سلامة أحمد سلامة.. مؤسس صحيفة “الشروق” وعميد مراسلي الشؤون الخارجية (بروفايل)
كاتب مغوار لا يشق له غبار، صاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية، عُرف بمواقفه المهنية المشرفة على مدار سنوات طويلة، عاش يناضل من أجل الكلمة، هو الكاتب الصحفي سلامة أحمد سلامة، والذي تمر ذكرى رحيله الثامنة، اليوم السبت 11 يونيو 2020.
نشأته
ولد سلامة بالقاهرة في الأول من نوفمبر عام 1932، وتعود أصوله إلى محافظة الشرقية.
عندما وصل إلى التوجيهية (الثانوية العامة)، كانت البلاد على صفيح ساخن، ففي عام 1948 تفتق وعي سلامة بأمور السياسة، دفعه ذلك إلى المشاركة في مظاهرة قامت وقتها لفك الحصار عن طلبة كلية الطب التي شهد محيطها مقتل حكمدار العاصمة اللواء سليم زكي إثر إلقاء قنبلة من داخل الكلية على قوة كان يتقدمها الباشا، وقد ألقي القبض على “سلامة” مع عدد من زملاءه، وخضع للتحقيق لمدة 4 أيام.
لم يردعه ذلك عن الانخراط مع قضايا الاستقلال والحرية، في مرحلة ما قبل “يوليو”، والتى تركت أثرًا كبير عليه فيما بعد ، وساهمت في تكوين شخصيته، فانصرف مع مرور الوقت إلى الشعر والأدب، متأثرًا بفكر عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.
دراسته
التحق سلامة بقسم الفلسفة في كلية الآداب جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1953 وعن سبب اختياره لدراسة الفلسفة، قال: “تجمع بين الأدب والعلم وعلم تفسير الحياة، وتعطي أبعادًا وعمقًا لها”.
لم يتوقف شغفه الدراسي عند هذا الحد، إذ استطاع بعدها الحصول على درجة الماجستير في الآداب وعلم النفس من جامعة عين شمس، وفي عام 1967حصل أيضًا على ماجستير الصحافة والإعلام من جامعة “مينيسوتا” الأمريكية.
عمله الصحفي
بدأ سلامة حياته المهنية في مؤسسة دار أخبار اليوم بعد أشهر قليلة من تخرجه، حيث التحق محررًا بقسم الشؤون الخارجية في جريدة الأخبار، في الفترة من 1953 إلى 1955، ثم مراسلًا لها في ألمانيا الغربية وأوروبا، في الفترة ما بين 1955 حتى عام 1964، إلى أن تولى رئاسة القسم الدبلوماسي فيها لمدة 4 سنوات، لينتقل في عام 1969 للعمل كمراسل لجريدة الأهرام في ألمانيا.
بعد عودته إلى مصر، تدرج سلامة بين المناصب داخل صحيفة الأهرام، حيث شغل فيها منصب نائب رئيس قسم الشؤون الدولية بين عامي 1973-1974، ثم مديرًا للقسم، إلى أن عين مشرفًا على قسم الاستماع السياسى، قبل أن يصل إلى منصبه كمساعد رئيس تحرير الصحيفة ومشرف على العمل اليومى بها، في الفترة من 1974 حتى عام 1978، ثم نائب رئيس التحرير، حتى وصل إلى منصب مدير التحرير بها في مطلع ثمانينات القرن الماضي، ولانشغاله الدائم كان يقاسمه المهام فيها عدد من زملاءه، من بينهم الراحل عبد الوهاب مطاوع.
كما تولى أيضًا منصب عضو مجلس إدارة الأهرام، وعضو المجلس الأعلى للصحافة، وعضو مجلس إدارة مجلة الدفاع، وعضو لجنة الشؤون العربية بالحزب الوطني الديمقراطي.
اشتهر سلامة بكتابه عموده الشهير، تحت عنوان “من قريب”، حيث تطرق فيه إلى الكتابة عن الشؤون الخارجية والعالمية والعلاقات الدولية والعربية والشؤون الداخلية المصرية، وأحاديث مع عدد من رؤساء العالم في الشرق والغرب.
إلى جانب ذلك كان “سلامة” أول رئيس تحرير لمجلة “وجهات نظر” الفكرية منذ تأسيسها في فبراير عام ١٩٩٩، مع الناشر إبراهيم المعلم، واستمر فيها حتى عام 2008، فكانت”مجلة مختلفة لقارئ مختلف”، أسهمت بتحليلاتها المعمقة وترجماتها الحصرية لمقالات ودراسات في مجلات ودوريات أجنبية شهيرة في تشكيل الوعي الفكري بين المثقفين والأكاديميين وصناع القرار في العالم العربي.
شارك سلامة للمرة الثانية صديقه الناشر إبراهيم المعلم في تأسيس صحيفة” الشروق” الخاصة، وتولى رئاسة مجلس تحريرها، فبعد تركه العمل في الأهرام لخلافات حول السياسة التحريرية، إلى الحد الذي وصل إلى منع نشر مقالاته، مما دفعه إلى نقل عموده “من قريب” من الأهرام إلى الشروق، والذي ظل يكتب فيه إلى أن توفاه الله.
الأستاذ
يحكي الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحفيين، عن علاقته بالكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة، في مقاله المنشور، بعنوان سلامة أحمد سلامة.. المستكفي عن الإلحاح، يقول: “مع بداية عملي بجريدة الشروق قبل 10 سنوات، كنت معنيًا بمعرفة رأي وانطباعات الأستاذ سلامة، رئيس مجلس تحرير الجريدة حينها، على ما أنشره من أخبار وتقارير وتغطيات لملف جماعة الإخوان، والصراع الدائر في صفوفها على وقع الانتخابات الداخلية التي أطاحت بنائب المرشد محمد حبيب، وعدد من قادة الجماعة، أبرزهم عبد المنعم أبو الفتوح.
وضعتني الصدفة في طريق الأستاذ سلامة للمرة الأولى فعرفته بنفسي، فرد عليّ: “عارفك ومتابع شغلك.. وعارف أن الجماعة –يقصد مكتب إرشاد الإخوان- زعلانين من اللي أنت بتنشره..ومادام المصدر زعلان يبقى الصحفي شاطر”.. تعاملت مع كلماته العابرة باعتبارها درسًا، ووضعتها نصب عيني وأنا أتحسس طريقي في بلاط “صاحبة الجلالة”.
السلطة
اصطدم سلامة أحمد سلامة، على خلفية كتاباته وآراؤه النقدية عن السياسة والإعلام، في الفترة ما قبل ثورة يناير، والتي تسببت في صدور قرار من إحدى الجهات السيادية في الدولة بمنع نشر مقالاته في الأهرام، ومما يذكر أنه فى الخامس عشر من مارس عام 2009، قام أسامة سرايا، ومرسي عطا الله، والذي كان يشغل وقتها منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، بمنع مقال لـ”سلامة”، كان يتناول فيه انهيار مهنة الصحافة وخضوعها للمشروعات السياسية للسلطة، وهو الأمر الذي دفع سلامة ومن بعده الكاتب فهمي هويدي، إلى مغادرة الصحيفة.
كما تنبأ سلامة بسقوط نظام مبارك، خاصة بعد المخالفات التي شابت انتخابات مجلس الشورى منتصف عام 2010، وكتب في يوليو من ذات العام، مقالًا تحت عنوان “سنة الفراغ السياسي” جاء فيه:
“لابد أن نعترف بأننا نشهد في هذه السنة بالفعل ملامح مختلفة عن سنوات سابقة، تتميز بأنها قد تكون مقدمات لتغيير ما يصعب تحديده”، مشيرًا إلى أن الحزب الوطني سيتلاعب بانتخابات مجلس الشعب على غرار ما جرى في انتخابات الشورى وهو ما سيؤدي إلى انهيار ما تبقى من ثقة في الدولة ومؤسساتها المختلفة وسينتهي الحال إلى خلق واقع سياسي جديد، واصفًا المرحلة المقبلة بأنها ستكون” لحظة الامتحان الفاصلة”.
ووفقًا لمقال عبد الحفيظ -سالف الذكر- فإن سلامة كان يرى أن نظرة السلطة إلى الإعلام ظلت محكومة بنفس الأفكار والكوابح التي نبتت وتأسست في ظل الأوضاع الاستثنائية لنظام ثورة يوليو، فأسبغت على الحكم سلطات تستعصي على المساءلة والنقد، وعجزت عن مواكبة التقدم الذي شهده العالم في مجال حرية الإعلام والصحافة.
وعن إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة كتب سلامة معلقًا على القضايا التي لاحقت عدد من الصحفيين خلال السنوات الأخيرة من عمر نظام مبارك: “أسوأ ما تتعرض له الصحافة أن تضع السلطة نفسها في مواجهة صحفي أو صحيفة بعينها، وأن يكون التعتيم والاستبعاد هو الأساس، تقابله على جانب آخر محاولات مستميتة للحصول على الأخبار بطرق قد تكون ملتوية أو مستفزة أحيانًا.
ومما يحسب لسلامة موقفه الواضح من محاولات إحكام الدولة سيطرتها على الصحافة، حيث كتب ذات مرة ساخرًا من الوضع: “انتقلت القيود من مرحلة الرقيب والتدخل المباشر إلى مرحلة الريموت كنترول، بتوجيه رؤساء التحرير أو إخضاعهم”.
وفى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، عُين سلامة أحمد سلامة، عضوًا في لجنة الحكماء التي تم تشكيلها في تلك الفترة.
المستغني
وصف “هيكل” أسلوب سلامة في الكتابة بـ” المستغني عن الإلحاح”، حيث كان يرى أن مقالاته”لمحات تعرض نفسها علي الناس، وتقوم بمهمتها في التنوير علي طريقة الفنار في اتساع البحر وعمقه، صرح يقوم شامخًا في قلب جزيرة من الصخر، وهو يدور علي ما حوله بومضات من ضوء نافذ إلي بعيد يهدي السائرين في الظلمات”.
وفي رسالة نشرها سلامة، في مقدمة كتابه” الصحافة فوق صفيح ساخن”، يقول هيكل عن مقالات سلامة: “اكتب يا صديقي، وانشر وتكلم، ودع الأمواج تتكسر علي الصخر، ودع ومضات النور تلمع علي سطح البحر في كل اتجاه، وتنير كل بقعة تصل إليها، وأما الأمواج فليس في مقدورها غير أن تغسل الصخور كل مساء، وترتد عنها كل صباح”.
مؤلفاته
قبل أسابيع من منع مقاله فى صحيفة “الأهرام”، كان سلامة أحمد سلامة، قد أصدر في يناير عام 2009 كتابًا بعنوان “الصحافة فوق صفيح ساخن” ـ الصادر عن دار العين ـ تناول فيه المخاطر التى تحيط بمهنة الصحافة والعاملين فيها، والتى تؤثر بالتبعية على مصداقية الصحف ومن ثم ثقة القراء فيها، حيث يقول: “تمثل الصحافة الحرة في المجتمعات الحديثة ما تمثله الرئة في جسم الإنسان، لتنقية دمائه وتجديد خلاياه والإبقاء على حيويته، فهي تستقبل أطنانا من الهواء قد لا يحتوي إلا على نسبة ضئيلة من الأُكسجين، إلى جانب كمية هائلة من العوادم والشوائب، التي تطردها مع كل زفير إن أمكن، وقد يبقى بعضها في الرئتين رغم ذلك بحسب درجة النقاء والشفافية أو الفساد والتلوث في البيئة المحيطة” .
كما أصدرت له عدة كتب، من بينها: المناطق الرمادية، والشرق الأوسط الجديد.
تكريمه
حصد سلامة العديد من الجوائز القيمة، من بينها: جائزة الإبداع الإعلامي، والتي حصل عليها من مؤسسة الفكر العربي، وجائزة مصطفى وعلي أمين، وهي أول جائزة حصل عليها في حياته وكان دائما ما يذكر أنها أهم جائزة حصل عليها وأقربها إلى قلبه.
كما حصل على وسام الاستحقاق الأول من جمهورية ألمانيا الاتحادية، فكان أول من فتح الباب لكثير من الصحفيين في أن يكونوا مراسلين في الخارج، ليستحق عن جدارة لقب عميد صحفيي الشؤون الخارجية.
وفاته
رحل الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة رئيس مجلس تحرير الشروق، والكاتب السابق بجريدة الأهرام، في 11يوليو عام 2012، عن عمر ناهز الـ 80 عامًا.
وبالرغم من معاناته مع المرض، لكنه لم يترك القلم من يده، فقبل وفاته بيومين، نشر مقاله الأخير في”الشروق”، تحت عنوان “فوضى نشر الأخلاق والدين بقوة السلاح”، تعليقًا منه على حادث مقتل طالب الهندسة بمدينة السويس على يد بعض المتشددين.