محمد منير.. الصحفي “المشاكس” الذي انتصر لقلمه (بروفايل)
” المُعلم” هكذا عُرف بين تلاميذه ومحبيه، هو صاحب قلم حر، اشتهر بمواقفه وآراءه السياسية ـ الغير متلونة ـ طوال مشوار حياته، الذي انتهي برحيله عن دنيانا، الاثنين 13 يوليو 2020، عن عمر ناهز الـ65، بعد تدهور حالته الصحية، إثر شكوك بإصابته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد ـ 19)، وحجزه في مستشفى العجوزة للعزل الصحي، إنه الكاتب الصحفي الكبير محمد منير.
ولد “منير” في التاسع والعشرين من يوليو عام 1955، بحي العجوزة، ودرس في مدرسة الجيزة الثانوية، إلى أن تخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة عين شمس.
اتجه إلى العمل في الصحافة، فكانت البداية في جريدة الأهالي -الناطقة باسم حزب التجمع اليساري- وفيها تولي مهمة تغطية أخبار وزارة الصحة. وخلال مسيرته المهنية التى امتدت نحو ربع قرن، تنقل “منير” بين عدد من الصحف المصرية والعربية، من بينها: اليوم السابع، ومصر العربية.
وصفه البعض بـ”المشاكس”، لمعارضته كافة أشكال الظلم والاستبداد، ظهر ذلك واضحًا في كتاباته، وآراءه السياسية التى جعلت منه خصمًا عنيدًا لا يميل ولا يحيد عن قول الحق، فكان خير مدافعًا عن حرية الرأي، كافح طويلًا من أجل تعزيز قيم المهنة وترسيخ مبادئها في الأذهان، فكان واحدًا من رموز تيار الاستقلال بنقابة الصحفيين.
كان وطنيًا مخلصًا، عاشقًا لمصر، لم يتهاون في معارضة السلطة على مر السنوات، وعرضه ذلك إلى حملات تنكيل وبطش، وصلت إلى حد اعتقاله، فكانت البداية عام 1981، خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، حيث تعرض وقتها للاعتقال، بسبب اعتراضه على اتفاقية السلام مع إسرائيل.
وفي عهد الرئيس الأسبق مبارك عانى من الظلم والتضييق الأمني، حتي كان قرار فصله من عمله نائبًا لرئيس تحرير جريدة اليوم السابع، على خلفية مواقفه المعارضة للنظام، حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فكان مشاركًا منذ اليوم الأول فيها، وقاد مسيرات التظاهر من أمام مقر النقابة في شارع عبد الخالق ثروت؛ ومن المشاهد التي لا تُنسى دوره في واقعة طرد نقيب الصحفيين آنذاك، مكرم محمد أحمد، من داخل النقابة، باعتباره أحد رموز النظام.
ورغم مرضه وتقدمه في العمر، لم يتهاون يومًا في الدفاع عن الحق، فكان موقفه ـ واحدًا ـ وشجاعًا تجاه معظم الأحداث التى وقعت خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وفي أيامه الأخيرة، داهمت الشرطة منزله، على خلفية مشاركته في لقاء تليفزيوني على قناة الجزيرة مباشر، منتصف يونيو الماضي، حيث تحدث عن أزمة مجلة روزاليوسف التي نشرت صورة لأحد القساوسة بجوار مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، مع تعليق مسيء، وحذر “منير” من تسببها في إشعال الفتنة الطائفية بالبلاد.
وكان منير قد بث مقطع مصور على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قبل القبض عليه بيوم وثق فيه مهاجمة قوات أمنية منزله، وقال فيه ما نصه: “الحياة من غير كرامة، يبقى الموت بديلها.. أنا حر وحريتي إن أنا أعمل اللي شايفه صح، واللي أنا شايفه صح عملته، عيب بقى، لن أسمح لكم بمحاصرتى وخنقي، وأنا في العمر ده، اتقال لي كلام: أنت راجل سنك كبير.. سنه كبير يا حبيب قلبي يعني اقترب من مقابلة ربنا، واللي اقترب من مقابلة ربنا ده، يبقى إحساسه ايه؟ يا رب تحس إحساسه ماينفعش يعمل غلط، وما ينفعش يخاف”.
وداهمت قوات الأمن، شقة “منير”، مساء السبت 13 يونيو 2020، مرتدين ملابس ملكية، ومن خلال مقطع مصور التقطته إحدى كاميرات المراقبة المثبتة أمام شقته، حكى “منير” وقائع ما حدث: “خبطوا على الشقة.. ولما مالاقوش حد فتحوا الشقة بطفاشة أو كماشة مثلًا أو أي حاجة.. وفضلوا جوه لحد الساعة 11 و30 دقيقة بالظبط وبعدها خرجوا، وبعد ساعتين من الاقتحام جاءت قوات ترتدي زي مكافحة الإرهاب ومعهم أسطوانة حديدية وكسروا الباب الحديدي للشقة، الشيء الغريب أنهم بعد اقتحامهم الشقة ودخولها الساعة الحادية عشر ليلاً أرسلوا قوات أمن مدججة بالسلاح في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكان معاهم فرد أمن من اللي حضروا في المرة الأولى، وأسطوانة حديدية ويبدو إن كان هناك شكل استعراضي لاقتحام الشقة”. واعتبر الفيديو بلاغًا للنائب العام، وطالبه بالتحقيق في وقائع اقتحام شقته.
ووصف”منير” ما حدث بـ “الأمور الغريبة والصغيرة”، مؤكدًا استمراره على موقفه، وعدم قبوله الابتزاز من أحد لا بالإرهاب أوالتخويف. وبعد واقعة اقتحام منزله، ألقت قوات الأمن القبض على “منير”، وحققت معه نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 535 لسنة 2020، ووجهت له اتهامات مشاركة جماعية إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأخلت سبيله في 2 يوليو 2020.
وتدهورت حالته الصحية، إذ ناشد في مقطع مصور، بثه عبر صفحته علي موقع “فيسبوك” في 7 يوليو، نقيب الصحفيين وزملاءه لإنقاذه، قال فيه: “أثناء حبسي كشف الفحص الطبي بمستشفى ليمان طرة عن إصاباتي بجلطة وقصور في وظائف الكلى، وفي اليوم الثاني للفحص تم الإفراج عني، وبعد يومين تدهورت حالتي، خاصة وأنني غير قادر على تحديد خطة علاج أو الحجز في مستشفى وهو ما كنت أفعله والله منذ سنوات مع كثير من الزملاء عندما كنت محررًا للصحة، ولكني الآن وأنا في شدة التعب غير قادر على مساعدة نفسي، وأن تكلفة حصتي من العلاج والفحوصات تفوق إمكانياتي المادية المحدودة”.
ورحل “منير” خلال تلقيه للعلاج بمستشفى العجوزة، وهي واحدة من مستشفيات العزل الصحي، يوم الاثنين 13 يوليو 2020.