الذكرى الأولى لرحيل الصحفي هاني شُكر الله..رائد صحافة العُمق (بروفايل)

في مثل هذا اليوم من العام الماضي، فقدت الصحافة المصرية أحد أبرز أقلامها، ذلك القلم الذي خاض معارك عديدة في بلاط صاحبة الجلالة، وسطَّر مقالات وأعمدة صحفية، في العديد من الصحف المصرية والعربية والعالمية؛ قلمٌ برَّاق، أسس وشارك في تأسيس تجارب صحفية مُميزة وفريدة من نوعها، فأثَّر في أجيال صحفية عِدة، وبقي أثره خالدًا حتى بعد أن وافته المنية، إنه قلم الصحفي “هاني شُكر الله”.

نشأته
وُلِد الصحفي هاني شُكر الله، في 13 يونيو عام 1950، في محافظة القاهرة، وتخرج من جامعة القاهرة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، خلال فترة دراسته، كان أحد رموز الحركة الطلابية إبان فترة حكم الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، فشارك في مظاهرات خلال عامي 1972 و 1973، للمُطالبة بتحرير سيناء وكافة الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي، لذلك تعقبته السلطات آنذاك، فطاردته كما طاردت أحمد فؤاد نجم، وسهام نصر، وكمال خليل، وأحمد عبد الله رزة، وغيرهم من رموز الحركة الطلابية المصرية في هذا الوقت.

نشاطه الحقوقي
في عام 1985، أسس هاني شُكر الله مع الدكتور سعد الدين إبراهيم، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بهدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان دقة المعلومات من شهادات ضحايا الانتهاكات التي يتعرضون لها من قبل النظام الحاكم آنذاك، كما كان عضوًا بمجلس أمناء الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

نشاطه السياسي
عُرِف عن “شُكر الله” ميوله النضالية واليسارية المُطلقة التي آمن بها طوال حياته، ولم يحِد عنها، على الرغم من التزامه المُطلق بكل معاني التعددية، وكان يصف نفسه فترة الدراسة بالجامعة بأنه “ماركسي” التوجه، إلا أنه عارض ذلك فيما بعد.

وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011، انضم هاني شُكر الله إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لكنه ترك الحزب في وقت لاحق، وعندما تنحى الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، وكُلِف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحكم البلاد، انتقد “شُكر الله” هذه القيادة العسكرية، كما انتقد جماعة الإخوان المسلمين.

كما كانت له مواقف ثابتة مُعارضة للسُلطوية، ومُناضلة من أجل الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة وحرية الإعلام والتنظيم والعمل السياسي، إذ اتخذ “شُكر الله” من الكلمات التي يكتبها، منفذًا يعبر من خلاله عن هذه الأفكار بانتظام في مقالات وتحليلات نُشرت في أهم الصحف المصرية والعربية والأجنبية.

مسيرة صحفية مُشرفة
تدرج “شُكر الله” في مناصب صحفية عديدة، ففي 1991، عُين رئيس تحرير لجريدة “الأهرام ويكلي”، ذات التجربة الرائدة للصحيفة المصرية الصادرة باللغة الإنجليزية، كما بدأ في 1995، في كتابة عمود بها تحت عنوان “تأملات”، وكذلك عمل ككاتب مُشارك في مجلة “الكتب وجهات نظر” الصادرة عن دار الشروق.

وكان الصحفي هاني شُكر الله، أحد رواد تجربة صحيفة “الشروق” اليومية، حيث ساهم في تأسيس أقسامها، ورسم الملامح الأساسية لسياستها التحريرية، إلى أن كُشف عنها الستار، في فبراير 2009، وأصبح عضوًا بمجلس تحريرها إلى جانب كُتَّاب لهم ثقلهم على الساحة الإعلامية حينها، مثل: سلامة أحمد سلامة، وجميل مطر، وحسن المستكاوي، بالإضافة إلى عبد العظيم حماد، وعمرو خفاجي، الذي تولى رئاسة التحرير فيما بعد.

