خلف الكاميرا قصصا تُروى.. المصورون في زمن كورونا (تقرير)
أحداثًا نعيشها، وذكريات شكلتها مواقف ولحظات مرت في حياتنا، لولا “الصورة” لم نكن سنتذكر أيًا منها، فهي “أداة” للتعبير، وفن” لا تقيده الظروف أو الأوضع العامة، “تُجمد” اللحظة عند لقطة معينة يتوقف عندها كل شيء.
وفي ظل أزمة إنتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، لم يتخلى المصور الصحفي عن ممارسة عمله، حتى وإن بدا الحال في “قالب” غامق، فهو ماضٍ في سرد قصص وحكايات الناس بـ”الصورة”؛ فوحدها تغني عن مئات الكلمات، ويكفي أنها تصف المشهد لحظة وقوعه بدقة، وإلى جانب هذا وذاك هي”دليل” لا يمكن طمسه أو إنكاره مهما مرت السنوات.
ومن أجل ذلك، وإيمانًا من المرصد المصري للصحافة والإعلام، بدور الصحافة في تناول هذه الأزمة ـ العالمية ـ والتى اجتاحت مصر منتصف فبراير هذا العام، وأهمية الصورة في توثيق هذا الحدث التاريخي، كان من الضروري إلقاء الضوء على تجربة اثنين من المصورين الصحفيين الذين استطاعوا خلال الفترة الماضية وحتى اليوم أن يصمدوا ويستكملوا عملهم في ظل هذه الأجواء المضطربة، غير مكترثين بصيحات الهلع والخوف التى انتابت الكثيرين من خطر الاصابة بكورونا.
وعن ذلك يقول محمد حسام الدين، مصور صحفي بموقع مصراوي، في حديثه لـ” المرصد” أن فكرة وجوده كمصور في حدث كبير مثل كورونا شيء بديهي مفروغ منه، قائلًا::” دا حدث تاريخي ما بيتكررش كتير.. لازم نبقى موجودين عشان نوثق اللحظات دي.. وماينفعش نخاف عشان نعرف نعمل شغلنا”.
وأضاف أنه يلتزم باتخاذ كل سبل الحماية المتبعة تجنبًا لحدوث عدوى الاصابة بالفيروس، من أهمها المداومة على ارتداء الكمامة والجوانتي معظم الوقت واستخدام الكحول، مؤكدًا في الوقت نفسه على أنه دائمًا ما يكون “حذرًا” خاصة إذا اضطر إلى التواجد في أماكن مزدحمة ما يجعله يلجأ أحيانًا إلى استخدام عدسة للتقريب، كي تساعده على التقاط الصور التى يريدها، وتُجنبه خطر المجازفة الناجمة عن الاحتكاك المباشر مع الناس في هذا الزحام.
وعن مدى قيامه بالتخطيط المسبق قبل كل مهمة، أوضح أن ذلك يكون على حسب الحدث نفسه المطلوب تصويره، فعندما أعلنت الحكومة عن غلق المساجد أمام المصلين منعًا لانتشار عدوى الاصابة بالفيروس، كان هو على الجانب الآخر مشغولًا بالتفكير في كيفية توثيق هذه اللحظة التى ربما لم ولن تتكرر أبدًا في التاريخ، وبالفعل كان له ما أراد حيث استطاع أن يلتقط صورة ـ استثنائية ـ من داخل أحد المساجد، أسماها “أول صلاة جمعة بلا مصلين”، كان المشهد فيها قاتم ومقبض يليق بالوضع الحالي.
كما أشار مصور “مصراوي” إلى أن الموقع يحرص دائمًا على توفير كافة التصاريح اللازمة للتصوير، فلم تواجهه أية مشكلات أو عراقيل منعته من ممارسة عمله منذ بداية الأزمة وإلى الآن، لكن ربما كان حماسه للتصوير داخل إحدى مستشفيات العزل الصحي هو ما يؤرقه، فالأمر على حد وصفه “صعب”، خاصة مع رفض وزارة الصحة السماح بذلك على الأقل في الوقت الحالي.
وعن أبرز المواقف التى يتذكرها خلال عمله على تغطية أزمة كورونا خلال الفترة الأخيرة، كشف” حسام الدين” خلال حديثه مع” المرصد” أنه تطلع إلى عمل قصة مختلفة تكون متفردة في الشكل والمضمون، ومن أجل هذا فهو حريص معظم الوقت على تبادل النقاشات مع زملاؤه الصحفيين والتنسيق معهم للوصول معًا إلى نتيجة أفضل؛ فكانت المعايشة التي خاضها برفقة أحد زملاؤه داخل المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة، منتصف مارس 2020، فرصة ربما لن تعوض، ففي هذا المكان تُكتشف إصابات كورونا، ومن الغريب في الأمر حسبما صرح “مصور مصراوي” أنه في هذا التوقيت كانت المعامل المركزية تستقبل جميع الحالات على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى تحاليل المسافرين إلى الخارج، لكنه فوجئ وزميله أثناء عملهم على هذه القصة في نفس اليوم بتطبيق قرار وقف الرحلات، وعن ذلك أشار إلى أن: “الناس كانت رايحة تحلل عشان تسافر.. وكل دا اتوقف فجأة”.
وفي سياق متصل، أكد على تطبيقه للقواعد المهنية المتعارف عليها في مهنة التصوير، من بينها احترامه للخصوصية، إذ يحرص طوال الوقت على استئذان الناس قبل أن يلتقط لهم صورًا، فهذا حقهم، خاصة وأن البعض منهم قد يكون “محرجًا” من الأمر.
وعن ما إذا كان قد تلقى أي تدريبات خاصة بالسلامة المهنية أو إرشادات عامة تساعده على التصوير بشكل أفضل وسط هذه الأزمة، أكد أنه حريص على التعلم والاستفادة من خبرات غيره من المصورين معظم الوقت، لكنه نفى تلقيه لأي تدريبات خلال الفترة الماضية، ودفعه الأمر إلى التعرف على تجارب مصورين ـ أجانب ـ خلال تغطيتهم لكورونا، ومحاولة تطبيق ما يتبعونه من إرشادات ونصائح أثناء التصوير، وعن هذا يقول:” بشوف صور التقطها مصورين آخرين.. ودا بيفَتح دماغي لأفكار ممكن أطبقها على شغلي بعد كدا”.
من جهتها، قالت ياسمين يحيي، المصورة صحفية في جريدة الدستور، أن الكاميرا “سلاح” يوثق اللحظة، مشيرة إلى أن الصورة والفيديو قد يعيشان أكثر من الحدث نفسه.
وذكرت أنها منذ بداية أزمة كورونا، تعاني من ضغوط نفسية تعيقها في بعض الأحيان عن تنفيذ كل ما لديها من أفكار خاصة بالتصوير، فالخوف والقلق من أن تصاب بالفيروس شيء يسيطر عليها، فلديها عائلة تخشي أن تنقل إليهم العدوى في أي وقت نظرًا لطبيعة عملها الذي يقتضي منها التواجد في كل مكان.
كما أشارت إلى أن قرار الحظر الذي فرضته الحكومة لم يؤثر مطلقًا على عملها، فالصحفيون والاعلاميون مستثنون من ذلك، وقد استطاعت “ياسمين” أن تلتقط بعدسة كاميرتها صورة لإحدى حافلات النقل العام، في الشارع يستقلها عدد ليس بالقليل من المواطنين، وذلك بعد مرور 15 دقيقة من تنفيذ الحظر، دون أي ترتيب مسبق، فجاء مشهد التزاحم ـ المعتاد ـ منفر وقاسي.
وتتذكر مرورها بحالة نفسية سيئة خلال الفترة الماضية، نتيجة تواجدها ضمن إحدى حملات التبرع بالدم، داخل معهد الأورام، قبل إعلان وجود عدد من الحالات المصابة بالفيروس فيه، حيث انتابها هاجس الخوف من أن تكون قد تعاملت مع أحد المصابين، ما شكل عليها ضغط عصبي ونفسي كبير، وجعلها تشعر بـ”الاكتئاب”، قبل أن يحسم الأمر نتيجة التحليل السلبي الذى خضعت له على الفور.
وفي نفس الوقت، أوضحت مصورة الدستور، أن هناك 3 فئات من الناس في حاجة شديدة إلى علاج نفسي، وهم”الصحفيين، والظباط، والأطباء”، فهم الأكثر احتكاكًا بالناس في الشارع، بشكل يومي، مضيفة بقولها: “الاكتئاب العام اللي موجود في الشارع هو أوتوماتيكيًا واصل لي من خلال ردود فعل الناس في التعامل ما بينهم.. وفي كل الأحوال مضطرة انزل أعمل شغلي”.
كما أكدت على أن تعامل الناس معها في الشارع بصفتها مصورة اختلف كثيرًا عما كان يحدث في السابق، وعن ذلك تقول:” الناس بقت لطيفة.. ودا بحسه لما بنزل أصور في سوق مثلًا”.
وأشارت”ياسمين” إلى أهمية الدور الذي تقوم به حاليًا وسط هذه الـزمة، قائلة:” أنا طول الأسبوع لازم اشتغل مابحبش قعدة البيت.. ماينفعش يعدي عليا يوم من غير ما أوثقه بحاجة عملتها لان دا بعد كدا هيبقي في أرشيفي.. وأكيد دي حاجة مهمة بالنسبة لي”.