الذكرى الـ80: تاريخ إنشاء نقابة الصحفيين (بروفايل)
في أحد فصول كتابه” أنا وبارونات الصحافة”، حرص الكاتب الراحل جميل عارف، على أن يوثق تاريخ إنشاء نقابة الصحفيين، ففي واحدة من الوثائق التى استند إليها في كتابه ذكر أن التفكير في إنشاء هذه النقابة كان أشبه بالحلم الذي ظل يراود”الجورنالجية”ـ وهو الاسم الذي كان يطلق على الصحفيين أيام زمان لسنوات طويلة ـ وكان الشيخ على يوسف صاحب جريدة المؤيد أول من نادى بإنشاءها في مقال نشره في جريدته.
وتحمس”الجورنالجية” لمشروع إنشاء نقابة لهم، لكن التفكير حولها توقف مع اندلاع الحرب العالمية الأولي إلا أنهم عاودوا الحديث عنها مع ثورة 1919، وكانت البداية اجتماعًا اشترك فيه خمسة أشخاص يمثلون الرعيل الأول من الصحفيين خلال فترة العشرينات وهم: داوود بركات رئيس تحرير الأهرام، واسكندر سلامة، ومحمد حافظ عوض، وجورج طنوس، وسيد على، واتفقوا جميعًا على تكوين رابطة تعمل على حماية الصحافة والدفاع عن الصحفيين، ومن هنا جاءت الدعوة لإنشاء نقابة للصحفيين.
حلم التأسيس
يسجل التاريخ مواقف مشرفة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الصحفيين كانوا “أصحاب قضية” مؤمنين بها إيمانًا مطلقًا، لم يزحزحهم عنها ظروف الحرب أو تردي الأوضاع الإقتصادية آنذاك، بل على النقيض تمامًا فقد بذلوا كل جهدهم في سبيل تحقيق حلمهم نحو تأسيس نقابة تتولى الدفاع عنهم ضد كل متربص أو مستبد.
لم ييأس”الجورنالجية” رغم فشل محاولاتهم، فعلى إثر إعلان دستور عام 1923 صدر قانون الانتخابات، والذي بموجبه يعين نقيب المحامين في مجلس الشيوخ، في حين أن هذا القانون لم يختص الصحفيين بأي شئ والسبب أنهم كانوا بغير نقابة ولا نقيب حتي هذا الوقت.
وربما كان ذلك الأمر هو ما دفع ثلاثة من الصحفيين، وهم: أمين الرافعي، صاحب جريدة الأخبار، ومحمد عوض حافظ، وليون كاسترو ـ الصحفي الخواجه ـ ذو الأصول اليهودية إلى التقدم بطلب مقابلة رئيس الحكومة؛ حيث عرضوا عليه ولأول مرة ـ بشكل رسمي ـ إصدار قانون بإنشاء نقابة للصحفيين.
ومما تردد خلال هذه الفترة أن المندوب السامي البريطاني كانت له رغبة ـ غير معلنة ـ في أن يستكمل الصحفيين المصريين حلمهم بإنشاء نقابة لهم، حيث شاركهم في الأمر عدد من الصحفيين الأجانب الموجودين في مصر قيل أن ذلك كان بإيعاز من بريطانيا التى أعطت الضوء الأخضر لهؤلاء “الجورنالجية الخواجات” مثلما يصفهم جميل عارف في كتابه، بما يعني أنها لم تكن تعترض من الأساس في أن يكون للصحفيين نقابة خاصة بهم على غرار المحاميين، على اعتبار أنه كانت تؤول ملكية معظم الصحف إما إلى الأجانب أو الباشوات، بشكل يؤكد أن دار المندوب السامي البريطاني كانت على يقين من أنها لن تفقد سيطرتها على الصحافة المصرية والعربية أيضا حتى بعد إنشاء كيان يحمي الصحفيين ويحافظ على حقوقهم، وقد ظهر ذلك جليًا في قيام رواؤول كاتفيه بنشر مقال له في صورة رسالة يحث فيها زملائه الصحفيين على المبادرة بإنشاء هذه النقابة، كتعبير صريح عن تضامن الصحفيين الأجانب وقتها مع زملائهم المصريين.
نقابة على الورق
شهد “بار اللواء”، أحد أشهر مقاهي القاهرة القديمة في 30 أكتوبر عام 1923 عقد أول اجتماع ضم عدد من كبار الصحفيين في هذه الفترة، كان من بينهم: عبد القادر حمزة، صاحب جريدة البلاغ، واميل زيدان، من مؤسسي دار الهلال، وحامد المليجي، وسيد كامل، وإبراهيم عبد القادر المازني، والدكتور محمود عزمي، وأمين الرافعي، للتشاور حول ما يجب اتخاذه من إجراءات فعلية لإنشاء نقابة الصحفيين، وعقب الاجتماع قام الصحفيون المشاركون بالاتفاق على تشكيل لجنة تقتصر مهمتها على وضع النظام الأساسي للنقابة المرجو تشييدها، والتى كان مقررا تسميتها بـ “نقابة الصحافة المصرية العامة”.
وفي نفس المكان أيضا عُقد الاجتماع الثاني للصحفيين في 4 نوفمبر عام 1923، والذي رأسه الصحفي حامد المليجي، وخلال هذا الاجتماع تمت مناقشة النظام الأساسي للنقابة مثلما وضعته اللجنة المكلفة بإعداده لكن بعد خضوعه لبعض التعديلات.
وفي 11 نوفمبر عام 1923، كان الاجتماع الثالث للصحفيين برئاسة الصحفي أمين الرافعي، صاحب جريدة الأخبار، حيث تقرر فيه الموافقة على مشروع النقابة بصورته النهائية، وأُعلن فيه أيضا إنشاء نقابة للصحفيين، لكن يبدو أنه كان اعلانًا من طرف واحد؛ فالحكومة لم تكن قد اعتمدته بعد و لم توافق عليه في هذا التوقيت، فكانت مثلما وصفها البعض (نقابة على ورق)، وعن ذلك يقول الصحفي الراحل حامد المليجي في مذاكراته الصحفية التي نشرها قبل وفاته، واختار “نقابتنا” عنوانا لها :” نجحنا في إنشاء نقابة للصحفيين ولكنها للأسف ولدت ميتة”.
القصر
وفي موضع آخر، أشار”المليجي” إلى أن أول أزمة واجهتها النقابة الوليدة كانت مع الملك فؤاد، وكان ذلك على خلفية نشر إحدى الصحف تفاصيل فضيحة أحد رجال القصر الملكي المقربين إلى الملك ليحدث ذلك ضجة كبيرة وقتها ليقرر بعدها الملك عدم توجيه دعوات إلى الصحفيين لحضور حفل افتتاح المعرض الزراعي والذي كانت الجمعية الزراعية الملكية تقيمه كل عام، مما اضطر المسئولين حينها إلى طاعة الاوامر لكن بشكل آخر حيث تعمدوا توجيه الدعوة إلى الصحفيين لكن على أن تصل إليهم قبل موعد الحفل بدقائق حتى لا يتمكنون من استبدال ملابسهم بالزي الرسمي المعروف في هذه المناسبات التى يشترط ارتداءها عند الدخول وهي “بدل الردنجوت”، واعتبر الصحفيين أن ذلك الامر ما هو إلا إهانة لهم لن يقبلوا بها، فاتفقوا فيما بينهم على مقاطعة الصحف لأخبار حفل الافتتاح، وهو ما حدث في اليوم التالي فلم تنشر أى صحيفة حرف واحد عن الحفل وكان ذلك صفعة قوية من الصحفيين إلى الملك فؤاد.
مع إيقاف التنفيذ
لم يهدأ بال الصحفيون يومًا عن التفكير في إنشاء نقابة خاصة بهم، فبالرغم من كثرة محاولاتهم والتى باءت جميعها بالفشل إلا أنهم كانوا صامدين في الاستماتة نحو المطالبة بحقهم، ففي شهر مارس من عام 1926 تم تدشين ما اصطلح على تسميته بـ” اتحاد المشتغلين في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة” كبديلا مؤقتا للنقابة، لكن سرعان ما انحل الاتحاد وفقد أهميته ودوره المنوط به بعد شهور قليلة من تأسيسه نتيجة انضمام أصحاب الصحف إليه، وبعض الاداريين في ادارات الصحف، ومندوبي الاعلانات أيضا، ونال عضويته بعض الأدباء من غير محترفي الصحافة، بخلاف بعض أصدقاء وأقارب الصحفيين.
وفي تجربة مشابهة حرص بعض أصحاب الصحف من باشوات الصحافة في هذا العصر عام 1926 على إنشاء رابطة أسموها” جمعية الصحافة للدفاع عن مصالح أصحاب الصحف في مواجهة مطالب المحررين”، وكانت العضوية فيها مقتصرة فقط على أصحاب الصحف وبعض المقربين إليهم من المحررين، وأصبحت هذه الجمعية هي الممثل الوحيد عن الصحافة والصحفيين في مصر.
