الصحفي موسى صبرى.. رجل السادات الذي أغضب الكنيسة (بروفايل)

وصفه البابا شنودة الثالث بأنه” رجل السادات قبل أن يكون ابن الكنيسة”، هو الصحفي الكبير موسى صبرى، والذي تحل اليوم ذكرى رحيله الثامنة والعشرين.

حياته

اسمه بالكامل”موسى صبري جرجس”، وُلد بمحافظة أسيوط عام 1925، لعائلة مسيحية، استطاع خلال فترة وجوده هناك أن يحصل على شهادة التوجيهية، قبل أن ينتقل مع نهاية الثلاثينات إلى القاهرة، ليلتحق فيها بكلية الحقوق والتى تخرج منها في عام 1943.

بلاط صاحبة الجلالة

كان”صبري” يحلم بالعمل في الصحافة بعد تخرجه من الجامعة، ودفعه ذلك إلى الذهاب لمقابلة أنطون الجميل، رئيس تحرير الأهرام وقتها، فما كان من الأخير إلا أن رفض توظيفه وكان السبب هو تردي الأوضاع الاقتصادية آنذاك بعد الحرب العالمية الثانية.

لم يثني ذلك من عزيمة – الشاب الصعيدي – إذ قرر في اليوم التالي الذهاب لمقابلة مصطفي أمين، رئيس تحرير مجلة الاثنين، لعله يحظي بفرصة قبول للعمل معه في المجلة ذائعة الصيت حينها، وللمرة الثانية يخيب ظنه فلم يوفق في الحصول على عمل هناك، لكنه في المقابل حظي بمقال كتبه عنه مصطفى أمين تحت عنوان “جناية النبوغ”، إعجابًا بحماسه.

لم يتخلى”صبري” عن حلمه، فقد كرر محاولته للمرة الثالثة، عندما ذهب لمقابلة الكاتب الكبير فكري أباظة في مكتبه، والذى تحمس له كثيرًا، والذي بدوره كتب عن “صبري”، مقالًا نُشر في مجلة المصور أسماه” ذكاء المرء محسوب عليه”.

وربما كانت سياسة النفس الطويل التى انتهجها موسى صبري في بداياته كانت حافزًا قويًا له فيما بعد على استكمال مشواره الطويل الذي ناهز الأربع عقود، قضاها في بلاط صاحبة الجلالة وبين دهاليز السياسة، حيث تعطل حلمه في العمل بالصحافة لفترة زمنية تعرض خلالها إلى الاعتقال لمدة 9 أشهر على خلفية اتهامه بتوزيع” الكتاب الأسود” الذى كتبه مكرم عبيد، ونشر فيه فساد الحكومة في ذلك الوقت، وكان ذلك بعد صدور قرار بتعيينه معاون نيابة، إذ لم يحالفه الحظ في حلف اليمين أمام النائب العام لظروف اعتقاله، حدث هذا بعد تدخل شخصي من الأديب طه حسين، بعد أن لجأ إليه “صبري” للحصول على فرصة عمل، فما كان من عميد الأدب العربي إلا أن استجاب لطلبه وحرر إخطارًا لوزير العدل وقتها “صبري أبو علم”.

الصحافة الملعونة

“في الشدة تظهر معادن الرجال” مقولة تصف موسى صبري في هذه المرحلة الصعبة من حياته، حيث لعبت محنة اعتقاله دورًا كبيرًا في إعادة شغفه بالصحافة؛ إذ ساهمت في توطيد علاقته بالصحفي مصطفى أمين، فكان يرسل له أخبار المعتقل لينشرها بمجلة الاثنين قبل أن تمنعها الرقابة.

وبعد خروجه من السجن، استطاع في عام 1944 أن يلتحق بالعمل في “مجلة بلادي” التي أصدرها محمود سمعان، وحصل على مكافأة قدرها جنيه واحد نظير حديث صحفي أجراه مع السيدة نبوية موسى، باعتبارها أول سيدة تدير مدرسة في مصر، لكنه لم يمكث طويلًا، فقد ترك المجلة بعد حادثة اغتيال أحمد ماهر.

لم ييأس”صبري” رغم محاولاته المتكررة في العمل بالصحافة، لكنه آثر العودة إلى أسيوط ليبدأ فيها حياته من جديد، لكن يبدو أن القدر كان له رأيا آخر، حيث فاز صبري بجائزة مالية في مسابقة أحسن قصة واقعية تصلح للنشر، التي أطلقها الصحفي الكبير “جلال الدين الحمامصي” في مجلة الأسبوع، والذي أُعجب بأسلوبه في الكتابة، ليقرر بعدها ضمه إلى فريق عمل المجلة، وعينه في منصب سكرتير التحرير، لكن الأمر لم يستمر طويلًا، وذلك لصدور قرار بإغلاق المجلة بعد صدور أول عدد منها بعد تعيينه.