ومن العلامات الفارقة في التاريخ الصحفي لهاني شُكر الله، تأسيسه لموقع “الأهرام أون لاين”، التابع لمؤسسة “الأهرام”، والصادر باللغة الإنجليزية، عام 2010، والذي استمر في رئاسة تحريره حتى عام 2013، وفي هذا الموقع، التف حوله مجموعة من التلاميذ والأصدقاء٬ منهم فؤاد منصور وأميرة هويدي وسلمى حسين ودينا سماك، إذ رأى هؤلاء في “شُكر الله” إلهامًا، بينما رأى هو فيهم أملًا وطاقة.

“الأهرام ويكيلي”
كانت العلاقة بين نظام مبارك، وبين منظمات المجتمع المدني، متوترة للغاية، وكانت مواقف “شُكر الله” مُعلنة وناقدة للنظام، إلا أن ذلك لم يقف عائقًا أمام تولي “شُكر الله” رئاسة تحرير “الأهرام ويكلي”، في 1991، بل والاستمرار في الاحتفاظ بمنصبه لمدة 14 عامًا، وتحت رئاسة تحريره، أصبحت “الأهرام ويكلي” أكثر الصحف المصرية المملوكة للدولة، نقدًا للنظام، وأعلاهم صوتًا، فكانت بمثابة مدرسة لتخريج كوادر مهنية ومسؤولة، خدمت الصحافة المصرية في مؤسساتها الأخرى.

ولأن هاني شُكر الله كان صحفيًا محترفًا، لم يفرض أبدًا أيًا من أفكاره السياسية على الخيارات التحريرية في “الأهرام ويكلي”، التي عمل فيها يدًا بيد مع رئيس تحريرها المؤسس حسني جندي، ومع محمد سلماوي، وزميلة حياته، منى أنيس، التي صارت لاحقًا رئيسًا لتحريرها، لتصبح “الأهرام ويكيلي” أهم جريدة مصرية صادرة باللغة الإنجليزية آنذاك، وربما حتى الآن.

“بالأحمر”
كانت آخر مشاريع “شُكر الله” الصحفية، هي تأسيسه لموقع “بالأحمر”، ذي التوجه اليساري الصريح، الذي كان يعنى بطرح خطاب يساري حول المسائل السياسية والاجتماعية في مصر، دون أن يتحول إلى نموذج للصحافة العقائدية الرثة، بل كان يسعى إلى تقديم مادة صحفية رصينة تنتمي إلى مظلة فكرية عنوانها واضح، وهدفها ليس التبشير وإنما التنوير، لكن تم حجب هذا الموقع، في يوليو 2017.

ولم تختلف مقالات “هاني” في “بالأحمر” في نهجها ومقارباتها، عن المقالات التي نشرها في “الأهرام” اليومي، التي انتقل إليها بعد 30 يونيو، وظل فيها لعام ويزيد قليلًا، فكانت مقالات سياسية رفيعة، تُقدم تحليلًا دقيقًا للتطورات السياسية الجارية، وتُنزلها في سياقاتها الأوسع بلا مسعى لفرض تصورات، وإنما لتأصيل أسباب موضوعية تتطلب أن يسير الوطن على طريق الديمقراطية، وأن يعيش المجتمع في إطار من العدالة.

إسهامات صحفية أخرى
وجدير بالذكر أن “شُكر الله” كتب مقالات عديدة لجريدة “The guardian” البريطانية، وجريدة “الحياة اللندنية”، كما كتب مقالات في عدد من المجلات الأجنبية والعربية من بينها مجلة “Foreign policy” ومجلة “الدراسات الفلسطينية”، وفي 2011، نشرت دار نشر الجامعة الأمريكية كتابه “مصر والعرب والعالم: تأملات في بداية القرن الحادي والعشرين”.