وفي 30 سبتمبر عام 1938 اختلف الوضع كثيرا حيث قرر عدد من المحررين خلال اجتماعا عقدوه إنشاء اتحاد آخر تحت اسم” اتحاد محرري الصحف المصرية، وترأس إدارته الصحفي حامد المليجي.
ولعله من الطريف القول أنه بإنشاء جمعية الصحافة واتحاد المحررين احتدم الصراع بين الصحفيين وبعضهم، فتفرق كلا منهم إلى جانبين أحدهما تتزعمه جريدة الاهرام والتي تمثلها جمعية الصحافة والاخرى تقوده جريدة البلاغ ويمثلها اتحاد المحررين، ولم ينتهي الامر إلا بعد أن قرر القائمون على جمعية الصحافة حلها في أواخر عام 1939، وقبلها بشهور كانت الدولة قد اضطرت إلى الاعتراف بإتحاد محرري الصحف المصرية عندما وجهت الدعوة إلى رئيسه لحضور حفل زفاف الأميرة فوزية على شاه إيران رضا بهلوى.
نقابة أهلية
مع توالى الحكومات المصرية في عهد الملك فاروق؛ فشلت كل مساعي ومحاولات الصحفيين في الحصول على موافقة رسمية بإصدار قانون لإنشاء نقابة الصحفيين، مما اضطرهم في نهاية الأمر إلى إنشاء “نقابة أهلية” ككيان يمثل الصحفيين ويدافع عن مصالحهم.
وكانت النقابة على هذا الشكل تضم في عضويتها جميع أصحاب الصحف والمحررين، ورأس مجلس إداراتها جبرائيل تكلا باشا صاحب جريدة الأهرام ثم الدكتور محمد حسين هيكل، بينما شغل سليمان فوزى صاحب مجلة الكشكول ثم حامد المليجي منصب السكرتير العام فيها.
وتحقق الحلم
كان حلم النقابة لا زال عالقًا في ذهن الكثير من الصحفيين، مما دفع أحدهم إلى مناقشة الأمر مع الدكتور محمود عزمي والذي كان مؤمنا بحرية الصحافة، حيث عمل خلال هذه الفترة مستشارًا صحفيًا في حكومة على باشا ماهر، والذي حاول اقناعه بتبني مشروع إصدار قانون لانشاء نقابة للصحفيين، من خلال مذكرة رفعها إليه تمنى فيها أن تكون النقابة منبرًا للرأى الحر ومنارًا تهتدى به الصحافة الشريفة وتجمعًا للصحفيين الوطنيين الذين يعملون من أجل مصر، وبالرغم من الإسراع في إعداد مشروع القانون، لكن جاءت إستقالة على ماهر من منصبه وأوقفت كل شيء.
ومع ذلك، لم يعلن الصحفيون هزيمتهم في تحقيق حلمهم حيث واصلوا جهودهم في الإتصال بوزارة حسين سري باشا والتى أبدت موافقتها على اصدار القانون الخاص بإنشاء النقابة والذى حمل رقم 10 لسنة 1941.
وفي يوم 31 مارس من نفس العام صدر المرسوم الملكي بإنشاء النقابة، وفي نفس الوقت صدر أمر ملكي بتشكيل مجلس مؤقت لإدارة النقابة الجديدة، وكان يضم عددًا من أصحاب الصحف والمحررين الشبان في هذا الوقت من بينهم: جبرائيل تكلا، وفارس نمر، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومحمد التابعي، ومحمود أبو الفتح، ومحمد خالد، ومصطفي أمين، وحافظ محمود.
لائحة تشغيل الصحفيين
عندما صُدر قانون نقابة الصحفيين كانت إحدى مواده تنص على أن يقوم مجلس النقابة بإعداد لائحة للعمل الصحفي تحت اسم” لائحة استخدام وتشغيل الصحفيين”، واعتبر البعض وقتها أن مشروع هذه اللائحة كان يهدف في المقام الأول إلى تحقيق مصالح الباشوات من أصحاب الصحف دون الأخذ في الاعتبار مصالح الصحفيين أنفسهم، حيث نص في إحدى مواده “يعمل الصحفي تحت التمرين لمدة عشر سنوات مهما كان سنه ولا يتقاضي أثناء فترة تدريبه أى مكآفات، على أن يمنح من السنة الحادية عشرة مكافأة تقدر بنصف شهر من أجره عن كل سنة بعد العشر سنوات الاولى”، ويقال أن هذه اللائحة أثارت لغطًا واسعا في الوسط الصحفي لفترة من الوقت؛ حيث اعتبرها الصحفيين إجحافًا بحقوقهم، فكان من بين المعترضين عليها الصحفي حافظ محمود والذي قال عنها:” إنها ليست لائحة استخدام الصحفيين، ولكنها لائحة لاستغلالهم لحساب أصحاب الصحف من أصحاب السعادة الباشوات”.