وخلال رحلته الصحفية انتقل”صبري” للعمل في مجلة الفصول مع الكاتب محمد زكي عبد القادر، وكانت وجهته التالية عام 1947 في صحيفة “الأساس” مشرفًا عامًا على الصفحة الأدبية بها، ومنها إلى صحيفة “الزمان” والتى كان “الحمامصي” رئيسًا لتحريرها حيث عمل فيها سكرتيرًا للتحرير لمدة 4 سنوات حتى عام 1950، وهو نفس العام الذى التحق فيه بالعمل في مؤسسة “اﻷخبار” مع الأخوين علي ومصطفي أمين، كمحرر برلماني، وبعدا ترقى تدريجيًا إلى منصب نائب رئيس التحرير، ثم رئيسًا لتحرير مجلة الجيل.

وفي فترة من حياته انتقل”صبرى” للعمل بصحيفة الجمهورية ـ مجبرًا ـ بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر ـ حسبما تردد وقتها ـ بسبب غضب الرئيس من كتاباته عن قضية المشير عبد الحكيم عامر، ومحاكمة عباس رضوان، حيث كتب في نهاية موضوعه المنشور جملة: “وما خفي كان أعظم” بشكل أثار حفيظة الرئيس منه فلم يتوقف عقابه على النقل فقط بل مُنع نشر اسمه على الموضوعات التى كان يكتبها في محاولة لتأديبه، وكان “صبري” في ذلك الوقت يكتب مقالين بعنوان “آدهم يصرخ” والآخر “حواء تستغيث”.

لم يطل غضب عبد الناصر على “صبري” طويلًا خاصة بعد تدخل أنور السادات وقتها في الأمر، حيث أعيد إلى مكانه في دار أخبار اليوم ليتولى رئاسة التحرير، وبعد عودة “علي أمين” من لندن في عام 1974 اختير”صبري” نائبًا لرئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، ليصل بعد عام إلى منصب رئيس مجلس اﻹدارة، إذ ظل جالسًا على هذا المقعد طوال فترة حكم السادات مرورًا بفترة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، حتى وقت خروجه على المعاش في أواخر عام 1984.

الصدام مع الكنيسة

كان”صبري” هو الصحفي المقرب “سياسيًا” من الرئيس السادات بجانب الكاتب أنيس منصور، فكانت هذه العلاقة سببًا في توتر اﻷجواء ضده، حيث وصفه البابا شنودة الثالث في تصريحات صحفية بأنه” رجل السادات”، وتسبب ذلك في إدانة الكنيسة له بالخيانة. وتعود الواقعة إلى عام 1981 فيما اشتهر وقتها بـ”اعتقالات سبتمبر” عندما كتب في مقاله الافتتاحي بجريدة الأخبار معلقًا على قرار السادات بتحديد إقامة البابا، وحبس 8 أساقفة و24 من الكهنة، واصفًا القرار بأنه “أخطر من قرار أكتوبر”.. وربما ساهم هذا في رفض البابا شنودة الثالث إقامة الصلاة على”صبري” عقب وفاته.

ولم ينجُ “صبري” من الشائعات في حياته وبعد وفاته، حيث ترددت أقاويل عن دخوله الإسلام قبل وفاته بفترة، مما أفسد علاقته بالكنيسة أكثر مما كانت عليه.

مؤلفاته

حرص موسى صبري، على نشر العديد من الكتب القيمة التي سرد خلالها العديد من الأحداث التاريخية الهامة من بينها: قصة ملك و4 وزارات، والسادات الحقيقة والأسطورة، ونجوم على الأرض، واعترافات كسينجر، ووثائق حرب أكتوبر.. إلى جانب مذاكراته بعنوان”50 عامًا في قطار الصحافة”، وعدد من الروايات الأدبية من أشهرها: الجبان والحب، والعاشق الصغير، والحب أيضا يموت، وحبيبي اسمه الحب، والصحافة الملعونة.

ومن إسهاماته أيضًا التي لا تُنسى في الدراما اﻹذاعية، كتب للراديو المسلسل الشهير “في بلاط صاحبة الجلالة”، تمثيل: أحمد زكي، ويسرا.. وبمشاركة عدد من الفنانين.

وفاته

توفي الكاتب الكبير موسى صبري، في الثامن من يناير عام 1992، بعد معاناة مع المرض عن عمر ناهز الـ 67 عامًا.

زر الذهاب إلى الأعلى