ناجي العلي.. فنان الكاريكاتير الذي رسم بعظام البشر (بروفايل)

فلسطيني الهوى والمنشأ، لم يتهاون يومًا في الدفاع عن معشوقته “فلسطين” ضد الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي على أراضيها، من أقواله:” للكلمة والخط المرسوم وقع أقوى من طلقات الرصاص”، هو صاحب الأربعون ألف رسم كاريكاتوري، شكلت لوحاته رمزًا للمقاومة الشعبية الفلسطينية، قالوا عنه أنه الرجل الذي يرسم بعظام البشر، إنه رسام الكاريكاتير ناجي العلي، الذي تعرض لمحاولة اغتيال على يد مجهول، لم ينجح في التعافي منها ليرحل عن دنيانا بعد مضي 38 يومًا بعد هذه الحادثة، في مثل هذا اليوم الموافق 29 أغسطس عام 1987.

وفي ذكراه الـ 33، يستعرض المرصد المصري للصحافة والإعلام محطات من مشوار حياته، في السطور القادمة:

النشأة
اسمه” ناجي سُليمان حسين العلي”، ولد عام 1937 في قرية الشجرة، الواقعة بين مدينتي طبريا والناصرة الفلسطينيتين، عاش فيها ما يقرب من 11 عامًا، هاجر منها هو وأسرته بعد أن دمرتها إسرائيل خلال أحداث النكبة عام 1948، ومكثوا في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان، ومن أجل لقمة العيش عملت الأسرة هناك في مجال الزراعة.

في سنواته الأولي، تلقى” العلي” تعليمه في مدارس صيدا، قبل أن ينقطع عنها بسبب ظروف اعتقاله المتكررة، لكنه تمكن لاحقًا من الحصول على شهادة في ميكانيكا السيارات من طرابلس، ثم التحق بالدراسة في الأكاديمية اللبنانية عام 1960.
يتذكر ناجي العلي في كتاب بعنوان:” طفل في فلسطين: رسوم ناجي العلي” هذه الفترة من حياته، وعنها قال:” اسمى ناجى العلى، ولدت وين اتولد المسيح عليه السلام، بين طبرية فى الناصرية فى قرية الشجرة بالجليل الشمالى، أخرجونى من هناك بعد عشر سنوات عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة فى لبنان، أذكر هذه السنوات العشر أكثر مما أذكره من بقية عمرى، لسه العشب والحجر والظل والنور، وأشياء ثابتة، كأنها محفورة فى عيونى حفرا، لم يخرجها كل مارأيته بعد ذلك”.

مولد فنان
تأثر ناجي العلي بظروف نشأته والبيئة المحيطة به، وساعد ذلك على نمو موهبته الفنية مبكرًا، إذ بدا ذلك واضحًا خلال فترات اعتقاله الأولى وهو بعمر المراهقة؛ فقد اعتقله الاسرائيليون لأول مرة بسبب نشاطه المعادي ضد قواتهم، وهو ما جعله يمضي وقته في الرسم على جدران الزنزانة، تكرر ذلك ثانية بعد فترة وجيزة ولكن هذه المرة كانت على يد الجيش اللبناني الذي اعتقله مرات عديدة بعدها، فكان يرسم أيضاً على جدران السجن.
ومن هنا نمت موهبة ناجي العلي الفنية، في رسم الكاريكاتير، الذي عبر من خلاله عن معاناة الشعب الفلسطيني، المتطوق للحرية والاستقلال، وعن ذلك قال:” يتمنى الإنسان لو أنه مثل آلهة الهند بـ50 يدا حتى يستطيع التعبير عن الواقع.. فالواقع كله كاريكاتير”.

وقد لعبت الصدفة دورها في حياة” العلي”، حدث ذلك عندما التقي للمرة الأولي بالكاتب غسان كنفاني، خلال الاحتفال الشعبي الذي أقيم في مخيم عين الحلوة بمناسبة “يوم فلسطين” في مطلع الستينات، وحضرته مجموعة من القيادات الفلسطينية في لبنان.

استغل العلي هذه المناسبة، وأقام معرضًا بسيطًا في إحدى الخيام المهترئة، وعرض فيه عددًا من لوحاته وبعضًا من رسومات الأطفال الصغار.

ووفقًا لما ذكرته صحيفة “القدس العربي”، فقد زار كنفاني معرض الرسومات، وكان ناجي العلي في استقباله كونه مدرس الرسم للأطفال المشاركين في المعرض.

فلفتت إحدى الرسومات غسان كنفاني، وكانت عبارة عن خيمة على شكل هرم، ترتفع من رأسه قبضة تطالب بالثأر والتصميم والنصر، وعندما سأل عن صاحبها عرف أن ناجي العلي هو من رسمها، فقام بمساعدته على نشر إحدى رسوماته في مجلة “الحرية”، التي يعمل بها، فظهرت أولي ابداعاته للناس في 25 سبتمبر عام 1961، في العدد 88 للمجلة، فكانت تلك هي بوابته التي عبر منها نحو الشهرة.

بعد عامين على هذا اللقاء، ترك ناجي العلي لبنان متجهًا إلى الكويت، فعمل فيها رسامًا كاريكاتيرًا بمجلة” الطليعة”، وبعد 5 سنوات من العمل فيها، انتقل إلى العمل في صحيفة” السياسة”، وظل يرسم الكاريكاتير فيها حتى عام 1975، ثم عمل في جريدة “القبس” الكويتية لمدة عامين، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا عام 1985 للعمل في جريدة القبس الدولية.

رسوماته
شكل ناجي العلي بفنه في رسم الكاريكاتير حالة خاصة، مستثناة من أى قواعد أو أطر محددة، فقد استطاع من خلاله أن يعبر بصدق عن ما يعانيه المجتمع، حيث استمد موضوعاته من معاناة الناس وهمومهم ومن الحالة السياسية السائدة في المنطقة، وعكس فيها انتقاد الشعوب للحكومات والقيادات العربية والفلسطينية؛ فرسم بريشته الكثير من الرسوم الساخرة للقادة والزعماء العرب، وبلغ مجموع رسوماته ما يزيد عن 40 ألف رسم كاريكاتيري، ولم تزحزحه التهديدات التي كانت تصله عن مبتغاه.

وعن ذلك قال ناجي العلي:” مهمتي أن أتحدث بصوت الناس، شعبي في المخيمات في مصر والجزائر، وباسم العرب البسطاء في المنطقة كلها والذين لا منافذ كثيرة لديهم للتعبير عن وجهة نظرهم”.

كما اختار تعريفا لنفسه، حينما قال ذات مرة:” أنا أرسم لفلسطين”، ورد على التهديدات لإسكاته قائلا ” لو ذوّبوا يدي بالأسيد.. سأرسم بأصابع رجلي”.

يذكر أنه بعد وفاة ناجي العلي، قام ابنه خالد بإعادة إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، ترجمت معظمها إلى عدد من اللغات الأجنبية.

وقد ابتكر” العلي” عددًا من الرموز والشخصيات التي حاكي بها واقع شعبه، فظهر:

*حنظلة
برزت شخصية “حنظلة”، التي رسمها ناجي العلي عام 1969، خلال عمله في جريدة السياسة الكويتية.
وهذه الرسمة عبارة عن طفل في العاشرة من عمره مديراً ظهره وعاقداً يديه خلف ظهره، وكان ناجي دائما يوقع أعماله برسم حنظلة، ذلك الفتى الفلسطيني الناقم على ما آلت إليه حال الأمة العربية، يدير دائما ظهره للناس، وعن سبب عدم رؤية وجه حنظلة، رد العلي قائلا:” عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته سترون وجه حنظلة”.

كما يقول ناجي العلى في تعريفه على لسانه:” عزيزى القارئ اسمح لى أن أقدم لك نفسى. أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا اسمى: حنظلة اسم أبى مش ضرورى، أمى اسمها نكبة، واختى الصغيرة فاطمة، نمرة رجلى ما بعرف لانى دايما حافى، تاريخ الولادة: ولدت في 5 حزيران 1967، جنسيتى أنا مش فلسطينى مش أردنى مش كويتى مش لبنانى مش مصرى مش حدا باختصار معييش هوية ولا ناوى أتجنس، محسوبك إنسان عربى وبس”.

*فاطمة
هي المرأة الفلسطينية القوية التي لا تهادن لها عنفوان وتحمل رؤى شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وهى ذات ردود قاطعة وغاضبة، ترمز لفلسطين في لوحات وفى لوحات أخرى ترمز لمصر ولبيروت وصبرا وصيدا وصور، وهى المقاومة والمرأة الشامخة ذات الوجه المدور والعينين الواسعتين حافية القدمين تتجول وهى ترضع ابنها حب الوطن فهى تدفع زوجها وأولادها إلى تحرير الوطن والاستشهاد في سبيله، وهى رمزًا للمناضلات العربيات.

*الرجل الطيب
هو الفلسطيني المشرد المقهور والمناضل والمكسور أحيانا، وهو الجريح في عدة لوحات المعذب المعتقل في السجون الذي لا يغير مواقفه ويرفض الاعتراف بالحدود المصطنعة كما أنه الحزين على فراق الشهداء، الصبور على الألم يحمل في رمزيته كل مواطن عربى بحسه الوطنى والقومى وإيمانه بقضيته.

*الرجل السمين
وهو رجل صاحب كرش ومؤخرة كبيرة، يرمز للحكومات العربية والبرجوازية، يقف باحترام أمام الاسرائيليين، فهو خانع ضعيف يعمل على التطبيع مع العدو.

*الجندى الإسرائيلى
يرتدي دومًا خوذته على رأسه، تأكيدًا على جبنه وضعفه، له أنف طويل، يبدو كأنه خبيث مرتبك أمام الأطفال الفدائيين.

مقولاته
اشتهر فنان الكاريكاتير ناجي العلي ببعض الكلمات، التى نطق بها في مناسبات مختلفة، وكانت تنم عن رباطة جأش وشجاعة صاحبها، من بينها:
ـ للكلمة والخط المرسوم وقع أقوى من طلقات الرصاص.
ـ هكذا أفهم الصراع أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب.
ـ الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة.
ـ متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم “تحت”.
ـ أن نكون أو لا نكون، التحدي قائم والمسؤولية تاريخية.

تكريمه
أصدر ناجي العلي ثلاث كتب، ضمت مجموعة من رسوماته، وحصل على العديد من الجوائز، منها: الجائزة الأولى في معرضي الكاريكاتير للفنانين العرب في دمشق عامي 1979 و1980، وصنفته صحيفة أساهي اليابانية كأحد أشهر عشرة رسامين للكاريكاتير في العالم، والتي قالت إن “ناجي العلي يرسم بحامض الفوسفور” في إشارة إلى صراحته المباشرة في رسوماته، بينما قالت عنه مجلة التايم الأمريكية إنه الرجل الذي يرسم بعظام البشر.

اغتياله
مضي ما يزيد عن ثلاثين عامًا على وفاة رسام الكاريكاتير ناجي العلي، ولم يستدل حتى اليوم على هوية قاتله.
تبدأ تفاصيل الحادثة الأليمة التى أودت بحياة واحدًا من أعظم الفنانين الذين أنجبتهم فلسطين الأبية مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما كان ناجي العلي في طريقه إلى مقر عمله في جريدة القبس الدولية، فى الساعة الخامسة والربع تقريبا بعد ظهر يوم 22 يوليو عام 1987، أوقف سيارته في شارع آيفز، بمنطقة نايتسبريدج، وترجل حاملا لوحتين هما آخر ما رسمه، في هذه الأثناء أطلق شاب مجهول النار عليه ، فأصابه تحت عينه اليمنى، نقل على إثرها إلى المستشفي ودخل في غيبوبة كاملة، دامت شهرًا و8 أيام، حتى وفاته في 29 أغسطس من العام ذاته، عن عمر يناهز الـ 51 عاما، متأثرًا بإصابته.

دفن ناجي العلي في مقابر المسلمين “بروكود” ببريطانيا، وقبره يحمل الرقم 230191، رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده، إلا أن إسرائيل رفضت السماح بذلك.

وقد أسفرت التحقيقات البريطانية وقتها على أن الشخص الذي أطلق النار على ناجي العلي هو شاب يدعى “بشار سمارة”، وقد يكون اسمه الحركي، وبأنه كان منتسباً إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وفي نفس الوقت كان موظفاً لدى جهاز الموساد الإسرائيلي، ومع ذلك لم يتم التوصل إلى اسم القاتل الحقيقي الذي بقي حراً طليقاً حتى يومنا هذا، رغم إعادتها فتح ملف التحقيق بقتله عام 2017.

اتهامات
بعد وفاة حنظلة (ناجي العلي)، خرجت العديد من الأقاويل ـ الغير مؤكدة ـ التي تشير بأصابع الاتهام إلى الموساد الاسرائيلي بأنه هو من قام بتدبير عملية اغتياله، بسبب انتماءه إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها، وفقا لما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت التى نشرت قائمة العمليات الناجحة التي قام بها الموساد، وكان اسم ناجي العلي من بينهم.

وهناك البعض اتهم منظمة التحرير الفلسطينية بقتله، بسبب انتقاداته اللاذعة لقادتها، وبحسب تقرير لــBBC، فإن أحد زملاء ناجي العلي حاول إقناعه قبل أسابيع من تعرضه للاغتيال بتغيير أسلوبه، فرد عليه بنشر كاريكاتير ينتقد ياسر عرفات ومساعديه.

وبحسب كتاب ” شهادات على القرن الفلسطيني الأول” للكاتب إلياس نصرالله، فإن جريمة اغتيال ناجى العلى، واجهت حملة تضليل واسعة منذ اليوم الاول، ففى الوقت الذى كانت فيه الأنظار تتجه صوب الحكومة البريطانية لمتابعة التحقيقات، حاولت وسائل الإعلام البريطانية فى البداية إلصاق التهمة بإيران التى كانت مشتبكة مع صدام حسين فى الحرب التى شنها الرئيس العراقى الأسبق، وبعد ذلك ألصقت تهمة اغتيال ناجى العلى إلى العراق نفسها، رغم أن ناجي العلي لم ينحاز إلى أحد الطرفين فى تلك الحرب.

ويزعم الكتاب أيضا، أن أصابع الاتهام وجهت نحو رجال الأمن وقوة جهاز “الـ17” وحراسة المكاتب التابعة لحركة التحرير، ومنذ وقوع الحادثة تم تداول اسم مصطفى عبد الرحمن كشخص من المحتمل أن تكون له علاقة بالجريمة، وهو مجرد اسم حركة، وكان معروفا أنه ضمن حراسة مكتب منظمة التحرير فى لندن، وتبين أنه تخلى عن منصبه قبل الاعتداء على ناجى العلى بأشهر، وبعد اتهامه بقتل “العلى” ترك انجلترا وتوجه إلى أثينا.

وأوضح الكاتب أن تشويش الصورة حول من أطلق النار على ناجى العلى زاد بعد إعلان شرطة لندن عقب فرار مصطفى عبد الرحمن اعتقال شابين عربيين، هما الفلسطينى إسماعيل صوان من جبل المكبر فى فى القدس المحتلة، والسورى بشارة سمارة، من مجدل شمس فى المرتفعات السورية “الجولان” المحتلة، واللذان اعترافا بأنهما عميلان للموساد الإسرائيلى، لكنهما نفيا أى علاقة للموساد باغتيال ناجى العلى، وأنهما موجودين للتجسس على مكتب منظمة التحرير.

كما اتهم الشاعر الفلسطيني محمود درويش بالتورط في اغتيال ناجي العلي، الذي كان معارضًا له، حسبما كشف الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، في إحدى مقالاته، حيث أكد أن الاتهام نفسه حاصر “درويش” على خلفية رسم كاريكاتيرى آخر، قبل الاغتيال مباشرة، وصفه بـ”محمود خيبتنا الأخيرة” باستيحاء عنوان قصيدته “بيروت خيمتنا الأخيرة” اعتراضا على ما دعا إليه من فتح حوارات مع اليسار الإسرائيلى، وتابع: لم يخف “درويش” اختلافه مع نهج “العلى” قد يكون “درويش” لوح بشىء من التهديد فى الاتصال الهاتفى النادر بينهما، لكنه يصعب تخيل تورطه فى تلك الجريمة التى هزته من أعماقه، فقال: “إن ناجي العلي لنا، ومنا، ولنا.. ولنا”.‬

صاحب مبادئ
لم يتخلِ ناجي العلي عن مبادئه، فدفع حياته ثمنًا لها، وعن ذلك قال:” اللى بدو يكتب عن فلسطين، واللى بدو يرسم عن فلسطين، لازم يعرف حاله، ميت، أنا مش ممكن أتخلى عن مبادئى لو على قطع رقبتي.

كان عمله في رسم الكاريكاتير” مهمة” تمنحه مبررًا كي يحيا، ووصف نفسه، قائلا:” لست مهرجا، ولست شاعر قبيلة، إننى أطرد عن قلبى مهمة لا تلبث أن تعود، ولكنها تكفى لتمنحنى مبررا لأن أحيا، أنا متهم بالانحياز، وهى تهمة لا أنفيها، أنا لست محايدا، أنا منحاز لمن هم يرزحون تحت نيران الأكاذيب، وأطنان التضليلات، وصخور القهر والنهب وأحجار السجون والمعتقلات، أنا منحاز لمن ينامون فى مصر بين قبور الموتى، ولمن يقضون لياليهم فى لبنان يشحذون السلاح الذى سيستخرجون به شمس الصباح، ولمن يقرؤون كتاب الوطن فى المخيمات”.

رثاءه
بعد رحيله، رثاه عددًا من الشعراء في بعض البلدان العربية، من بينهم:” الخال” عبد الرحمن الأبنودي، الذي قال :
أماية.. وأنتى بترحى بالرحى..
على مفارق ضحى..
– وحدك- وبتعددي
على كل حاجة حلوة مفقودة
ما تنسنيش يا أمة فى عدودة
عدودة من أقدم خيوط سودا فى توب الحزن
لا تولولى فيها ولا تهللى..
وحطى فيها اسم واحد مات
كان صاحبى يا أمة..
واسمه ناجى العلي
يا قبر ناجى العلى.. وينك يا قبر
يا قبر معجون بشوك مطلى بصبر
الموت يقرب عليك.. يرتد خوف
وإذا ما خافش الموت.. يرتد جبر
يا قبر ناجى العلى.. يادى الضريح
كان ميتك للأسف وطنى صريح
تحتك فتى ناضر القلب.. غض
كان قلبه..أرض مخيمات الصفيح
أما الشاعر أحمد مطر، فرثاه في أبياته الشعرية، قائلا:
شكراً على التأبينِ والإطراءِ
يا معشرَ الخطباء والشعراءِ
شكراً على ما ضاعَ من أوقاتكم
فى غمرةِ التدبيـج والإنشاءِ
وعلى مدادٍ كان يكفى بعضُـه
أن يُغرِقَ الظلماءَ بالظلماءِ
وعلى دموعٍ لو جَـرتْ فى البيدِ
لانحلّـتْ وسار الماءُ فوق الماءِ
وعواطفٍ يغـدو على أعتابها
مجنونُ ليلى أعقـلَ العقلاءِ
وشجاعـةٍ باسم القتيلِ مشيرةٍ
للقاتلين بغيرِ ما أسمـاءِ
شكراً لكم، شكراً، وعفواً إن أنا
أقلعتُ عن صوتى وعن إصغائي
عفواً، فلا الطاووس فى جلدى ولا
تعلو لسانى لهجةُ الببغاءِ
عفواً، فلا تروى أساى قصيدةٌ
إن لم تكن مكتوبةً بدمائي
عفواً، فإنى إن رثيتُ فإنّما
أرثى بفاتحة الرثاء رثائي
عفواً، فإنى مَيِّتٌ يا أيُّها
الموتى، وناجى آخر الأحياء

عنه
حظي ناجي العلي بمكانة خاصة عند كبار المثقفين والفنانين العرب، إذ قال عنه الشاعر محمود درويش، رغم اختلافه الشديد معه:” فلسطيني واسع القلب، ضيق المكان، سريع الصراخ، طافح بالطعنات، وفي صمته تحولات المخيم، مفتوح على الساعات القادمة وعلى دبيب النمل وأنين الأرض، يجلس على سر الحرب وفي علاقات الخبز، خرج على العالم باسم البسطاء ومن أجلهم، شاهرا ورقة وقلم رصاص، فصار وقتا للجميع”.

أما الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير المصري جورج بهجوري قال عنه:” كان يمشي كما لو كان يقفز إلى أعلى مثل الكنجارو، وكان يفلسف كل شىء أو يحوله إلى سياسة، وأخذ شخصية (حنظلة) من وحي رسمه لنفسه، حيث كان يرسم نفسه مع الكاريكاتير مثل حنظلة، في حجم (ميكي ماوس)، لكنه صنفه كرمز للنضال الفلسطيني، حتى أصبح من أشهر الكاريكاتورات العالمية”.

فيما قال الأديب السعودي عبدالرحمن منيف، عن تجربته: “لا تزال رسوم ناجي العلي راهنة، وربما أكثر راهنية من الماضي، وهذا دليل على أن الفن الحقيقي والصادق له قدرة على الحياة والتجدد”.

وكانت رسالة الشاعر السوري أدونيس، لروحه: “سلاما ناجي أيها الشهيد الآخر، والشاهد الآخر”.

جدير بالذكر أن الإعلامي والباحث خالد الفقيه كان قد أعد بحثًا حول الرموز في رسومات ناجي العلي، وفي تصريحات صحفية له قال: امتلك ناجي نبوءة واستشرافًا للعديد من المحطات السياسية، وأبرزها تنبؤه بالانتفاضة الشعبية الأولى التي انطلقت بعد شهور من اغتياله عام 1987، حتى أنه توقع من خلال رسوماته أن يكون مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة نابلس إحدى بؤر هذه الانتفاضة المهمة، وكان ذلك.

ويضيف مشيرًا إلى أن ناجي العلي كان من أوائل المحذرين من بناء حكم ذاتي للفلسطينيين مقابل السلام مع إسرائيل، وفي أحد رسوماته عبر عنه باللباس الذي سيعري القضية الفلسطينية، وجاء اتفاق أوسلو بعد اغتياله بست سنوات، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن ناجي قد دفع ثمن جرأته ونبوءاته للمستقبل، ولذلك اتهمت أكثر من 17 جهة فلسطينية وغيرها باغتياله لأنه رفض المساومة والصمت، ولهذا لم يأتِ من يسد الفراغ الذي تركه في الرسم الكاريكاتيري النقدي الجريء.
يُشار إلى أن الفنان الراحل نور الشريف كان قد قام بتصوير فيلمًا سينمائيا يحكي عن حياة رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، في أواخر الثمانينات، لكنه لم يرى النور، فقد مُنع عرض الفيلم في دور السينما بأوامر من القيادة السياسية في هذا الوقت، ومما قيل أن الفيلم كان ينتقد بشكل صريح النظام المصري، وتخاذله في دعم القضية الفلسطينية، على عكس ما كان يسوق إليه على منابره الإعلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى