقدير لوالده ووالدته وشقيقه، وشيك ودبوس يحمل شعار المجلس.

وبحلول الذكرى الثالثة على مقتله، كرمت الدولة “أبو ضيف” بإدراج اسمه ضمن قائمة شهداء الثورة، ليكون ذلك بمثابة تحقيق لأحد مطالب أسرته.

وطالب شقيقه“سالم أبوضيف” في تصريحات لـ”بوابة الوفد”، في ذكراه الثالثة، بضرورة فتح التحقيقات مرة أخرى، وإعادة المحاكمة بشكل جدي، لافتًا إلى أن أسرته بانتظار القصاص العادل، خاصة بعد أن أكد تقرير الطب الشرعي أن شقيقه قُتل برصاص محرم دوليًا.

من الجاني

أكد تقرير الطب الشرعي الصادر في 22 فبراير 2013، أي بعد شهرين من الواقعة أن “أبو ضيف” قُتل جراء تلقيه رصاصة أطلقت من مسافة تزيد قليلًا عن متر واحد، غير محدد لنوع السلاح أو الرصاصة المستخدمة.

وعقب كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعى الأسبق، الدكتور فخرى صالح، على تقرير الطب الشرعي بشأن مقتل “الحسينى”، فقال إن القاتل  استهدف  مناطق تؤدى إلى القتل الفوري، منها منطقة أعلى الصدر والرأس، مؤكدًا أن عملية اغتياله تمت من محترفين فى القتل برصاص محرم دوليًا، من نوع «دمدم» التي تهدف إلى الانشطار داخل الجسد عند الارتطام به لتقوي من تأثير وعمق الإصابة. -وفقًا لما نُشر على موقع صوت الأمة-.

نقص الأدلة يقيد يد العدالة

قررت النيابة العامة بعد صدور تقرير الطب الشرعي، استدعاء ثلاثة شباب قياديين من جماعة الإخوان المسلمين، وهم أحمد سبيع، وعبد الرحمن عز، وأحمد المغير، وحققت معهم لمدة ست ساعات ثم أفرجت عنهم لنقص الأدلة، وفي أواخر مايو 2013، فتحت النيابة التحقيق مرة أخرى بضغط من القوى الثورية، إلا أنها أقفلت التحقيق بعد شهر واحد فقط، محيلة  أحمد المغير إلى المحكمة بتهمة الاعتداء على المتظاهرين وعلاء حمزة، إلى المحكمة بتهمة تعذيب واحتجاز متظاهرين معارضين، وفي أبريل عام 2015. -حسبما نُشر على موقع صوت الأمة-.

الموقف القانوني

تم فتح التحقيق في مقتل “الحسيني”، مرة أخرى، ضمن القضية المعروفة إعلاميًا، بأحداث الاتحادية والتي، أسندت النيابة العامة للمتهم محمد مرسي، تهم تحريض أنصاره ومساعديه على ارتكاب جرائم القتل العمد مع سبق الإصرار واستخدام العنف والبلطجة، وفرض السيطرة، وإحراز الأسلحة النارية والذخائر والأسلحة البيضاء والقبض على المتظاهرين، واحتجازهم بدون وجه حق وتعذيبهم.

كما وجهت النيابة لأسعد شيحة، وأخرين تهم التحريض العلني عبر وسائل الإعلام على ارتكاب ذات الجرائم.

وقررت المحكمة فى أبريل عام 2014، حظر النشر فى القضية، وذلك فى جميع جلسات سماع أقوال الشهود حفاظًا على سرية التحقيق والأمن القومى إلا أن المحكمة فى 25 أغسطس 2014، قررت رفع حظر النشر لسماع مرافعة النيابة العامة.

ليصدر الحكم في القضية بتاريخ 21 أبريل 2015، حيث قالت المحكمة فى الأسباب المبدئية لحكمها في قضية أحداث الاتحادية، أن المتهمين استعملوا العنف واحتجاز المجني عليهم دون وجه حق، ما أدى إلى حدوث وقائع تعذيب بدني يعاقب عليها القانون، لذا رفعت المحكمة العقوبة المقررة بالسجن المشدد من 3 إلى 15 سنة، إلى 20 سنة، حيث أجاز القانون رفع العقوبة للحد الأقصى، واستعملت المحكمة حقها في ذلك.

وبتاريخ 22 أكتوبر 2016، رفضت محكمة النقض الطعن المقدم من المتهمين لتقضي بتأييد حكم السجن المشدد 20 عامًا لكل من الرئيس مرسي وستة آخرين، كما يتضمن سجنًا مشددًا 10 سنوات بحق عبدالحكيم إسماعيل، وجمال صابر.

ووفقًا لما نشر، يعد هذا الحكم هو الأول بشكل نهائي بحق مرسي، ومسؤولين بارزين في عهده، ولا يمكن إلغاؤه إلا بعفو رئاسي أو تقديم التماس لمحكمة النقض للنظر مجددًا في حكمها الصادر .

زر الذهاب إلى الأعلى