عبدالرحمن سليم: كان ياما كان.. في نقابة الصحفيين

يشاركنا الصحفي  عبد الرحمن سليم بتدوينة بمناسبة يوم الصحفي المصري وعنوانها:  كان ياما كان.. في نقابة الصحفيين

  • نص التدوينة

الحكومات لا تحب الصحافة ولا الصحفيين، أو هكذا يبدو، خصوصًا في مصر، ولها في ذلك كل العذر، من منا يريد رقيبا عليه، يقف له بالمرصاد، يحاسبه.. ويراقبه، يرى بعين ويحلل بأخرى. لا تتعجب، الصحافة المصرية كانت يوما كذلك، وحكومة عاطف صدقي كانت إحدى تلك الحكومات، لكنها قررت أن يكون العداء في إطار قانوني، تضعه الدولة لتقيد به قلم أي مزعج بـ”الحبس والغرامة”.

(1) البداية:

في 20 مايو 1995، اتخذت الحكومة أولى خطواتها الجدية لذلك، وقدمت برئاسة عاطف صدقي، مشروع القانون رقم 93 لعام 1995، إلى مجلس الشعب، بهدف تنظيم الصحافة. بعد أسبوع أقر مجلس النواب القانون، وتحديدا في 27 مايو، وفي نفس الليلة وافق الرئيس محمد حسني مبارك على القانون، وصباح اليوم التالي 28 نُشر في الجريدة الرسمية. بررت الحكومة سرعة إصدار القانون بـ”وجود تهديد للديمقراطية، مع تمتع حرية الرأي والتعبير بآفاق لم تبلغها من قبل، علاوة على ضعف عقوبات المساس بحرمة الحياة الخاصة، وكذا عدم وجوب تمييز للصحفيين عن المواطنين، بداعي تعارض هذا التمييز مع نص المادة 40 من الدستور، والمعنية بالمساواة بين المواطنين”. لم يكن قانونا، كان تأديبًا للصحفيين..

(2) الأزمة لا يخفى على أحد، قوة العلاقة التي جمعت بين رئيس الجمهورية، محمد حسني مبارك، ونقيب الصحفيين إبراهيم نافع، فالأخير هو الصديق المقرب لرأس الدولة، وجد نفسه فجأة أمام موقف تاريخي، إما الانبطاح الذي يضمن المزيد من المكاسب الشخصية، أو الانتصار للمهنة التي صنعت مجده واسمه. وبمجرد نشر القانون في الجريدة الرسمية، عقد أعضاء مجلس نقابة الصحفيين اجتماعًا طارئًا يوم 29 مايو، وقرروا بالإجماع إسقاط القانون، بتنظيم المؤتمر العام الأول في 1 يونيو، والاعتصام داخل مقر النقابة يوم 6، والدعوة لجمعية عمومية طارئة يوم 10. وفي كتابه “الصحفيون في مواجهة القانون 93″، يقول الكاتب الصحفي والنقابي البارز، رجائي الميرغني: “غضبة الصحفيين تلاقت مع رفض كل النخبة هذا القانون، وتضامن الهيئات السياسية والمدنية مع تحرك النقابة”. اهتم الرئيس مبارك بمقابلة الصحفيين مرتين، كتب “الميرغني” عن الأولى التي تمت في بداية الأزمة بترتيب من صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك: “كانت محاولة لاحتواء الإثارة التي ترتبت على هذا التشريع، وطرح الرئيس مجموعة من التصورات، كتجميد إحالة الصحفيين للحبس مؤقتا، وتشكيل لجنة لإعداد قانون جديد، وعرض قانون الأزمة على المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته”.

(3) الانتصار رأى مجلس نقابة الصحفيين أن الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية أخذت خطوة للوراء، فقرر البدء في إعداد قانون الصحافة الجديد، وتشكيل لجنة لإعداده، ضمت كل من: المحامي أحمد نبيل الهلالي، والمستشار سعيد الجمل، والدكتور محمد نور فرحات، والكاتب الصحفي مجدي مهنا، والنقابي البارز رجائي الميرغني. وأعدت اللجنة قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996، وهو المعمول به حتى اليوم، لتنتهي بذلك واحدة من أهم معارك الصحفيين مع الحكومة، بفرض إرادة حرية الرأي والتعبير على الجميع.

(4) النهاية ما سبق يبدو قصة جميلة ومتوازنة، بدأت بأزمة وانتهت بانتصار، لكن للأسف، انتصارًا لم يستمر طويلا، إذ تغيرت المعركة، وتحولت من صراع للانتصار لحرية الرأي والتعبير، إلى صراع للبقاء على قيد الحياة. الصحفيون الآن هم الطرف الخاسر، كيف لا، وبعضهم يتقاضى راتب شهري 2000 و3000 جنيه، والبعض الآخر “على باب الله”، نعم.. للأسف، هذا هو الوضع حاليا، فيما يخص الصحفي المحترف، وليس الصحفي المتدرب. مهنة الصحافة مهنة عظيمة، تاريخها مشرف، لكن حاضرها لا يبشر بمستقبل مبهر، بل قد لا يبشر بمستقبل لها أصلا. للأسف، السبب في ذلك ليس الحكومة هذه المرة، بل الصحفيون أنفسهم، إذ تحول أغلبهم إلى موظفين، غابت الموهبة.. وحضرت الشلة، وتقدم مضمونو الولاء الصفوف فتراجعت المهنة. لم تكن الصحافة يوما ضد الحكومة، أي حكومة، لكنها دوما ضد الفاسد، سواء كان مسئولا حكوميا، أو رجل أعمال أو عضو مجلس نيابي أو حتى شيخ وقس، دائما ما تواجه الصحافة الفاسد متسلحة بالمعلومات والظهير الشعبي. وفيما يتعلق بالمعلومات، فالأمر أصبح كابوسا، إذ لا معلومات إلا بإذن، وأما الظهير الشعبي، فلم يبق كذلك، إذ لا سبيل للبقاء، فاللعبة تمت بنجاح، وتشويه الصحافة و”كسر شوكتها” لم يعد يحتاج قانونا، الأمر أسهل من تلك التعقيدات. ليس سهلا علي أن أكتب ذلك في يومنا.. يوم الصحفي المصري، لكن لزاما عليّ كتابته، حتى ولو على سبيل مواجهة النفس ورفض دفن رأسي في الرمال.

يأتي هذا في إطار الحملة التدوينية للاحتفاء بيوم الصحفي المصري، وهي حملة سنوية يطلقها المرصد المصري للصحافة والإعلام بهدف تسليط الضوء على نضالات الصحفيين/ات المصريين والتحديات التي تمثل عائق في طريق المهنية والاستقلالية.

للمشاركة معنا،  ننتظر تدويناتكم/ن مصحوبة بتعريف قصير وصورة شخصية حسب رغبتكم/ن على رسائل الصفحة أو البريد الإلكتروني للمؤسسة: [email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى