ننشر آخر حوار أجراه الصحفي محمد أبو الغيط قبل وفاته
فقدت الجماعة الصحفية فى وقت سابق اليوم الاثنين الموافق 5 ديسمبر 2022، الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط، بعد صراع طويل مع مرض السرطان.
يعتبر أبو الغيط واحدًا من أنجب أبناء جيله وأكثرهم موهبة، كان مثالا للصحفي العاشق لمهنته، تخصص في الصحافة الاستقصائية، وشملت تغطياته قضايا تجارة السلاح الدولية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتطرف، وتحقيقات الفساد وتتبع الأموال، شارك بتحقيقات عابرة للحدود أحدثها مشروع “أسرار سويسرية” الذي شمل كافة قارات العالم، وسبقه تحقيقات من مصر وليبيا وسوريا والسودان واليمن وغيرها.. كما عمل مدققا للحقائق، وأشرف على إنتاج تحقيقات ودرب صحفيين لصالح عدة مؤسسات.
في أكتوبر الماضي تواصل المرصد المصري للصحافة والإعلام، مع الصحفي محمد أبو الغيط، لعمل بروفايل شخصي نتحدث فيه عن مسيرته المهنية، باعتباره أحد الصحفيين المميزين فى مهنة البحث عن المتاعب، وكان من المقرر الرد على الأسئلة خلال الشهر سالف الذكر، ولكن حالته الصحية شهدت تدهورًا حادًا فى إطار صراعه مع مرض السرطان، وتم تأجيل الحصول على الإجابات لحين استقرار حالته الصحية، وبالفعل تواصل معنا الصحفي الراحل فى أواخر نوفمبر الماضي وتم إرسال الأسئلة وتلقي الإجابات.. فتعالوا بنا نتعرف على السيرة الذاتية للكاتب الصحفي محمد أبو الغيط، من واقع إجاباته التي أرسلها إلينا..
فى البداية نحب أن نعرف متى وُلدت وأين؟
ولدت في محافظة أسيوط بصعيد مصر، في أكتوبر 1988، أي عمري اليوم 34 عاما.
ما المؤهلات الدراسية التي حصلت عليها ؟
تخرجت في كلية الطب، لذلك احمل بكالوريوس الطب والجراحة.
حدثنا عن بدايتك فى مهنة الصحافة، كيف دخلت المجال؟
دخلت بشكل غير تقليدي. كنت هاويا للكتابة الأدبية، وحزت على تقديرات بها أبرزها المركز الثالث على مستوى الجمهورية لمسابقة القصة القصيرة بمكتبة الإسكندرية لعام ٢٠١٠، ثم بعد الثورة اتجهت للكتابة الإخبارية والسياسية، والتي دمجتها بطريقتي الخاصة التي كنت تعلمتها في المنتديات من الدفاع عن أفكاري بالمعلومات والبراهين، فحزت شهرة بالغة ببعض كتاباتي وكان أبرزها وقت الثورة (ثورة 25 يناير 2011) تدوينة “الفقراء أولا”، وبها دخلت الوسط الإعلامي وقررت أن اتعامل بشكل أكثر احترافية. تمكنت من التدريب في الصحف على يد أساتذة كبار ، وبنفس الوقت عبر السنوات حصلت على تقوية حصيلتي بالحصول على عدد كبير من الدورات والدراسات المتخصصة من مدربين عالميين.
ما أبرز الشخصيات التى أثرت فيك على المستوى المهني ؟
عدد كبير وأخاف أن أنسى أحدا. لكني لا أنسى تأثري الشديد بطريقة أنسنة القصص الاقتصادية، من الأساتذة أميمة كمال وسلمى حسين ووائل جمال، ثم بفضل الأستاذ وائل الذي عرفته في برنامج تلفزيوني إبان عمله مديرا لتحرير الشروق، طلبت منه فرصة التدريب، ولم يكن بسيرتي الذاتية إلا قطع صحفية هاوية لموقع “بص وطل”، لكنه تحمس لي بشدة، وأرسلني للأستاذ محمد موسى، ومعه كانت البداية الحقيقية علمني كيف أحول التدوين إلى صحافة.
أيضا تأثرت بعدها بعملي بقسم التحقيقات تحت إدارة الأستاذ أحمد الصاوي بالشروق، وهو رئيس تحرير صوت الأزهر حاليا.. أيضا الفرصة الثمينة والخبرة الكبيرة التي قدمتها لي الأستاذة نورا يونس إبان إدارتها لبوابة المصري اليوم، وبفضلها تم وضعي بقائمة كتاب الرأي الرئيسيين في ذلك الوقت.
ثم تلفزيونيا لا أنسى أبدا فضل كل التشجيع والتعليم الذي قدمه الأستاذ عمرو خفاجي، حتى أنه كان يأخذني بيده إلى الضيوف في برنامجه بقناة “أون تي في” ويقدمني بفخر قائلا أعرفكم :”بالعبقري” محمد أبوالغيط.
ما أبرز محطاتك المهنية (المؤسسات التي عملت فيها)؟
كتبت بعدد كبير من الصحف والمواقع المصرية والعربية، تشمل الشروق والمصري اليوم، والمدن اللبنانية، والعربي الجديد اللندنية، وتلفزيونيا عملت لصالح أون تي في، والحرة الأمريكية، وسي إن إن الأمريكية، وقناة التلفزيون العربي في لندن التي حصلت منها أيضا خبرة التغطية الإخبارية جنبا إلى جنب خبرات الإعداد البرامجي.
لماذا فضلت احتراف الصحافة الاستقصائية بالذات؟
لأنها تمنحني الفرصة لاشباع الشغف المعرفي الخاص، متعة تركيب شظايا المعلومات للوصول لصورة كاملة . كما أنها الفرصة لحلم كل صحفي بأن يكون صانعا للخبر، وليس متابعا أو معلقا.. أنت مصدر القصة وليس المتلقي لها.. وهي رسالة الصحفي أيصا، تمثل ذروة جهده في “إعلام” الناس بحقيقة ما خلف الكواليس.
أبرز الموضوعات الاستقصائية الصحفية التى اشتغلت عليها خلال مشوارك؟
أعتز للغاية بعملي على ملف “جهاز الكفتة” كما نسميه في مصر حين تتبعت قصة ذلك العالم المزعوم وكشفت كذبه علنا في وقت مبكر جدا، كانت هذه مسئولية أمام ملايين المصريين المصابين بفيروس سي ومنهم أقارب لي. أيضا أفخر بعملي على ملف الأسلحة الغربية في اليمن، وكذلك ملف الشبكات المالية الفاسدة في السودان الحبيب، وشبكات شراء الأسلحة الكيماوية في سوريا كان أيضا عملا مليئا بالتفاصيل ذات الشجون، وأيضا أفخر بعملي في تحقيقات “كريدي سويس” حول حسابات النخب الحاكمة وقت الربيع العربي لكشف نمط هؤلاء الذين يفضلون خراب البلاد على خفض نهب الثروات.
ما أبرز الصعوبات التي واجهتك في عملك الصحفي؟ وكيف كنت تتغلب عليها؟
التوفيق بين الحياة المهنية والشخصية الأسرية.. إيجاد الوقت لعمل ما أحب وبنفس الوقت العمل بدوام كامل لضمان دخل الأسرة.. الحفاظ على حالتي الصحية النفسية والجسدية وسط كل تلك الضغوط وكذلك الموازنة بين قدر المخاطرة الممكن وبين ما قد أفضل تجنب الخوض فيه عند مستوى معين خوفا من الأذى لنفسي وأسرتي.. لم أنجح دائما في إدارة كل تلك التحديات، اجتهدت قدر امكاني، وأحيانا مررت بفترات نجاح وأحيانا مررت بلحظات فشل.
أبرز الجوائز التى فزت بها خلال مشوارك ؟
حصلت عام 2021 علي جائزة هيكل للصحافة العربية، عن تحقيقاتي بالشأن السوري واليمني، ورشحت لجائزتين من جوائز “إيمي” للصحافة التلفزيونية العالمية (فئة أفضل قصة إخبارية، وفئة أفضل تحقيق استقصائي” عن عملي كمنتج لتحقيق عن الأسلحة الأمريكية باليمن لقناة سي إن إن الأمريكيةعام 2020
كما حصلت على المركز الأول بجائزة فيتيسوف للصحافة فئة “المساهمة البارزة لدعم السلام” عن عمله حول الشبكة المالية السرية لقوات الدعم السريع السودانية 2020، ورشحت للقائمة النهائية لجائزة “ترو ستوري” أوارد عن عملي حول الأسلحة في اليمن ، وحزت على الميدالية الذهبية بجوائز رابطة مراسلي الأمم المتحدة (جائزة ريكاردو اورتيجا) عن فيلم “المستخدم الأخير” حول الأسلحة في اليمن 2019، وحصلت على المركز الأول بجائزة فيتيسوف للصحافة فئة “المساهمة البارزة لدعم السلام عن عمله حول الأسلحة في اليمن 2019، وحصلت على جائزة الاتحاد الأوروبي للصحافة العربية (سمير قصير) عن فئة مقال الرأي في يونيو 2014، كما حصلت على المركز الأول بمسابقة مصطفى الحسيني للمقال الصحفي مناصفةً مع الكاتبة اللبنانية زينب ترحيني في فبراير 2013.
حدثنا عن صراعك مع مرض السرطان.. كيف اكتشفته وكيف كان شعور عندما تلقيت خبر الإصابة؟
بدأ الأمر بأعراض عادية بالمعدة، ظننتها بسبب الأدوية التي كنت أتناولها قبلا بعد إصابتي بإنحاء في العمود الفقري، لكن الفحوص الطبية والتي تأخرت للأسف في إجرائها كشفت عن تلك الصدمة.. حاولت التعايش مع المرض ومقاومته بوسائل علمية ونفسية، واشكر كل الزملاء والأسرة وجهة عملي الذين ساعدوني بلا حدود.
ما أبرز الموضوعات الصحفية التي شاركت فيها بعد إعلان إصابتك بالسرطان؟
أكملت عملي في تحقيقات “أسرار سويسرية” مع “مشروع تتبع الجريمة المنظمة ومكافحة الفساد”، فساهمت في ثلاث قصص، كان آخرها الخاصة برجل الأعمال الليبي حسن طاطاناكي المرشح للرئاسة الليبية… أيضا ساهمت في تحقيق لسي إن إن الأمريكية حول دور الشركات الروسية في تهريب الذهب السوداني.
في النهاية أخبرنا عن وضعك الصحي الآن (نوفمبر 2022)؟
للأسف بعد رحلة صمود وفقني الله بها خلال نحو عام ونصف أعاني الآن من أسوأ تدهور منذ بداية المرض، وأصبحت إدارة حالتي يوما بعد يوم، وتوقف العلاج منذ شهرين بلا أفق واضح متى سيعود. أرجو من كل من يقرأ أن يمنحني أمنياته و صلواته ودعواته الصادقة.