عبد العزيز جاويش.. صحفى عاش سنوات عمره ما بين السجن والنفي
“شغل الناس بأرائه الجريئة وأسلوبه العنيف وحملاته النارية على الاستعمار والاستبداد، وقدم للمحاكمة ثلاث مرات وأحيل للتحقيق أربع مرات وسجن ثلاث مرات”،.. إنه الشيخ عبد العزيز جاويش أحد رواد الإصلاح والعمل الوطني.
كان الطريق مفتوحا أمام جاويش، لأن يكون علما ثريًا بعدما بلغ أرقى المناصب، لكنه تركها، ليعمل في مجال الصحافة الملئ بالمتاعب والأشواك”، فعاش سنوات عمره ما بين السجن والنفي بسبب دفاعه عن الاستقلال والحرية، ومات وليس عليه غير جبته وليس في بيته قرش.
وخلال مسيرته لم يقف جاويش عند المطالبة بالجلاء والدستور والحياة النيابية واطلاق الحريات العامة، لكنه وسع قاعدة العمل وطرح قضايا التنوير والتعليم والمرأة والأسرة وحقوق العمال ومحو الأمية في العالم العربي والإسلامي.
ولد عبد العزيز جاويش عام1876 ، وجاء من الإسكندرية إلى القاهرة والتحق بالدراسة في الأزهر ومدرسة دار العلوم وتخرج فيها عام 1897، وبعد أن حصل على إجازة من دار العلوم تم تعيينه مدرسًا للغة العربية في مدرسة الزراعة، ثم بُعث إلى إنجلترا ليدرس طرق التدريس والمناهج في جامعة برورورد.
وبعد عودته تم تعيينه مفتشًا في وزارة المعارف عام 1901، ثم عاد لتدريس اللغة العربية في جامعة أكسفورد ببريطانيا وأمضى نحو 7 سنوات هناك.
فى عام 1908، طلب منه الزعيم محمد فريد ترأس تحرير جريدة اللواء، لسان حال الحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل، فترك وظيفته بوزارة المعارف ورفض عرض سعد زغلول – وزير المعارف- بالاستمرار، وعندما اختلف جاويش مع ورثة اللواء فانتقل إلى “العلم” حتى تم تعطليها في مارس 1910، فتنقل بين صحف “العدل” و”الاعتدال” و”الشعب”.
سجن عبد العزيز جاويش ثلاث مرات، المرة الأولى كانت عام 1909، بسبب قانون مقالاته عن قانون المطبوعات الذى منح الحكومة سلطة إغلاق الصحف وتعطيلها بدون إجراءات قضائية وألغى الضمانات والحقوق التي كان يتمتع بها الصحفيون وجعل محاكمتهم تتم على درجة واحدة فيحالون إلى “الجنايات” مباشرة ليكون الحكم فيها نهائيا، وقد وجهت له النيابة تهمة تكدير الأمن والسلم الاجتماعي وتأليب الرأي العام على الحكومة.
والمرة الثانية كانت بسبب حادثة دنشواي، حيث اُتهم جاويش بإهانة رئيس الوزراء ووكيل الحقانية وقدم للنيابة العامة وحكم عليه بالسجن 3 شهور دون أن يتمكن من الطعن بسبب إعادة العمل بقانون المطبوعات، وبعد أن خرج من سجنه اُستقبل استقبالا شعبيا، وأهدى إليه ممثلو الطوائف “الوسام الوطني” وهو نيشان من الذهب الخالص، في احتفال حضره عدد كبير من الشخصيات الوطنية والقيادات الشعبية.
أما المرة الثالثة التى قدم فيها للمحاكمة فكانت 1910 بتهمة كتابة مقدمة ديوان “وطنيتي” للشاعر علي الغاياتي، وتم اتهامه بتمجيد القصيدة التي جعلت من قاتل بطرس غالي –الورداني- بطلا، وتم اتهامه بالحض على القتل والكراهية وسجن 3 شهور.
سنوات المنفي
وبعد سنوات من السجن والرقابة والتضييق، هاجر عبد العزيز جاويش إلى تركيا، وأصدر صحيفة “الهلال العثماني” في اسطنبول عام 1912، وتم اتهامه بتكوين مجموعة ثورية، تهدف إلى قلب نظام الحكم في مصر، وطلبت مصر تسلمه، فتم ترحيله إلى الاسكندرية واحتجز في سجن الحضرة، وبعد حجزه شهرا في السجن، أخلي سبيله بعد أن أثبت ألا صلة بينه وبين المنشورات المحرضة على الإطاحة بحكم أسرة محمد علي.
وطُلب منه المغادرة بشكل غير رسمي، باعتباره شخصا غير مرغوب فيه، فعاد إلى الاستانة وأصدر جريدة “الحق يعلو”، وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى هاجر إلى ألمانيا وعانى ظروفا مالية صعبة، بعدها عاد إلى تركيا بعد أن استقرت الأمور.
أمر كمال أتاتورك بتعيين جاويش رئيسا للجنة الشؤون الإسلامية بأنقرة، وعرض عليه بعد ذلك أن يعينه شيخا للإسلام في تركيا، لكن جاويش توجس من أتاتورك وتوجهاته، فقرر الهروب من أنقرة والعودة إلى مصر.
بعد عودته إلى مصر، خاض انتخابات دائرة الجمرك في الاسكندرية، لكنه خسرها كما خسر معظم مرشحي الحزب الوطني أمام مرشحي الوفد، وبعد واقعة الاعتداء على سعد زغلول في محطة باب الحديد، ألقي القبض على جاويش وعدد من قادة الحزب الوطني باعتبارهم حرضوا على سعد، وظل مسجونا حتى 5 أغسطس 1924.
بعد تلك الواقعة غادر الصحافة والسياسة واتجه إلى التعليم والاصلاح والتربية، ووتولى منصب مدير التعليم الأولى بوزارة المعارف حتى صعدت روحه في 25 يناير 1929.