الذكرى الحادية عشر لمقتل المصور أحمد عاصم “السنوسي”

تحل اليوم الذكرى الحادية عشر لمقتل المصور الصحفي، أحمد عاصم، الذي أُصيب برصاصة قناص أودت بحياته، أثناء تغطيته لأحداث الحرس الجمهوري، عام 2013.

في السابع من يوليو 2013، كان المصور الصحفي بجريدة “الحرية والعدالة”، أحمد سمير عاصم، مُنهمكًا في تغطية الأحداث بميدان رابعة العدوية، قبل أن يصل إليه نبأ يُفيد بوقوع اشتباكات بين قوات الأمن والشرطة العسكرية من جهة، والمُتظاهرين من جهةٍ أخرى، في محيط نادي الحرس الجمهوري، القريب من ميدان رابعة العدوية؛ حيث مقر اعتصام جماعة الإخوان المسلمين آنذاك، والذي أُقيم احتجاجًا على الإطاحة بالرئيس الراحل، محمد مرسي.

كانت لم تشرق بعد شمس يوم الاثنين، الموافق 8 يوليو 2013، عندما توجه أحمد عاصم، بالكاميرا الخاصة به، إلى موقع الاشتباكات، وبينما كان “عاصم” مُنهمكًا في تصوير قناصة تتعمد استهداف المُتظاهرين، من أعلى أحد المباني المُجاورة، لنادي الحرس الجمهوري، باغتته رصاصة أرادته قتيلًا، فجر هذا اليوم.

مشهد القناص
وكان مشهد القناص الذي يُعتقد أنه قتل المصور الصحفي، أحمد عاصم، آخر ما وثقته كاميرته، إذ ظهر في الفيديو الذي صوره “عاصم”، جندي يُطلق النار من أعلى أحد الأبنية، أكثر من مرة، قبل أن يُحول فوهة بندقيته فجأة تجاه عدسة الكاميرا، لينتهي مقطع الفيديو هنا، وتنتهي معه حياة الصحفي، ذي الـ 26 ربيعًا، وهو لا يزال في ريعان شبابه.

إدانات حقوقية
أدان عدد كبير من المنظمات الحقوقية مقتل “عاصم”، وأفردت وقتها منظمة “اليونسكو“، التابعة للأمم المتحدة، مساحة واسعة للتنديد بحادث قتله واستنكاره، كما حثت “اليونسكو” السلطات المصرية على احترام حق الصحفيين في القيام بعملهم في ظروف آمنة، وصدر بيان باسم المديرة العامة للـ “يونسكو” وقتها، إيرينا بوكوفا، جاء به أن المصور الصحفي، قُتل رميًا بالرصاص، أثناء تغطيته لتظاهرة شعبية، في القاهرة.

تنديد صحفي
وفي سياق متصل، نظم العشرات من الصحفيين وقفة احتجاجية على سلم نقابة الصحفيين، بعد مقتل “السنوسي” بيوم، للتنديد بمقتله، وللتأكيد على حرية العمل الصحفي، اعتراضًا منهم على استهداف الصحفيين والمصورين، بمختلف انتماءاتهم.

ورفع المتظاهرون حينها علم مصر، ولافتات كُتب عليها “بأى ذنب قُتل؟”، و”الصحفيون يودعون زميلهم أحمد عاصم”.

تطورات القضية
قال والد المصور الصحفي، واستشاري أمراض الصدر، الدكتور سمير عاصم، في حديثه لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، إنه بعد وفاة ابنه قام بتسليم الكاميرا، والشريط الذي صوره نجله عليها، إلى النيابة، وكان هناك تحقيقات في القضية، في جنح مصر الجديدة، إلا أنه أوضح أنهم تفاجئوا بتحويلها للنيابة العسكرية، ومنذ ذلك الحين لم يصدر أي إجراءٍ قضائي فيها، لافتًا إلى أنهم كانوا يُتابعون القضية ومعهم المحامي، كما أكدت والدة “عاصم” أن نقابة الصحفيين لم تتخذ أي إجراءٍ، للدفاع عن “أحمد”.

وحصلت مؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام” على صورة من تقرير التبليغ عن الوفاة من أسرته، والذي تبين فيه أن النيابة العامة صدقت على دفن الجثمان في القضية رقم 9134 لسنة 2013 جنح مصر الجديدة، وأوضح التقرير أن شهادة الوفاة الطبية تمثلت في وجود فتحة بدخول عيارٍ ناري وخروجه من مُنتصف خلف العنق، وعزت الوفاة إلى تهتك في الشرايين، وجذع المخ.

سمات “السنوسي”
في الذكرى الأولى لوفاة المصور الصحفي، أحمد عاصم، نشرت قناة “الجزيرة” تقريرًا مصورًا، بتاريخ 5 أكتوبر 2014، مع والدته أمال أحمد السنوسي، وبعض أصدقائه، وقالت والدته في التقرير: “كان أحمد شجاعًا واجتماعيًا، وضحوكًا مبتسمًا راضيًا هادئًا، ومُحبًا للناس، ولم أكن أتوقع حب الناس له بهذه الطريقة، إلا بعد وفاته، كان يُسمي نفسه أسدًا، كما كان يرغب في أن يكون له اسم شهرة مُميز، غير اسمه المعروف بين أصدقائه (أحمد عاصم) أو (أحمد سمير)، ومن ثم التصق به اسم “السنوسي” لسنوات، وهو اسم عائلة والدته، دخل كلية الإعلام رغبةً في إكمال مسيرتي، لأنني خريجة الإعلام، كان مواظبًا على الاعتكاف في المسجد، منذ أن كان في المرحلة الإعدادية، وكان يُصاحب من هو أكبر منه سنًا، فضلًا عن عشقه للغات، والتعرف على أفراد من جنسيات مختلفة، كان له ورد يومي من القرآن، ومنذ صغره كان هاويًا للتصوير، إلا أنه احترفه بعد تخرجه من الجامعة، حيث عمل في أماكن متنوعة، آخرها جريدة “الحرية والعدالة”، لم أكن أتخيل خطورة التصوير بهذا الشكل، وأضافت أنه كان دائمًا يقول إنه يتمنى صورة يتحدث عنها الجميع، وتحصل على الجوائز، مضيفةً أنه كان دائمًا يقول لها إن الشهادة إخلاص بالقلب، وليس كلامًا باللسان”.

ولفتت والدته إلى أنه منذ عام 2009، بدأ “السنوسي” في التغيير التدريجي للأفضل في شخصيته وأسلوبه وتفكيره، ومعاملته مع الناس والأهل، فبدأ يكون جادًا أكثر، ومُحددًا في حياته، ويتكلم عن الجنة وجمالها، واستطردت والدته: “كان دائمًا ما يسمع أغنية “الحور العين تناديني”، ويطلب أن أسمعها معه فكنت أرفض إلا أنه قال لي ستسمعيها كاملة عندما استشهد، وبالفعل حدث، كنت دائمًا خائفة عليه”.

قالوا عنه
وخلال تقرير “الجزيرة”، قال عنه ابن عمه، محمد عاصم: “إنه كان أكثر صديق لي في العائلة، طيبًا ويحب الناس واجتماعيًا، ومحبوبًا لدى الجميع حتى من أصدقائي”.

بينما قال عنه صديقه، بلال مبروك، الآتي: “إنه طيب القلب، بمجرد النظر إليه ينشرح صدرك له وتحبه، كان ضحوكًا بشوشًا، ومما كان يُميزه أن قلبه قلب أسد، لا يخاف ولا يهرب، كان يشغل فراغًا كبيرًا في حياتي”.

وكذلك قال عنه صديقه مصطفى: “كان صديقًا للجميع، ولم يكن مُتعصبًا لفكرته، وكان الجميع يمدحه حتى منافسيه، كما كان له أصدقاء أجانب من تركيا وماليزيا، وكان يُحبني أكثر مما أحبه”.

ومُتحدثًا عنه، قال صديقه، أحمد حمدي، التالي: “كان دائمًا يمد يد العون والمساعدة، ولا يتأخر في أي شيء، -واصفًا إياه بـ (الجدع)- وكان يقوم بالكثير من أعمال الخير، كان يميل إلى تدبر القرآن دائمًا، فضلًا عن أنه كان يريد السفر إلى سوريا، لأنه كان يرى أن الإعلام لا يُظهر الحقيقة كلها، كما كان بارًا بوالدته”، ووصفه بأنه كان كالنحلة ومُميزًا في مجاله، مُحبًا للنشاط والحركة.

سلاح الكاميرا
نشرت قناة “CNN بالعربية”، تقريرًا آخرًا، عن “السنوسي”، في 14 يوليو 2013، قال فيه صديقه كريم عنه: “كان سلاحه الكاميرا، وكانت أقوى كثيرًا من أسلحتهم”، وفي ذات التقرير قالت والدته، أمال السنوسي: “إنه كان خائفًا على حياته أثناء تغطيته للأحداث التي تلت عزل مرسي من السلطة في مصر”.

وفي حوارٍ مصور، نشره موقع “مصر العربية”، في 18 مارس 2014، قالت أمال السنوسي: “في آخر أيامه كان يشعر أنه سيموت شهيدًا، وأن الموت قريب منه، وكان يطلب ألا أبكي عندما ينال الشهادة”، وأردفت: “ترك لنا وصيةً مكتوب بها بعض الديون التي كانت عليه، وقمنا بسدادها، ودائمًا ما كان يتحدث عن الشهادة، فيقول إنه يريد أن يأخذني معه للجنة، وعلى باب غرفته كان يكتب بعض آيات من سورة المدثر، عن الجنة ونعيمها”.

انقسام سياسي
في 18 أغسطس 2013، نشرت قناة “الحرة” تقريرًا مصورًا، يوضح أن المصور أحمد عاصم كان ينتمي لأسرة منقسمة سياسيًا، فكان هو مؤيدًا لـ “مرسي”، بينما كانت أسرته تحتج في الاتحادية، وقال والده الدكتور سمير عاصم إنه في آخر أيامه لم يكن يتناقش معهم في موضوع الانتماءات والآراء السياسية، وعلى الرغم من انتماء شقيقه، إسلام عاصم إلى جهاز الشرطة المصرية، واختلافه معه في الآراء، إلا أن كلًا منهما كان يحترم الآخر.

تكريم دولي
في نوفمبر 2013، قررت الجمعية الدولية للعلوم والثقافة، في مملكة السويد، منح جائزة الحرية التقديرية لعام 2013، لـ “شهداء ثورة مصر”، الذين خاضوا ملحمة بطولية، ضحوا فيها بأرواحهم في سبيل إحقاق الحق، وترسيخ العدل، وقيم الحرية والمساواة، بحسب البيان الصادر عن الجمعية.

وجاء في البيان أيضًا؛ أن الجمعية اختارت “الزميل” المصور الصحفي، أحمد عاصم، بجريدة “الحرية والعدالة”، معتبرةً أن اختيار “عاصم” جاء لشجاعته النادرة في تصوير وتوثيق الحراك الشعبي المصري، والذي لقي حتفه، في أحداث الحرس الجمهوري.

وأشار بيان الجمعية إلى أن أسرة أحمد عاصم هي التي كان مُقررًا أن تتسلم درع جائزة الحرية التقديرية، إلا أن والدة “عاصم” أكدت في حديثها لمؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”، أنه على الرغم من تقديم الأسرة طلب للحصول على تأشيرات السفر، إلا أنهم لم يذهبوا لاستلام الجائزة، لرفض السفارة طلبهم.

حج وعمرة
قالت والدة أحمد عاصم إنه بعد وفاته، قام العديد من الأشخاص بتقديم هدايا لـ “أحمد”؛ حيث نال أكثر من سبعٍ أو ثمانِ عمرات، وأربع حجات، هذا بخلاف ما قام به أهله عنه، وأشارت إلى أن هناك من قام بعمل الصدقات الجارية له في دولٍ مختلفة كدولة الكويت، مضيفةً أنها عندما سافرت إلى السعودية، وجدت أن هناك أفرادًا من الشعب مُتعاطفين مع “أحمد” وقصة استشهاده.

شهادة ودرع
حصل “السنوسي” على شهادة تقدير في يوليو 2013، من نقابة الصحفيين، التي كانت تحت رئاسة النقيب ضياء رشوان آنذاك، وكانت شهادة التقدير تُوضح أن “عاصم” لقي مصرعه، أثناء تأدية مهام عمله الصحفي، وواجبه المهني، وتُشير إلى منحه عضوية شرفية بالنقابة.

وكذلك حصل المصور الصحفي على درع تكريم من شعبة المصورين، بنقابة الصحفيين، عام 2013، وتمكن “المرصد المصري للصحافة والإعلام” من الحصول على صور للشهادة والدرع من أسرة الصحفي.

ﻻ يوجد معاش
على الرغم من أن نقابة الصحفيين خرجت وقت مقتل أحمد عاصم، وأدانت ما حدث له، وقررت منح المصور الصحفي معاشًا استثنائيًا، مع عضويتها الشرفية، وأيضًا أدانت عدم التزام كل الأطراف بسلامة الصحفيين، بما يضمن أداء عملهم، ونقل الحقائق للرأي العام، إلا أن أسرة “عاصم” أكدت في حديثها لـ “المرصد” أنهم لم يحصلوا على أي معاشٍ من نقابة الصحفيين.

الميلاد والنشأة
وُلِد أحمد سمير عباس عاصم، في 2 أبريل 1987، والتحق بمدرسة “الصديق” للغات بالقاهرة، وفي عام 2008، تَخرج من كلية الإعلام، جامعة القاهرة.

كان يُجيد عدة لغات، مثل: الإنجليزية، والفرنسية، بالإضافة إلى العربية، لغته الأم، كما كان يرغب في تعلم اللغة التركية، وقد سلك “عاصم” طريق التصوير الصحفي، عقب تخرجه رغبةً واحترافًا.

أحلام لم تتحقق
وتقول والدته إنه كان من بين أحلام نجلها، المصور الصحفي، أحمد عاصم، أن يحترف التصوير، بدراسته في الخارج، وذلك من خلال التواصل مع المحامين المسؤولين عن الدراسة في دول الخارج، كأستراليا وإنجلترا.

زر الذهاب إلى الأعلى