كما ساهم الصحفي اليساري، كاستشاري للمحتوى التحريري لمشروع “ولاد البلد” المختص بالصحافة المحلية، والتدريب الصحفي لمراسلين خارج العاصمة، واجتمع حول هاني شُكر الله في هذا المشروع مجموعة من الشباب الذين آمنوا مثله بأن هناك الكثير مما يُحكى أو يُقال عن جنبات الوطن، بعيدًا عن ضجيج العاصمة والسياسات الكبرى فيها.

صحافته
اختار هاني شُكر الله الموضوعية والحرفية شعارًا لصحافته، فلم يسعَ إلى الترويج لمصر بالإنجليزية عبر “الأهرام ويكيلي” أو “الأهرام أونلاين”، وإنما سعى لتقديم قراءة أسبوعية عميقة وحساسة لتفاصيل الوطن السياسية والاقتصادية والثقافية.

وفي الصحافة كما في السياسة، اتفق “هاني” مع الرفقاء والزملاء واختلف، لكنه في كل محطات الاتفاق لم يُجامل أحدًا بما لا يستحق، كما لم ينتصر لرفيق على حساب معارض، حتى لو كان هذا المعارض من أقصى اليمين الذي رفض دومًا أفكاره، فالانتصار عند “شُكر الله” كان للفكرة التي عاش حياته من أجلها، وهي أن يكون في العالم مكان للجميع، وأن يكون للجميع الحق المتساوي في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، شعارات ثورة يناير التي ربما كانت من أبهج لحظات حياته، والتي أدرك أن ما حققته وإن لم يكن كاملًا، فبالتأكيد كان ملهمًا ومؤسسًا لما سيكون.

كذلك كان “شُكر الله” يفتح الأبواب لكثيرات وكثيرين بلا تعال ولا فوقية، إذ آمن بأن الكل لديه ما يقدمه لو أُتيحت أمامه فرصة للتعلُّم، فكان من أوائل المهتمين بتدريب وتأهيل الصحفيين الشباب، حسبما ذكرت الصحفية دينا عزت، في مقال رثته فيه بعد وفاته.

صحافة العُمق
كان لدى هاني شُكر الله تعبير يردده دائمًا، وهو التركيز على “صحافة العُمق”، وكان يقوله دائمًا بالإنجليزية “inــdepth”، ورغم سخرية البعض أحيانًا من ذلك التعبير، في ظل الأوضاع السيئة للصحافة المصرية، إلا أنه كان يرى أن الفضائيات والصحافة الإلكترونية قتلت مفهوم الخبر بصورته القديمة، لذلك كانت وجهة نظره أن الصحافة الورقية بدون “صحافة العُمق” سوف تنهار.

كما كان “شُكر الله” يُشير مرارًا وتكرارًا إلى أهمية متابعة الصحافة الأجنبية، لما تقدمه صحف عالمية كثيرة، من موضوعات وقصص ومقالات ممتازة، وكان يرى أيضًا أن أي صحفي حقيقي، لا يُمكن أن يستغنى عن الصحافة الأجنبية، لكي يبقى مُطلعًا على ما يجري في العالم، وليعرف أخبار المنطقة العربية من خلالها.

صحفي جرئ

اتخذ الصحفي هاني شُكر الله من الجرأة شعارًا لقلمه الصحفي؛ حيث حافظ طوال الوقت على مهنيته كصحفي حر، فلم يخشَ تسليط الضوء على أي تجاوزات أو انتهاكات تقوم بها الدولة، وكانت مسيرته الصحفية حافلة بالمواقف التي تُبرهن على ذلك.

ففي نوفمبر 2010، بينما كان موقع “أهرام أون لاين” -الذي كان يترأس تحريره حينها- لا يزال في مرحلة البث التجريبي، اختار “شُكر الله” أن تكون من أولى التغطيات الصحفية للموقع، تغطية الانتخابات البرلمانية لعام 2010، وجاءت التغطية تحت عنوان “blow by blow” (ضربة بضربة)، وفيها تم تناوُل أبرز التجاوزات إبان فترة الانتخابات البرلمانية، من وقائع تزوير وغيره، لكن اعترض رئيس “الأهرام” حينها على هذه التغطية بشدة، وطالب بوقفها وحذفها، إلا أن “شُكر الله” رفض ذلك، وما كان منه إلا أن قام بتغيير عنوان التغطية من “blow by blow” (ضربة بضربة) إلى “minute by minute” (لحظة بلحظة)، لتستمر التغطية بنفس المهنية والجرأة طوال فترة التصويت وخلال عملية الفرز، مما جعل موقع “أهرام أون لاين” من أجرأ المواقع التي غطت انتخابات 2010، حتى أنه كان مصدرًا لعدد من القنوات الإخبارية.

وتعقيبًا على حادثة تفجير كنيسة “القديسين” بالإسكندرية، التي وقعت في 1 يناير 2011، عشية احتفالات رأس السنة الميلادية؛ كتب هاني شُكر الله مقالًا في “أهرام أون لاين” تحت عنوان “J’accuse”، حمَّل فيه مسؤلية التفجير إلى جهات متعددة في الدولة المصرية، من مثقفين ليبراليين مسلمين ومسيحين، ونواب، ومسؤلين حكوميين، كما لم يتردد لحظة في اتهام الحكومة و هيئات الدولة بتحمل مسؤلية الحادث، كاتبًا هذه الكلمات: “أتهم هيئات الدولة التي تعتقد أنه من خلال تعزيز التيار السلفي، فإنها تقوض الإخوان المسلمين، والذين يحبون أحيانًا اللعب في المشاعر المتعصبة المناهضة للأقباط، على افتراض أنها تشتيت ممتاز عن قضايا أخرى أكثر خطورة للحكومة”.

كما كان الصحفي الجرئ هاني شُكر الله مدافعًا دائمًا عن الحرية؛ فمنذ بزوغ فجر ثورة 25 يناير 2011، انحاز موقع “أهرام أون لاين” تحت رئاسة تحريره، إلى الثورة المصرية ودعَّمها.

وكثيرًا ما دفع هاني شُكر الله ثمن مواقفه الجريئة؛ ففي عام 2013، خلال فترة حكم الرئيس السابق، محمد مرسي، أُجبِر على الاستقالة من موقع “أهرام أون لاين”، في شهر فبراير 2013، بعد أن رُفِض التمديد له لسنتين أخرتين، كرئيس تحرير للموقع؛ حيث كان حينها يبلغ من العمر 63 عامًا، ليُفضل “شُكر الله” عدم الدخول في صراعات للبقاء في منصبه، مُؤثِرًا الرحيل عن رئاسة التحرير، ليضمن الحفاظ على السياسات العامة بالموقع، مُكتفيًا بأن يبقى مُوجِهًا لـ “أهرام أون لاين”، ومُستشارًا له عن بُعد.

مناصب تولاها
تولى هاني شُكر الله مناصب عِدة خلال سنوات حياته، فكان المدير التنفيذي لمؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية، وكان يسعى دائمًا من خلال وجوده على رأس هذه المؤسسة، إلى مساعدة الأجيال الشابة من الصحفيين، مقدمًا مادة واثقة وموثقة، بهدف منحهم فرصة التعلُّم، ومن ثم الارتقاء بمهنة الصحافة والقائمين عليها في المستقبل.

كما عمل كاستشاري لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عام 2005، وكان مُحاضرًا زائرًا في جامعتي “كاليفورنيا” و”بيركلي”، في ربيع 2006، وعلاوة على ذلك، أسس المركز العربي الأفريقي للأبحاث.

سماته الشخصية
“اكتشفت فيه شخصًا شديد التواضع، غزير المعرفة، باسم الوجه، كان يحاول دائمًا أن يُترجم أفكاره اليسارية الطوباوية إلى واقع على الأرض، من خلال تعاملاته مع الناس، لم يكن مثل بعض من يتمسحون في الشعارات والأفكار دون إيمان فعلي بها، بل رأيت سلوكه دائمًا ترجمة حقيقية لأفكاره، فعل ذلك مع الجميع، من أول عامل البوفيه إلى رئيس مجلس الإدارة، كان إنسانًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى”، بهذه الكلمات، وصف رئيس تحرير جريدة “الشروق”، الصحفي عماد الدين حسين، الصحفي اليساري هاني شُكر الله، في مقال نُشر بعد وفاة “شُكر الله” بيومين، في “الشروق”.

وفي المقال، حكى “حسين” أنه ذات يوم، أثناء فترة إصدار الأعداد التجريبية “الزيرو” من جريدة “الشروق”، كان قد أنهى تجهيز الصفحة الأولى، وعرضها على هاني شُكر الله، الذي لم يروقه عنوان أحد الأخبار، وبعد مناقشة بين الطرفين لبعض الوقت، يروي “حسين” أنه رد على “هاني” قائلًا: “هذا هو اجتهادي”، ليُفاجئ برد “شُكر الله” عليه: “والله عندك حق، طالما أنني غير قادر على وضع عنوان أفضل، فيظل العنوان الحالي هو الأفضل”.

وعلَّق عماد الدين حسين على هذا الموقف قائلًا: “هذا الرد، كان مفاجئًا لي وقتها، لأنه كشف لي عن معدن رجل مختلف، ينظر لمرءوسيه بصورة مختلفة، ولا تأخذه العزة بالإثم ولا يحب المنظرة”.

أسرته
ينتمي الكاتب الصحفي هاني شُكر الله إلى أسرة عُرِف عنها نشاطها السياسي والأدبي، فوالده هو الشاعر المصري الرائد في كتابة قصيدة النثر إبراهيم شُكر الله، الذي لعب دورًا هامًا في تشكيل ثقافة وأفكار “شُكر الله”، ليصير لاحقًا صحفيًا مُحنكًا.

وشقيقته هي هالة شُكر الله، رئيس حزب الدستور سابقًا، والتي تعتبر أول امرأة وأول مسيحية ترأس حزبًا سياسيًا في مصر، وكان ذلك في 2014، إلى أن تقدمت باستقالتها في 2015.

وتزوج “شُكر الله” مرتين، المرة الأولى من الطبيبة والناشطة الحقوقية، عايدة سيف الدولة، صاحبة الباع الكبير في مجال النشاط الحقوقي، وأحد مؤسسي مركز “النديم” لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، والتي أنجب منها نجله “حسام”، أما الزيجة الثانية، فكانت من الصحفية فاطمة فرج، والتي أنجبت له بناته الثلاثة، “فريدة”، و”ملك”، و”سارة”.

يوم الرحيل
قبل نحو شهر واحد من عيد ميلاده الـ٦٩، توقف قلب الكاتب الصحفي هاني شُكر الله عن النبض، ليرحل عن عالمنا ظُهر يوم الأحد، الموافق 5 مايو 2019، عقب صراع مع المرض، وجراحة في القلب، أجراها قبل وفاته بعدة سنوات، ووارى جسده الثرى في مقابر العائلة الواقعة بطريق الفيوم، تاركًا إرثًا صحفيًا وإنسانيًا مشرفًا.

جنازة هادئة
شيع محبو هاني شُكر الله، الكاتب الصحفي إلى مثواه الأخير، في هدوء تام، يوم الاثنين، الموافق 6 مايو 2019، من مسجد الحامدية الشاذلية، وسط غياب لأغلب رموز الصحافة والإعلام، فعلى الرغم من قضائه كل حياته في بلاط صاحبة الجلالة، مُدافعًا عنها وعن قضاياها، إلا أن جنازته خلت من أبرز رموزها، الذين تخلفوا عن مشهد وداع الصحفي اليساري.

فاقتصر الحضور على بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين الحاليين والسابقين، وعدد من الكتاب الصحفيين، وكان على رأسهم رئيس تحرير جريدة الشروق، عماد الدين حسين، وعضوا مجلس نقابة الصحفيين، الصحفي هشام يونس، والصحفي محمد سعد عبد الحفيظ، بالإضافة إلى خالد البلشي عضو مجلس النقابة السابق، وإبراهيم منصور رئيس تحرير جريدة “التحرير” السابق.

عزاء مهيب
قبل إقامة عزاء الصحفي هاني شُكر الله، انتشرت أقاويل حول رفض إدارة مسجد عمر مكرم إقامته، بحُجة أن هاني شُكر الله “مسيحي” ولا يصح تقبل العزاء فيه بمسجد، وقيل حينها إن إدارة المسجد أبلغت عائلة “شُكر الله” أن جهة سيادية وراء هذا القرار، كما قيل إن أفرادًا من عائلة الصحفي والمحلل السياسي الراحل، أرسلوا بطاقة تثبت أنه أسلم منذ أكثر من عشرين عامًا.

لكن في النهاية أُقيم العزاء، كما كان مُقررًا له، يوم الخميس، الموافق 9 مايو 2019، في دار مناسبات مسجد عمر مكرم، وتوافد عدد كبير من الصحفيين والشخصيات العامة ونجوم الفن والإعلام، لتقديم واجب العزاء، الذي تلقته أسرة “شُكر الله”، وكان في مقدمتها، شقيقته هالة شُكر الله، ونجله “حسام”.

وكان من أبرز الحاضرين للتعزية من الوسط الصحفي، نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، ونقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، ورئيس تحرير صحيفة “الشروق”، عماد الدين حسين، بالإضافة إلى الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، عمرو الشوبكي، والكاتب الصحفي عبد الله السناوي، والكاتب والسياسي خالد داوود.

كما حضر الحقوقيان جمال عيد وسعد الدين إبراهيم، وحضر من السياسيين رئيس حزب التجمع، سيد عبدالعال، ومؤسس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الدكتور محمد أبو الغار، والمرشحان الرئاسيان السابقان، خالد علي وحمدين صباحي.

ولم يغب نجوم الفن والأدب عن العزاء، فحضر الروائي والأديب إبراهيم عبد المجيد، كما حضر المنتج محمد العدل، والشاعر مدحت العدل، والمخرج داوود عبد السيد، والفنانة بشرى، والفنان سيد رجب، والفنانة يسرا اللوزي.

آخر رفاق الخندق
كان هاني شُكر الله يُطلق على أصدقائه، “رفاق الخندق”، ويُذكر أنه قال في وداع أحدهم، هذه العبارات: “هي أيام الوادع، نرحل واحدًا تلو الآخر، لحظات الوداع تجمعنا، تزداد وتيرتها فيما ننتظر الدور، الشيب يملأ الرؤوس والوجوه خطتها التجاعيد، تتثاقل الخطوات، نتبادل العزاء والسؤال عن الحالة الصحية، أتمنى لرفاقي القدامى طول العمر، وأجفل منزعجًا حين يتمنوه لي، فالمهم هو كرامة الرحيل”.

وشرح “شُكر الله” فلسفة الرحيل من وجهة نظره، مُضيفًا: “نحكي قصص الرفيق الحبيب وذكريات كل منا معه، نتذكر ماضينا المشترك بكل ما فيه من بهجة وحزن، وحزن وبهجة، انتصارات وهزائم، وهزائم تفوق الانتصارات بكثير، ومهما تباعدت بيننا المسافات زمانًا ومكانًا، ومهما امتلأت قلوبنا بالحسرة، يبقى حُب عميق، لطالما فوجئت بعمقه وعنفوانه في هذه اللحظات بالذات، لحظات الوداع”، وكأنه بهذه الكلمات، يُرثي نفسه، كآخر رفيق في الخندق، الذي ضم رفقاء دربه وأصدقاء عمره، واصفًا مشاعر أقاربه ومحبيه بعد وفاته، وفي الذكرى الأولى لرحيله.

زر الذهاب إلى الأعلى