ومما يذكر في هذا الشأن أنه منذ اللحظة الاولي بعد إنشاء نقابة الصحفيين تفجر الصراع بين أصحاب الصحف والصحفيين واحتدمت المناقشات بين الطرفين نتج عنها اشتداد المنافسة بين المرشحين في اجتماع أول جمعية عمومية لانتخاب أول مجلس لنقابة الصحفيين، والتي نظمت في الخامس من ديسمبر عام 1941 في إحدى قاعات محكمة باب الخلق، وكان الاجتماع برئاسة ياسين أحمد باشا رئيس المحكمة.
وعلى خلفية ذلك عقدت انتخابات أول مجلس لنقابة الصحفيين وفاز فيها إبراهيم عبد القادر المازني، أمين قاسم جودة، أنطون الجميل، وجبرائيل تكلا، وجلال الدين الحمامصي، وحافظ محمود، ومحمد خالد، ومحمد عبد القادر حمزة، ومحمد فكرى أباظة، ومحمود أبو الفتح، ومصطفي القشاشي، ومصطفي أمين.
واعتبر ذلك انتصارًا للصحفيين ضد أصحاب الصحف من الباشوات، حيث كان يضم المجلس في عضويته ستة من أصحاب الصحف من بينهم اثنين فقط من باشوات الصحافة وستة من الصحفيين المحررين.
المكان
في بداية عهدها، وقعت النقابة في مأزق صعب، عقب انتخاب أعضاء المجلس كان الجميع في حيرة من أمرهم فليس هناك مقر معروف للنقابة تجتمع فيه مع أعضاءها، وهو ما دفع محمد عبد القادر حمزة بعد انتخاب محمود أبو الفتح نقيبًا للصحفيين إلى إعادة فتح غرفة مكتب والده في جريدة البلاغ بعد رحيله وتسليم مفاتيحها إلى مجلس نقابة الصحفيين حتى يتسنى لهم عقد اجتماعاتهم فيها، وعقد الاجتماع الأول في 6 ديسمبر عام 1941، وفيه شكلت هيئة مكتب النقابة والتى ضمت كلا من محمود أبو الفتح نقيبا للصحفيين، وابراهيم عبد القادر المازني وكيلا عن المحررين ومحمد عبد القادر حمزة وكيلا عن أصحاب الصحف وحافظ محمود سكرتيرا عاما ومحمد خالد أمينا للصندوق، وفكرى أباظة نائبا عن المجلس في لجنة القيد بجدول نقابة الصحفيين.
وبالطبع لم يعجب ذلك أصحاب الصحف من الباشوات وفي مقدمتهم جبرائيل تكلا بعد فشله في أن يصبح نقيبًا كما كان يسعي، ليقرر مقاطعة أعمال المجلس ابتداءًا من الجلسة الثانية، وكرر نفس الامر أنطون الجميل الذى امتنع هو الآخر عن المشاركة.
لم يهنأ الصحفيون يومًا بنقابتهم؛ فدومًا ما كانت تشتد الصراعات والمعارك بينهم وبين أصحاب الصحف الذين سعوا مرارًا إلى إحكام قبضتهم على النقابة لكن فشلت كل المحاولات مع استماتة الصحفيين في الدفاع عن كيانهم الوليد، وبالفعل نجحوا في الحفاظ عليه ضد أباطرة الصحافة ورجال الدولة.
مقر النقابة
بعد فوز محمود أبو الفتح بمنصب نقيب الصحفيين تنازل عن شقة خاصة كان يستأجرها في عمارة الايموبيليا حتى تكون مقرًا للنقابة، وكانت تتكون من غرفة واحدة وصالة، ولم يستمر ذلك سوى عامين فقط بعدها انتقلت النقابة إلى شقة أخرى كانت في السابق ناديًا للقمار واشتهرت باسم” النادى المصرى”، وكانت الشقة في الدور الأرضي في مبني قديم يتكون من دورين، وهو نفس المكان الذي بُنيت فيه بعد ذلك عمارة وهبي وهي العمارة المواجهة للبنك المركزي عند تقاطع شارعي شريف وقصر النيل.
ويبدو أن شقة القمار التي أصبحت بعد ذلك أول مقر رسمي لنقابة الصحفيين كانت مهيئة على نحو واسع بحيث تشمل معظم أعضاء النقابة ومناسبة لعقد الاجتماعات بها، حيث كانت تضم بين جدرانها غرفة واحدة وثلاثة صالات كبيرة وكان ملحقا بها تراس”بلكونة” تطل على شارع قصر النيل.
ومما يذكر أن هذه الشقة كانت قد تمت مصادرتها بعد أن داهمتها الشرطة واعتبرتها وكرًا للقمار، لكن يبدو أن الاحداث التى شهدتها المحروسة في هذه الفترة بعد حادثة 4 فبراير عام 1942 التى جاءت بحكومة الوفد إلى الحكم قد قلبت الموازين رأسا على عقب حيث أمر فؤاد سراج الدين ـ الذى كان يشغل وقتها منصب وزير الداخلية والشئوون الاجتماعية ـ بإعادة فتح هذه الشقة بعد قرار مصادرتها وتسليمها للصحفيين حتى تكون مقرًا لنقابتهم بشكل اعتبره البعض ـ مجاملة ـ لطيفة من الحكومة وقتها على غير المألوف.
ولا عجب أن يقوم مصطفي النحاس باشا باعتباره رئيس حكومة الوفد بعد ذلك بخطوة استباقية ساهمت بشكل كبير على توطيد واستقرار الصحفيين في مقر ثابت لهم؛ حيث يرجع إليه الفضل في أنه صاحب مبادرة تخصيص قطعة الأرض التي بني عليها المقر الحالي للنقابة في شارع عبد الخالق ثروت رغم اعتراضات البعض حينها من بينهم الوزير حامد زكي باشا والذي استدعاه النحاس في مكتبه وقال له:” أنا قلت الأرض دي تروح للصحفيين.. يعني تروح لهم.. فاهم”، فما كان من الوزير إلا أن استجاب للامر وسحب اعتراضه، وتمت اجراءات تسليمها إلي الصحفيين.
لكن على ما يبدو أن فرحتهم بهذا الانتصار لم تكتمل، حيث فوجئ الصحفيون بأن واحدة من مجندات الجيش البريطاني تقيم معسكرًا داخل الارض، فما كان منهم إلا أن اضطروا إلى التواصل الفورى مع مسئولين في السفارة البريطانية للتدخل لدى القيادة البريطانية من أجل جلاء هذه الوحدة عن أرضهم، وبالفعل نجحت مساعيهم بعد أن تدخل في الامر عدد من باشوات الصحافة والذين ربطتهم علاقات قوية بالمسئولين البريطانيين وانسحبت الوحدة أثناء مفاوضات صدقي وبيفين في لندن.
الماديات
كانت النقابة في حاجة إلى توفير موارد مالية تكفي لتشييد مبناها، وهو الامر الذي لم يكن يسيرا بالمرة، واضطرهم ذلك إلى تأجيل عملية البناء من حكومة إلى حكومة.
لكن يبدو أن الامر لم يطل كثيرًا، حيث قام مصطفي القشاشي والذي كان قد انتخب سكرتيرًا عامًا للنقابة بالمساعدة في حل الأزمة حيث كثف من اتصالاته مع الحكومة حتى كان اللقاء الذي جمع بين أعضاء مجلس النقابة ومحمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة الذي وافق على جميع طلبات القشاشي التى تقدم بها إلى مجلس الوزراء، كان من أهمها الموافقة على اعتماد تكاليف بناء النقابة، وخلال ذلك تسلم نقيب الصحفيين من وزير المالية شيكًا بمبلغ عشرة آلاف جنيه كدفعة أولى تحت حساب عملية بناء مبني النقابة.
يذكر أنه قد بلغت نفقات البناء الحالي للنقابة حسبما ذكرها الكاتب جميل عارف في كتابه “أنا وبارونات الصحافة” مبلغ يقدر بـ 39 ألف و801 جنيه و 701 مليم، ساهمت الحكومة فيه بمبلغ 35 ألف جنيه دفعتها على خمسة أقساط وقامت النقابة بدفع بقية التكاليف من إيرادتها الخاصة، واستغرقت مدة بناءه 20 شهرا، وتولي المهندس سيد كريم إنشاء تصميمه النموذجي؛ لتُفتتح رسميًا في 31 مارس عام 1949 في عهد فكرى أباظة.
سبق ذلك قيام محمود أبو الفتح باعتباره أول نقيب للصحفيين بوضع حجر الأساس للمبني في أول يونيو عام 1947.